تقرير دولي حول مفاعيل وأدوات الإصلاح في المملكة:
هل تستطيع السعودية إصلاح نفسها؟
منذ العام 2004 ولّد تنامي نشاط المسلحين إحساساً متزايداً
بالقلق وشعوراً بأن المملكة العربية السعودية معرضه للحظر.
وتمثل هجمات 12 أيار 2003 ضد مبان سكنية غربية في الرياض
والتي راح ضحيتها 35 شخصاً الصلية الأولى في سلسلة من
الضربات الدامية ضد مصالح النظام والمصالح الأجنبية. ففي
يوم 8 تشرين الثاني 2003 قتل 17 شخصاً معظمهم من العاملين
العرب المغتربين. وتواصل العنف في العام 2004 بانفجار
سيارة ملغومة استهدفت وزارة الداخلية في الرياض يوم 21
نيسان، وقتل 6 من العاملين الأجانب في ميناء ينبع يوم
1 أيار، وحصار مجمع الواحة في الخبر يوم 29 أيار والذي
قتل خلاله 22 شخصاً معظمهم من غير السعوديين. واختطاف
المواطن الأميركي بول جونسون ثم عملية قطع رأسه الفظيعة،
علاوة على استهداف أجانب آخرين بالقتل في الرياض خلال
العامين 2003 و2004 لهو فصل آخر في التوجه المتصاعد من
العنف المضاد للنظام وللغربيين. وكانت السعودية تتعرض
لهجمات عنيفة، بين الحين والآخر، منذ أواسط التسعينات،
لكن وفق جميع الروايات فإن للموجة الأخيرة بعداً مختلفاً.
فقد ولد تفجر العنف تدقيقاً مكثفاً في الأوضاع السعودية
وفي نظامها السياسي والديني.
1- مقدمة: عن العنف والإصلاح
كانت هوية المسلحين وانتماءاتهم موضع تخمين. ورغم أن
معظم الناشطين يبدون مرتبطين بشبكة القاعدة، فإن البنية
التنظيمية وعضوية الجماعة التي تطلق على نفسها تنظيم القاعدة
في جزيرة العرب، غير معروفة. الواقع أنه من غير المعروف
ما إذا كانت منظمة متماسكة وليست شبكة من الخلايا المستقلة.
وليس ثمة تقديرات يمكن الاعتماد عليها حول عدد المسلحين
العاملين على الأرض، رغم أن من الواضح من تكرار عمليات
إطلاق النار واكتشاف السيارات المفخخة ومخابئ الأسلحة
المتطورة أن عددهم ليس قليلاً (يخمن البعض أن عددهم يتراوح
من 1000 إلى 2000 شخص بينما يوحي آخرون بأن الرقم أكبر
من ذلك بكثير). فالقطاع الكبير من الفقراء في السعودية
ومن الشباب قليلي التعليم الذين تشربوا معتقدات دينية
متطرفة هم أرض طبيعة خصبة للجماعات المسلحة. كما أن عمق
دعم المسلحين داخل المملكة هو لغز آخر. ورغم أن استطلاعات
الرأي تبين وجود احترام لأسامة بن لادن فقد بينت أيضاً
أن الغالبية العظمى من السعوديين لا ترضى به أو بمنظمته
كقادة سياسيين(1)، وتشير الأدلة المأخوذة من الروايات
المتداولة إلى وجود رفض عام لأعمال العنف خاصة حين تدبر
ضد السعوديين.
ووفق بعض المحللين يؤيد السعوديون خطاب المسلحين –
خاصة انتقادهم للولايات المتحدة والأنظمة العربية الفاسدة-
لكن قرارهم جلب المعركة إلى داخل المملكة أثار من المخاوف
أكثر مما أثار من الإعجاب(2). وبقدر ما أن المسلحين هم
ممن تدربوا في معسكرات القاعدة في أفغانستان بقدر ما هي
نظرتهم العامة وانتهاجهم للعنف تبدوان غريبتين على الشباب
السعودي العادي. وقاد نجاح المسلحين في الإفلات مرات عدة
من قبضة السلطات إلى إشاعات مزعجة –رغم أنها بلا أساس-
بأنهم يتمتعون ببعض الدعم من قوات الأمن(3)، رغم أن عدم
الكفاءة هو، على الأقل، التفسير الأكثر احتمالية. ويبدو
أن أهدافهم -تخليص السعودية من النفوذ الأجنبي، وقطع العلاقات
مع الولايات المتحدة، وتقويض شرعية العائلة الحاكمة، التشويش
على قدرة المملكة كضمان استقرار أسواق النفط العالمية-
تنبع بشكل طبيعي مما يستهدفوه. لكن حركتهم ليست بأي شكل
من الأشكال عصيان كلاسيكي مجهز باستراتيجية واضحة هدفها
الاستيلاء على السلطة.
ومن غير الواضح أيضاً مدى الخطورة التي يمثلها تصعيد
العنف. ففي حين هزت الهجمات الثقة في الاستقرار والأمن،
فقد كان المسلحون، في معظم الأحيان، غير قادرين إلا على
ضرب الأهداف الضعيفة، مثل الأفراد غير المحميين والمباني
السكنية المحمية بشكل غير كفء. وتبدو فكرة أن النظام على
شفير الانهيار أو أن البلد على وشك السقوط في أتون حرب
أهلية، بعيدة للغاية. رجال الدين المتشددين(السلفيين)
الذين يدعون إلى الجهاد من أمثال ناصر الفهد، وعلي خضير،
وعبد العزيز الجربوع الذين وفروا الإرشاد والشرعية لمعظم
الإسلاميين المتشددين في السعودية حتى العام 2003، اعتقلوا.
ونتيجة لذلك لم يعد المسلحون يتمتعون بالتغطية الشرعية
ذاتها من علماء الدين الضرورية لجهود تجنيد المسلحين بعيدة
المدى.
لجأ النظام إلى وسائل عدة للتغلب على المسلحين: إجراءات
أمنية مشددة – قادت إلى قتل عبد العزيز المقرن الذي يزعم
أنه القائد المحلي للقاعدة- وعرض المسلحين التائبين على
شاشات التلفزيون؛ وتشجيع رجال الدين على إصدار الفتاوى
الدينية التي تدحض حجج المسلحين؛ واللجوء إلى الوسطاء
الإسلاميين؛ وأخيراً، عرض العفو العام(4). وقد جندت السلطات
عشرات الآلاف من علماء الدين لمناهضة ادعاءات المسلحين
والقول بأن أعمالهم تنتهك تعاليم الإسلام، سواء في المساجد
أو على شاشات التلفزيون(5). وهي خطوات مهمة لمواجهة المسلحين
والجامعات التي تدعمهم وتمكنهم من ممارسة أنشطتهم.
إلا أنه على المدى البعيد، لن تكون مثل هذه الإجراءات
سوى جزء من الإجابة. فلا يبدو أن المسلحين قد جاءوا من
فراغ. بل إن جذورهم تغوص بعيداً في التاريخ السعودي وفي
بيئة كبتت التعددية ومنعت تنظيم المصالح الاجتماعية والسياسية،
وغذت عدم التسامح. في النهاية، فإن الاستقرار الحقيقي
يجب ربطه باستراتيجية تجمع بين الإجراءات الأمنية والإصلاحات
الاجتماعية والسياسية والمؤسساتية. وقد بدأت السعودية
بحذر وبخطوات غير مسبوقة بالسير في هذا النهج في السنوات
الأخيرة. ويتعين ألا تستخدم هجمات العنف الأخيرة كذريعة
للابتعاد عن تلك الإصلاحات بل كسبب حتمي لتسريع هذا النهج.
2- خلفية
يمكن تتبع تفجر العنف الأخير إلى الأحداث التي وقعت
في العقد الذي تلى حرب الخليج الأولى التي قادتها الولايات
المتحدة، حين امتزج الغضب من قرار استضافة القوات الأمريكية
بالإحباط من النظام السياسي الذي ينظر إليه الكثيرون من
السعوديين بأنه استبدادي موصوم بالفساد وعدم التجاوب مع
الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للشعب. لكن الأحداث
الأخيرة يجب فهمها ضمن خلفيتها التاريخية الأعرض خاصة
تشكيل الدولة وإقامة نظامها السياسي المعاصر.
أ- تاريخ الحكم السعودي
رغم أن المملكة العربية السعودية لم تقم إلا في العام
1932، فإن للعائلة الحاكمة تاريخ طويل من الأنشطة السياسية
والعسكرية في شبه الجزيرة العربية. فمن قاعدتهم في مقاطعة
نجد الوسطى سعى آل سعود في فترات متقطعة إلى فرض سيطرتهم
على شبه الجزيرة العربية في القرنين الثامن عشر والتاسع
عشر. وفي العام 1902 انتزع آل سعود بقيادة عبد العزيز
بن عبد الرحمن آل سعود السيطرة على مدينة الرياض من خصومهم
الرئيسيين آل رشيد. وخلال الفترة من 1902 إلى 1932 هزم
الملك عبد العزيز (بمساعدة من البريطانيين بعد العام 1916)
جميع متحديه المفترضين واستولى على مقاطعات الحسا في الشرق
1913) وعسير في الجنوب (1922) والحجاز في الغرب (1925)
وضمها إليه.
لكن التوحيد لا يعني الوحدة. فقد أصبحت المملكة العربية
السعودية وطناً لجماعات يائسة تحمل معتقدات دينية وسياسية
مختلفة ولها خلفيات قبلية متعددة. كما اعتمد الملك عبد
العزيز على القوة العسكرية لهزيمة القادة المحليين الذين
تحدوا سلطته. لكن حروبه، وجهوده اللاحقة لتشكيل الدولة
جرت تحت راية التوحيد - وهو الاسم الذي أطلق على دعوة
محمد بن عبد الوهاب لإحياء الدين، وهو رجل دين من القرن
الثامن عشر كان يدعو إلى العودة للممارسات الدينية الإسلامية
الأولى. واعتمدت فتوحات عبد العزيز بشدة على محاربين تحركهم
دوافع دينية قوية ممن اعتنقوا الدعوة الوهابية وكان يطلق
عليهم اسم الإخوان.
في أواسط القرن الثامن عشر عقد محمد عبد الوهاب ومؤسس
سلالة آل سعود، محمد ابن سعود تحالفاً أكد فيها رجال الدين
حكم آل سعود، الذين بدورهم حددوا الصفة الإسلامية للدولة.
وعبر عن ذلك في سيطرة المؤسسة الدينية على التعليم والقضاء،
ومن ثم، من خلال المؤسسات المعاصرة مثل جماعة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، التي تراقب الأخلاق العامة(6). تلك
الاتفاقيات والعلاقة التي رافقت ذلك بين القوى الدينية
والزمنية ما زالت قائمة حتى يومنا هذا(7).
في أواسط القرن الثامن عشر عقد محمد عبد الوهاب ومؤسس
سلالة آل سعود، محمد ابن سعود تحالفاً أكد فيها رجال الدين
حكم آل سعود، الذين بدورهم حددوا الصفة الإسلامية للدولة.
وعبر عن ذلك في سيطرة المؤسسة الدينية على التعليم والقضاء،
ومن ثم، من خلال المؤسسات المعاصرة مثل جماعة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، التي تراقب الأخلاق العامة(6). تلك
الاتفاقيات والعلاقة التي رافقت ذلك بين القوى الدينية
والزمنية ما زالت قائمة حتى يومنا هذا(7).
الزيادة الكبيرة في تدفق الثروة النفطية بعد العام
1973 مكنت الحكام من متابعة الحداثة في مختلف نواحي الحياة
في المملكة. واستثمرت الحكومة الكثير في البنية التحتية،
فشيدت المدارس، والمستشفيات، ومحطات توليد الكهرباء، ومعامل
تحلية المياه، وشقت الطرق. وقدمت الكثير من المزايا للمواطنين،
فدعمت الإسكان، ووفرت الوظائف لبيروقراطية متنامية. إلا
أن كل ذلك كان من دون أي تغيير مهم في تركيبة الحكم الأساسي
– السلطة الملكية المطلقة التي تستمد مشروعيتها من المؤسسة
الدينية الوهابية.
التحديات المباشرة والنادرة للنظام، حدثت في فترات
متقطعة خلال الخمسينات والستينات، وفي العام 1975 اغتيل
الملك فيصل على يد أحد الأقارب. إلا أن التحدي الأخطر
حدث عام 1979، حين هز حادثين شبه متزامنين المؤسسة السياسية
في المملكة. ففي 20 تشرين الثاني قام جهيمان ابن محمد
العتيبي باحتلال المسجد الحرام في مكة لمدة تزيد عن أسبوعين.
واقتحم السعوديون المسجد وقضوا على المتمردين في أوائل
شهر كانون الأول. أما الحادث الثاني، فكان قيام عدة آلاف
من الشيعة المدفوعين بإحباطات اجتماعية وسياسية والمشحونين
بالأحداث التي تكشفت عن الثورة الإيرانية، بالاحتفال بعاشوراء
يوم 28 تشرين الثاني رغم المنع الرسمي. وقد أثار رد المملكة
الشديد غضباً محلياً. فثارت الحشود، وخلال الأسبوع الذي
تلى عمت المنطقة الشرقية –حيث يقع الكثير من مصادر النفط
السعودي- المواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن.
شكلت أحداث العام 1979 منعطفاً في السياسة الداخلية
السعودية. فقد أثارت الانتفاضة الشيعية القلق في أوساط
الأسرة الملكية من أن رسالة الخميني الثورية وجدت أرضاً
خصبة في الشرق، مما يشكل تهديداً مباشراً لسيطرة السعودية
على المصادر النفطية. ورغم قيام النظام ببعض الخطوات لمعالجة
الشكاوى الشيعية فقد رفض مطالبهم السياسية. وخلال عقد
الثمانينات فر العديد من الناشطين الشيعة من شبه الجزيرة
العربية، وواجه الذين بقوا إجراءات صارمة.
دفع استيلاء جهيمان على المسجد الحرام، والذي كان دافعه،
جزئياً، إحساس المتمردين بالإحباط مما اعتبروه فسوق العائلة
الحاكمة وانحرافها عن التعاليم الدينية الصارمة، النظام
إلى تخصيص موارد إضافية للمؤسسة الدينية، وبناء معاهد
دينية جديدة، وتشجيع الممارسات الدينية، بشكل عام. وكان
لهذا الأمر تأثير كبير على السياسة الخارجية أيضاً، حيث
قام النظام – التواق إلى تهدئة الانتقادات الداخلية ضده
والساعي لإيجاد منفذ للمتشددين الدينيين الذين يزدادون
جسارة- بتشجيع مشاركة آلاف السعوديين في الجهاد في أفغانستان
ضد الاتحاد السوفياتي ودعمت مختلف أشكال الأنشطة الدينية
في الخارج.
بدأ الاستقرار والازدهار الذي نعمت به المملكة خلال
عقد الثمانينات في الانحسار خلال العقد الذي تلى. وبعد
حرب الخليج عام 1991 والتي مولت السعودية الجزء الأكبر
من نفقاتها وحولتها إلى دولة مدينة، وشهدت الفترة قيام
قواعد عسكرية على الأراضي السعودية، بدأت مجموعات عدة
بالضغط على النظام لإجراء إصلاحات سياسية(9). لكن هذه
الدعوى كانت تأتي من جهات مختلفة ومتنافسة في بعض الأحيان.
وقد التمس ما أطلق عليه اللوبي العلماني، أو الليبرالي،
من الملك إقامة مؤسسات جديدة لفتح النظام السياسي والسماح
بمشاركة شعبية أكبر ودرجة من التحرر السياسي والمؤسسي.
أما المصلحون الدينيون، وهم الأعلى صوتاً من بين نقاد
النظام فقد عابوا عليه ما يشكل من وجهة نظرهم تغريب للبلاد
ورضوخ للولايات المتحدة، ويدفعون في اتجاه تعزيز سلطة
رجال الدين ودور الإسلام في سياسة الحكومة.
وكما حدث في العام 1979، ردت العائلة المالكة على الضغوط
المتعاظمة. من جهة سعت إلى قمع أقوى عناصر الانشقاق، مستهدفة
المعارضة الإسلامية بشكل خاص في أوساط وأواخر عقد التسعينات.
ومن جهة أخرى، حاولت استرضاء واستمالة مختلف الجماعات،
عارضة مبادرات سياسية رمزية، تضمنت القانون الأساسي عام
1992، ومجلس الشورى في العام الذي تلاه – وهي خطوات رمزية
لم تغير الكثير في نهاية الأمر. وكان هدف الاستراتيجية
الثنائية امتصاص الضغوط الخارجية والداخلية، وتقليص مدى
التنازلات، وضمان استمرار احتكار العائلة المالكة للسلطة
السياسية.
ب- هيكل النظام:
1- العائلة المالكة
يقف على رأس النظام السياسي العائلة المالكة التي تزايد
عدد أفرادها بشكل كبير منذ العام 1932. وقد عانى الملك
فهد الذي تولى العرش عام 1982 من سكتة دماغية عام 1995.
ومنذ ذلك الحين يقوم ولي العهد الأمير عبد الله بدور الحاكم
الفعلي. ويحتل أفراد العائلة البارزين، معظمهم أبناء أو
أحفاد الملك عبد العزيز، مناصب رفيعة في أهم وزارات الدولة
وكحكام للمدن والمناطق الرئيسية. وغالباً ما يتهم النظام،
الذي صمم لضمان الاستقرار بالمساهمة في عدم كفاءة الإدارة،
وإتاحة الفرصة أمام الفساد واستغلال السلطة. ويأتي في
المرتبة التالية بعد الأمراء الرئيسيين الآلاف من أبناء
الجيل الثاني وأفراد العائلة المالكة الأقل أهمية، والذين
لهم مطالب يحملونها للنظام، وفي حالات كثيرة يستخدمون
آلية الدولة لتحقيق وتحسين مصالحهم الشخصية(10).
لا يسيطر أفراد العائلة المالكة على بعض مؤسسات الدولة،
مثل مجلس الشورى، لكنهم يتمتعون بنفوذ محدود. ويعين الملك
أعضاء المجلس الذي يعمل كهيئة استشارية. لكن في نهاية
الأمر تبقى سلطة المجلس مقيدة بطبيعة اختيار الأعضاء وحقيقة
أن ليس لديه سلطة حقيقية لسن القوانين.
شهدت الأشهر الأخيرة تخمينات كثيرة داخل وخارج السعودية
تتعلق بانقسامات داخل الأسرة الحاكمة(11). وفي مجالسهم
الخاصة يشارك بعض السعوديين الـ"ICG" اعتقادها بأن ولي
العهد الأمير عبد الله – الذي يتمتع بسمعة جيدة، لكن تأييد
الأسرة المالكة له مشكوك فيه- يحبذ عملية إصلاح معجلة،
في حين أن الآخرين، مثل الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير
الداخلية وجهة نظر أشد حذراً، لخصها أحد المعلقين بأنها
تذكير ''بالخوف من أن يتحول الإصلاح إلى تفكيك شبيه بالاتحاد
السوفيتي، ما أن يبدأ حتى يصبح من المستحيل إيقافه''(12).
ويرى البعض دليلاً على الانقسام اعتقال الإصلاحيين ذاتهم
الذين كانوا موضع ترحيب ولي العهد قبل عام مضى.
ليس هناك سوى القليل من المعرفة المؤكدة حول طريقة
العمل داخل الأسرة المالكة، لذلك، فإن أية تحليلات حول
وجود انقسامات محتملة هي مجرد تخمينات. وبينما أن من المؤكد
وجود خلافات في وجهات النظر، ويبدو أن تقليد اتخاذ قرار
بالإجماع، والإدراك المشترك بضرورة اتخاذ إجراء صارم تجاه
المجموعات التي تستخدم العنف، ومنع انتشار التطرف قد قاد
السياسة إلى ما وصلت إليه وقد مكن ذلك من إدخال تغييرات
على مناهج التعليم ومنح حرية أكبر لوسائل الإعلام كي تنتقد
العنف المسلح، وبدرجة أقل المحيط الذي يضفي عليه الشرعية.
يبدو أن الاختلاف في وجهات النظر يؤثر في المستوى التالي
من البحث؛ ما مدى وما هي سرعة المضي في إصلاح النظام الاجتماعي
– والثقافي ومواجهة المحافظين المتدينين، وما إذا كان
من المناسب ملامسة قضايا الحكم والقضايا السياسية وإلى
أي مدى. حتى إذا كان ولي العهد على استعداد للمضي إلى
ما هو أبعد وأسرع من الآخرين، فإن مكانته كأخ غير شقيق
للملك، وحاجته لدعم الأعضاء الأقوياء في الأسرة، ''السديريين
السبعة'' (الأخوة الأشقاء للملك فهد، سلطان، وسلمان، وعبد
الرحمن، ونايف، وتركي، وأحمد) قد تقيد قدرته على العمل.
وفي نهاية الأمر، فإن أي زيادة في المشاركة الشعبية والمساءلة
في الحكم ستحد من سلطة وامتيازات النظام، ومن غير الواضح
ما إذا كان أي من هؤلاء – بمن فيهم عبد الله - مستعد للمضي
في طريق التنازلات.
أضف إلى ذلك أن تقدم الحاكمين في السن ومسألة الخلافة
تشكلان قيداً إضافياً مهماً على الإصلاح. فكبار الأمراء
الذين تحق لهم الخلافة هم في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات
من العمر، والتوقع هو أن تتميز الحقبة المقبلة بسلسلة
من فترات الحكم القصيرة(13). الآن، يواجه الأمراء السعوديون،
في ظل أفول أدوارهم السياسية، تشكيلة من التحديات الهائلة
غير المسبوقة، والتي تتطلب قدرة على التخيل وحلولاً غير
تقليدية.
2- مجلس الشورى
عين مجلس الشورى في العام 1993 كرد على ضغوط الإصلاح
التي ظهرت بعد أزمة الخليج 1990-1991، وهو مكون من 120
عضواً يختارهم الملك، وقد لعب دوراً استشارياً إلى حد
بعيد، كونه تابع لحكومة تجلس فيها عناصر قوية من الأسرة
المالكة(14). ويتم اختيار أعضاء المجلس من مختلف مناطق
المملكة ومن بين الجماعات المهمة مثل رجال الأعمال، والمؤسسة
الدينية، وكبار الموظفين، وبشكل أوسع من شخصيات تقليدية،
ومحافظة وليبرالية. الأعضاء من التعليم والخبرة العالية
في مجال عملهم ينظر إليهم على أنهم مستشارون وفي حين يأخذ
الحكام وجهات نظر المجلس بعين الاعتبار، فإن نفوذه لا
يؤسس بناءً على القانون، بل يعتمد على مكانة الأعضاء وتميزهم.
كما أن قدرته على العمل كضابط غير رسمي تعكس حقيقة أن
النظام يقدر الإجماع، ويبذل جهداً للحفاظ على الانسجام
من خلال التشاور ويناهض النزاع بشدة. وفي إشارة إلى قدرة
المجلس على تشكيل سياسة الحكومة قال أحد أعضائه لـ ICG:
(لدينا تفاهم مع الحكومة. فطالما أنه ليس هناك شفافية
مالية، ولا نملك جميع الحقائق ]حول شؤون الدولة المالية[،
فإذا جاءوا إلينا يطلبون فرض ضرائب أو جباية، فسوف نقول
لا)(15).
3- المؤسسات الدينية
في حين يفرق المحللون والمعلقون ما بين المؤسسات الدينية
''الرسمية'' و''غير الرسمية''، فإن التمييز مصطنع إلى
حد كبير. فمعظم رجال الدين يتقاضون رواتبهم من الدوائر
الحكومية التي هم موظفون لديها أو من الجامعات الدينية
التي يعملون فيها؛ حتى غير المدرجين على قوائم رواتب الدولة،
فالأغلب أنهم ينتمون إلى منظمات تتلقى عوائد أو دعم مباشر
من أفراد من الأسرة المالكة. علاوة على ذلك، ثمة ظاهرة
غير عادية في النظام السعودي، من حيث أنه مغلق (بسبب المشاركة
المحدودة بشكل صارم) ومرن (حيث أن من الصعب التفريق بين
من هم داخله ومن هم خارجه). وللوعاظ غير الرسميين الذين
يعملون، من الناحية النظرية، خارج إطار النظام أهمية خاصة
بهذا الصدد: مثل الغالبية العظمى من المواطنين السعوديين،
فهم يفتقرون إلى أدوات رسمية لتشكيل السياسة العامة ومساءلة
الحكومة؛ ومع ذلك، فإنهم يعملون في القنوات العريضة غير
الرسمية والرمادية (غير الواضحة) التي توفر لهم فرصة التفاعل
والتأثير على الأعضاء الرسميين في الأسرة المالكة. ولا
يصح أيضاً الإيحاء بأن المؤسستين الدينيتين الرسمية وغير
الرسمية تشكلان معسكراً دينياً متناغماً. فثمة تقسيمات
معقدة ضمن كل واحدة منها وتقارب في خطوطها.
بعد ما تقدم، يمكن رسم بعض الاختلافات التقريبية. رجال
الدين الرسميون هم الذين تعينهم الحكومة في مناصب ضمن
السلطة الدينية، بمن فيهم المفتي واللجنة العليا لعلماء
الدين أو المجلس الأعلى للقضاء، وبالتالي، فإن ما هو متوقع
منهم أن يصادقوا ويسبغوا الشرعية على سياسات النظام. وبعكس
ذلك رجال الدين غير الموظفين الذين يستمدون نفوذهم من
مواقفهم الشعبية، وعرف عنهم في السنوات الأخيرة انتقادهم
الحكومة والأسرة المالكة علناً. وبينما تشكل الجماعة الأولى
مصدراً أساسياً للشرعية بالنسبة للأسرة المالكة، فإن الثانية
تتمتع بشعبية واسعة وتلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الرأي
العام.
ولا يستطيع أي حاكم سعودي، ضمن البيئة السياسية المعاصرة
التفكير في أي تغيير سياسي دون أخذ ردود فعل المؤسسات
الدينية في البلد بعين الاعتبار. فرجال الدين، الرسميين
وغير الرسميين يسيطرون على الحوار في المدارس والجامعات
والمساجد وإذاعات ومحطات التلفزة التي تديرها الدولة.
وليس في وسع الإصلاحيين الليبراليين أو ما يطلق عليهم
الإسلاميون المعتدلون، أو طبقة التكنوقراط ذوي الثقافة
الغربية، حتى أن يقتربوا من مضاهاة ما يحظى به رجال الدين
من حظوة لدى الجماهير، أو منافستهم في وسائل اتصالهم أو
نفوذهم.
تقليدياً، كانت المؤسسة الدينية الرسمية غير معنية
بممارسة سلطة سياسية مباشرة، وفضلت مبادلة دعمها للحاكمين
بضمانات تتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية وامتيازاتها في
فرض أخلاقياتها الخاصة. وتتضح وظيفة رجال الدين في إضفاء
الشرعية على أجلى صورة حين تستخدم لتبرير أعمال حكومية
معارضة لمشاعر الناس وحساسياتهم الشعبية. مثال ذلك، قرار
الملك فهد بدعوة القوات الأمريكية بعد غزو العراق للكويت
تمت المصادقة عليها بفتوى أصدرها المفتي السابق الشيخ
بعد العزيز ابن باز. ومع ذلك، ففي حين أن للمؤسسة الدينية
نفوذ واضح، فقد يكون مبالغاً فيه أيضاً. فلم تشهد المملكة
مناسبة طبقت فيها تغييرات رغم رفض رجال الدين. ومع ذلك
ثمة مثالين يستشهد بهما دائماً، وهما قرار الملك فيصل
في الستينات بفتح المدارس أمام البنات وإطلاق محطة بث
تلفزيوني وطنية.
وربما كان رجال الدين غير الرسميين الذين يتمتعون بقبول
هائل لدى الجماهير ويلعبون دوراً في النظام السعودي يزيد
أهمية عن دور المؤسسة الدينية الرسمية، من حيث أنهم يتلفعون
برداء الشرعية مثلهم مثل النظام، وهم بالتالي، في وضعهم
يمكنهم من شجب أي انحراف عن الطريق الذين يدعون إليه.
وأشهر هذه الطرق برزت خلال عقد التسعينات على شكل حماس
ونشاط دينيين أطلق عليها اسم الصحوة(16). بدأت الصحوة
خلال عقد الثمانينات كنتيجة لتدفق أموال النفط، والذي
قاد إلى نمو كبير في المعاهد الدينية، وأفرز جيلاً من
الشيوخ وأساتذة وطلاب الدين الإسلامي. وبدافع من السخط
الشديد على تبعية رجال الدين الرسميين للحكام واستعدادهم
لإسباغ الشرعية على تواجد القوات الأمريكية في البلاد،
أطلق مشايخ الصحوة من أمثال سلمان العودة، وسفر الحوالي
مواعظ نارية تشجب فشل الدولة في الالتزام بالقيم الإسلامية
وإعطاء صبغة دينية للغضب الذي شعر به السعوديون العاديون
تجاه قادتهم، الذين بات ينظر إليهم على أنهم مستبدين،
وفاسدين، وخاضعين للنفوذ الأمريكي. وقد اتخذ الوعاظ المرتبطين
بحركة الصحوة موقفاً ناقداً في الصراع الجاري بين النظام
وجماعات العنف.
أصبح وعاظ الصحوة الوجه النشط لرجال الدين خلال عقد
التسعينات، وشاركوا نظرائهم رجال الدين الرسميين تحفظهم
الاجتماعي، وعدم التسامح تجاه غير الوهابيين. لكن وخلافاً
لهم كانوا مستعدين لتحدي النظام علناً(17). ونتيجة لذلك
تمتعوا بمصداقية أكبر على المستوى الشعبي، وكان لكلماتهم
وزناً أكبر. والصحوة أبعد ما تكون عن وجهة نظر أحادية
جامدة. فهي تضم وجهات نظر تعددية وتشمل معتدلين ومتشددين،
ومنهم من يقتربون من أفكارهم من الإصلاحيين والآخرين الذين
يوفرون دعماً أخلاقياً للمعارضين الذين يستخدمون العنف
من أمثال بن لادن. والملاحظ، أن عدداً من الوعاظ النافذين
قد خففوا من انتقاداتهم بعد القيود التي فرضت عليهم في
أواخر عقد التسعينات. ورجال الدين الذين سبق واعتقلوا
(من أمثال الحوالي أو العودة) أو منعوا من الوعظ (مثل
عايض القرني) فلم يتسامح معهم النظام وحسب بل دعوا للمشاركة
في الاجتماعات التي ترعاها الحكومة(18).
3- الضغوط من أجل الإصلاح
أ- الضغوط الخارجية
غداة هجمات 11 أيلول 2001 على الولايات المتحدة، وجدت
السعودية نفسها وقد سلطت عليها أضواء قاسية لا ترحم. وحقيقة
أن 15 من مختطفي الطائرات التسعة عشر كانوا مواطنين سعوديين
أثار موجة هائلة من الانتقادات في الولايات المتحدة. وأصبح
حكام البلد، ومعتقداتها الدينية، وعاداتها الاجتماعية
ومناهجها الدراسية أهدافاً لانتقادات معادية لا تنتهي.
وصورت المملكة وكأنها بيئة لتغذية الإرهاب، وبلد متخلف
حافل بالتناقضات يدعي الصداقة الرسمية مع الولايات المتحدة
وفي الوقت نفسه يعلم أولاده كراهية الغرب ويمول المتطرفين
الدينيين الذين يهاجمون الأمريكيين.
وفي حين امتنع المسؤولون في الإدارة الأمريكية بشكل
عام عن انتقاد السعودية علناً، فقد أثاروا في مجالسهم
الخاصة قلقاً حقيقياً من مسائل مثل مساعدة الجمعيات الخيرية
الإسلامية السعودية للمجاهدين والمشاركة في المعلومات
الاستخبارية. وأبدى أعضاء الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية
والمفكرين الأمريكيين انضباطاً أقل في هذا الصدد. وفي
العديد من المواقف شكك البعض في طبيعة العلاقة الأمريكية
– السعودية. في شهر تشرين الأول 2001، قال السيناتور جوزيف
ليبرمان بأن السعوديين يحاولون ''ركوب ظهر هذا النمو (القاعدة)''.
أما زميله السناتور جوزيف بيدن، فقد اتهم السعوديين ''بأنهم
يدفعون للجماعات المتطرفة مقابل الحفاظ على أنفسهم'' و''تمويل
جزء كبير مما نتعامل معه الآن – وأن الإسلام قد أخفق''(19).
ومع تصاعد حمى الانتخابات الأمريكية لعام 2004، فقد شجب
بعض الديموقراطيين علاقة الإدارة الوثيقة بشكل مبالغ فيه
مع العائلة المالكة وطالبوا بموقف أشد حزماً تجاه الرياض.
أما السيناتور جون كيري، المرشح الديمقراطي للرئاسة، فقدم
هذه الخطة:
(إذا كنا جادين في مسألة استقلالية الطاقة، فإن علينا
في النهاية أن نكون جادين في مواجهتنا لدور السعودية في
تمويل القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية وتقديم الدعم
الأيديولوجي لها. لا نستطيع مواصلة نهج هذه الإدارة المتسم
بالهوادة واللين تجاه تقديم وغسل أموال الإرهاب.. والشيء
نفسه ينطبق على دعم السعودية لرجال الدين الذين يشجعون
أيديولوجية الإرهاب الإسلامي. وبكلمة أخرى، لن نعمل أعمال
كالعادة مع المملكة العربية السعودية)(20).
صوبت الانتقادات إلى المملكة حين اعترفت فيما بعد بأنها
تواجه مشكلة مع المتشددين الإسلاميين وأن الأموال التي
تقدمها السعودية لأعمال الخير تجد طريقها إلى القاعدة.
وكان رفض السعودية مشاركة الأمريكيين ما لديهم من استخبارات
عن الجماعات الإسلامية المسلحة عاملاً آخر لم يساعدهم،
مثله في ذلك مثل الإشارات المتكررة التي أدلى بها كبار
المسؤولين السعوديين بأن المخابرات الإسرائيلية تقف وراء
الهجمات(21).
حتى التحسن الكبير في التعاون الأمني والاستخباري السعودي
مع الولايات المتحدة، والذي جاء بعد أول عملية كبيرة للقاعدة
في المملكة – تدمير ثلاثة مجمعات سكنية تؤوي أجانب، في
وقت واحد في الرياض في أيار 2003 - لم يخلص السعودية من
مشاكلها. فقدم أعضاء الكونجرس مسودة قانون مساءلة السعودية،
والذي قد يفرض عقوبات عليها ما لم يشهد الرئيس الأمريكي
بأن السعودية تبذل قصارى جهدها في محاربة الإرهاب. وفي
شهر حزيران 2004، اعترف تقرير لمجلس العلاقات الخارجية
بأن ''السعودية قد اتخذت إجراءات مهمة لتفكيك خلايا تنظيم
القاعدة المحلي وحسنت تطبيق القانون والتعاون الاستخباري
مع الولايات المتحدة''، إلا أنه أبرز ''أنه ما زالت هناك
أسئلة مهمة حول الإرادة السياسية''(22).
زاد الضغط على العلاقات الأمريكية – السعودية مع إصرار
واشنطن على ضرورة إجراء إصلاحات عربية. وفي وضعه لخطوط
نهج أمريكي جديد تجاه المنطقة، قال الرئيس بوش أن 60 عاماً
من دعم الدكتاتورية في المنطقة لم يجعل الأمريكيين آمنين،
وأن الولايات المتحدة ستبني من الآن فصاعداً ''استراتيجية
تقدمية من الحرية في الشرق''. وفي حين حرص على الإشادة
بالسعودية لإعلانها عن نيتها إجراء انتخابات محلية، فقد
اعتبر الكثيرون أن الخطاب موجه، جزئياً على الأقل، إلى
النظام السعودي. وحسب كلمات الرئيس التي انتقاها بعناية،
''بإعطاء الشعب السعودي دوراً أكبر في مجتمعه، يمكن للحكومة
السعودية أن تظهر أنها قيادة حقيقية في المنطقة''(23).
وفي تصريح له في اسطنبول في حزيران 2004 خلال قمة الناتو،
أكد الرئيس على هذه الدعوة وشرح الأمر بالقول أن ''قمع
المنشقين لن يؤدي إلا إلى زيادة التطرف'' وأن قوله هذا
ينطبق على ''بعض أصدقاء الولايات المتحدة''(24).
ب- الضغوط السياسية المحلية
في حين تركت هجمات 11 أيلول السلطات السعودية مصدومة
وقلقة وتسعى للحد من الأضرار التي قد تصيب علاقاتها بالولايات
المتحدة، رأت بعض الجماعات في تلك الهجمات فرصة لتكثيف
الضغط لإحداث تغييرات سياسية واجتماعية وتعليمية. وشملت
هذه الجهود الليبراليين والإسلاميين(25)، والشيعة – والكثيرون
منهم أفراد لهم تاريخ من النشاط السلمي ضد الحكم السلطوي.
وأخبر عبد العزيز القاسم، وهو محام وعالم دين مشارك في
حركة الإصلاح ال ICG:
(أثارت أحداث أيلول قلقاً جديداً في المجتمع السعودي.
وكان لهذا القلق وجهان. الأول، انتشار روح الثورة علناً
والتي رحبت ببن لادن. أما الوجه الثاني، فعبر عن نفسه
في المطالبة بالإصلاح بهدف منع المزيد من التردي في الأوضاع
[لتطرف].
وحين بدأت القاعدة في شن أعمال داخل السعودية، فقد أعطت
بذلك ضرورة ملحة للإصلاح)(26).
كان لموجة الهجمات التي شنتها القاعدة أو التي استلهمتها
المجموعات المحلية من القاعدة، والتي بدأت عام 2003، تأثيرات
إضافية، غذت حواراً ساخناً حول جذور التطرف الديني. ودفعت
التفجيرات، وتتابع اكتشاف مخابئ للأسلحة، وتبادل إطلاق
النار بين جماعات مسلحة والشرطة إلى زيادة المطالبة بالتغيير،
وتحجج الإصلاحيون بأن التطرف ينمو بسبب الطبيعة المغلقة
للنظام السياسي. وفي الوقت نفسه، لجأ السعوديون المغتاظون
من التضييق الذي تفرضه عليهم المؤسسة الدينية على توجيه
انتقادات علنية والمطالبة بإصلاحات تعليمية وحوار ديني
أكثر تسامحاً.
في العام 2003 تلقى ولي العهد السعودي الأمير عبد الله
ما لا يقل عن خمسة التماسات تدعو إلى إجراء تغييرات كبيرة
في الحياة السياسية والاجتماعية للبلد(27) - ناشدت اتخاذ
خطوات نحو إقامة ملكية دستورية تعتمد على مؤسسات منتخبة،
والفصل بين السلطات، وحرية التعبير. وطالب التماس شيعي
منفصل في نيسان 2003 بإنهاء التمييز ضد الأقلية الشيعية(28).
لكن، وحتى قبل أن تضع هذه الالتماسات على مكتبه، أطلق
الأمير عبد الله ما وصفه باقتراحات لإصلاح العالم العربي.
وكان من بينها الدعوة لمزيد من المشاركة الشعبية في كافة
أنحاء المنطقة(29). وفي حين يمكن اعتبار ذلك على أنه محاولة
لأخذ زمام المبادرة من الولايات المتحدة – والتي كانت
قد كشفت عن خططها لإصلاح العالم العربي ـ فحقيقة أن ولي
العهد قد اعترف بضرورة الإصلاح شجع مواطنيه الذين كانوا
يحضون على تحديث نظام المملكة ذي الحكم المطلق.
في كانون الثاني 2003، تلقى الأمير عبد الله أول التماس
بعنوان ''رؤية لحاضر ومستقبل الأمة''(30)، ومعه رسالة
عبرت عن سعادة المثقفين في كافة أنحاء هذا البلد العظيم
وتقديرهم لدعوته للمشاركة الشعبية؛ وتبع ذلك دعوة مفاجئة
من ولي العهد لمقابلة مجموعة من الموقعين على الرسالة.
ج- الضغوط الاجتماعية والاقتصادية
رغم أن تنامي التطرف الإسلامي قد ساهم في جو جعل مطالب
التغيير واضحة ومسموعة، فإن التحديات الاجتماعية والاقتصادية
التي تواجهها المملكة لم تكن تقل عنها أهمية. وقد أخبر
إحسان أبو حوليقة وهو اقتصادي وعضو في مجلس الشورى الـ
ICG:
(قد لا يكون من الحكمة استثناء العوامل الداخلية ]كضغوط
من أجل الإصلاح[ مثل الفقر والبطالة والتنمية الاقتصادية
غير المرضية والإمكانيات المحدودة لنظام التعليم في تزويد
سوق العمل بالسعوديين الماهرين)(31).
وقد حولت الطفرة النفطية لعقد السبعينات والارتفاع
الهائل من عائدات المملكة النفطية البلد الذي هو في غالبيته
مجتمع ريفي وقبلي إلى مجتمع مدني. ومولت المكاسب العالية
بنية تحتية متطورة، مع توسع في تقديم المنح والدعم والخدمات
الحكومية. والأهم من ذلك أن عائدات النفط مولت نمطاً جديداً
من الحياة. فالسعوديون الذين كانوا يعيشون في معظم الأحوال
حياة صعبة تتطلب العمل بجد بدءوا يعتمدون على الرفاهية
وملايين العمال الأجانب لشغل الأعمال اليدوية والتي تتطلب
مهارة(32).
ترافق التحول السريع من الاعتماد على النفس إلى مجتمع
الاستهلاك ودولة الرفاهية مع نمو كبير في عدد السكان.
فخلال العقود الثلاثة التي تلت طفرة النفط تضاعف عدد سكان
السعودية ثلاث مرات ووصل الآن إلى حوالي 23.5 مليون من
ضمنهم حوالي 6 ملايين وافد. ووفق أحد التقديرات فإن 45.6%
من السكان أعمارهم 14 سنة أو أقل في العام 2003(33). ولم
يكن في وسع خدمات الحكومة مجاراة هذا التوسع الديموغرافي
وما رافقه من انفجار سكاني، ويشتكي السعوديون من عدم ملائمة
المدارس، ومن تراجع خدمات المستشفيات وانخفاض كبير في
مستويات المعيشة. فبعد أن وصل دخل الفرد إلى ذروته عام
1981 ليصل إلى 18000 دولار(34)، هبط الدخل إلى 8424 دولاراً
في 2002(35). وارتفعت أيضاً معدلات البطالة ووصلت إلى
11.93% بين السعوديين الذكور عام 2002 وحوالي 30% بين
الشباب(36). وثمة أدلة قوية على تزايد الفقر يتم العبير
عنه صراحة في الصحافة السعودية(37)، وأخبر أستاذ جامعي
سعودي المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات:
(لدينا دولة تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، وثاني
أكبر احتياطي من الغاز، لكن دخل الفرد لدينا بالكاد يتجاوز
8000 دولار، كما أن نسبة السعوديين الذين يعيشون في فقر
مطلق تتزايد بسرعة. كما أن 70% من المدارس تستخدم أبنية
مستأجرة – مساكن عادية لا تصلح كمدارس. ولا تستطيع الجامعات
استيعاب أكثر من 40% من خريجي المدارس. النساء لا مكان
لهن.. أساتذة الجامعات فقراء. كل هذا يشير إلى وجود خلل
ما)(38).
التوقعات السكانية تنذر بضغوط أشد خطورة على الدولة
والاقتصاد، ووفق دراسة للبنك السعودي الأمريكي عام 2002،
فإن عدد السكان من أصل سعودي سيتضاعفون بحلول العام 2020؛
وسوف تتزايد القوى العاملة السعودية من 3.3 مليون شخص
عام 2000 إلى 8.3 مليون عامل عام 2020(39). وبمرور الوقت،
فإن عدم توفير فرص عمل بشكل كاف، والتكيف السيء لنظام
التعليم، والبنية الاقتصادية الفوضوية، خاصة عند مشاهدة
آلاف الأمراء يتمتعون بحياة مرفهة، مما يزيد من خطر تقويض
القاعدة التي تدعم النظام. فالدعوة من أجل العدالة الاجتماعية
والقضاء على الفساد، وتوفير دخل أوسع للناس على مصادر
الثروة الطبيعية في البلاد، هي من الأمور الرائجة في أحاديث
منتقدي النظام. ويتزايد عدد السعوديين الذين يشيرون إلى
أن إحباط الشبان والامتعاض من العدالة الاجتماعية تغذي
التأييد للجماعات الإسلامية المسلحة:
(الإصلاحات الإدارية، والمالية، والقضائية مهمة جداً
لمواجهة ظاهرة العنف والتطرف. الكثيرون يتعاطفون مع المتطرفين
حين يقومون بأنشطة إرهابية اعتقاداً منهم أن تلك الأعمال
تدفع الدولة للقيام بالإصلاحات الضرورية)(40).
بالحكم على الأمور من أحاديث كبار المسؤولين السعوديين،
فثمة اعتراف واسع بضرورة التغيير. وقد ألمح مسؤول رفيع
إلى أنه ''ليس ثمة شخص لا يعرف بأن العالم قد تغير وأننا
بحاجة لأن نتغير''، مشيراً بذلك إلى التركيبة سريعة الاشتعال
من تصاعد البطالة واحتمالات تراجع أسعار النفط(41). وتوقع
آخر أن مستقبل النظام يعتمد على قدرته على مواجهة مشكلة
البطالة(42). وكما هو الحال في العديد من الدول التي تتعرض
للضغوط من أجل الإصلاح، انصب التركيز حتى الآن على الخطوات
الاقتصادية الرامية الى تنشيط القطاعات غير النفطية (تبني
إجراءات للالتحاق بمنظمة التجارة العالمية وتشريعات لتنظيم
سوق رأس المال)(43). أكثر مما تركز على التحولات الصعبة
– والمهمة بالقدر نفسه - في المجالات الاجتماعية والسياسية(44).
4- المطالبة بالإصلاح
أ- معنى الإصلاح
حسبما أصبحت العادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، اكتسبت
فكرة ''الإصلاح'' مكانة شبه غامضة دون توضيح معانيها(45).
وقد اختلفت أجندات الإصلاحيين السعوديين باختلاف الزمان
وحسب الفئات الشعبية التي يمثلونها، ولم تكن دعوات الإصلاح
بشكل عام ترديداً لصدى الدعوات الصادرة من الغرب. وفي
الفترة التي تلت وصول القوات الأمريكية إلى المملكة رداً
على غزو العراق للكويت، كان أعلى أصوات التغيير هو صوت
الإسلاميين المطالبين بمزيد من ''أسلمة'' الحياة العامة
لمعالجة ما اعتبروه انحرافاً عن الطريق القويم. وانتقدوا
عملياً كافة أشكال سياسات المملكة الداخلية منها والخارجية:
الحكم المستبد، والفساد. وسوء الإدارة، وسوء توزيع الثروة
وغياب العدالة الاجتماعية. والغضب من اعتماد المملكة المطلق
على الولايات المتحدة في المجال الأمني رغم المبالغ الهائلة
التي تنفق على الدفاع، إضافة لحنقهم لوجود القوات الأمريكية
في البلاد، وقد دعوا إلى تغيير شامل في الحياة العامة،
وطالبوا بإعطاء رجال الدين دوراً أساسياً في تقرير السياسة(46).
المرحلة الحالية من جهود الإصلاح تعتمد على العوامل
الخارجية والداخلية المذكورة أعلاه. وما هو أكثر أهمية،
أن زيادة الضغط غداة هجمات 11 أيلول 2001 ساعدت على دفع
المناقشات حول الإصلاح إلى الساحة العامة. وما كان في
السابق حكراً على بعض المثقفين الساخطين يتحدثون خلف أبواب
مغلقة أصبح قضية مشروعة للنقاش. ولاحظ خالد الدخيل، وهو
عالم اجتماع ينادي بالإصلاح، قائلاً:
(في العام 2003 أصبح الإصلاح قضية الساعة، داخل وخارج
الحكومة، وقضية من كانوا معه ومن كانوا ضده. بكلمة أخرى،
أصبح مفهوم ومدى الإصلاح واضحاً كقضية جدلية مشروعة. ولأول
مرة أدركت الحكومة ضرورة الإصلاح ومشروعية مطالبة الناس
به. فخففت من الرقابة على وسائل الإعلام، وكانت أكثر تقبلا
للالتماسات المطالبة بالإصلاح خلافاً لموقفها المعادي
قبل عقد مضى)(47).
أصبح الإصلاح شعاراً عاماً تردد صداه العائلة المالكة،
ومسئولو الحكومة، وأعضاء مجلس الشورى، ورجال الأعمال،
والأكاديميون، والليبراليون والإسلاميون أيضاً. وكانت
هناك عناصر تقارب واضحة: كان الجميع يريدون الحفاظ على
التوجه الإسلامي للبلد مع تخليصها من بعض العادات المتشددة
وغير المتسامحة، وادعت الأكثرية أنها تحبذ استمرار حكم
آل سعود لضمان الوحدة والاستقرار(48)، مع الحث على تحرك
تدريجي نحو مؤسسات حكومية أكثر تمثيلاً للشعب.
لكن الإجماع السطحي يخفي تشكيلة كبيرة من الاختلافات،
وغالباً ما تكون أجندات ووجهات نظر متضاربة. وتستخدم فكرة
الإصلاح، بشكل عام، لتشمل التحديث الاقتصادي، وكسر التحالف
الاستراتيجي بين الدولة ورجال الدين الأقوياء، أو بدلاً
من ذلك، حركة سياسية لإقامة حكم دستوري.
بالنسبة للعديد من السعوديين، سواء من هم ضمن حركة
الإصلاح أو خارجها، فإن الموضوع الذي لا يختلفون عليه
– سواء الجماعات الإسلامية، والتقليدية والمنادية بالحداثة-
يتضمن ضرورة تحسين الشفافية في الشؤون المالية للدولة،
أي، حسابات الموازنة وتقديم معلومات دقيقة ومفصلة حول
مصادر الإيرادات والنفقات العامة. والسبب أن صداها يتردد
تحديداً بقوة بين الناس المنادين بالإصلاح – لأنها تلامس
التغييرات السياسية والاقتصادية دون أن تطالها مباشرة
- وقد وصف معلقون سعوديون القضية لـ ICG بأنها أكثر القضايا
المتاحة الآن وإعادة بناء الثقة على أجندة الإصلاح(49).
ويجادل رجال الأعمال وأعضاء مجلس الشورى أنه يتعين تحويل
جميع عائدات النفط إلى موازنة وأن تقوم الحكومة بنشرها
مفصلة كافة النفقات، بما في ذلك الإنفاق العسكري وحجم
الدعم ومخصصات العائلة المالكة. وأخبر عضو في مجلس الشورى
الـ ICG، قال:
(الشعب يريد المحاسبة والمجلس يريد الشفافية المالية
بما في ذلك نشر إيرادات الدولة ومصادرها. في الماضي كانت
الموازنة تنشر مفصلة؛ أما الآن فقد أصبحت مجرد أرقام عشوائية)(50).
حجب المعلومات يوازي تراجع دخل الفرد ومعرفة أن الكثيرين
من أفراد العائلة المالكة الكبيرة، التي تضم آلاف الأمراء
يتمتعون بحياة بذخ هو أحد العوامل المهمة لتقويض مشروعية
الدولة السياسية. وفي وصفه للمزاج العام بعد تفجيرات أيار
2003، أخبر إصلاحي سعودي الـ ICG قال:
(الدولة لا تستمع للشعب.. ليس ثمة قناة من الثقة بين
الشعب والدولة. لقد هبطت الدولة إلى مستوى مصالح العائلة
الحاكمة)(51).
وقال كاتب معروف:
(الفساد هو أكبر عائق في طريق الإصلاح. بعض الأمراء
يعتبرون ما يتمتعون به امتيازاً طبيعياً. الإصلاح يجب
أن يبدأ بحرب على الفساد. خلال حكم الملك فيصل كان هناك
وضعاً مماثلاً وأول شيء فعله هو معالجة قضية الفساد. فنشر
مخصصات العائلة المالكة المالية كجزء من الموازنة. الخطوة
الأولى يجب أن تكون تقرير مخصصات العائلة المالكة، التي
يجب ألا تتجاوزها. أما الآن، فإن كل أمير يأخذ ما يريد،
وليس هناك أي تمييز بين ما هو عام وخاص. ثانياً، نحن بحاجة
إلى تشريعات تحدد ما هو عام وما هو خاص ووضع الأسس التي
يمكن للحاكم التدخل فيها لمحاربة الفساد)(52).
حتى الذين لا علاقة لهم بناشطي المعارضة يبرزون أهمية
''الشفافية المالية''.. وهو تعبير لطيف يستخدم للإشارة
إلى وضع حد للفساد وهدر موارد الدولة. وشرح الشيخ عبد
المحسن العبيكان، وهو قاض سابق وعضو في المؤسسة الدينية
التقليدية الرسمية بالقول:
(الشفافية المالية هي القضية الأكثر أهمية. أولاً المالية
ثم الإدارة. فلو كان هناك نظام مالي وشفافية في مناقشة
المسائل المالية، لكان ذلك مصدر تأكيد رئيس للمواطنين،
فالناس يخشون على مستقبل أطفالهم والحفاظ على الازدهار)(53).
ب- لوبي الاستدعاءات
إن المصلحين السعوديين الذين ظهروا إلى العيان في السنوات
الأخيرة، لا يشكلون نواة حزب سياسي، كما أنهم لا يمثلون
حتى جماعة وثيقة الوشائج والارتباط. وبدلاً من ذلك، فقد
وصفوا، أدق وصف بأنهم يشكلون شبكة ضعيفة التماسك أو لوبي
غير رسمي، يتولى من خلاله نفر من صميم أعضائه، بين الحين
والآخر، بإعداد العرائض، والسعي للحصول على توقيعات الأعضاء
الآخرين الذين يحملون أفكار مماثلة لأفكارهم. كاتبوا العرائض،
في معظم الأحيان، هم ضمن الإطار السعودي من الوسطيين الذين
يدعون إلى تحول سياسي تدريجي، ضمن إطار النظام الملكي
والصبغة الإسلامية للدولة. وتظل المذكرة التي بعث بها
هؤلاء إلى ولي العهد الأمير عبد الله، في كانون الثاني
لعام 2003، المنطلق الأساسي لأولئك الإصلاحيين(54). وقد
ضمت قائمة الموقعين (104) من الأكاديميين، ورجال الأعمال
وعلماء الدين ورجال المهن الحرة – وجميعهم من الرجال -
وينتمون إلى الأقاليم المختلفة والتوجهات الدينية والسياسية
المختلفة أيضاً: إنهم من الإسلاميين التقدميين من أهل
السنة، الذين ينتقدون التغيير الضيق الأفق الذي يطغى على
فهم الدين، كما يشمل اللبراليين والقوميين، وكذلك بعض
الأسماء الشيعية البارزة. والحقيقة هي أن ما يوازي محتوى
تلك المذكرة من أهمية، هو أن المشاركين فيها استطاعوا
تجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية ورسم برنامج إصلاح
سياسي حظي بإجماع جميع تلك الفئات.
إن المحرك الأول وراء تلك المذكرات هو الدكتور عبد
الله الحامد، وهو إسلامي من مواطني الرياض، وكان من النشطاء
في الحركة الإصلاحية التي أعقبت أزمة الخليج عام 1990-1991.
وكنتيجة للنشاط الذي أبداه الحامد في اللجنة المنحلة حالياً
والتي أطلق عليها ''لجنة الدفاع عن الحقوق المشروعة''(55)،
فقد قضى فترة من الزمن رهن الاعتقال، كما أنه عزل من منصبه
في جامعة الإمام محمد ابن سعود في الرياض. وفي يومنا هذا،
فإن الحامد يروج لوجه النظر القائلة بأن أفضل وسيلة لمكافحة
انتشار الأفكار المتطرفة، وتدعيم شرعية آل سعود، وتقليل
الاعتماد على المؤسسة الدينية، هو تحويل المملكة إلى نظام
حكم ملكي دستوري، تديره مؤسسات حكم منتخبة.
(إن السبب الرئيسي وراء ظاهرة العنف، هو غياب المشاركة
الشعبية في اتخاذ القرارات السياسية. إننا نقول بأن الإصلاح
السياسي، في جو من الحرية المسؤولة والحوار، هو أنجح علاج
للتطرف والعنف. لقد ساهمت الدولة في انتشار التطرف بسبب
منعها للإسلاميين المتنورين من بذل أي نشاط، وتسليم زمام
التعليم الديني إلى العناصر المحافظة المتزمتة. لقد أرادت
الدولة أن تجعل المؤسسة الدينية مصدر قوتها. ولكن، ولو
أنها بدلاً من ذلك، قد اعتمدت على الشعب، وأدخلت العدالة
الاجتماعية وأعطت لمواطنيها حقوقهم وحرياتهم، لما وجدت
نفسها بحاجة إلى الاعتماد على دعم المؤسسة الدينية في
كل شأن من الشؤون)(56).
ويظهر بين أسماء الموقعين الإسلاميين على المذكرة اسم
عبر العزيز القاسم، وهو محام، وقاض سابق وعالم ديني، وكذلك
اسم عبد الله ابن بجاد العتيبي وهو إسلامي مرموق(57).
كان الأخير في الماضي عضواً في جماعة نشطة أشعلت النار
في مخازن بيع الفيديو، تعبيراً واحتجاجاً على الغزو الغربي
الزاحف على المجتمع السعودي. وبعد فترة وجيزة ظهر العتيبي
من جديد كناقد للوهابية التقليدية. كلاهما يؤمنان بقراءة
منفتحة للدين وينتقدان التفسيرات الحرفية الضيقة التي
تعتنقها شريحة عريضة من المؤسسة الدينية والحركة المعروفة
بالصحوة(58).
ومن بين النشطاء الليبراليين، احتل محمد سعيد الطيب
موقعاً قيادياً في إعداد المذكرة. هذا المحامي ومقره جدة،
كان معروفاً في زمن مضى بميوله الناصرية، وقد أمضى أربعة
عقود وهو يدعو إلى الديموقراطية والحقوق المدنية، وهي
مواقف جلبت له فترات عدة من السجن. لقد تأرجح الطيب على
مدى الأعوام، على رضا الحكومة وغضبها(59). وجنباً إلى
جنب مع الحامد، الذي يجري مشاورات معه بانتظام، فإن الطيب
يعتبر قائد الحركة. لقد ألقي القبض على الرجلين في 16
آذار 2004، وطلب منهما التوقيع على تعهد بوقف نشاطهما.
وقد أطلق سراح الطيب في غضون أسبوعين، على الرغم من أن
التقارير متناقضة حول ما إذا كان قد وقع على التعهد الذي
طلبته الحكومة أم لا(60). أما الحامد، واثنان آخران، فقد
رفض توقيع التعهد وما زالوا رهن الاحتجاز.
الأقلية الشيعية أيضاً ممثلة تمثيلاً جيداً في اللوبي
الإصلاحي. ومن بين أبرز الأعضاء شهرة جعفر الشايب، وهو
أحد الناشطين في الدفاع عن حقوق الشيعة، والذي أمضى ردحاً
من الزمن منفياً في الخارج: ونجيب الخنيزي الصحفي، والدكتور
عبد الخالق عبد الحي وهو أستاذ جامعة، ويشغل حالياً عضوية
في اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان التي أقامتها الحكومة.
وعلى النقيض من أسلافهم في عامي 1990-1991، فإن دعاة
الإصلاح اليوم يعبرون عن مطالبهم ليس من خلال (أسلمة)
الدولة، بل من خلال تحديثها بشكل يتلاءم مع المبادئ الإسلامية.
وقد وقّع على المذكرات عدد ممن كانوا نشطاء في الماضي،
ولكنهم في أغلب الحالات قد تخلوا عن مواقفهم الأيديولوجية
السابقة. ونجد مثلاً على التوجه الحالي في المذكرة الأولية
بعنوان ''تصور الحاضر ومستقبل الأمة''. يقول هذا التصور
بأن ''شرعية الحكم كما أوضحها الإسلام تقوم على أساس تطبيق
الشريعة، وعلى قبول المحكومين''.
(العدالة هي أساس الحكم، وقد شرع الله العدالة الاجتماعية،
وحيث أن العدالة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الشورى،
فقد شرع الله مبدأ الشورى كأحد ركائز الحكم الأساسية.
ولا يمكن تحقيق الشورى بالمفهوم العملي، إلا بتحقيق الشروط
التالية: أمة تقوم على المؤسسات والأوضاع الدستورية)(61).
في هذه المذكرة، كما في غيرها، رسم لرزمة من الإصلاحات،
الهدف منها تحويل السعودية إلى دولة تقوم على ركائز من
المؤسسات الدستورية، واحترام مبادئ المشاركة السياسية،
مساءلة الحكومة, والعدالة الاجتماعية، والوحدة الوطنية
والتنمية الاقتصادية، كل ذلك في إطار من قانون الشريعة.
وقد دعا الموقعون على المذكرة إلى عقد ''مؤتمر وطني مفتوح''
للبحث في القضايا الوطنية، ولانتخاب مجلس شورى يتمتع بصلاحيات
تشريعية وسلطات رقابية(62). كما دعوا إلى إقامة مجالس
إقليمية منتخبة، وهيئات قضاء مستقلة، وتوفير حرية التعبير
والاجتماع، وإقامة مؤسسات المجتمع المدني مثل الأندية،
واللجان والاتحادات المهنية والنقابات. وأخيراً، فقد دعوا
إلى تأكيد الحاجة إلى معالجة مشاكل البلاد الاقتصادية،
وبأسلوب يعبر عن الالتزام بتوفير توزيع عادل للثروة بين
مختلف الأقاليم وبطريقة تعالج مشكلة ''الفساد المالي''
و''الرشوة المتفشية'' وسوء استخدام السلطة الحكومية(63).
وعلى الرغم من اللهجة غير الاستفزازية ولغة الاحترام
العميق في مخاطبة العائلة المالكة، فقد اقترحت المذكرة
بشكل أساسي إقامة مؤسسات من شأنها الحد من سلطات العائلة
الحاكمة، وضمان المشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات واتخاذ
إجراءات المراقبة فيما يتعلق بالأعمال الحكومية. وبدلاً
من نظام قائم لا تحد من سلطاته المطلقة حالياً سوى التقاليد
والدين والحاجة إلى المحافظة على التوافق القبلي، فإن
المذكرة تقترح أن تصبح المملكة نظاماً ملكياً دستورياً
تشارك في حكمه الهيئات المنتخبة.
لقد كانت ردة فعل السلطات مختلطة. وفي بادرة اعتبرت
ذات شأن، اجتمع الأمير عبد الله ولي العهد مع عدد من موقعي
المذكرة، مشيراً بذلك إلى مشاركته باهتمامهم فيما يتعلق
بالإصلاح، في الوقت الذي لم يلزم نفسه بالتقيد في أجندتهم.
ولكن، وفي الوقت ذاته، وعلى الرغم من الاستقبال الودي
الذي حظي به وفد دعاة الإصلاح، وما تبع ذلك من إشراك بعضهم
في جلسات الحوار الوطني التي رعتها الحكومة، فقد نأت الحكومة
بنفسها عن معالجة القضايا التي تضمنتها الوثيقة مباشرة،
وهي مطالب لم تنشر في وسائل الإعلام أبداً.
لقد دفع غياب أية استجابة مباشرة من قبل الحكومة، وكذلك
بطء برنامج الإصلاح الذي تدعمه الحكومة إلى التقدم بمناشدات
جديدة. ففي شهر أيلول عام 2003، أي بعد أربعة أشهر من
تفجيرات الرياض، وقع أكثر من 400 سعودي بما في ذلك 50
امرأة، عريضة عنوانها ''دفاعاً عن الأمة''، تضمنت إعادة
تأكيد للتصور الذي تضمنته العريضة الأولى، كما تضمنت إلقاء
اللوم علانية لظهور الجماعات الإرهابية، على القيود السياسية.
(إننا جميعنا مدعوون إلى تحمل مسؤولياتنا والتدبر ملياً
في خطواتنا. يجب أن نقر بأن التأخير الطويل في إقرار الإصلاحات
الجذرية وغياب المشاركة الشعبية في عملية اتخاذ القرارات،
كانتا من العوامل الأساسية التي أوصلت بلادنا إلى هذا
المنعطف الخطير)(64).
وقد انتقد الموقعون، بشكل غير مباشر، ومعظمهم من النشطاء
الليبراليين من الحجاز(65) والرياض، وكذلك من الشيعة،
الآراء الدينية المتزمتة التي تسود المملكة:
(إننا نؤمن بأن حرمان فعاليات المجتمع السياسية والفكرية
والثقافية من حقها الطبيعي في الإعراب عن آرائها، قد أدى،
في الواقع، إلى هيمنة توجه محدد، هو في طبيعته وتكوينه
غير قادر على الحوار مع الغير. هذا التيار، الذي لا يمثل
قيم الإسلام السمحة، كما لا يمثل تسامحه، قد أسهم في بروز
الفكر الذي يدعو إلى الإرهاب والتكفير(66)، والذي وضع
مجتمعنا حالياً على مرجل من النار).
وبينما امتنع المصلحون الإسلاميون الذين وقّعوا على
''الرؤية'' التي تضمنتها المذكرة الأولى، عن الاشتراك
في المذكرة الثانية، بسبب لهجتها التي اعتبروها ليبرالية
أكثر مما يجب، ومعادية للإسلام، ما أن حل شهر كانون الأول
عام 2003 حتى أعيد إحياء الإجماع الذي تمثل في توافق الليبراليين
والإسلاميين والشيعة على الدعوة لتنفيذ الإصلاحات التي
تضمنتها وثيقة (الرؤية) في المذكرة الأولى، وإلى البدء
في عملية إقامة نظام دستوري. وقد تضمن ذلك إنشاء لجنة
مستقلة يناط بها وضع دستور يتم تقديمه لاستفتاء عام ضمن
عام، ويدخل حيز التنفيذ بعد فترة انتقالية مدتها ثلاث
سنوات.
وما أن حلت نهاية عام 2003، وإلى درجة كبيرة نتيجة
للعنف المتزايد في المملكة، حتى أخذت لوبي الإصلاح تغلف
حججها للتغيير السياسي، ليس كهدف بحد ذاته، وإنما كأنجع
علاج للحركات المتطرفة، وكعنصر لا مندوحة عنه في الحرب
لاستئصال شأفتها.
لقد أعربت مذكرة شهر كانون الأول عن رأيها بأن الإصلاح
على أساس دستور من شأنه ''ليس فقط أن يكون الطريق الصحيحة
لإقامة دولة عربية وإسلامية عصرية، بل إن من شأن ذلك أن
يمد حبل الحياة الذي سوف ينقذ البلاد وأهلها من المشاكل
التي حلت بها أخيراً. وأوضحت أن انفجار العنف ما هو إلا
رأس جبل جليدي يمتد عميقاً تحت الماء(67).
وأوضحت أن حجة الإصلاحيين لها أبعاد تكتيكية: ذلك أن
تبريرهم لموقفهم على هذا الأساس، جعل من الإصلاح السياسي،
ومن المشاركة الجماهيرية الواسعة، أمران يخدمان في نهاية
المطاف مصلحة النظام ويضمن استقراره وديمومته. بيد أن
حجتهم كذلك عكست إيماناً قوياً بأن الأفراد، إذا ما أعطوا
فرصة لاشتراك في النقاش العام وموطئ قدم في إدارة شؤون
الوطن، هم في الغالب أكثر ميلاً لمعارضة أعمال العنف التي
تهدف إلى تقويض النظام السياسي.
* تقرير أعدّته المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (انترناشيونال
كرايسس) ـ فرع الشرق الأوسط
القاهرة بروكسل، 14/7/2004
www.icg.org
هوامش
(1) في صيف وخريف العام 2003، أجرى نواف العبيد –وهو
مستشار أمني سعودي يعمل في الرياض- استطلاعاً للرأي شمل
15 ألف سعودي. وكتب في مقال له في شهر حزيران 2004، قال:
''في حين أن 4.7% ممن أجابوا على الاستطلاع أيدوا بن لادن
كزعيم، فقد كان لـ48.7% رأي إيجابي في خطابه.. فكيف يمكن
التوفيق بين هاتين الإجابتين المتعارضتين؟ أخبر واحد ممن
جرى استطلاعهم وهو من مقاطعة جنوبية محافظة فريقنا مفسراً
الأمر: ''حين نسمع بن لادن يحتج ضد الغرب مشيراً إلى الفساد
وعجز الحكومات العربية ومعاناة الفلسطينيين، فالأمر أشبه
بالانتقال إلى حلم''. لكنه يواصل ''وحين نرى صور الأبرياء
يقتلون من أجل أيديولوجيته، فالأمر أشبه بالدخول في كابوس''.
ذا ديلي ستار، 24 حزيران 2004.
(2) في مقابلة هاتفية أجرتها ''ICG" مع مشاري الذايدي
وهو خبير بالجماعات المسلحة قال: ''هناك الكثيرين من المناهضين
الأمريكيين، ويشعرون بالرضى حين تشن هجمات ضد أهداف أمريكية،
لكنهم لا يريدون أن تشن هذه الهجمات في السعودية''. جدة
24 حزيران 2004. وقال سعودي مؤيد للإصلاح: ''قد يشعر البعض
بالفرح لتعرض النظام للعقاب لكنهم متخوفون''. مقابلة ''ICG"،
الرياض 24 حزيران. يقال بأن الغضب الشعبي بسبب تفجيرات
تشرين الثاني 2003 الذي كان معظم ضحاياه من العرب من مختلف
أنحاء الشرق الأوسط قد أجبر المسلحين على الحذر في اختيار
أهدافهم. واستهدفت هجماتهم منذ ذلك الحين إما المصالح
الغربية أو مصالح النظام حصراً.
(3) لوس أنجلوس تايمز، 21 حزيران 2004.
(4) في حديث ألقي نيابة عن الملك، أعلن ولي العهد السعودي
الأمير عبد الله: ''نحن نقدم فرصة لكل من ينتمي إلى الفئة
الضالة وما زال طليقاً بعد تورطه بعمليات إرهابية، كي
يتوب ويقر بذنبه وأن يستسلم طوعاً خلال شهر من تاريخ هذا
الخطاب. ولن توجه لمن يستسلم أي تهم وسيعامل وفق أحكام
الشريعة بالنسبة لانتهاك حقوق الغير''. وكالة الأنباء
السعودية، 23 حزيران 2004.
(5) يوم 18 حزيران 2004، وهو اليوم الذي قتل فيه بول جونسون،
قال إمام المسجد الحرام في مكة للمصلين أن الذين يقتلون
المسلمين والضيوف الأجانب ''لم يقرءوا كتاب الله أو أحاديث
النبي'' وأنهم ارتكبوا مفسدة عظيمة والكثير من الشرور،
الوطن 19 حزيران 2004.
(6) ما زال المنحدرون من ابن عبد الوهاب –عائلة آل الشيخ-
يشغلون مناصب رئيسية. عبد الله ابن محمد آل الشيخ هو وزير
العدل، في حين أن عبد العزيز آل الشيخ هو مفتي الديار
السعودية.
(7) في حين وفر الإخوان دعماً عسكرياً وأيديولوجياً في
حقبة التوسع السعودي، فقد انتهى الصراع المطول بين الأسرة
الحاكمة والمحاربين الدينيين في الفترة بين 1927 و1930
بهزيمة الإخوان وتبعيتهم العائلة الحاكمة. إلا أنه، وفي
حين أزيحت المؤسسة الدينية إلى مكانة ثانوية واقتصر دورها
في أغلب الأحيان على المصادقة بختمها على القرارات الرسمية،
فما زالت تتمتع بسلطات ومنزلة عظيمة. انظر جي. حبيب، ''Ibn
Saud's Warriors of Islam: The Ikhwan of Najd and their
role in the Creation of the Saudi Kingdom1910-1930 (
1978 ـ ليدن)
(8) تاريخياً، أطلق الوهابيون على أنفسهم اسم الموحدين،
في إشارة إلى المذهب الأساسي الذي أبرزه ابن عبد الوهاب
في القرن الثامن عشر. وكانت كلمة وهابي، التي أشاعتها
وسائل الإعلام الغربية خلال التسعينات كوسيلة لوصف النموذج
''المتزمت'' أو ''الصارم'' من الإسلام الذي تعتنقه المؤسسة
الدينية السعودية، قد أصبحت أيضاً جزءاً من الحوار الداخلي
في المملكة. إلا أن التعبير قد بولغ في استعماله وجرد
من أي معنى تحليلي، استخدم لوصف جماعات وأفراد متباينين
زمناً ومكاناً، طالما أنهم يؤيدون وجهة نظر صارمة أو محافظة
للإسلام. الحقيقة، إن الكثيرين ممن وصفوا أنهم وهابيين
لا يتفقون حول الكثير من المبادئ والممارسات الدينية والأهداف
السياسية.
(9) لم تعرف السعودية سوى قدر محدود من الحرية السياسية
في الماضي. وخلال عقد الخمسينات كانت تجري انتخابات لشغل
المناصب المحلية في المنطقة الشرقية والحجاز. وتمتعت الصحافة
بقدر أكبر من الحرية في أواسط الخمسينات. إلا أن النظام
كان يعمل باطراد على خفض مجالات هذه الحريات والحقوق السياسية.
(10) ''كان هناك مخالفات في استخدام الأموال الحكومية،
وحقوق الملكية والعقود. كما أساء النفوذ الملكي إلى الإجراءات
القضائية المدني منها والجنائي؛ سواء ضد رجال الأعمال
السعوديين أو الأجانب. أمراء عديدين استخدموا نفوذهم للحصول
على حصص في قطاعات أعمال خاصة ومن أرباح مبيعات النفط
والشركات التي تملكها أو تمولها الدولة. كما تدخلوا وأفادوا
من أرباح مبيعات النفط والشركات التي تملكها أو تمولها
الدولة. كما تدخلوا وأفادوا من إرساء العقود وتخصيص أموال
مبيعات النفط، وبرامج التعويض، وعقود تسليم مستوردات الأسلحة
والخدمات العسكرية''. انتوني اتش كوردسمان،Saudi Arabia
Enters the Twenty-First Century (ويست بورت، 203)، ص142.
(11) انظر توبي جونز Seeking a 'Social Contract' for
Saudi Arabia"، تقرير الشرق الأوسط، 228، خريف 2003. ومايكل
سكوت دوران، '' Paradox The Saudi"، فورين افيرز، كانون
الثاني/ شباط 2004
(12) مقابلة مع ''ICG"، القاهرة، كانون الثاني 2004.
(13) ليس ثمة آلية واضحة تحكم عملية الخلافة، والتي تقرر
داخل الأسرة، وتنص المادة 5 من القانون السعودي الأساسي
أن ''حق الخلافة ينحصر في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز
ابن عبد الرحمن آل سعود (ابن سعود)، وأبناء أبناءه، والأكثر
أهلية من بينهم يدعى لتولي الحكم، عن طريق مبايعته بما
يتفق مع كتاب الله وسنة نبيه''.
(14) الملك هو رئيس الوزراء أيضاً، في حين أن أخاه غير
الشقيق ولي العهد الأمير عبد الله هو النائب الأول لرئيس
الوزراء. أما الأمير سلطان الأخ الشقيق للملك فهو وزير
الدفاع والنائب الثاني لرئيس الوزراء. والشقيق الآخر،
الأمير نايف، فهو وزير الداخلية.
(15) مقابلة مع ICG، الرياض 3 كانون الأول 2003.
(16) لدراسة موسعة حول الصحوة انظر غوين أوكروليك، Networks
of Dissent: Islamism and Reform in Saudi Arabia Current
History، كانون الثاني 2002.
(17) كما كتبت ''ICG" في وراقة موجزة سابقةً، ينظر إلى
الحركة الوهابية (المسيطرة في السعودية) على أنها ''محافظة
جداً في النقاط المذهبية ومتشددة بالنسبة للقضايا الأخلاقية،
لكنها لا تتدخل في المجال السياسي ناهيك عن أن تشكك في
الترتيبات الأساسية للدولة. وقد بدأت هذه القاعدة تتفكك
بعد الانقسامات داخل الدوائر الدينية في السعودية غداة
حرب الخليج 1990-1991 وخاصة إقامة قواعد عسكرية أمريكية
في البلاد. وقد عرّض التطور الأخير الحكام السعوديين لانتقاد
العلماء الوهابيين، ''ICG" ورقة موجزة ل ICG عن الشرق
الأوسط وشمال أفريقيا، الحركة الإسلامية في شمال أفريقيا:
الإرث التاريخي، 20 نيسان 2004، ص13.
(18) رفض الحوالي دعوة للمشاركة في أول حوار وطني، وذكر
أن السبب هو كي لا يجلس مع الشيعة والصوفية.
(19) انظر ''Senators Jump on Anti-Saudi Bandwagon" ميدل
إيست اكونوميك سيرفي 29 تشرين الأول 2001. وقد ذهب محلل
من مؤسسة راند هو لوران مورافيتش لما هو ابعد من ذلك.
وفي كلمة له في تموز 2002 أمام الهيئة الاستشارية للبنتاغون،
التي كان يرأسها ريتشارد بيرل، وهو من نقاد السعودية المخضرمين،
وصف مورافيتش المملكة بأنها ''جوهر الشر''، وعدو للولايات
المتحدة. وقال ''ينشط السعوديون على مختلف أصعدة سلسلة
الإرهاب من المخططين والممولين من الكوادر القيادية إلى
جنود المشاة، ومن الأيديولوجيين إلى الهتافيين''. وأوصى
مورافيتش واشنطن بأن توجه إنذاراً نهائياً إلى المملكة
بوقف دعم الإرهاب و مواجهة وضع اليد على حقول نفطها وأرصدتها
المالية. صحيفة الواشنطن بوست 6 آب 2002.
(20) خطاب للسيناتور كيري، 27 أيار 2004، في سياتل. أما
المرشح السابق لانتخابات الرئاسة جون ادوارد فصرح قائلاً:
''نحن بحاجة إلى علاقة جديدة مع السعودية علاقة لا تتجاهل
نمط عدم تسامح النظام حين يصل الأمر إلى الإرهابيين''،
معهد بروكنغز 18 كانون الأول 2002، ويمثل فيلم فهرنهايت
11/9 للمخرج مايكل مور صورة حية لعمق عداء الولايات المتحدة
للعائلة المالكة السعودية.
(21) في مقابلة يوم 29 تشرين الثاني مع صحيفة السياسة
الكويتية وجه وزير الداخلية اللوم إلى ''الصهاينة'' وأنهم
هم من دبر الهجمات. ومؤخراً زعم ولي العهد السعودي أن
الصهاينة كانوا خلف هجوم 1 أيار 2004 الذي قتل فيه 6 أجانب
في ميناء ينبع النفطي. انظر نيوزويك 6 أيار 2004.
(22) مجلس الشؤون الخارجية،''Independent Task Force on
Terrorist Financing"، 15 حزيران 2004.
(23) خطاب الرئيس بوش في ''الوقف الوطني للديمقراطية''،
6 تشرين الثاني 2003، انظر أيضاً ورقة موجزة ل ICG مبادرة
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: مهددة منذ الولادة، 7 حزيران
2004.
(24) الواشنطن بوست 30 حزيران 2004
(25) الإسلاميون التقدميون الذين كانوا في طليعة حركة
الإصلاح، هم أقلية في الحقل الديني. ويعتبرون أنفسهم إصلاحيون
وطنيون مستنيرون يريدون إقامة دولة إسلامية حديثة مع مؤسسات
يمكن مساءلتها والتسامح مع الشيعة ومدارس الفكر الإسلامي
الأخرى. ويميزون أيضاً بين المتطلبات الدينية الإسلامية
(مثل ملابس النساء المتواضعة) ومتطلبات صادرة عن الفئة
الاجتماعية الأكثر محافظة في منطقة نجد (أي منع النساء
من السواقة).
(26) مقابلة ICG مع عبد العزيز القاسم، القاهرة، 18 شباط
2004.
(27) أنظر إلى ما يلي في هذه التقرير فيما يتعلق باستدعاءات
الإصلاح.
(28) ليس هناك من رقم مؤكد لعدد الشيعة في السعودية، ويدعي
قادة هذه الجالية أنهم يعدون 1.2 مليون نسمة تقريباً من
أصل مجموع السكان الأصليين البالغ 17 مليون نسمة. ويعيش
معظمهم في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط وفي نجران في
الجنوب، وثمة جالية شيعية قديمة في المدينة. ويشجب الشيعة
رسمياً التمييز الديني والسياسي والاقتصادي المعتمد رسمياً،
وخاصة القيود الصارمة المفروضة على ممارسة شعائرهم الدينية
وبناء مساجدهم. ويعتبر الوهابيون المعتقدات والممارسات
الشيعية مثل جلد الذات وزيارة العتبات المقدسة بأنها هرطقة.
ويشتكي الشيعة من أنهم مستبعدين عن المناصب المهمة من
الإدارة بما في الأمن والبعثات الديبلوماسية.
(29) انظر أراب نيوز، 15 كانون الثاني 2003.
(30) يمكن مطالعة النص العربي كاملاً على موقع: www.arabrenewal.com.
(31) مقابلة ICG مع عضو مجلس الشورى إحسان أبو حوليقة،
3 كانون الأول 2003.
(32) كوردسمان، المرجع السابق، ص7.
(33) انظر تقرير البنك السعودي الأمريكي، ''الاقتصاد السعودي
عام 2002''، ص21.
(34) ما لم يذكر خلاف ذلك فجميع المبالغ المنوه عنها بالدولار
هي للدولار الأمريكي.
(35) انظر تقرير البنك السعودي الأمريكي ''الاقتصاد السعودي:
2003 الأداء، و2004 التوقعات''، ص2.
(36) البنك السعودي الأمريكي ''أوجه البطالة في السعودية''
تشرين الأول 2002 ص1. استطلاع أجراه نواف العبيد عام 2003،
والذي أشار إلى أن %79.6 من السعوديين يعتبرون أن البطالة
هي أكبر همومهم. وبخلاف ذلك لم يقلقهم أي قضية أخرى بنسبة
تزيد عن 10% (مثل الفساد، والإصلاح السياسي، والتعليم،
والتطرف الإسلامي). أشير إلى الإرهاب بوصفه أحد مصادر
القلق الأساسي من قبل 0.7% ممن أجابوا على الاستطلاع.
من الواضح أن السعوديين مثلهم مثل معظم شعوب العالم، يريدون
أولاً وقبل كل شيء عملاً محترماً، ومستوى معيشة ثابت إن
لم يكن متصاعداً، واحتمالات توظيف قوية لأطفالهم. ذا ديلي
ستار، 24 حزيران 2004.
(37) تقوم صحيفة الرياض اليومية مثلاً بنشر مقالات يومية
عن الفقر، وعن الأشخاص الذين يواجهون مشاكل مع نظام الرعاية
الصحية العام.
(38) مقابلة مع ICG، الرياض، 9 كانون الأول 2003.
(39) البنك السعودي الأمريكي، ''الاقتصاد السعودي عام
2002''، المصدر السابق، ص21.
(40) مقابلة ICG مع رجل الدين والقاضي السابق عبد المحسن
العبيكان، الرياض 8 كانون الأول 2003.
(41) مقابلة ICG، الرياض، 9 كانون الأول 2003.
(42) مقابلة ICG، الرياض، 17 كانون الأول 2003.
(43) لمراجعة الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة، انظر تقرير
البنك السعودي الأمريكي، ''الاقتصاد السعودي: 2003 الأداء،
2004 التوقعات''، المصدر السابق، ص18.
(44) في تعديل وزاري في آذار 2004، نظر إليه كإشارة على
نية الحكومة معالجة قضيتي البطالة والفقر فصل ولي العهد
الأمير عبد الله حقيبتي وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية،
وعين مستشاره غازي القصيبي وزيراً للعمل، وهو شخص ذو توجهات
تحديثية؛ من المتوقع أن يركز على برنامج تدريب السعوديين
ليحلوا محل العمال الأجانب.
(45) انظر ورقة موجزة ICG الشرق الأوسط، معاني الإصلاح
الفلسطيني، 12 تشرين الثاني 2002.
(46) انظر مذكرة النصيحة التي وقعها 107 من رجال الدين
عام 1992 متوفرة على موقع: www.yaislah.org
(47) خالد الدخيل، ''2003: عام الإصلاح في السعودية''،
نشرة الإصلاح العربية المجلد 2، الطبعة الثالثة، آذار
2004.
(48) ''آل سعود هم اللحمة التي تشد البلد مع بعضه'' و''صمام
الأمان'' التي من دونها قد يتعرض مستقبل البلد للخطر.
مقابلات ICG مع إصلاحيين سعوديين، الرياض وجدة، كانون
الأول 2003. المحامي الإصلاحي وعالم الدين عبد العزيز
القاسم أخبر ICG: "أعتقد أن العائلة المالكة ما زالت تمتلك
شرعية هائلة. تباين المملكة لا يتوحد إلا تحت حكم آل سعود.
للحجاز صفاتها وثقافتها وتاريخها الخاص، وبالمثل نجد والجنوب.
ولم تستبدل العائلة المالكة بأي مؤسسة حديثة يمكن القول
أنها تجسد الدولة. أعتقد أن غالبية الإصلاحيين لن يجرءوا
على مجرد تصور استثناء آل سعود، لأن في ذلك خطر (على البلد).
مقابلة ICG، الرياض 9 كانون الأول 2003.
(49) مقابلات ICG مع أعضاء في مجلس الشورى، ورجال الدين،
ومحامين، وصحفيين في السعودية، كانون الأول 2003. لمناقشة
حول قضية شمال أفريقيا وكيف استجابت الأنظمة هناك لدعوات
كبح الفساد، انظر ورقة موجزة عن ICG، ''الإسلام في شمال
أفريقيا 1'' المصدر السابق، ص13.
(50) مقابلة ICG مع عضو مجلس الشورى، الرياض 7 كانون الأول
2003 (ثمة تساؤل مهم حول ما إذا كانت الموازنة قد نشرت
بشكل مفصل أو دقيق قط).
(51) مقابلة ICG، القاهرة، تشرين الثاني 2003.
(52) مقابلة ICG، القاهرة، كانون الثاني 2004، وقد أشار
أحد أعضاء مجلس الشورى إلى أسبقيات مماثلة في التاريخ
السعودي: ''خلال عقد الثلاثينات كان تمويل الحكومة شفافاً''،
والملك حريص، وحتى متزمت فيما ينفقه على العائلة المالكة.
نحن بحاجة للعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل 70 سنة
مع شفافية كاملة بالنسبة للأموال العامة. ويتعين رسم خط
بين ما هو عام وما خاص مقابلة ICG، الرياض، كانون الأول
2003.
(53) مقابلة ICG مع الشيخ عبد المحسن العبيكان، الرياض،
8 كانون الأول 2003. (
54) لبحث مستفيض حول العريضة، انظر ريتشارد ديكمجيان،
''The Liberal Impulse in Saudi Arabia"" ميدل إيست جورنال،
الجزء 57، رقم 3، صيف 2003.
(55) أنشئت لجنة الدفاع عن الحقوق المشروعة في أيار عام
1993، من قبل نفر من الأكاديميين الإسلاميين والوعاظ للدعوة،
إلى ''الحقوق المشروعة''، أي مجمل حقوق الإنسان التي يؤكدون
على أنها معترف بها في الإسلام، بما في ذلك المشاركة السياسية.
وقد أقدمت السلطات على حلها في غضون أسبوعين، وعزلت ستة
من مؤسسيها واعتقلت الناطق بلسانها. وفي عام 1994، انتقل
اثنان من مؤسسيها هما سعد الفقيه ومحمد المسعري إلى بريطانيا،
حيث شرعا في حملة تدعو إلى طرد العائلة السعودية المالكة.
وقد انقسم الاثنان عن بعضهما في عام 1996. حالياً، حركة
الفقيه -–حركة الإصلاح الإسلامي في العربية السعودية هي
الأكثر نشاطاً بين الاثنين.
(56) حديث ICG مع عبد الله الحامد، الرياض، 8 ديسمبر 2003.
(57) انظر إليزابث روين، ''The Jihadi Who Kept Asking
Why"، مجلة نيويورك تايمز، آذار، 2004.
(58) الصحفي السعودي والخبير في الحركات الإسلامية جمال
خاشقجي يضيف القاسم وغيره من جماعته بـ''الإسلاميين الجدد''،
''إنهم يستخدمون القرآن والسنة وحتى الفقه السلفي لدعم
برنامجهم للتحديث، والذي يشمل دعم المجتمع المدني، وإدخال
منهج ديني أكثر سماحة، ووضع قانون للشريعة، وإجراء انتخابات
لنظام حكم برلماني''. انظر ''المصلحون الإسلاميون الجدد
في العربية السعودية''، ديلي ستار، 29 آذار 2004.
(59) في كانون أول 2003، وقبل أقل من ثلاثة أشهر على اعتقاله،
اشترك في الحوار الوطني الذي رعته الحكومة، وهو الذي بحث
خلاله التطرف الإسلامي وأسبابه. الموقعون على مذكرة ''التصور''
يشملون ليبراليين بارزين آخرين مثل المؤلف والمعلق تركي
الحمد، وهو أستاذ العلوم السياسية وتلقى تعليمه في أمريكا.
وقد ظل منذ زمن طويل هدفاً لحملات كراهية ضده شنها المحافظون
المتزمتون؛ وعبد العزيز الدخيل، وهو رجل أعمال ومساعد
وزير مالية سابقاً؛ وعالم الاجتماع خالد الدخيل؛ والصحافي
داوود الشريان؛ وكاتب العمود قينان الغامدي.
(60) دوتشه برس أجنتور، 30 آذار 2004.
(61) انظر: www.arabrenewal.com
(62) أبلغ الحامد الـICG بأنه يجب أن يتم انتخاب أعضاء
مجلس الشورى من قبل الرجال والنساء. حديث ICG، الرياض،
8 كانون أول 2003.
;(63) انظر: www.arabrenewal.com
(64) نفس المصدر.
(65) إن أهل الحجاز، وهو الإقليم المحاذي للبحر الأحمر،
لا يتبعون المذهب الحنبلي الذي تقوم الوهابية على أساسه،
وبعضهم يعربون عن استيائهم لما يعتبرونه هيمنة الوهابية
التي خرجت من أواسط إقليم نجد. الحجاز، الذي يضم مكة والمدينة،
هو موطن ولادة الإسلام؛ ويعتبر أهل الحجاز أنفسهم أكثر
عالمية وانفتاحاً على العالم الخارجي من أهل نجد، نظراً
لتفاعلهم مع الحجاج الذين يأتون إلى بلدهم عبر القرون.
مدينة جدة، وهي الميناء الرئيسي للحجاز تعتبر أكثر مدن
المملكة ليبرالية وانفتاحاً.
(66) التكفير هو الحكم على شخص بالكفر. والفكر التكفيري
هو الفكر الذي يسارع إلى إدانة كل ما يعتبره انحرافاً
عن التعاليم الدينية، كدليل على الكفر. ويقول منتقدو المذهب
الوهابي بأن نظرة معتنقي هذا المذهب المتزمتة المتشددة
والتي تفسر الإسلام حرفياً يجعلهم معرضين لمثل هذا الاتهام.
(67) نداء إلى القيادة والشعب: الإصلاح الدستوري أولاً.
يمكن الاطلاع عليه على: www.arabrenewal.com.
|