بعد من وماذا.. تبقى لماذا؟
لاتزال المملكة تبحث عن: مَنْ وماذا، وتتجاهل: لماذا؟
لماذا؟ كلمة تنطوي على نقد للذات، في حين ان الأمراء
حريم مقدّس لا يجوز الإقتراب منه. ومع أن (المقدس) لم
يعد مقدساً، وصار محطّ النقد والتشريح والسب والشتم وحتى
الضرب بمختلف الوسائل، إلا أن الأمراء غارقون في (تألّههم)
وفي أفكارهم وفي نظرتهم لذواتهم ولغيرهم.
التركيز على: مَنْ وماذا؟ تعطي الفرصة لإتهام الآخر
والتشكيك فيه، والسمو بالذات الى حدود العصمة، وتأجيج
الأفكار والتحليلات الطوباوية، فضلاً عن أن التوقّف عندها
لا يحمل الباحث في التساؤلين تبعات سياسية، سواء كان من
الأفراد العاديين أو المسؤولين.
منذ زمن طويل، والحديث في المملكة، في صحافتها وإعلامها
وقنواتها الفضائية تشير الى من وماذا؟ وبمجرد الإقتراب
من تساؤل: لماذا؟ ينفضّ الجمع، أو تلوى أعناق الأفكار
والتحليلات باتجاه العودة الى أول السطر: منْ وماذا؟
وبعد أن مضى زمن طويل في الحديث والنقاش حول من وماذا؟
وصلت القافلة عند أسوار: لماذا؟ فخرج الإعلاميون المحترفون
فقسّموا: لماذا؟ الى أقسام ومراحل تؤجّل الإجابة على الأسئلة
القائمة والحادّة والتي تختزن مشاكل المملكة شعباً وحكومة.
لماذا يهاجمنا العالم ويتهمنا بالإرهاب؟
الجواب: لأن هناك مؤامرة! أو لأن هناك حاسدون حاقدون
على ما تتمتع به البلاد وأهلها من خيرات وأمن واستقرار!
لماذا يجب أن تكون أسعار البترول متدنية وتسعى الحكومة
بفائض انتاج غير عادي لجعل تلك الأسعار أقل من سعر قارورة
الماء؟ في وقت تعيش فيه المملكة أزمة اقتصادية طاحنة منذ
نحو عقدين، كان أحد أسبابها انخفاض اسعار النفط؟.
الجواب: حفاظاً على الإقتصاد العالمي! وليس على اقتصاد
الغرب الذي يتلقى (رشوة) مستمرة مقابل بقاء العائلة المالكة
في السلطة!
لماذا يوجد عنف وتفجير ودماء وعدم استقرار؟
لأن هناك أيدٍ خبيثة خارجية، بعضها اخوان مسلمون وبعضها
أفغان، إضافة الى وجود فئة (مجرد فئة، أو حفنة) ضالة (ضحك)
الخوارج عليها.. وإلا فلا توجد مبررات للعنف، وكل الأمور
طيبة والحمد لله. لا يوجد دعاة إرهاب، ولا فكر إرهاب،
ولا أجواء إرهاب، ولا مشاكل تفرّخ إرهاب!
لماذا لا توجد مقاعد للدراسة؛ ولماذا تنهب الميزانية؛
ولماذا أسعار الأراضي في بلد المليوني والربع المليون
كيلومتر مربع تقارب أسعار لندن وعواصم الغرب؛ ولماذا تنتشر
الجريمة المنظمة؛ ويختل ميزان العدالة؛ وتضيع الحقوق الأولية
للمواطن؛ لماذا لا توجد إنتخابات؛ ولماذا تنتهك حقوق المرأة
والأقليات بصورة فاضحة؛ ولماذا دخل الفرد في البحرين التي
تعيش على المعونات السعودية والإماراتية والكويتية أعلى
منه في السعودية نفسها؛ ولماذا المملكة متخلفة عن باقي
دول الخليج في السياسة والتنمية الإقتصادية وفي هامش الحريات؛
ولماذا يتلاعب بمصير الوطن حفنة من المستبدين الأمراء،
وحفنة من الطغاة الدينيين الذين سخّروا الدين لخدمة السلطان
وخدمة الفئوية؛ ولماذا وجدت في المملكة أمراض تخلصت منها
البشرية منذ زمن وعادت في المملكة دون سواها؛ ولماذا لم
نرَ أية آثار لفائض الميزانية؛ ولماذا يوجد ستة ملايين
عامل أجنبي وتوجد بطالة بنسبة لا تقل عن الثلاثين بالمئة؛
ولماذا يتردّى الوضع الصحي والتعليمي والخدمي؛ ولماذا
لم نرَ مشاريع حكومية ذات قيمة منذ عشرين عاماً؛ ولماذا
البنية التحتية مهلهلة الى حدّ تهديد جدّة كمدينة بفائض
من المياه؛ ولماذا توجد مناطق لا تتمتع بشارع ولا بكهرباء
ولا بشبكة مياه أو صرف صحي؛ ولماذا أصبح المواطن السعودي
متهماً خارج حدود دولته ويخشاه كل الناس الأقربون والأبعدون؟
ولماذا صراع الأجنحة بين الأمراء؛ ولماذا تأميم الإعلام؛
ولماذا يوجد 30% من المواطنين يعيشون تحت حدّ الفقر؛ ولماذا
يعتقل الإصلاحيون ولا يحاكموا بعد عشرة أشهر من الإعتقال؛
ولماذا يحتكر الدين والثقافة والسياسة والإعلام والعسكر
والأمن والإقتصاد بيد منطقة واحدة ويتم تهميش المناطق
الأخرى؛ ولماذا تستحوذ وزارة الداخلية والدفاع على ميزانيات
ضخمة في حين أن أكثر من 70% من المدارس بيوتاً مستأجرة؛
ولماذا يكون أسهل أمر لدى الداخلية أن تعاقب بالفصل من
الوظيفة وسحب جواز السفر؛ ولماذا أصبح الفساد خارج إطار
السيطرة ووصلت مديونية الدولة الى 700 مليار ريال؛ ولماذا
يسيّر بلدٌ بدون قانون أو نظام، ويعيش على الأوامر الفوقية
من الوزير؛ ولماذا فشل مجلس الشورى، وفشل مجلس الإقتصاد
الأعلى، وفشل مشروع مكافحة الفقر، وفشل مشروع جلب الإستثمارات،
وغيرها؛ ولماذا تحكم البلاد بلجنة مركزية من العجزة والمخرفين؛
ولماذا تهرب الرساميل من السعودية الى كل العالم بما فيها
دول الخليج؛ ولماذا .. ولماذا.. ولماذا؟
أسئلة كثيرة، يجب أن نفتش فيها عن ذواتنا وعن أخطائنا
وعن جهلنا وعن غفلتنا، قبل أن نفتش فيها عمّا يدين الآخر
ـ خارج الحدود.
ما جرى ويجري من صنع أيدينا، وعلينا أن نواجه مثل هذه
الأسئلة بشجاعة ونجيب عليها ونعمل على حلّ المشكلات.
أما دفن الرؤوس كالنعام، فإنه لا يحلّ مشكلاً ولا يمنع
مصيبة من الوقوع.
لقد أسمعت لو ناديت
حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي
|