هذا زرعكم.. وهذا حصادكم!
فات وقت الإصلاح، أو قارب على الفوات.
لكي تصلح السعودية نفسها (إقتصادياً) تحتاج الى عقدين
على الأقل لتحلّ أزمة الإدارة، وأزمة الفساد، وأزمة البطالة،
وأزمة الفقر المستشري، وأزمة اللصوص الكبار.
ولكي تصلح السعودية نفسها (سياسياً) هي بحاجة الى عقد
من السنين على الأقل، يكون مفتاحاً للإصلاح الإقتصادي
والمحاسبة وغير ذلك. الإصلاح السياسي من انتخابات بلدية
ومناطقية وشوريّة ـ برلمانيّة، تكون فيه المرأة شريكاً
كامل الشراكة، ويكون للمواطنين ـ كل المواطنين ـ صوت في
صناعة القرار، يحتاج الى المدّة المذكورة، والى مثلها
لكي تترسّخ القيم الديمقراطية في شعب هو أقلّ الشعوب احتراماً
لحرية الفكر والرأي وقبولاً للتعدديّة. هذا الوقت الطويل
هو المتوقع إذا ما توفّرت الإرادة الملكية ـ الحكومية
للعمل اليوم وفق منهج، تقول أنه متدرّج، وليس راديكالياً.
أما إذا كان المراد هو التسويف، فإن المملكة لن تصلح حتى
بعد عقود طويلة، وسيكون حتفها أقرب من إصلاحها.
ولكي تصلح السعودية نفسها (فكرياً وثقافياً) فإنها
بحاجة الى جيل جديد، أي الى عقدين على الأقل أيضاً من
السنين.. جيل يتربى ويتنفس أجواء الحريّة ويتعلّم احترام
نفسه وغيره، يعرف حقوقه وواجباته، ويحاسب نفسه قبل أن
يحاسب غيره، مسؤول عن ذاته وعن معتقده لا عن تفتيش عقائد
الآخرين ومحاكمتهم.
ولكي تتخلص البلاد من مسار الفكر الواحدي، ومن النمطية
في التفكير، ومن الغلو في المعتقد وفي تطهير الذات، ومن
بشاعة التمييز الطائفي والمناطقي المؤسس على قواعد فقهية
ما أنزل الله بها من سلطان..
ولكي تصبح مناهج التعليم خالية من المتفجرات العقدية
المتطرفة، وترسي قواعد التسامح والحب بين المواطنين قبل
غيرهم..
ولكي تتنظّف أجهزة الإعلام، وتتأسس على قواعد غير معوجة،
ويسمح للآراء بأن تظهر تحت الشمس فتناقش وتجادل وتنضبط
بضوابط القانون، وتبتعد عن التسبيح بحمد العائلة المالكة
وشكرها.
ولكي تظهر مؤسسات المجتمع المدني الثقافية منها والفكرية
والإعلامية والسياسية..
فإن البلاد بحاجة الى زمن طويل لن يقل عن عقدين. هذا
إذا ما بدأنا الآن، وحثثنا الخطى سريعاً باتجاه الأهداف
المرسومة.
أما إذا سارت الأمور على ما هي عليه، فانفجار الدولة
وتشظيها، والحرب الأهلية، وتقسيم البلاد، وسقوط العائلة
المالكة، وشيوع العنف والدم.. إن كل هذا سيكون المحصلة
النهائية للسياسة القائمة.
ولعلّ أكثرنا لا يعتقد بأن مصير الدولة المحتوم بالموت
قابل للتغيير حتى لو شُرع الآن بعملية الإصلاح.
فالشعب لا يريد الإنتظار، وعملية الإصلاح بطبعها بطيئة
لا تعطي نتائج حاسمة لمشاكل قائمة، وإنما قد تخفف منها،
في الوقت الذي لا يستطيع الكثيرون الإنتظار، وعليهم حسم
خياراتهم السياسية، باتجاه أكثر عنفاً وراديكالية.
فدعاة العنف يتغذون على مخزون الفشل والإنحلال الذي
أصاب الدولة وأدى الى تآكل رصيدها الشعبي.
ودعاة التقسيم لم تعد تغريهم العلاجات السطحية، ولا
يؤملون بأن العائلة المالكة قادرة على أن تتقدم خطوات
حقيقية باتجاه التغيير.
ودعاة الإصلاح انطفأ صوتهم لصالح أصوات الرعب
|