مصير الحكم السعودي
مراكز القوى داخل العائلة وإشارات المستقبل
يظل الحديث عن مستقبل الحكم في السعودية ذا اهمية بالغة
في ظل أوضاع شديدة السرعة في تغيرها وانقلابها، فإضافة
الى المتغيرات السياسية على المستويات المحلية والاقليمية
والدولية، فإن ثمة ما يجلب الانتباه الخاص لتحولات اخرى
مرشح وقوعها داخل بنية العائلة المالكة. فمن الناحية التقليدية
وبحسب معادلة السلطة تاريخياً فإن الاجنحة الحاكمة في
السعودية تمثلت وربما انحصرت في آل عبد العزيز وآل جلوي،
الا أن هذين الجناحين شهدا تبدلات بنيوية بفعل انتقال
ثقل السلطة الى بيت الملك عبد العزيز، وانحصار السلطة
بين أبنائه، حيث أصبح للملك المتحدر من عبد العزيز سلطة
احتكار السلطة وتجميعها في أيدي أبناء المؤسس.
وقد شهدت الحقب الماضية التي سبقت وصول الملك خالد
الى العرش وبداية الحقبة السديرية تبدلات كبيرة في مراكز
السلطة، وفور وصول الملك فهد الى العرش عام 1982 بدأت
مراكز القوة تنحصر في جناحين: الجناح السديري وجناح الامير
عبد الله، حيث تم بتر آخر ذيول السلطة الجلوية في المنطقة
الشرقية بتعيين الامير محمد بن فهد على المنطقة.. ولكن
صراع السلطة، والاستقطاب الحاد داخل العائلة المالكة منذ
مرض الملك فهد عام 1996 قد خفّض أهمية بعض الاجنحة. وفي
واقع الأمر، أن مراكز السلطة انتقلت الى بعض الاعضاء الاقوياء
في العائلة المالكة مثل ولي العهد الامير عبد الله ووزير
الدفاع الامير سلطان ووزير الداخلية الامير نايف والى
حد ما أمير الرياض الامير سلمان، فيما تضاءلت قوة أمراء
آخرين داخل العصبة السديرية، حيث شعروا بأن السلطة التي
تعاهدوا على اقتسامها بصورة متساوية صارت نهباً لأبناء
الامراء الاقوياء. وهذا بطبيعة الحال لا يدعو للقول بأن
الاجنحة الاخرى لم تعد تلعب دوراً هاماً في العملية السياسية،
وإنما واقع الأمر هو كونها تحولت الى أجزاء في اللعبة
الدائرة بين الكبار.
بالنسبة لولي العهد، الذي يعتبر الوريث الشرعي للملك
فهد حال مرضه المقعد عن من مزاولة مهام الحكم وأيضاً بعد
موته، فإن السلطة التي يفترض أنه يمارسها تمكنه، من الناحية
النظرية، من مزاولة دور حاسم في السياسة السعودية. إن
قوة ولي العهد ناشئة ليس فحسب من كونه نائباً عن الملك،
أو حتى من كونه يرأس جهاز الحرس الوطني ولكن من كونه يدير
تحالفاً قبلياً يوازن به قوة العصبة السديري التي تملك
مصادر قوية مضاهية او حتى تفوق قوة جناح الامير عبد الله،
فالاخير مازال يحتفظ بعلاقات وثيقة بالزعامات القبلية
في منطقة نجد، اضافة الى احتفاظه بسمعة طيبة نسبياً في
مجال الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يمنحه
ثقة أكبر في وصوله الى العرش بدون متاعب لا اقل من جانب
الشعب الذي يختزن بداخله غيضاً شديداً على الجناح السديري
المسؤول عن كثير من المشكلات الاقتصادية والسياسية والامنية
في البلاد.
في المقابل، وبالرغم من تلك الصورة المرضية عن ولي
العهد، الا أنه تعرض لانتكاسة كبيرة في العام حيث تسبب
في خيبة أمل كبيرة لدى التيار الاصلاحي منذ اعتقال عشرات
من الاصلاحيين في العام الماضي، وهي خطوة كشفت الى أي
حد يستيطع ولي العهد الذهاب في طريق الاصلاحات السياسية،
سيما وأن قرار ضرب التيار الاصلاحي قد تم على يد غريمه
الافتراضي وزير الداخليه، ولم يبد حينها الامير عبد الله
أي رد فعل حيال ذلك التحول الدراماتيكي والانقلاب السريع
على مزعمه الاصلاحي.
وعلى أية حال، يظل ولي العهد القائد السياسي القوي
المرشح للعب دور فاعل في السياسة السعودية في مرحلة ما
بعد موت الملك فهد واذا سارت معادلة الحكم على ما هي عليه،
بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي ستواجه الملك القادم
بسبب التحصينات القوية التي أرستها اجنحة الحكم الاخرى
داخل العائلة المالكة.
وبالنسبة للأمراء الآخرين (سلطان ونايف وسلمان)، فإنهم
يمثلون في الوقت الراهن جبهة موحدة داخل النظام السياسي
السعودي وداخل العائلة المالكة أيضاً. فهم ينتمون الى
الجناح السديري الذي ظل ماسكاً بشدة بمفاصل السلطة طيلة
أكثر من عقدين، الامر الذي سمح لهم بالتغلغل بدرجة كبيرة
في الجهاز الاداري للدولة، وفي الوقت نفسه تعزيز مواقعهم
منذ أن أقعد المرض بالملك فهد عام 1996. وخلال السنوات
الخمس الماضية، فإن قوة الجناح السديري تمركزت في الثلاثة
أمراء المذكورين، حيث تحوّلوا الى مراكز استقطاب قوية
في مقابل الامير عبد الله. فهم يسيطرون على الدفاع والامن
والاعلام في البلاد، كما يحتفظون بشبكة معقدة للغاية من
الزبائن والموالين في طول البلاد وعرضها. في حقيقة الأمر،
أن هؤلاء الى جانب ولي العهد يمثلون صناع القرار الحقيقيين
في الدولة.
واذا ما استقامت التركيبة الحالية للحكم بما هي عليه
الآن، أي في حال بقاء الملك فهد على قيدة الحياة مدة أطول
فإن النظام السياسي السعودي سيشهد تغييراً محدوداً للغاية.
يبقى القول أن سيولة الاوضاع الاقليمية والدولية ستترك
بالتأكيد تأثيراً كبيراً على السياسة السعودية، بالاضافة
الى ذلك، فإن الاوضاع الاقتصادية للسكان قد تؤول الى تصعيد
في العنف بوتائر متسارعة وربما بأشكال خطيرة ودرامية.
وهناك نقطة رئيسية يجب الفات الانتباه اليها وهو عمر
الامراء الاقوياء الحاليين، حيث أن الطبيعة ستلعب دورهاً
الكبير في التغيير، فأعمار الامراء الكبار ستحول دون استمرار
معادلة الحكم القائمة، وسيؤدي رحيل بعضهم الى تكسير القسمة
غير المتوازنة داخل أجنحة الحكم، وبلا شك فإن رحيل الكبار
سيفضي الى إضعاف مراكز القوة مهما بلغت، فهناك من المتطلعين
الى لعب دور فاعل في السياسة بعد موت الكبار. يضاف الى
ذلك، أن التغييرات المتسارعة على الاصعدة السياسية والاجتماعـ
ـ اقتصادية والثقافية غير متوافقة مع المنهج المحافظ للحكم.
وعليه، فمن المرجح جداً أن تغييراً كبيراً في تركيبة السلطة
سيتم وأن دوراً أكبر ستلعبه القوى السياسية في البلاد
في مستقبل البلاد وفي عملية التغيير الكبرى داخل السعودية.
ومن الراجح أيضاً، إن الجيل الجديد من الأمراء سيرث تركة
السلطة بطريقة تنافسية، وقد يؤدي ذلك الى تفتيت السلطة
بهدوء وقد يوسع دائرة الصراع بين بيوتات الحكم، خصوصاً
بين الابناء..
|