الإرتكاس الدرامي بعد الحادي عشر من سبتمبر
قراءة في مسيرة التحالفات الإقليمية
عبد الناصر: مشروع قيادة العالم العربي
|
لقد تعلّم آل سعود من الصراعات القبلية في مرحلة إقامة
الدولة كيفية التعاطي مع الصراعات الخارجية، وربما كانت
تلك الصراعات التجربة الاولى التي تعلم منها آل سعود الممارسة
السياسية، وفي كيفية استخدام المال في العلاقات الدبلوماسية
في سبيل اقامة تحالف صلب. وبشكل عام كانت الصراعات الداخلية
تجربة ثرية أفاد منها ال سعود في إدارة الشؤون السياسية
على المستوين المحلي والخارجي، والاهم من ذلك كله صناعة
شبكة تحالفات رصينة.
وقد إرتبطت بداية التحالفات الخارجية للسعودية بتشكل
وزارة الخارجية التي يعود تاريخ نشأتها الى عام 1930 حيث
أنشىء في مكة المكرمة مكتب رسمي لادارة الشؤون الخارجية،
بحسب الزركلي (الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، ص 94).
وقد تحوَّل المكتب الى وزارة، وهي أول وزارة سعودية رسمية
وعُيِّن فيصل وزيراً لها، حيث اتخذ الاخير قراراً بتطويرها
وقد (كلفت الوزارة بعض المؤسسات الدولية المتخصصة لاعداد
خطة لتطوير وتنظيم وزارة الخارجية على المدى القصير والمدى
الطويل، وقامت هذه المؤسسات باعداد تقرير نهائي عن خطة
تطوير التنظيم (انظر: د. محمد عمر مدني، تنظيم واختصاص
وزارة الخارجية، مجلة الدبلوماسي، العدد الاول 1980 ص
54).
وكانت تلك بداية العمل الدبلوماسي للدولة السعودية،
والتي أثمرت لاحقاً في إقامة علاقات سياسية حتى نهاية
1948 مع 26 دولة عربية وأجنبية، وبلغ عدد السفارات والمفوضيات
والقنصليات الاجنبية في المملكة عام 1950 نحو 21 ممثلية
فيما بلغت عدد البعثات الدبلوماسية السعودية في الخارج
حتى نهاية عام 1951 ما يصل الى 16 ممثلية، وقد كان عبد
العزيز يعتمد الاتفاقيات الثنائية لحسم مشاكله مع دول
الجوار والمشاكل السياسية.
وفي تتابع لتطور العمل الدبلوماسي السعودية، فقد ارتفع
عدد السفارات السعودية وبعثاتها الدبلوماسية الى الدول
الاجنبية الى أكثر من 80 بعثة كما ارتفع عدد البعثات الدبلوماسية
والسلك السياسي الاجنبي المعتمد لدى المملكة السعودية
عام 1985 الى 94 بعثة دبلوماسية (د. القباع، السياسة الخارجية
السعودية، ص 200). الى جانب ذلك شاركت السعودية في تأسيس
وعضوية عدد من المؤسسات الدولية والاقليمية من بينها هيئة
الامم المتحدة، والجامعة العربية وحركة عدم الانحياز وحتى
مؤتمرات دولية مثل الحوار بين الشمال والجنوب، والتي كانت
السعودية تستهدف تعزيز حضورها الدبلوماسي على المستوى
الدولي وتأكيد تحالفاتها مع القوى والمؤسسات على الساحة
الدولية.
لقد حاولت السعودية أن تعوّض ضعفها البنيوي من خلال
ربط نفسها باتفاقيات استراتيجية مع الدول الكبرى وفي ضخ
المال النفطي في برامج المساعدات الاقتصادية للدول الفقيرة.
فمن القواعد المتبعة لدى القيادة السعودية أنها ترجَّح
النفوذ على القيادة لعدم قدرتها وفقدانها لامكانيات عديدة
منها: الشخصية الكاريزمية التي تؤهلها للقيادة الى جانب
ضعف خبراتها في ميدان السياسة الخارجية، واهتمامها الشديد
باستقرار أوضاعها الداخلية التي تجعلها تبتعد عن الاضواء
وإثارة الحساسيات بصورة علنية، ورغبتها في تحقيق تحالفات
سرية قائمة على قدرتها التمويلية والمساعدات الاقتصادية.
ففي عام 1977 قدمت السعودية 13 قرضاً الى 11 بلداً نامياً،
ثمانية منها بلدان عربية، كما قدَّمت السعودية عام 1978
ثلاث مساعدات الى ثلاث دول تعتبر إستقرارها أساسياً لأمنها:
تركيا واليمن الشمالي وباكستان. وفي مايو 1979 قدّم صندوق
التنمية منذ نشأته حتى مايو 1979 58 قرضاً الى 32 دولة
بقيمة 7.6 مليار ريال سعودي، وشملت مصر وسوريا والسودان
واليمن ودولاً أسلامية غير عربية. وكانت سياسة الاقراض
السعودي تعتمد طريقة الجرعات لضرورة ابقاء التحالف والنفوذ
فترة أطول، كما أن المساعدات السنوية كانت تتم عن طريق
تجديد الطلب من هذه الدول المحتاجة، وهكذا الحال بالنسبة
للمؤسسات السعودية الاخرى (وكالة النقد، بنك التنمية الاسلامي،
صندوق التنمية الزراعية، صندوق المساعدات). كما قدمت السعودية
قروضاً للمغرب حين توجه جيشها لزائير، وهبة للأردن حين
قرر عام 1957 ضرب التيار الناصري، و500 مليون دولار لعمان
لتنمية منطقة ظفار بعد السيطرة عليها وتحريرها من الجيوش
الايرانية.
وفي الوقت نفسه سعت الى تحصين محيطها الاقليمي من خلال
تأسيس إطارات تعاون مشترك مع الدول المجاورة والدخول في
سلسلة إتفاقيات أمنية ودفاعية. فمن أجل مواجهة الاخطار
الخارجية، كانت السعودية تجد ملجأها في تشكيل جبهة واسعة
من الحلفاء الاقليميين والدوليين. وقد نجحت في ذلك، فقد
شكَّل الملك فيصل جبهة اسلامية عريضة ضد الناصرية والقومية
والشيوعية التي باتت تهدد وحدة المملكة، وشكّلت جبهة مشتركة
مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديد السوفييتي إبان الحرب
الباردة والتي توِّجت في المشروع الجهادي الافغاني الذي
ارتد عليها لاحقا.
الملك عبد الله: طموح الهاشميين هاجس سعودي
|
وفي مواجهة الخطر الايراني بعد عام 1979، شكّلت السعودية
أقوى جبهة من الحلفاء الاقليميين والدوليين، لجهة درء
الاخطار القريبة منها، حيث وقَّعت السعودية إتفاقية أمنية
مع البحرين في 20 ديسمبر عام 1981 بعد محاولة انقلاب فاشلة
في البحرين، كما وقَّعت إتفاقية أمنية مع كل من قطر والامارات
في 21 ديسمبر 1982 ومع عمان في 23 فبراير 1982. وسعت السعودية
أن توقع إتفاقاً أمنياً مع الكويت ولكن بقيت الاخيرة متحفظة
على هذا النوع من الاتفاقيات لما تنطوي عليه من مخاوف
التدخل في الشؤون الداخلية من قبل الجارة الكبيرة. وكان
الامير نايف ذكر في ختام زيارته للكويت في نهاية نوفمبر
عام 1980 بأن (أمن الكويت من أمن السعودية مما يتطلب وضع
إتفاقية مشتركة للأمن الخليجي)(أنظر: جريدة السياسة الكويتية
في 27 نوفمبر 1980). وكما هو معلوم فإن مجلس التعاون الخليجي
الذي تأسس في فبراير 1981 قام على أساس دافع أمني، حيث
الخطر الاقليمي بعد نشوب الحرب العراقية الايرانية، الذي
يواجه مشيخات قبلية متجانسة. ومن الضروري الاشارة الى
أن دول الخليج عموماً كان لديها مخاوف من تحول مجلس التعاون
الى إطار محكوم بقاعدة الاخ الكبير.
في المقابل، تبدو صورة أخرى شديدة التأثير على السياسة
السعودية، حيث كان للخلافات الاقليمية بين المملكة ودول
الجوار إنعكاس خطيرعلى شبكة تحالفاتها الاقليمية، فهناك
خلاف ديني وسياسي مع اليمن (مشاكل متعلقة بالحدود التي
استمرت الى ما قبل عامين والخلاف المذهبي بين الوهابية
والزيدية)، ومع عمان (مشكلة منطقة البريمي والخلاف المذهبي
بين الوهابية والاباضية)، وقد أدى ذلك الى رفض السعودية
الاعتراف بعضوية عمان في الجامعة العربية حتى سبتمبر عام
1971، والكويت (خلاف حدودي على المنطقة المحايدة)، والامارات
(خلاف حدودي على منطقة البريمي، ولهذا السبب أيضاً رفضت
السعودية عضويتها في الجامعة العربية حتى ديسمبر عام 1971
وكانت تقول (لا يمكن ان نعترف بهذه الدولة، قبل حل الصراع
القائم بين المملكة العربية السعودية وبين أبوظي على الحدود..)،
قطر (خلاف حدودي وسياسي ومحاولة انقلاب وتدخل في الشؤون
الداخلية). وبالرغم من أن البحرين حافظت على علاقات متميزة
مع السعودية ونظراً لاعتمادها على المساعدات الاقتصادية
السعودية الا أن علاقات البلدين شهدت تحولاً دراماتيكياً
في الشهور الماضية عقب توقيع البحرين على اتفاقية التجارة
الحرة مع الولايات المتحدة والتي أدت الى توتر في العلاقات
بين البلدين ووقف المعونات السعودية.
على المستوى العربي، كانت لدى السعودية مشكلات حدودية
مع العراق رغم وجود اتفاقية مايو 1938 على ترسيم الحدود،
ومن ثم مفاوضات مارس 1975 وأبريل 1976 بين الملك فهد والرئيس
العراقي المخلوع صدام حسين في الجزائر، ولكن بقيت القضية
الحدودية عالقة بين البلدين، وهكذا حول القسم الجنوبي
من المملكة الاردنية، وهي المنطقة من العقبة ومعان والكرك
ووادي سرحان وحتى مع ذروة العلاقات بين البلدين عام 1965
بقيت المشكلة الحدودية عالقة.
من جهة ثانية، عارضت السعودية المشروع الوحدوي العربي،
بل وحتى على مستوى الوحدة الثنائية بين مصر وسوريا أو
الثلاثية بانضمام العراق اليهما، وكان الملك عبد العزيز
قد عارض مشروع سوريا الكبرى او الهلال الخصيب الذي دعا
اليه نوري السعيد لأن في نجاحه تهديداً لاستقرار المملكة.
وفي المجمل، كانت السعودية تخشى من الاتحادات والكيانات
الكبيرة ففي منتصف شهر يناير عام 1947 قام ولي عهد الملك
عبد العزيز وإبنه الامير سعود بزيارة لمدة شهر للولايات
المتحدة وفي لقائه مع الرئيس ترومان عبَّر في محادثاته
عن مخاوف السعودية من وقوف بريطانيا خلف خطة الملك عبد
الله ـ ملك الاردن لاقامة سوريا العظمى. ثم أرسل الملك
عبد العزيز برقية عاجلة الى واشنطن يذكر فيها بأنه حصل
على معلومات مؤكدة تفيد بأن بريطانيا تخطط لتنصيب الملك
عبد الله حاكماً على سوريا الكبرى وطالب الحكومة الاميركية
بالتدخل السريع في القضية. وعاد الامير سعود بعد أن تلقى
تطمينات من الادارة الاميركية بأن الولايات المتحدة ستدعم
إستقلال وخصوصية الدول الاسيوية في هيئة الامم المتحدة
في حال تعرضها لتهديدات خارجية عدوانية. كما قام الرئيس
الاميركي بطلب السفير الاميركي (مسؤول الشؤون الخارجية)
في لندن بأن يخبر بريطانيا بأن الولايات المتحدة قلقة
بناء على التقارير التي وصلت اليها من العواصم الآسيوية
بشأن مشاريع الملك عبد الله بإقامة سوريا العظمى وطالب
بأن تفصح حكومة بريطانيا عن موقفها حيال هذه القضية.
وقد كانت المملكة تشعر بقلق بالغ إزاء اتساع المد القومي
القادم من مصر مما جعلها تفكر في بديل إيديولوجي لسحب
البساط من تحت عبد الناصر وقيادة التيار المحافظ في العالم
العربي، وقد شجّعها على ذلك الولايات المتحدة حيث دعمت
المملكة عدداً من الدول العربية والاسلامية للدخول في
حلف اسلامي، كان الغرض منه إفشال النظام العربي، وهذا
التحرك السعودي ساعده إستقرار الاحوال الداخلية للمملكة
بعد فشل مصر في إحداث قلاقل في السعودية وانقسام الاسرة
المالكة مستفيدة من الخلافات بين الامراء (سعود وفيصل
والامراء الاحرار) نتيجة احتكار الموارد المالية من قبل
سعود. ولكن وصول فيصل الى العرش بعد تنحية سعود بطريقة
سلمية أعاد فيصل الثقة الى العائلة المالكة التي توحدت
وراءه مما دفع بمشروع الحلف الاسلامي خطوات للامام. لقد
تبنى الملك سعود استراتيجية تستند على تهدئة عبد الناصر
بينما يتم تقوية البلاد داخلياً، وذلك بالاعتماد على الامداد
المتواصل من الاسلحة الاميركية والتركيز على تطوير قوى
الامن الداخلي.
نوري السعيد: حلف بغداد وزعامة جديدة
|
ومن حصيلة قراءة مسيرة السياسة الخارجية السعودية على
المستوى الاقليمي يمكن المجادلة بأن السعودية تعيش عقدة
النشازية، فكانت تشعر بأنها غير منسجمة مع المحيط العربي
العام، وازداد هذا الشعور بعد إنهيار الملكية في كل من
مصر والعراق وليبيا ونظام المحافظين في سوريا واليمن،
وكل ذلك بتأثير الراديكاليين العرب والعسكريين أيضاً،
وكان لذلك تأثير على قرار السعودية بإضعاف دور العسكر
والبحث عن حليف استراتيجي غربي لتعويض ضعف تحالفها العربي.
بطبيعة الحال لقد خفف عامل الثروة النفطية كثيراً من نشازية
السعودية، فقد وظّفت المال كيما يلعب دوراً فعّالاً في
ردم الهوة بينها وبين المناوئين من الحكومات العربية.
فقد كان الوضع السياسي العربي في عهد الملك سعود شديد
الاستقطاب، وكانت السعودية في وضع لا تحسد عليه بسبب العزلة
التي وضعها فيها عبد الناصر.. فقد تميزت هذه الحقبة بظهور
حلف بغداد عام 1955 ثم أعقبه العدوان الثلاثي على مصر
عام 1956 ثم اعلان مبدأ ايزنهاور عام 1957 لملأ الفراغ
الناشي عن انهيار القوتين العظميين آنذاك بريطانيا وفرنسا
وبدء الحقبة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط، وقد أدى
مبدأ إيزنهاور الى تدهور حاد في العلاقات السعودية المصرية
وأزمة النظام اللبناني في عهد كميل شمعون عام 1958 وسقوط
النظام في العراق في نفس العام وقيام الجمهورية العربية
المتحدة عام 1958 وانفصال سوريا عام 1961 والانقسام العربي
الى معسكرين: اشتراكي قومي ومحافظ، وقيام نظام جمهوري
في اليمن، واستلام البعثيين السلطة في العراق وسوريا عام
1963 وحرب التحرير الجزائرية.. هذه الاحداث دفعت الحكومة
الى الانكماش واتخاذ الحيطة والحذر قبالة تلك التطورات
الخطيرة والتي فرضت طوقاً شديداً على السعودية.
ولكن مع وصول الملك فيصل الى العرش عام 1964 ثم سقوط
الناصرية بعد هزيمة 67 ثم رحيل عبد الناصر عام 1970 بدأت
بوادر انفراج في التحالفات السعودية الاقليمية، حيث برز
نجم فيصل الماهر سياسياً. في واقع الأمر، أن عام 1969
ـ 1970 كان عاماً حاسماً بالنسبة للسعودية، حيث دخلت الاخيرة
حقبة جديدة بوصول رئيس جديد لمصر انوار السادات وبقاء
الملك حسين على العرش بعد فشل محاولة اسقاطه من قبل الجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش مدعوماً من كتائب
سورية.
فراغ القوة في المنطقة تم ملؤه بعد الانسحاب البريطاني
من الخليج على الفور من قبل قوتين كبريين: الولايات المتحدة
والاتحاد السوفييتي. وبينما حصل السوفييت على نفوذ في
العراق قام أنور السادات بطرد المستشارين الروس من مصر،
وقد حظيت مصر بإهتمام السعودية في حقبة ما بعد عبد الناصر،
حيث قدّمت السعودية لها قروضاً بهدف التخلص من المستشارين
السوفييت والابتعاد عن ليبيا القذافي.
ومنذ رحيل عبد الناصر دخلت السعودية كلاعب مركزي في
السياسة العربية، وهذا ما جعل الموقف منها حاداً بين كاره
لسياستها ووجودها وراغب في الحصول على جزء من ثروتها،
وبحسب وليام كوانت فإن (السعوديين متورطون في تعقيدات
السياسة العربية، ويمكن القول بأنه ما من حركة او حزب
أو فصيل في العالم العربي لم يشهّر بالسعوديين أو أن يحاول
الاطاحة بهم أو الحصول على دعمهم) وقد بقي هذا الموقف
المزدوج سائداً حتى اليوم، فكثير من الذين يحنقون عليها
ويتمنون زوالها يطمعون في الحصول على حصة من ثروتها.
وقد سميت فترة السبعينيات بـ (الحقبة السعودية) للدور
الفاعل الذي لعبته المملكة على الصعيد العربي واتضح في
دورها في الخلاف المصري ـ السوري بعد توقيع إتفاقية فك
الارتباط الثاني، وفي الحرب الاهلية اللبنانية، وفي إثارة
موضوع امن البحر الأحمر، وفي الأزمة بين شطري اليمن عام
1978 وفي الأزمة بين الاردن وسوريا عام 1980 وفي أزمة
الصواريخ السورية في لبنان عام 1981. ومع ذلك لم يصدق
عليها مسمى (الدولة القائدة) لافتقارها الى عوامل عديدة
(مثل عدد السكان والتعليم والقاعدة الصناعية والتكنولوجية
والقدرة العسكرية ونظام الحكم علاة على الرغبة في قيام
الدور ووجود الدبلوماسية السياسية التي تمكن من القيام
به) (أنظر: جميل مطر وعلي الدين هلال، النظام الاقليمي
العربي ص 194).
لقد كسرت السعودية في السبعينيات التقاليد السياسية
العربية في التقدمية والوحدة والحرية، واستطاعت ان تخلط
الاوراق الايديولوجية، وجاءت فترة الثمانينيات لتنهار
التصنيفات القديمة على قاعدة ايديولوجية بين اليمين واليسار
العربي، واستطاعت ان تفك الطوق المفروض عليها بفعل توجهها
المحافظ، ونجحت في استمالة اليسار العربي المتشدد، واحتواء
اليمين العربي عن طريق استعمال المال النفطي كسلاح فعال
في الدبلوماسية السعودية على المستوى الاقليمي.
ولكن هذا التحالف العربي الذي صنعته في الثمانينات
كشف عن نفسه في أزمة الخليج الثانية، حيث انقسم النظام
الرسمي العربي على نفسه ووجدت السعودية نفسها امام تيار
عربي معادٍ مما اضطرها لصناعة حلف بديل يضم سوريا ومصر،
فيما كان الشارع العربي يغلي بالعداء ضدها بفعل تحالفها
مع الولايات المتحدة.. وفي الواقع ان بداية التسعينيات
شكلت بداية إنهيار التحالفات القديمة، ونقطة تحول دراماتيكية
في السياسة الخارجية السعودية. فقد بدأ الحلفاء القدامى
يبحثون عن الاقوياء وفي صناعة تحالفات مؤسسة على المصالح..
وكانت دول الخليج أول من بدأ خطوة تفتيت التحالف الاستراتيجي
بين دول مجلس التعاون عن طريق التوقيع على اتفاقيات أمنية
مع الولايات المتحدة.
وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 لتعيد السعودية
الى نقطة الصفر، حيث انهار نظام التحالف الاقليمي من القواعد،
وبدأت السعودية ترتد الى داخلها بفعل الضربات المتتالية
التي تلقتها بفعل عامل العنف الذي بدأ بالانتشار بطريقة
مخيفة في بقع عديدة من العالم والذي شمل الدول المجاورة.
ولا يمكن إغفال ضعف العامل الاقتصادي في التراجع الحاد
في السياسة الخارجية السعودية، حيث لم تعد الاخيرة قادرة
على ضخ المزيد من المال في مشروعات التحالف بفعل الازمة
الاقتصادية الحادة في الداخل.
وكحاصل نهائي، فإن السعودية تعيش في الوقت الراهن أسوأ
مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لعقود
طويلة ودفعت فيها مئات المليارات من الدولارات، ولم تحصل
على سوى القليل منها في زمن الأزمات. ويظل السؤال: هل
يمكن لها أن تعيد بناء تحالفاتها الاقليمية على أسس جديدة،
وهل هي قادرة على لعب دور القطب في السياسة العربية بعد
الآن.. اسئلة مشروعة ولكن المستقبل لا ينبىء عن حدث غير
عادي.
|