رسالة العوفي للزرقاوي
استراتيجية بديلة أم رسالة التسوية مع الحكومة
في شريط صوتي بثه موقع صوت الجهاد على شبكة الانترنت
في السابع عشر من مارس، بدأ بقصيدة مهداة الى أبي مصعب
الزرقاي، المسؤول عن العمليات الارهابية داخل العراق،
بعث صالح العوفي قائد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية
برسالة تحت عنوان (رسالة الى المجاهدين في العراق)، وهي
حسب العوفي (رسالة من المجاهدين في أرض الحرمين الى المجاهدين
في بلاد الرافدين) والى إمام المجاهدين ابي مصعب الزرقاوي.
وقد أعرب العوفي عن استعداد تنظيمه للوقوف مع جماعة الزرقاوي
وتزويده بالمجاهدين والتصدي لعمليات انتقال المساعدات
والاسلحة لاعداء المجاهدين من داخل الحدود السعودية الى
العراق. وقال العوفي (لن نتوانى عن نصرتكم بكل ما نملك..
وسنرسل لكم المقاتلين والاستشهاديين متى ما احتجتم وستجدوننا
حصنا منيعا). كما دعا العوفي في رسالته الصوتيه (الاخوان
في قطر والبحرين وعمان والامارات وجميع أسود الجهاد في
الدول المجاورة للعراق) الى (ضرب كل منا ما على ارضه من
جنود وآليات وقواعد وطائرات للصليبيين).
ودعا كل المجاهدين في الخليج للاستعداد من أجل تركيز
الجهود في العراق من أجل تفادي ما اعتبره خطأ التجربة
الافغانية، حيث عدّ انتكاسة دولة طالبان وانهيارها جاء
نتيجة خذلان الدول المجاورة وأبرزها باكستان التي تركت
دولة الطالبان طعماً لنيران قوات التحالف.
لعلها من المرات القليلة التي يعلنها تنظيم القاعدة
في الجزيرة العربية صراحة عن ارتباطه الوثيق بكل الانشطة
العنفية في منطقة الخليج، ولأول مرة أيضاً يضع نفسه على
خط مواجهة مفتوحة في الخارج، مما يعزز الرأي القائل بأن
عناصر تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية قد انتقلت الى
داخل العراق والانضمام الى جماعة الزرقاوي والانخراط في
العمليات الارهابية التي تقوم بها هذه الجماعة في مدن
وقرن العراق. إن هذا التوجه الجديد لدى العوفي يعيد إحياء
السيناريو القديم الذي تحدثت عنه بعض المصادر سابقاً حول
تسوية بين أحد أجهزة وزارة الداخلية وتنظيم القاعدة، والتي
تقضي بأن ينقل أفراد التنظيم عملياتهم الى داخل العراق
على أن يفرج عن أفراد التنظيم المعتقلين في السجون السعودية
وأن يحظوا بتسهيلات لوجستية خلال عمليات الانتقال الى
العراق.
ونتذكر هنا أن العوفي كان يعارض بشدّة نقل عمليات التنظيم
الى خارج الحدود، ويصرّ بشدة على تركيز العمل الجهادي
في داخل السعودية، بل على الضد من زعيم التنظيم السابق
عبد العزيز المقرن، فإن العوفي يميل الى الاصطدام برموز
النظام. فمالذي تبدّل في توجهات العوفي بل والتنظيم الجهادي
المرتبط بالقاعدة، مع التذكير أيضاً بأن خطاب بن لادن
قبل نحو شهرين يشكل مرتكزاً لتوجه التنظيم الجهادي في
الاصطدام بالعائلة المالكة بوصفها فاسدة ومتواطئة مع الكفار
وقوى الشر الممثلة في الولايات المتحدة. لاشك أن ثمة شيئاً
ما قد حدث، لأن فتح الجبهة الجهادية على أفق واسع لم يكن
وارداً في أجندة التنظيم الجهادي الذي يقوده العوفي، بل
كان الاخير متمسكاً بخياره المحلي، وعدم تشتيت الجهد في
عمليات قد تنسيه هدفه المركزي، ولاعتقاده أيضاً بأن في
العراق ما يكفي من المجاهدين القادرين على تحمّل أعباء
العمل الجهادي، على العكس من السعودية التي يظل أسير حاجة
لحضور نوعي من الجهاديين القادرين على الاضطلاع بأدوار
مركزية في مشروع الجهاد ضد قوى الشرك والضلال والذي يندرج
في إطار عملية تطهير الجزيرة العربية من المشركين!
لماذا أعلن العوفي عن استعداده لخوض المعركة في العراق
جنباً الى جنب مع المتطرف الاردني أبو مصعب الزرقاوي،
ولماذا يصرّ على الاندراج في خط جهادي موحد مع جماعات
اخرى في الخليج بما يوحي وكأنه يمثل الزعامة المركزية
لها. هل ان الانكسار التنظيمي داخل السعودية أجبر العوفي
على نقل معركته مع النظام الى جبهات اخرى تؤدي غرضاً بل
أغراض غير مباشرة مضّرة بالنظام السعودي.. إن ما يدعو
للريبة هو توقف عمليات التنظيم الجهادي المرتبط بالقاعدة
داخل السعودية، بما يثير شكوكاً حول صفقات سرية بينه وبين
وزارة الداخلية، سيما وأن الوساطات لم تتوقف بين مشايخ
سلفيين وقادة التنظيم من أجل وقف العمليات في الداخل والحصول
على تسهيلات مادية وضمانات أمنية للانتقال الى خارج الحدود.
ولكن في المقابل، هل أن إعلان العوفي عن اصطفافه الى جانب
الزرقاوي هي خطوة يائسة للخروج من الحصار المفروض عليه
في داخل السعودية، وبالتالي الدخول في لعبة أوراق المناورة
السياسية مع النظام.
خروج العوفي عن صمته بهذه الطريقة السافرة والاستفزازية
قد تحمل تفسيرات متعددة، ولكنها في الوقت نفسه تحمل معها
شكوكاً، فكسر حاجز الصوت بهذه الطريقة غير المألوفة او
المعهودة عن تنظيم بل وعن زعامة تراهن على الداخل بدرجة
أساسية وربما وحيدة، لا بد أنه يثير الاستغراب والدهشة،
لأن في خطابه خروجاً على الاستراتيجية الجهادية للتنظيم،
وليس خطوة تكتيكية، فبينما تتوقف عمليات التنظيم في الداخل
بصورة لافته وشبه تامة، يعلن العوفي عن استعداده لتزويد
الزرقاوي بالمجاهدين من بلاد الحرمين، وبينما كان يلحّ
التنظيم على اعتبار السعودية منطلقاً لعمليات التطهير
من المشركين والاوروبيين والاميركيين، أصبحت السعودية
استثناءً من هذه العملية، بل تحوّل العراق المستبعد من
خارطة عمليات التنظيم الجهادي في السابق وبالتحديد من
قبل الزعامة الجديدة، أي العوفي، الى ساحة الحرب الكبرى
التي يجب ان تدور رحى معارك المواجهة عليها ضد الصليبيين
واعوانهم..
لاشك أن طفرة ايديولوجية وسياسية بهذا القدر لم تكن
متوقعة ما لم تسبقها او تخفي بداخلها ترتيبات سرية، ولربما
نجح الوسطاء السلفيون من المشايخ في إنجاح الصفقة الشاقة
بين التنظيم الجهادي والأجهزة الأمنية. واذا ما صحّ الخبر
فإن عمليتي وزارة الداخلية ومدير الامن العام كانت الورقة
الرابحة التي دفعت وزارة الداخلية للقبول بشروط التنظيم
وأبرزها تسهيل عمليات الانتقال للخارج، وتحديداً لداخل
العراق. يضاف الى ذلك خبر آخر أن ما شجّع وزارة الداخلية
على الذهاب مع خيار التسوية مع التنظيم هو خطاب بن لادن
الذي كان يحمل رسالة تهديد مباشرة للعائلة المالكة بأن
ستبدأ حملة التصفيات ضد رموز النظام.
|