ما بين العوفي والزرقاوي
إختلافات على الزعامة والإمكانات الماديّة
يتساءل أبو مصعب الزرقاوي في رسالة نادرة موجهة الى
قيادة وأعضاء القاعدة في السعودية عن سرّ تقلّص عملياتهم
العسكرية ضد الصليبيين في (بلاد الحرمين)! مشيراً الى
أن حجّة مقاومة الأميركان في السعودية لا يجب ان تبرر
عدم (شحن) مجاميع سعودية سلفية متطرفة للقتال في مليشياته
على أرض العراق.. فهو ـ أي الزرقاوي ـ لا مانع لديه كما
قال باستضافة المقاتلين السعوديين ـ طلاب الشهادة ـ فلديه
(مشاريع قتل) كثيرة؛ وهو لن يمانع ـ بل يطالب ـ بأن يعترف
له ـ أي للزرقاوي ـ بأنه الزعيم الأوحد في المشرق العربي
للقاعدة، وأن (القواعد) الصغيرة يلزمها طاعته، بل ان الزرقاوي
ـ وكما توحي كتاباته وتقريراته ـ يسعى لمناطحة زعيم القاعدة
الأًصلي أسامة بن لادن، الذي يبدو أنه ملزم بتحمّل تبعات
مغامرات الزرقاوي على مضض، طالما أن الأخير يقوم بالعمل
القذر للقاعدة.
صالح العوفي ـ زعيم القاعدة في السعودية منذ نحو عام
ـ كان يعيش بياتاً شتوياً، جعل الحكومة تعتقد بأن الرجل
قد قتل، أو أشاعت ذلك لإخراجه عن صمته ومعرفة ماذا يفعل؟!
كان الرجل ولازال يلملم صفوف أتباعه بعد اغتيال القائد
السابق؛ وهو قد رفض دعوات سفر الحوالي للخروج الى العراق
لمقاتلة (الروافض والنصارى هناك) من أجل سلامة أهل التوحيد
وبلاد التوحيد! وكانت حجّة العوفي كما قالها في بيان فضح
فيه الحوالي أن كل واحد من (مجاهدي التوحيد) ملزم بسدّ
الثغرة التي أمامه والقيام بالمرابطة في الثغر المسؤول
عنه، مشيراً الى أن مقاتلي القاعدة في السعودية بنشاطهم
المتزايد يقدمون خدمة لنظرائهم في العراق، وهكذا.
زعيم القاعدة الجديد في السعودية بدا ـ من خلال بيانه
الصوتي ـ أنه لا يقل عن الزرقاوي رعونة وجهلاً وتطرفاً،
وقد كانت لغة بيانه ركيكة ومنطقه ضعيف، حيث أعاد التأكيد
بأن (الخنزير) بحاجة الى لسعات كثيرة من كل الجهات وليس
جهة واحدة! مشدداً على دور الزرقاوي وممتدحاً إياه، وكأنه
طبّال له لا ندّاً، فهو يقرأ أشعار تتغنّى بجهاد الشيخ
الزرقاوي، ويردد عبارات تقسم بأنه سيظل وفيّاً للمقاومة
التي يقودها أسود التوحيد الزرقاويون! ولأن زعيم القاعدة
في السعودية لم يقم بأعمال باهرة حتى الآن تقنع الزعيم
الزرقاوي الأكبر في العراق بأن نشاط القاعدة في السعودية
مهماً، لهذا صار ضعيفاً في منطقه، وأعلن استعداده تزويده
بالمقاتلين السعوديين الذين يفجرون أنفسهم في أي تجمع
(شيعي) بغية اشعال حرب طائفية، لازال الزرقاوي يراها مقدّمة
لتخريب المشروع الأميركي!
بكلمة أخرى فإن الماء الذي في فم العوفي كان كثيراً،
وقد أراد تأكيد أن المواجهة في السعودية لها الأولوية
وإن كان ذلك لا يمنع مدّ الزرقاوي بالدعم، فهذه السياسة
تتناسب مع رؤية التيار الوهابي المتطرف بنقل المعركة الى
خارج الحدود؛ وقد ظهر من خلال بيان العوفي أن هناك مراتبيّة
بين القيادات القاعدية، فمن يقتل أكثر له موقعية أكبر
بين الجمهور السلفي في السعودية والخليج والعالم العربي.
فابن لادن يأمر بطاعة الزرقاوي في صفقة لا تعلم تفاصيلها؛
والزرقاوي يتحرش بقاعدة السعودية مطالباً بالرئاسة ومن
ثم الدعم لمشروعه في العراق، والعوفي زعيم قاعدة السعودية
ينحني ويثني على الزرقاوي ويلتمس منه العذر بأن لا يذهب
بعيداً في تجريده من كل قواه من المال والرجال! ثم يأمر
العوفي من هم أدنى منه وهم رجال القاعدة في الكويت ليدعموا
الزرقاويين في العراق، وهكذا!
كل هذا وأمراء الحرب يشعرون وكأنهم يتقاسمون سلطات
متوفرة بالفعل، ويقررون خيارات الشعوب، ويشرعنون الذبح
على الهوية، ولا يوجد أحدٌ غيرهم على الطاولة يشاركهم
المصلحة أو الفكر.. بحيث يشعر المتابع بأن التيار السلفي
العنفي الممتد من أفغانستان ماراً بالعراق والسعودية ودول
الخليج وحتى انتهائه في الجزائر والمغرب ـ إن كانت هذه
نهايته، فقد بوصلته السياسية، ولم يبق لديه سوى أداة عنف
غير معقلنة بل تعمل خلافاً للمشروع السياسي الذي يريده
ممارس العنف، إن كان هناك مشروعاً سياسياً واضحاً؛ على
الأقل في المسائل الأساسية، فإن ممارسات الزرقاوي، والخطابات
العلنية المتبادلة بينه وبين العوفي، وبين ابن لادن والزرقاوي،
كلها جاءت في ظل منتج عنفي أعمى لا يقرّه عقل ولا دين،
وهو بالتالي يرسم مستقبلاً آفلاً للقاعدة في أكثر من بلد؛
وأول ما يسقط هو مكانة هذه الزعامات من النفوس. فليس مقتلة
125 في الحلّة يمكن تبريرها بمثل ضربة برجي نيويورك! ولا
قطع رؤوس المسلمين من الأتراك والأكراد والعراقيين وغيرهم
تتساوى مع قطع رأس بول جونسون في الرياض! وإن كان كلا
الأمرين بشعين، بل بالغي البشاعة، خاصة حين يوضع رأس الأخير
البريء في (الثلاجة)!
|