معضلة الشورى السعودية:
نمط السياسي المفرغ من السياسة
د. مضاوي الرشيد
سبقت زيارة ولي عهد السعودية الامير عبدالله الى فرنسا
سلسلة من القرارات الملكية منها زيادة عدد اعضاء مجلس
الشوري، هذه المؤسسة التي مضى على تأسيسها اكثر من عقد،
فارتفع العدد من 120 عضوا الى 150 عضوا. معظمهم من حملة
الشهادات العالية كالدكتوراة مثلا. مهد هذا القرار لزيارة
فرنسا حيث علق جاك شيراك عليه وكأنه خطوة جريئة تقود ليس
السعودية فقط، بل المنطقة العربية نحو الديمقراطية على
الطريقة السعودية. جاء هذا الثناء والمديح بعد قبلات حميمة
تم تبادلها وفقا للبروتوكول والدبلوماسية على عتبات قصر
الاليزيه المقدسة، تم بعدها الاتفاق من حيث المبدأ على
شراء 96 طائرة رافال من شركة داسولت وقدرت قيمة الصفقة
بمبلغ 6 مليارات يورو. وهذا الاتفاق يعتبر حسب جريدة الفايننشل
تايمز جزءا من عقد دفاعي صناعي تقدر قيمته الاجمالية بمبلغ
20 مليار يورو. وها هي الصورة تتضح شيئا فشيئا من خلال
التقارير المتناقلة اعلاميا عن هذه الزيارة، فبعد ان تعهدت
السعودية الإلتزام بتفاصيل الصفقة، لا يسعنا الا ان نستوعب
خلفية اطراء شيراك وتحمسه لمشروع الشورى السعودي، حيث
اصبحت الكمية (مئة وخمسون عضوا) البديل لنوعية هذه الشورى
ومدى صلاحياتها وقدرتها على العمل باستقلالية.
شيراك كغيره من المراقبين للشأن السعودي يعرف تماما
معضلة الشورى السعودية، ولكنه يريدها ان تبقى كما هي،
لانها لو تغيرت او عُدلت بشكل يضمن تغيير نوعيتها، بل
قلبها من شورى معينة استشارية الى شورى منتخبة لها حق
المحاسبة، لو حدث ذلك، لكانت صفقة الطائرات هذه ليست من
تدبير حلقة صغيرة من المنتفعين والسماسرة، بل من صلب العمل
الذي يقوم به مجلس الشورى، فهو الوحيد الذي يصدق على عقود
تجارية وعسكرية وصناعية، وليس زمرة مرتبطة بحلقات اميرية
لها حصصها ومخصصاتها التي ترتبط بكل عقد تجاري، وهذا عادة
ما يكون من صلاحيات المجالس الشورية المنتخبة.
يعلم شيراك علم اليقين انه بنفسه وفي دولته لا يستطيع
ان يشرع اي قانون او يعقد صفقة دون عرض الامر على برلمانه
المنتخب. ينسى او يتناسى شيراك ان قانون منع الحجاب في
المدارس الفرنسية كان يتطلب مثل هذه الموافقة البرلمانية
قبل ان يتم العمل بموجبه، وربما انه ينسى او يتناسى انه
لا يستطيع شراء اي معدات لوزارة ما دون موافقة طيف كبير
من اجهزة الدولة التي تخضع للشفافية والمحاسبة. هذا بالاضافة
الى أعين الصحافة التي تراقب وتفضح ما استتر. اشادة شيراك
بالديمقراطية السعودية كانت طقسا سياسيا لا بد لملايين
اليوروات من تدعيمه وتأصيله. ومع الأسف فإن الضحية الاولى
والاخيرة لهذه الطقوس السياسية التي تتكرر عند كل موسم
زيارة للعتبات المقدسة هي الثروة الوطنية والمال العام.
ومن المؤكد ان صفقة جديدة هي في طور التبلور وستظهر قريبا
عند زيارة اقدس العتبات الا وهي مزرعة كروفورد في تكساس،
حيث ستكثر الاضاحي مقابل الثناء ليس فقط على الشورى السعودية
التي تزداد صلابتها يوما بعد يوم او بالاحرى عقدا بعد
عقد، بل على سلسلة من الاجراءات القمعية ضد الشعب واعلامه
ورموزه، منها سجن الاصلاحيين وقتل الارهابيين او المصنفين
هكذا.
معضلة الشورى السعودية منذ بدء التشدق بها في اوائل
التسعينات وبعد اكثر من اربعة عقود من الوعد بها (في فترة
الستينات) تتلخص في كونها تعمل بمبدأ تفريغ السياسة من
مضمونها. هذا المبدأ يرتكز ايضا على مفهوم اسطورة الخبير
اي التكنوقراطي القادر على تدبير شؤون الدولة اليومية
وايجاد الحلول العلمية او المبنية على هذا العلم من قبل
ذوي الاختصاص. فبحفنة من الدكاترة في علم الآثار وثانية
من المؤرخين وثالثة من علماء الاجتماع والنفس ورابعة من
اعلام الثقافة الاسلامية وخامسة من فطاحلة اللغة العربية
وسادسة من حملة شهادة الادارة العامة وسابعة من علماء
الفيزياء والكيمياء او غيرها من العلوم الحديثة، يكتمل
عندها النصاب، اذ نحن هنا بصدد شريحة تعكس التطور الحضاري
للمجتمع بشكل عام!. ومن ثم تبدأ سلسلة توزيع الحصص المناطقية
فالى جانب الاكثرية من منطقة جنوب نجد والقصيم، القلب
النابض بالولاء للنظام السعودي تاريخيا على الاقل، يجب
تطعيم مجلس الشورى بعينات حجازية مثقفة واخري من المنطقة
الشرقية.
المنافق شيراك: هل قبض ثمن المديح؟!
|
ان بقيت بعدُ كراسي شاغرة فالاولى ان يتنصب عليها بعض
الشخصيات من المناطق النائية كالمنطقة الشمالية او المنطقة
الجنوبية، وهي مناطق حدودية ارتبطت في ذهن النظام بالقلاقل
والاضطرابات، وهي مطعون دوماً في ولائها، اذ ان بُعدها
عن المركز في الرياض وارتباط مجتمعها بعلاقات حميمة مع
اهل وأقارب وجدوا انفسهم يوما ما خارج حدود الدولة القطرية
المسماة سعودية كان كفيلا للتشكيك بولائها. هذا التشكيك
يتصاعد يوما بعد يوم بعد احداث العراق واحتلاله، خاصة
فيما يتعلق بالمنطقة الشمالية. يعتمد النظام السعودي في
توزيعه للكراسي التكنوقراطية والمناطقية على قاعدة الولاء
المطلق، فلا يتم الاختيار الا حسب هذا المعيار المهم رغم
كل الحملات الدعائية التي تصور هذه التركيبة للشورى السعودية
على انها محاولة لاستيعاب المناطق عن طريق اختيار شخصيات
يمكن ان تمثلها. اما المعيار الآخر فهو عادة ما يُبنى
على اساس اختيار السياسي المفرغ من السياسة والذي يُستشار
ولا يشور على النظام في أمور من صلب العمل السياسي، منها
مثلا الامور التي تتعلق بالسياسة الخارجية والاهتمامات
العسكرية او العقود الاقتصادية وتوزيع الثروة.
تركيبة الشورى السعودية هذه تجعلها تكرس مبدأ الدولة
كغنيمة تتقاسمها شريحة عريضة من الامراء بمساعدة طاقم
عريض ايضا من العوائل والتكتلات الاجتماعية والتي تختار
من قبل رأس الهرم على اساس ولائها وليس على اساس تمثيلها
للمناطق التي تنتمي اليها. واذا قارنا هذه الشورى السعودية
بتجارب امم اخري مرت في مرحلة التعيين قبل الانتخاب نجد
ان التجربة السعودية فريدة من حيث كونها تعتمد على انتقاء
ستين او تسعين او مئة وخمسين فردا ليس لهم اي بُعد اجتماعي
او اقتصادي او غيره سوي كونهم من حملة الشهادات الآتين
من بعض المناطق. وان طرح موضوع تمثيلهم لهذه المناطق المزعوم
لا يسعفنا في إيجاد اي معيار يخولنا لقياس هذا التمثيل.
اذا اخذنا برلمانات اوروبا المعينة في العصور الغابرة
كبرلمانات بريطانيا فسنجدها في الماضي ترتكز على مبدأ
تمثيل تكتلات اجتماعية حقيقية، ورغم ان مشاركتها السياسية
فإنها كانت مرتكزة على تعيينها من قبل الملك. كان لبعض
هذه الشخصيات المعينة مصالح اما اقتصادية او عسكرية او
حتى معنوية ضاربة جذورها في منطقة معينة؛ لذلك كان الملك
مضطرا لان يتركها في اللعبة السياسية والا تمردت عليه
وعصت أمره. فرغم التعيين هذا نجد ان مبدأ التمثيل هو الذي
يحدد مسار العملية السياسية.
اما شورانا السعودية هذه فتقوم على قواعد خاصة بها
يصفها بعض المراقبين على انها عملية بيروقراطية قاصرة
على حل معضلات الساعة وغير قادرة على التعاطي مع المسائل
المصيرية، لا من الناحية المعرفاتية بحكم الخبرات التقنية
والتخصصات المتعددة كما ذكر سابقا ولا من ناحية التمثيل
المناطقي المزعوم. فمنذ بداية الشورى السعودية نجد ان
حلول الطاقم التكنوقراطي قد فشلت في استيعاب الكثير من
المشاكل الداخلية وخاصة الاقتصادية والتربوية والاجتماعية،
بل حتى على صعيد تطوير البنية التحتية كتوفير الخدمات
الصحية والنقل والمياه وغيره من مستلزمات الحياة بشكل
عام.
الفشل في حل معضلة البطالة والتأهيل العلمي التربوي
والتخطيط المستقبلي لا يزال مسيطرا على التطور الداخلي
ومسيرة التنمية المبتورة، رغم عقود طويلة وسلسلة من الخطط
الخماسية التي شارك في اعدادها الطاقم التكنوقراطي المحلي
بمساعدة نظيره العالمي الذي يبيع خدماته للنظام بأسعار
باهظة تنعدم فيها فرص المنافسة بين مقدمي الخدمات بسبب
انعدام الشفافية والسرية التي على اساسها يتم اختيار شركات
المساعدات الغربية. فأين الشورى السعودية من موضوع اليد
العاملة الاجنبية؟ واين هذه الشورى من صفقات الاسلحة والطائرات
والتي أثبتت عجزها عن صد اي عدوان خارجي او هزات امنية
داخلية والتي تطلب التعامل معها بجيش كبير من المرتزقة
العالمية والعربية والاسلامية وكميات ضخمة من التكنولوجيا
المستوردة.
الشورى السعودية هيكلية هشة لا تمثل الا ذاتها مهما
حاولت اقناع الآخرين بأنها تمثل المناطق والكتل الاجتماعية
او حتى بعض الطوائف، اذ ان زيف هذا التمثيل يتجلي بوضوح
عندما تم اضافة ثلاث او اربع شخصيات شيعية للمجموعة الشورية
حتى ترضي الاقلية الشيعية او ربما الاصوات الامريكية التي
تسهر على مصالح الاقليات الدينية، وليس من المستبعد في
دورة قادمة لمجلس الشورى ان يتم تعيين بعض النساء ليجلسن
على شرفة عالية يراقبن ويقترحن ويبدين رأيهن فيما يخص
العنصر النسائي من امور هن اعلم بها، عندها ربما ترضى
اصوات حركة النساء النهضوية في امريكا عندما تجد ان اختها
في السعودية قد فتح لها المجال ان تشارك في مجلس شورى
فرغته سياسة النظام من السياسة.
وفي انتظار زيارة العتبات المقدسة في كروفورد لا يسعنا
الا ترقب الاعلان عن ثمن الاطراء والمديح الذي سيصبه بوش
في كأس النظام السعودي ليتجرعه بلذة ونشوة خاصة عندما
يكون الموضوع المطروح الاصلاحات السياسية والدور القيادي
للديمقراطية القادمة. فكم طائرة ستحلق في طريقها الى السعودية
مقابل هذا المديح يا ترى؟
نصيحتنا لشيراك التريث قليلا قبل الاطراء، اذ ان صفقته
التي اعتقد انه قد فاز بها لا تزال قيد الدرس وتخضع لسلطة
ورقابة ليس مجلس الشورى السعودي، بل لرقابة توعد الجميع
وهي رقابة بوش، فكما هو يوزع الحصص في العراق الجديد لا
بد ان شيراك يعلم ان احتكار الحصص من قبل الشركات الامريكية
ليس بالامر الذي يمكن تجاوزه بسهولة في بلد كالسعودية
رغم كل الجهود السعودية التي تطمح للتعددية في مصادر الاستيراد.
اما في مجال اعطاء الرأي بموضوع الشورى السعودية فكان
الاحرى به ان يردد المثل الفرنسي المشهور: كلما تغير كلما
بقي على حاله !
القدس العربي ـ 17/4/2005
|