بدأت الديمقراطية السعودية من سجني عليشة والحاير
وانتهت بقصر الإليزية بباريس
لم يزل غبار عملية الرسّ العسكرية والتي طال أمدها
نحو الأسبوع يعكّر الأجواء الأمنية في المملكة، فهي عملية
أقل من أن توصف بأنها انتصار في معركة، بل هي الى بداية
معركة من نوع آخر.
العنف الذي يعصف بالبلاد، والإعتقالات المستمرة لرموز
الإصلاح، وضآلة الإصلاحات المقدّمة، وتمنّع آل سعود من
الإقرار بانتخاب أعضاء مجلس الشورى.. كل هذه الأمور لم
تكن كافية لتقنع الرئيس الفرنسي جاك شيراك بأن مملكة آل
سعود لا تتواءم مع الديمقراطية ولا تتقبل الإصلاح، وأنها
في تضاد ليس مع قيم الإسلام التي لا يدركها شيراك، بل
مع مبادئ الثورة الفرنسية.
فلماذا خرج علينا إذن وهو يكيل المدائح ويحرق البخور،
ومملكة آل سعود هي هي لم تتغير بعد، وليس في نيتها التغيّر؟
لماذا لم يصمت شيراك عن انتهاكات حقوق الإنسان في مملكة
الزيت والدماء، على الأقل، إن كان لا يريد إحراج ضيفه
السعودي، ولا يريد تخريب صفقات بليونية قادمة؟ ولماذا
راح يزايد على (صلاح) نظام هو الأقل مطواعية للتغيير والإصلاح
في كل المنطقة العربية؟
جاء ولي العهد السعودي من صحراء نجد محملاً بالدولارات
واليوروات! الى باريس ينثرها على ألعاب عسكرية وصفقات
وسمسرات بغرض تقوية الجيش السعودي بشتى فصائله بما فيه
الحرس الوطني!
هذا الجيش (الأبكم) لم يستطع أن يدافع عن أرض ولا عرض
حتى قبالة جيوش هي أضعف منه كما كشفت توترات مع اليمن
ذات مرّة.
وظننا أننا انتهينا من عصر الصفقات والسمسرات بعد ان
وصل الدين العام الى 700 مليار ريال، وبعد ان اجتاحت البلاد
المصاعب الإقتصادية، وعجزت الدولة عن تلبية حاجات المواطنين
الأولية للغذاء والدواء والعمل والتعليم والمواصلات.
لكن (نقمة النفط) عادت الينا من جديد، وكأن روح (الدولة
الريعية) لازالت حيّةً تنبض بسبب ارتفاع أسعار النفط الى
ما يقرب من الستين دولاراً.
إن الأموال المتدفقة كالسيل على آل سعود، زادت من الفساد
المستشري ومن اللصوص، وفتحت شهية الغربيين مرة أخرى، إذ
على آل سعود أن يدفعوا ثمن بقائهم في كرسي الحكم، وهذا
لا يتم إلا بإعادة أموال النفط من جديد الى جيوب الحكومات
الغربية على شكل صفقات عسكرية تجهزت لها بوضوح فرنسا وبريطانيا،
بل أن الأخيرة أغلقت فم معارضين كيما تكسب بعض الصفقات
التي هندسها وزير الدفاع البريطاني في زيارتين متتاليتين
خلال الأشهر القليلة الماضية.
أموال النفط الجديدة أسالت لعاب شيراك وغيره، ومن أجل
ان يدفع آل سعود (الخوّة) كان التدليس في مدح ديمقراطية
آل سعود (ديمقراطية الصحراء) كما يزعمون! وكأن ديمقراطية
الغرب تعمل في كل الدنيا إلا في السعودية، البقرة الحلوب،
او الأوزة التي تبيض ذهباً للأجنبي وتحرم المواطن من حقه
فيها!
يمتدحون الإستقرار السياسي السعودي، ويشيدون بالتجربة
السعودية في مكافحة الإرهاب! ويطنبون في التطور المهول
في (حقوق المرأة السعودية) بل أن بعضهم لم يخجل من امتداح
ولي العهد باعتباره (منظراً) للإصلاح، وأنه صاحب رؤية
عميقة للغاية في هذا المضمار، وأنه شخصية سياسية لم تنجب
الجزيرة مثلها ـ بعد والده المؤسس!
إن الفساد في المملكة مستورد في جزء منه من الخارج،
أي أنه مشجع من الغرب الذي يزعم مكافحة الفساد والمفسدين،
ولعلنا لسنا بحاجة الى الحديث عن علاقة آل بوش بآل سعود.
وإلا ما حاجة السعودية الى مائة طائرة عسكرية جديدة! ومئات
الدبابات! وآلاف ناقلات الجند وغيرها! ولماذا يقبل الغربيون
الرشوات كما حدث في صفقة اليمامة مع بريطانيا التي اقتاتت
عليها صناعتها العسكرية أكثر من عقد؟!
نبئونا عن إنسانية الغرب وديمقراطيته، ونحو ستة ملايين
سعودي يعيشون تحت خط الفقر! ينهب حاضرهم ويرتهن مستقبلهم
ومستقبل أجيالهم!
أفهمونا يا أصحاب المفهومية، إذا كان آل سعود ديمقراطيين
فمن بقي في هذا الكون غير ديمقراطي؟!
|