الخلاف القطري ـ السعودي
من التجاذب الى المواجهة المفتوحة
شهد تدهور العلاقات السعودية القطرية منحى آخر يتسم
بدرجة كبيرة بالمفاضحة غير المسبوقة، حيث تعمدت بعض وسائل
الاعلام السعودية مؤخراً تسليط الضوء على الحوادث الاخلاقية
لأفراد العائلة الحاكمة في قطر، كجزء من الحملة الاعلامية
المضادة التي تقوم بها السعودية وكرد فعل على استمرار
قناة الجزيرة في نشر أخبار عن تدهور أوضاع حقوق الانسان
والنشاطات الاحتجاجية داخل السعودية.
وبالرغم من أن العلاقات بين الرياض والدوحة مرّت بأزمة
سياسية حادة منذ عام 1992 بعد حادثة مركز الخفوس الحدودي
الا أن الجانبين حافظا على قدر من ضبط النفس والاكتفاء
بالتصريحات اللاذعة ولكن غير المباشرة التي كانت الدوحة
تطلقها كرد فعل على هيمنة الشقيقة الكبرى على دول مجلس
التعاون الخليجي، فيما كانت الرياض تحاول على طريقتها
الخاصة احتواء (مشاغبة) الجارة الصغيرة عبر الطرق الدبلوماسية
والرسائل الخاصة التي كانت تصل تباعاً الى القيادة القطرية.
كان اطلاق قناة (الجزيرة) من قطر بسياستها الاعلامية
المتميزة، وبرامجها النقدية أضاف جرعة توتر عالية في العلاقات
السعودية القطرية. فلأول مرة ينطلق من داخل الخليج صوت
مشاكس يخترق الصمت المطبق على السياسة في هذه المنطقة
التي كان يلفّها الهدوء. فلم تتعود منطقة الخليج على ظهور
أصوات ناقدة من داخلها، ولذلك كانت الجزيرة بأسلوبها النقدي
للاوضاع السياسية في السعودية وفي دول مجلس التعاون الخليج
عموماً مصدر توتر دائم، وهذا ما أثار رياحاً عاتيه حول
الرياض التي ما فتأت تبذل كل مافي وسعها من أجل الحفاظ
على صندوق أسرارهاً السياسية مقفلاً في وجه شعبها وشعوب
المنطقة عموماً.
ربما تمكنت السعودية أن تحيّد جزئياً غلواء (الجزيرة)
وتغوّلها الاعلامي وربما كانت المطبّات التي وقعت فيها
القناة فيما يرتبط بنشر تقارير وبيانات شبكة القاعدة في
ظل حملة دولية لمكافحة الارهاب، والانقسام الخطير الذي
وقع بعد الحرب على العراق، اضافة الى ظهور قنوات فضائية
أخرى منافسة بكفاءة اعلامية عالية مثل العربية والحرة
وقنوات أخرى..كل ذلك سرق جزءاً جوهرياً من الرصيد الشعبي
لقناة الجزيرة. ولكن بقيت الاخيرة، على أية حال، عنصر
تأزيم في العلاقات بين الدوحة والرياض ومازالت، وللقيادة
القطرية ما يبرر استعمال هذا السلاح الفاعل في علاقاتها
الخارجية، فالخيارات القطرية باتت مفتوحة على أكثر من
جهة في مسعى لفك طوق العزلة الذي كانت تفرضه عليها انحباسها
في البوتقة الخليجية. ولاشك أيضاً أن لقطر طموحاً سياسياً
يتجاوز حجمها الجيوبوليتيكي والديمغرافي وحتى الاقتصادي،
وقد ساقها طوحها الى محاولة الاصطدام بالكبار في المحيط
العربي، مثل مصر والتي بلغ الخلاف معها مستوى خطيراً،
وفي المقابل حاولت مراراً أن تلعب دور الوسيط بين دول
كبيرة كما بين ايران والولايات المتحدة وبين العراق والولايات
المتحدة وحتى في المستوى العربي أيضاً بين سوريا والاردن.
بيد أن ما ينقص القيادة القطرية هي الخبرة السياسية
المتوازنة والعمل الدبلوماسي المحسوب بدقة، الامر الذي
أغاظ كثيراً من الاطراف العربية والدولية، كونها تدخل
الى عالم شديد التعقيد بأدوات بسيطة رغم الامكانيات الكبيرة.
ولذلك لم تفلح التجربة الدبلوماسية القطرية في تحقيق إنجازات
سياسية ملحوظة، وظلت ترقب الفرص الضائعة لدى الاطراف الاخرى
كيما تحاول الكرة تلو الاخرى من أجل الخروج بمنجز ملحوظ
يوازي ما تعكسه قناة الجزيرة من تقنية اعلامية متطورة،
توحي وكأن الدولة الحاضنة لها بنفس القدر من التطور على
المستوى السياسي على الأقل. وعلى أية حال، يكتب لقناة
الجزيرة قدرتها المتميزة في اسدال ستار حريري على الوضع
القطري الذي لم يكن بمستوى الصورة الديمقراطية التي تعكسها
القناة.
وفيما يبدو فإن الحسابات القطرية لم تكن مؤسسة على
معلومات دقيقة ولا على منهج تحليلي متقن ومتعادل، وإذا
كانت القيادة القطرية واضعة ثقلها وراء قناة الجزيرة باعتبارها
الواجهة الاعلامية والسياسية التي تظهر بها امام العالم،
واذا كانت الجزيرة عاكساً أميناً للتوجهات السياسية القطرية
فإن الاخيرة تواجه مأزقاً خطيراً كون التغييرات التي طرأت
مؤخراً على أداتها الاعلامية الفاعلة قد أضرّ كثيراً بالموقف
السياسي القطري. لقد تجاوزت (الجزيرة) الخطوط الحمراء
ولربما كان ذلك على خلاف رغبة القيادة السياسية القطرية
أحياناً، فالتوجهات الايديولوجية لمعدي ومقدمي البرامج
الرئيسية في القناة كانت تفضي في احيان كثيرة الى خرق
محظورات سياسية ودبلوماسية أحياناً.
بالنسبة لحكومة المملكة، فإن الاخطاء القاتلة التي
وقعت فيها قطر تمثل انفراجاً لها وفرصة للرد الانتقامي،
لما اقترفته الجارة الصغيرة من (تطاولات) بحسب وجهة نظر
القيادة السعودية. ولربما ساعدها على الرد الزوابع الصحافية
والسياسية التي تراكمت حول قطر في الآونة الاخيرة، وخصوصاً
فيما يرتبط بموضوعة الارهاب التي مكّنت السعودية من إدارة
فوهة المدفع الى الخلف، وصرفت الاضواء الكاشفة الى قطر
بعد أن كانت موجّهة اليها طيلة السنوات الماضية، وهي فرصة
بالنسبة للسعودية ساعدتها كما أسلفنا الخطأ القاتل الذي
ارتكبته القيادة القطرية وثبّتته قناتها الاعلامية المشاكسة.
فهد: أشعل الخلاف وضحى بآل مرّة
|
لقد فجّر التقرير الصحافي الذي نشرته صحيفة (صنداي
تايمز) اللندنية في أواخر أبريل الماضي زوبعة اعلامية
مثيرة. التقرير الذي أعدّه عوزي محنيمي ضابط الاستخبارات
الاسرائيلي السابق والمقيم في لندن والمعروف بكتابة التقارير
الميدانية والموثقة بالمعلومات عن منطقة الشرق الاوسط
للصحيفة البريطانية، كشف عن تورط الدوحة بدفع ملايين الدولارات
لشبكة القاعدة. وقد ذكر التقرير بأن القيادة القطرية عقدت
إتفاقاً مع (القاعدة) بأن تدفع لها مبلغاً من المال مقابل
استثناء قطر من العمليات الجهادية التي يقوم به التنظيم.
ونسب محنيمي الذي كان في العاصمة القطرية الدوحة هذه المعلومات
الى مصادر رسمية قطرية لم يكشف عنها، ولكن قال بأن هذه
المصادر كشفت له عن أن الاموال التي يتم دفعها الى رجال
دين يقيمون في قطر وهم من المعروفين بتعاطفهم الشديد مع
القاعدة.
ويذكر التقرير الصحفي الذي أعدّه محنيمي للصحيفة البريطانية
أن الاموال القطرية تذهب عبر أولئك المتعاطفين مع شبكة
(القاعدة) من رجال الدين إلى العراق لدعم العمليات المسلحة
التي تقوم بها تنظيمات إسلامية متشددة ضد القوات الأميركية
والمواطنين والمصالح العراقية. وكان زعيم تنظيم القاعدة
أسامة بن لادن قد ذكر في آخر رسالة وجهها لانصاره عبر
شبكة الإنترنت أن العمليات في العراق تكلف ما لا يقل عن
مليون دولار شهريا.
من اللافت للنظر أن التفجير الانتحاري الذي تعرضت له
قطر قبل شهرين وأسفر عن مقتل بريطاني وإصابة 12 شخصاً
آخرين وأنحت السلطات القطرية باللائمة على رجل مصري يدعى
عمر أحمد عبد الله لم يرد بعد التحقيقات حوله إسم تنظيم
القاعدة، بل تعاملت أجهزة الامن القطرية مع التفجير الذي
وقع بالقرب من مسرح يرتاده غربيون قبالة مدرسة بريطانية
خارج العاصمة القطرية الدوحة وكأنه حادث معزول، كما لم
تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الذي صادف مرور عامين
على بدء الحرب في العراق.
يذكر الكاتب الصحافي الاسرائيلي محنيمي في تقريره أيضاً
أن ما يطلق عليها بالصفقة بين قطر والقاعدة قد تمت قبل
الهجوم العسكري على العراق عام 2003، وذلك خشية هذه الامارة
الصغيرة التي استقبلت القوات الاميركية القادمة من القواعد
العسكرية السعودية من تعرّضها لهجمات انتقامية من تنظيم
القاعدة والتنظيمات المشتقة منها أو المتعاطفة معها، خصوصاً
وأن الدوحة كانت إحدى اهم القواعد التي تنطلق تنطلق منها
الطائرات الاميركية المتجهة الى العراق الى جانب استضافتها
للقيادة المركزية للقوات الاميركية في الخليج.
وينقل محنيمي في تقريره عن مسؤول قطري قوله إن عقد
الاتفاق بين بلاده وشبكة تنظيم القاعدة قد تم تجديده في
مارس الماضي عقب حادثة تفجير المدرسة المسرحية، وقال المسؤول
(لسنا متأكدين ما إذا كان الهجوم نفذ من جانب شبكة القاعدة،
ولكننا جددنا الصفقة معها حتى نكون آمنين ونحافظ على مصالحنا
الوطنية والاقتصادية).. وبحسب التقرير فإن قطر بهذه الصفقة
توفّر ملاذاً آمناً لعدد كبير من المتشددين الاسلاميين
الذين يتعرضون للمطاردة في دول أخرى ويبحثون عن مأوى ينجيهم
من الوقوع في أيدي أجهزة الامن.
مما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية أيضاً أن الادعاء
الفيدرالي في مدينة ميامي الأميركية كان وجه اتهامات
إلى كفاح الجيوسي وهو مدير مدرسة سابق في ديترويت لتورطه
بالتآمر لقتل وخطف مواطنين من بلدان أخرى، كما أنه متورط
بجلب أموال دعم للجهاديين، وكان الجيوسي إعتقل حين عودته
من زيارة للدوحة قبل اشهر.
آل مرة.. تهجير قطري وتمييز
سعودي
قبيلة آل مرة هي من القبائل القاطنة على تخوم المنطقة
الحدودية بين قطر والسعودية، ويعيش معظم أفرادها داخل
قطر منذ عقود طويلة، وقد ورد إسم القبيلة بعد الحادث الحدودي
بين السعودية وقطر في سبتمبر 1992. وكانت السلطات القطرية
اتهمت قبيلة آل مرة بضلوعها في الحادث وبكونها تمنح ولاءها
لعائلة آل سعود، ففي حادثة الخفوس عام 1992 زعمت الحكومة
القطرية بأن قبيلة آل مرة ساندت القوات السعودية وقامت
بمواجهة القوة القطرية مما أدى الى مقتل شيخ بني مرة ثامر
المري. وقد قيل حينذاك بأن الحادث يتزامن مع طرح قضية
التجمع القبلي في المنطقة المتنازع عليها بين السعودية
وقطر، حيث يتوزع أفراد القبيلة في المناطق الواقعة تحت
سيادة البلدين.
وقد شكى زعماء قبيلة بني مرة في السعودية من التمييز
ضدهم في الدوائر الحكومية والمؤسسات والشركات الخاضعة
لادارة حكومية او قريبة من الحكومة. كما تعرض ابناء القبيلة
الى حملات اعتقال من قبل أجهزة المباحث. وقد واجهت القبيلة
في اكتوبر 1991 قراراً غاشماً بتجريف منازل افرادها في
هجرة السودة على طريق قطر، بحجة أن المنازل مقامة بدون
ملكية وغير قانونية ولما رفض الاهالي قرار البلدية جاءت
لجنة من إمارة الاحساء مع هيئة من وزارة الشؤون البلدية
والقروية وباشرت عملية هدم المنازل رغم وجود النساء والاطفال
بداخلها، وأدى ذلك الى اشتبالك بين رجال القبيلة وقوة
حكومية يقودها رئيس شرطة الهفوف وتم قصف مواقع القبيلة
في هجرة السودة، وأقيمت على أثر العملية نقاط تفتيش على
طريق قطر والدمام والرياض بحثاً عن أفراد القبيلة وادى
الى اعتقال عدد منهم.
وقد حاولت السلطات السعودية احتواء الازمة في وقت لاحق
عن طريق استرضاء بعض رجال قبيلة آل مرة واستمالة بعضهم
المتواجدين في قطر. وبحسب الرواية القطرية، فإن السعودية
عمدت الى استغلال بعض أفراد القبيلة في عملية الانقلاب
ضد الحكومة القطرية الحالية بالتعاون مع الامير السابق
خليفة آل ثاني. ولكن السؤال هل هذا يبرر قرار السلطات
القطرية بإسقاط جنسية وتهجير المئات من رجال القبيلة الى
السعودية بحجة أن من يحمل الجنسية القطرية يجب أن يكون
موالياً مائة بالمئة للعائلة الحاكمة في قطر.
في حقيقة الأمر، أن بدعة متخلفة ومثيرة للازدراء تلك
التي تبرر لأية حكومة إسقاط جنسية إنسان ولد ونشأ على
أرضه. إن الكويت قد تكون المثال الأكثر بروزاً بتصنيفها
جنسية رعاياها على أساس التدّرج (درجة أولى وثانية وثالثة
...وبدون) الأمر الذي يرسي أساساً قانونياً للتمييز بين
المواطنين، وقد إتبعت السعودية وقطر بوجه خاص سياسة مماثلة
تقوم على أساس ربط المواطنة بالولاء، فقامت بإسقاط جنسية
عدد من المواطنين بذريعة مزاولة نشاطات احتجاجية ضد الدولة،
ويأتي في سياقها أيضاً المنع من السفر وسحب الجوازات الذي
طال عدداً من الاصلاحيين.
ليس مبرراً البته الاجراء القطري ضد مواطنيها من قبيلة
آل مرة، وليست الجذور القبلية وحدها كافية كيما تكون مبرراً
لتدبير ظالم كهذا، كما ليس مبرراً سياسة التمييز التي
تتبعها السعودية ضد أفراد القبيلة أو أي مواطن على اساس
الانتماء الى قبيلة او طائفة او اقليم. وستبقى مشكلة قبيلة
آل مرة جزءا من الخلاف القطري السعودي ضمن ملفات اخرى
لم تحسم بعد.
|