قائمة أخرى في مسلسل القوائم
محاربون مستقبليون
قائمة جديدة تضم 36 مطلوباً تم الاعلان عنها مؤخراً
من قبل وزارة الداخلية، أكثرهم من المتواجدين خارج المملكة.
من اللافت في القائمة الجديدة أنها خلت من أسماء بارزة
كانت مطلوبة في القائمة السابقة مثل عبد الله الرشود الذي
كان الزرقاوي قد أعلن عن مقتله في العراق، ويشير ذلك الى
تحوّل في استراتيجية التنظيم القاعدي في السعودية..
حوت القائمة الى جانب السعوديين جنسيات اخرى من المغرب
وتشاد وموريتانيا واليمن والكويت، وربما ارتبط بعضهم بعمليات
عنف في العراق، وهذا قد يلمح أيضاً الى اتساع دائرة المطالبة
السعودية بحجم اتساع دائرة المشاركة في الانشطة العسكرية.
ويأتي إرتفاع عدد المطلوبين أمنياً كمحصلة طبيعية للاعترافات
التي حصلت عليها وزارة الداخلية من بعض رموز الجماعات
المسلّحة والذين تم القبض عليهم في عمليات مداهمة سابقة
خلال الاشهر القليلة الماضية، وتحديداً بعد التفجير الواقع
بالقرب من مبنى وزارة الداخلية، الى جانب المعلومات الواردة
من السلطات الامنية الكويتية التي شهدت حوادث عنف قبل
عدة أشهر، وكان يقف خلفها أفراد من الجماعات المسلّحة
في السعودية. مصادر خبرية نقلت بأن السعودية تلقّت معلومات
من السلطات العراقية في ضوء التحقيق مع عدد من السعوديين
الذين تم ألقاء القبض عليهم في عمليات مداهمة ضد جماعة
الزرقاوي وقد أفشوا أسراراً خطيرة عن الجماعات المسلّحة
في السعودية.
وعلى أية حال، فإن زيادة عدد المطلوبين حمل دون شك
دلالات هامة، فبعد قائمة الست والعشرين التي لطالما أطنبت
تصريحات المسؤولين في تآكلها الى حد اقتراب موعد فناء
أفرادها بالكامل داخل الحدود، لحظنا بأن القائمة الجديدة
حوت أسماء أشخاص يكاد يكون كلهم على قيد الحياة، باستثناء
الرشود الذي لم يثبت لدى وزارة الداخلية خبر وفاته.
لغة بيان الداخلية جاءت هذه المرة مختلفة، فقد نأت
عن عبارات التطمين التي ملئت البيانات السابقة، باستثناء
حادثة مقتل المغربي الحياري الذي تزامن مع إعلان القائمة.
بل على العكس من ذلك، تضمن بيان الداخلية تراجعاً ملحوظاً
وارتداداً الى منتصف الطريق حيث جعل من القائمة مجرد تدبير
يندرج في إطار (كشف الفئة الضالة)، وان أفراد هذه الفئة
لها ارتباطات متفاوتة بما شهدته البلاد منذ تفجيرات مايو
2003.
تجدر الاشارة هنا الى أنه بات مطلوباً على الدوام من
وزارة الداخلية تقديم كشف حساب عن تدابيرها الامنية لمواجهة
الاتهامات المتزايدة ضد السعودية بشأن المتسللين عبر حدودها
الى العراق أولاً ودول أخرى مجاورة وبعيدة. وهذا يعني،
أن وزارة الداخلية تواجه تحديات على المستويات المحلية
والخارجية، لأن إتساع دائرة العنف يوسّع من دائرة المسؤولية
ويصعّد من مستوى التحدي أيضاً، وبالتالي فإن حوادث العنف
تملي على وزارة الداخلية تعريف دورها وتقديم شرح وافٍ
لمنجزاتها الامنية.
لعل ما يثير في بيان وزارة الداخلية انه اشتمل على
عبارات مناشدة للمطلوبين بتسليم أنفسهم بصفة عاجلة لمجرد
التحقق من تورطهم في عمليات عنف، بعد ان تم ابلاغ عوائلهم
وبلدانهم كونهم من المطلوبين لدى السلطات الامنية السعودية.
إن هذه اللغة المواربة للبيان تشي بأن السلطات الامنية
السعودية واقعة تحت ضغط شديد من دول عديدة مهددة من أجل
ملاحقة السعوديين في الخارج الذين باتوا يهددوا سمعة المملكة
بل واستقرارها المستقبلي ايضاً. ولذلك، فإن الداخلية حاولت
ان تبعث برسالة للخارج، وبالدرجة الأولى للعراق، من خلال
تضمين النسبة الأكبر من اللائحة المعلنة للاسماء خارج
المملكة وتحديد في العراق.
ثمة ملاحظة أخرى في القائمة أن أكثر المطلوبين (27
مطلوباً) هم في العشرينات، والذين لم يشهدوا مرحلة الجهاد
الافغاني، وإنما انخرطوا في العمل العنفي بعد أحداث الحادي
عشر من سبتمبر، أي في غضون الحرب على الارهاب.. فبينما
كانت الحكومة منشغلة بتقديم شهادة براءة ذمة عبر الانخراط
الكثيف في الحرب على الارهاب كان أفراد الجماعات المسلّحة
يزدادون عدداً وشراسة في عمليات العنف.
إن وهج تصريحات كبار الامراء خبى سريعاً كاشفاً عن
نهاية غير حاسمة لتنظيم القاعدة في السعودية.. صحيح أن
توقفاً شبه تام للانفجارات والعمليات الكبيرة، بعد انحصار
العمليات في المناوشات المحدودة، وذلك عائد الى انتقال
الجزء الفاعل من التنظيم الى العراق، وبتحريض من المشايخ
السلفيين الذين ظلوا على اتصال دائم مع قيادات الجماعات
المسلّحة الا أن القائمة الاخيرة تشير الى أن المكوّنات
الرئيسية للتنظيم مازالت متماسكة وقابلة للنشاط، بل أنها
قد تجاوزت الحدود التي كان متوقعاً لها، من حيث المزاعم
المكرورة بأن الجماعات المسلّحة قد جرى تطويقها ومحاصرة
امتداداتها المحلية. لاشك أن وجود ما بين 2000 الى 3000
عنصراً سعودياً بين أفراد المقاومة في العراق يرمز الى
حجم المشاركين في النشاط العنفي بصورة عامة. فاختفاء مظاهر
العنف او انخفاضها بصورة حادة لا يعكس نهاية حاسمة لظاهرة
العنف، وإن أقصى ما يشير اليه هذا الانخفاض هو إعادة تموقع
للجماعات المسلّحة والتي بلا شك تضمر خطراً قريباً ومستقبلياً
على السعودية.
إن أخطر ما في الجماعات المسلّحة التي نشأت في مرحلة
ما بعد الجهاد الافغاني أنها تتشكل خارج مظلة ومراصد الرقابة
الرسمية، بخلاف ما كان عليه الحال بالنسبة لتنظيم القاعدة
في افغانستان الذي نشأ وترعرع ونشط بدعم وإسناد من التحالف
الثلاثي: باكستان، السعودية والولايات المتحدة. إن هؤلاء
الذين ينتظمون في صفوف الجماعات المسلّحة يعيدون تشكيل
شبكة القاعدة على أسس جديدة، مع الفات الانتباه الى الدور
الخفي الذي تلعبه وزارة الداخلية السعودية في التسلل الى
الشبكة وتوجيه نشاطاتها نحو الخارج، مع الاحتفاظ بوجه
ظاهر ممانع للعنف تلبية لمتطلبات السياسة الرسمية وممليات
العلاقات الدولية.
حلقات التنظيم هذه المرة ليست مشدودة للداخل فحسب،
بل هي متفشية في مناطق قريبة ونائية مما يصعب احتواؤها،
فهي تتخذ أشكالاً متنوعة في العمل التنظيمي أفقياً وعمودياً،
أي بين الجزر المنفصلة والعمل التنظيمي الهرمي.. لقد أفادت
التنظيمات الجهادية المسلّحة من تجربة الصراع من أجل البقاء
وخطر الفناء الذي واجهته في الماضي بفعل انحباس قادتها
وقواعدها في مناطق محددة بين افغانستان وباكستان، الى
جانب افتضاح محتوياتها ومخابئها امام اجهزة إستخبارات
الدول المنتجة لها. إن تجربة ما بعد مرحلة الجهاد الافغاني
وتحديداً بعد الحادي عشر من سبتمبر قد كشفت عن أشكال بالغة
التعقيد من العمل التنظيمي، تكاد تحرم الدولة ـ المنشأ
من القدرة على اكتشاف الخيوط الخفية للتنظيم الجهادي المسلّح.
وما يزيد الأمر تعقيداً أن اقتطاف رؤوس التنظيم يدفع
للسطح بأسماء جديدة لا تنتمي بالضرورة الى مرحلة الجهاد
الافغاني بل هي قادمة من مرحلة الحادي عشر من سبتمبر،
كما يظهر من القائمة الاخيرة حيث أن المطلوبين هم من الشباب
الذين تغذوا على ثقافة العنف ضد الغرب وليس ضد الشيوعية،
وبالتالي فإن بوصلة العنف تتجه الى الحليف الاستراتيجي
لبلادهم، بعد أن كان سلفهم يلتحمون بعدو مختلف قرأوا عنه
في الكتب أو سمعوا به في الخطابات الدينية بل ولم يتعرّفوا
على اقترافاته الا من خلال تجربة مفصولة عن واقع بلادهم.
لقد جدّدت الشبكة الجهادية خلاياها بانخراط عدد كبير
من الافراد الذين تأهلوا بدرجة عالية للعمل العنفي والتضحوي،
ولم يزدهم قتل القيادات الا إصراراً على خوض المعركة حتى
النهاية، فقد نجحت التنظيمات المسلّحة على صناعة مجتمع
معزول يفصلهم وأتباعهم عن تأثير المحيط الاجتماعي العام،
وبالتالي فهم قادرون على إبقاء أفرادهم خاضعين تحت ممليات
الخطاب الجهادي، وصناعة رموز تنظيميين بصورة إكراهية.
إن القائمة الجديدة تلمح الى أن ماكينة التحريض والاستيعاب
مازالت فاعلة وتعمل بمستوى عالٍ من النشاطية، وأن خطاب
التجنيد يمارس دوراً رئيسياً في تنمية ميول التشدد والتطرف
والتي تؤدي في نهاية المطاف الى انخراط هؤلاء الشباب اليافعين
في خلايا التنظيم الجديدة، والتي يتم تشكليها لغرض تنفيذ
أهداف مستقبلية أو حتى آنية بالنظر الى جاهزية الساحة
المراد تزويدها بالمقاتلين المشحونين بمبادىء التضحية
والفداء بالدم.
مشكلة انخراط أفراد في التنظيمات المسلحة في سن مبكرة
تنطوي على مخاطر مزدوجة فهي من جهة تنذر بإحتمالية تشكّل
جيل من الانتحاريين الذين يتحولون الى قنابل بشرية، كونهم
يفتقرون الى نضج سياسي يمنعهم من اقتراف جرائم من هذا
النوع، والمشكلة الاخرى أنهم أكثر الفئات عرضة للاغواء
وهم وحدهم الأقدر على اكتساب المزيد من نظرائهم الذين
يشكلون معهم نواة التنظيم المستقبلي.
المشكلة التي تواجه هذه التنظيمات أنها قد تخسر أفرادها
سريعاً في عمليات انتحارية أو مواجهات مسلّحة، أو عمليات
مداهمة مباغته فهي تعمل دون غطاء سياسي أو شعبي أو حتى
اعلامي، ولكنها في الوقت نفسه تفيد بدرجة كبيرة من الخطاب
الديني التحريضي المبثوث عبر القنوات الرسمية والشعبية،
كون هذا الخطاب لم يتم اكتشاف آثاره التدميرية على وعي
الشباب حتى الآن، بل ما يصنّف في خانة الخطابات المعتدلة
هو غير معتدل لدى المراقبين لمحتوياتها، فهي معتدلة بالمقاييس
الرسمية التي لم تعد تفرّق بين المعتدل والمتطرف في ايديولوجيتها
الدينية بفعل التجاذبات العنيفة داخل دائرة الخطاب السلفي
نفسه، وكأن الجميع يتنازع على تمثيله وليس على نفي الصلة
بمحتوياته الراديكالية.
قائمة جديدة صدرت في ظل أجواء من الهدوء الحذر الذي
تلى سلسلة تفجيرات ومداهمات، وليس ثمة أحد ينبئنا بالنهاية
الحاسمة للتنظيم، بل هناك أدلة مضادة، ومن بينها القائمة
الاخيرة على أن قنوات الاستيعاب تزداد اتساعاً بمرور الايام
وليس هناك ما يشير الى انسداد هذا القنوات أو حتى السيطرة
عليها من قبل أجهزة الامن، التي تشير كثير من الدلائل
الى تورّطها في بعض عمليات التجنيد الخارجية.
إن شبكات التجنيد المحلية (المراكز الصيفية، الحلقات
الدينية الخاصة، والدورات الثقافية الدينية المغلقة وغيرها)
هي بؤر عالية الكفاءة لاصطياد الشباب وزجهم في أتون العمل
العنفي والتنظيمي. في واقع الأمر، إن كثيراً من الافراد
الذين يتم تجنيدهم في الجماعات المسلّحة يتأثرون بالخطاب
الديني المسموح به بنفس القدر الذي يتأثرون بالخطاب التنظيمي
السري، ولا يمكن والحال هذه القاء اللوم على جهة دون سواها،
فالذين يسجّلون أسماءهم في التنظيم الجهادي كانوا مواظبين
على حضور مجالس الوعظ الديني المفتوحة، ومن المتشرّبين
بثقافة (كتاب بريال) على حد سعد السريحي.
إن اختفاء مظاهر العنف في الوقت الراهن لا يعني بعد
صدور القائمة الجديدة انعدامها بالكامل، فالمستقبل يضمر
فزعاً هائلاً لوجود قائمة تتسع بمرور الوقت من الانتحاريين
الكامنين الذين ينذرون أرواحهم لنيل الشهادة!.
القائمة الجديدة تمثل الجيل الثالث بعد جيل الافغان
واتباعهم الذين تولوا قيادة العمل الجهادي بعد زلزال الحادي
عشر من سبتمبر.. فهذا الجيل الثالث يحمل معه تجارب سلفه
مع فارق أن تقنيات هذا الجيل قد تكون أشد تعقيداً، ولاشك
ان تناسل الاجيال تباعاً لا يبشر بنهاية وشيكة للعنف،
واذا كانت الساحة العراقية تمتص المخزون الاستراتيجي للتنظيم
القاعدي في السعودية في المرحلة الراهنة، فإن أي إستقرار
في الاوضاع الامنية العراقية سيدفع بالفائض البشري للجماعات
المسلّحة خارج الحدود وسيعود المقاتلون الى اوطانهم كما
خرجوا منها أول مرة، ولكنها ستكون عودة غير حميدة، فمن
يعود يحمل معه تبعات تجربته، وسيستأنف ما بدأه اول مرة
في العراق.
إن نجاح بعض أجهزة الامن السعودية وفي المقدمة وزير
الداخلية الامير نايف وابنه الامير محمد بن نايف بمساعدة
عدد من المشايخ في توجيه أفراد القاعدة في الجزيرة العربية
نحو العراق هو بالتأكيد نجاح مؤقت ومحدود، ولكن التأثيرات
المستقبلية لهذا الدفع ستكون كارثية إذ لا يمكن إعادة
تأهيل هؤلاء المقاتلين الشرسين بسهولة خصوصاً من تعوّد
منهم على تبني فكرة الشهادة والجهاد في سبيل الحق!! كما
انزرعت في مرحلة مبكرة.
إن أول وأبرز ما تكشف عنه قائمة المطلوبين الاخيرة
أن العنف مازال خطراً قائماً وماثلاً وأن المؤهلين للانخراط
في الاعمال العنفية يزداد بدرجة مخيفة، وأن أي نجاح لأجهزة
الأمن يمكن التعويل عليه في انزال ضربة قاصمة في الجماعات
المسلّحة مجرد أماني غير مدعومة من الواقع، الذي يخبرنا
بغير ذلك بالتأكيد، وطالما أن هناك مصادر تغذية للعنف
أيديولوجياً ومالياً وبشرياً، فإن مسلسل القوائم سيستمر.
|