ليس رجل إصلاحات ولم يكن
مـلـك الـمـمـلـكـة الـمـتـقـاطـعـة
قد يكون من المجازفة بمكان القول بأن الإصلاحات السياسية
في المملكة على الأبواب لمجرد أن مات ملك وقام مكانه ملك
آخر؛ فالإصلاح كمفردة لم تدخل القاموس السعودي سوى من
الناحية اللفظية، حيث يدور كلام كثير حولها وعنها دون
أن تتحول الى واقع ملموس.. فكل ما يجري مجرد كلام في كلام.
والإصلاح والتغيير لا يعتمد على حسن النوايا كما يفعل
الكثير ممن يدّعون بأنهم من الإصلاحيين، أو من دعاة الإصلاح،
الذين خدعوا المرة تلو الأخرى بدعاوى الإصلاح الى أن تأكدوا
بأن الوعود لا تعدو أوهاماً حين دهمهم الأمير نايف بقواته
فاعتقل قيادتهم. هناك فقط تأكّدوا بأن الإصلاح ليس فقط
عملية صعبة وتتطلب ثمناً غالياً من النضال والتضحية من
أجله، بل وتأكدوا أيضاً بأن سمة الحكم السعودي أبعد ما
تكون عن التغيير والقبول بالإصلاح بأي شكل جاء وبأي وسيلة
حدث.
الآن وقد مات الملك فهد، جاء اختبار آمال البعض، من
خلال اختبار الملك الجديد في سياساته وقراراته.
لقد حان الوقت لندرك مدى صدق مقولة أن الأمير (الملك
عبدالله) هو رجل الإصلاح، أو أنه إصلاحي بالفطرة! أو على
الأقل هو أفضل من غيره من السديريين.
وحان الوقت لندرك حقيقة تبرير صمت الأمير (الملك الحالي)
فيما يتعلق بخذلانه للإصلاح والإصلاحيين الذين قذف بهم
الجناح السديري في السجون دون أن تصدر منه كلمة اعتراض
وكأنه لا سلطة له. لقد أطلق الملك عبدالله سراح المعتقلين
الإصلاحيين، وهذه بادرة تسجل له، ولكن هل هي خطوة للإعتذار
عن الماضي، أو خطوة في طريق الإصلاح، أم أنها مجرد خطوة
يراد تسويقها محلياً وغربياً (لدى الأميركيين) تفادياً
لضغوط تمارس على العائلة المالكة أخذت في التصاعد؟
إمكانية الإصلاح في عهد
عبدالله
ليس رجل الإصلاح والتغيير!
|
لا شك أن الإصلاح في المملكة له بعض الآفاق؛ وأهمها
ونحن نتحدث عن عهد جديد، حقيقة أن كل ملك جديد يحاول أن
يختط له مكانة في تاريخ البلاد، وأن يظهر لشعبه ـ على
الأقل في سنوات الحكم الأولى ـ أنه شخصية مختلفة وأنه
جادّ وعازم على تحقيق الرغبات الشعبية وخدمة الشعب، وهذا
هو مضمون رسالة الملك عبد الله الأولى لشعبه بعيد وفاة
الملك فهد. بيد أن هذه الرغبة في الإصلاح لا يُعلم اتجاهها،
ولا إمكاناتها، ولا مداها الزمني، ولا المعوقات التي تنتظرها.
قد يهتم الملك عبد الله بمسائل اقتصادية، وليس بالموضوع
السياسي (الإصلاح السياسي)؛ ثم لا ننسى أنه وبحكم السنّ
فإن أمامه وقت ضيّق ليسجل له مكانة في التاريخ، تاريخ
البلاد.. فما عساه صانعاً في ظرف 3-5 سنوات، وهل تخف الرغبة
في الإصلاح بمجرد أن وصل الى الحكم فتكون تلك الشعارات
السابقة لوصوله الى الحكم مجرد خدعة للجمهور، أم ان الرغبة
ذاتها لن تلبث ان تتضاءل شيئاً فشيئاً حتى تنتهي؟ أم هل
تصطدم الرغبة ـ إن كانت حقيقية ـ بمقاومة شرسة من إخوانه
السديريين ـ شركائه في السلطة ـ فتقضي على آماله بالتميّز
ملكاً من سلالة ملوك؟!
هناك فرصة لاحت بموت الملك فهد لإحداث تغيير سياسي،
ولكنها فرصة صغيرة تتآكل زمنيّاً، قد لا يستطيع الملك
الحالي اقتناصها في وقتها، والمضي بها الى آخر الشوط.
وهنا تأتي مسألة أهم بكثير من سابقتها، وهي مدى صدقية
وجدية رغبة الأمير عبدالله في الإصلاح. لقد قال لدعاة
الإصلاح حين استقبلهم واستلم منهم خطاب الرؤية، بأن (رؤيتكم
مشروعي).. الى أي حدّ هو صادق في هذه المقالة؟ والى أيّ
مدى هو مستعدّ للدفاع عنها وتطبيقها؟
وثيقة الرؤية الوطنية تطالب بتوسيع دور المجتمع في
صناعة القرار السياسي، عبر دستور يصوت عليه الشعب وعبر
مجلس منتخب، وتشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وتوسيع هامش
الحرية للأفراد والتجمعات والأفكار، وإصلاح القضاء، وإعطاء
المرأة حقوقها، وطالبت بتنمية متوازنة بين المناطق، والقضاء
على المناطقية والطائفية، الخ. فلنرَ ما إذا كانت وثيقة
الرؤية تمثل مشروع الملك الجديد أم لا؟ سنفترض أن هناك
رغبة لدى الملك الجديد باتجاه الإصلاح السياسي وغيره (الإصلاح
الشامل حسب تعبير وثيقة الرؤية) وسنعتبر هذه الرغبة ـ
بغض النظر عن مداها ـ عاملاً مشجعاً في إمكانية تحقق مشروع
إصلاحي قريب.
إضافة الى هذا، فإن الظرف المحلي والإقليمي مواتٍ للرغبة
السعودية. فالسعوديون يتحدثون دائماً عن أن الإصلاح شأن
داخلي لا يأتي عبر الضغوط الخارجية أو حتى الداخلية. حسنٌ،
لقد تقلّصت الضغوط الأميركية، خاصة بعد زيارة عبد الله
الأخيرة لواشنطن، فيما الأخيرة مشغولة في المستنقع العراقي..
وعلى الصعيد المحلّي فإن سورة العنف الوهابي الأعمى أخذت
في الإندحار، كما أن دعاة الإصلاح السلمي لازالوا يلتقطون
أنفاسهم بعيد حملة الإعتقالات التي قام بها نايف؛ وبالتالي
فإن بإمكان الملك الجديد الإقدام على الإصلاح والمجادلة
بأن ما يقوم به إنما هو نابع من فهمه للوضع المحلي ومن
إرادته في تحقيق الرغبة الشعبية في المشاركة السياسية.
العوامل المضادة للإصلاح
في العهد الجديد
هناك العديد من العوامل تجعل من الإصلاح أمراً مستبعداً
في العهد الجديد. إن البحث في هذه العوامل تجعل صانع القرار
أبعد ما يكون عن التغيير، بعضها عوامل موضوعية وأخرى عوامل
شخصية.
العامل الإقتصادي يلعب دوراً مشجّعاً للنكوص عن أي
إصلاحات مزمعة ـ إن كانت فعلاً مزمعة. فأسعار النفط المرتفعة
مع ارتفاع معدل الإنتاج الى نحو عشرة ملايين برميل يومياً،
وفّر للحكومة السعودية أداة مزدوجة للتخلّص من مشاكلها
الإقتصادية بتخفيف نسبة البطالة والصرف على المشاريع التنموية
من جهة؛ ومن جهة ثانية تمكنها الإيرادات النفطية من إخماد
الضغوط الآتية من الغرب، وبالذات من واشنطن ولندن. فالأخيرة
تستعد لعقد صفقات سلاح جديدة مع السعودية، أما واشنطن
فهناك مؤشرات على أن الملك عبد الله قد عقد اتفاقية سرية
أثناء زيارته الأخيرة لبيع أميركا نفطاً رخيصاً، ولإعادة
فائض الأموال من جديد كاستثمارات في سندات الخزانة الأميركية.
وأخيراً، فإن ما يشبه الفورة النفطية قد بدأ ومن شأن ذلك
أن يشغل عموم الطبقة الوسطى ـ المحركة الأساس للحدث والفعل
السياسيين ـ عن طموحاتها السياسية ودفعها باتجاه تحقيق
مكاسب اقتصادية شخصية وآنية.
إنها فرصة جادت بها السماء لكي تتخفف العائلة المالكة
من أعبائها المحلية والخارجية فتوصد الباب السياسي طالما
أن البديل الإقتصادي متوافراً ولو الى حين؛ خاصة وأن جمهور
الطبقة الوسطى السعودي دخل السياسة مطالباً بالإصلاح على
خلفية تردّي الأوضاع الإقتصادية، وبإمكان العائلة المالكة
إعادة ذلك الجمهور الى (حظيرته) السابقة، عبر البوابة
الإقتصادية نفسها. ولهذا فالويل كل الويل للعائلة المالكة
إن فشلت هذه المرة أيضاً في إدارة الرأسمال المحلي باتجاه
حل المشاكل الإقتصادية. إن الشعب لن يغفر لها ذلك، وسيتبلور
ذلك سياسياً بشكل عنيف.
على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبالنظر الى حقيقة
أن الإصلاحات إنما تمثّل محصّلة ضغوط محليّة ودولية، فإنه
يمكن القول والحال هذه، بأن انشغال الأميركيين والأوروبيين
عموماً في المستنقع العراقي قد خفّف الضغوط على حلفاء
أميركا في المنطقة وأعدائها على حدّ سواء فيما يتعلق بتطبيق
إصلاحات سياسية تكفي الغربيين معالجة ارتدادات الإستبداد
في أراضيهم. وبالرغم من أن القناعة الغربية والأميركية
لم تتغير من جهة حقيقة أن المملكة مصدر حقيقي للإرهاب
كما هو واضح اليوم في العراق، حيث أن السعوديين السلفيين
يقومون بما يصل الى 65% من مجمل العمليات الإنتحارية،
وحيث أخذ التيار الفكري السلفي الممول مادياً وفكرياً
من السعودية يحشد مجمل قواه في العراق، فضلاً عما تقوم
به خلايا القاعدة في أماكن شتى من العالم، وهي خلايا سلفية
نمت في أحضان فكر إقصائي سلفي وهابي صنع في المملكة العربية
السعودية.. بالرغم من هذا، فإن هناك هدوءً في الضغط الغربي،
يحاول السعوديون إنهائه بالتنازلات السياسية والإقتصادية
والأمنية من أجل ترطيب العلاقة مع الغرب ومؤسساته والتعاون
معه في (مكافحة الإرهاب).
قد يرتفع الضغط كلما مارس أتباع المذهب الرسمي دوراً
خارج الحدود للتحريض على العنف، وكلما اكتشف دور لسعوديين
سلفيين ضالعين في استخدام العنف، كما حدث مؤخراً في تفجيرات
لندن. فالوهابية غير مؤتمنة في إمكانية توريطها للحكم
السعودي بممارسات عنف في الخارج. لكن على الصعيد الآني،
فإن التخفف من الضغوط الغربية يمنح صانع القرار السعودي
التلكؤ في الإصلاحات والتحلّل من الوعود وترحيلها الى
سنوات قادمة (20 سنة كما قال عبدالله للأميركيين قبل نحو
شهرين)!
على الصعيد المحلي حدث أمران يشكلان دفعاً للقوى المعاندة
للإصلاح: اولهما إضعاف التيار الإصلاحي الذي هو بحاجة
الآن الى ترتيب أوراقه من جديد استعداداً للمعركة القادمة؛
وثانيهما عزل قوى العنف داخل التيار السلفي بأقل الخسائر
الممكنة، بحيث بقي التحالف الوهابي ـ السعودي قوياً رغم
كل الضغوط الخارجية والمحلية. هذا التحالف المحافظ والأصولي
معاد بطبعه لأي إصلاح ديني أو سياسي، وهو تحالف قائم على
الفئوية والإستئثار الديني والسياسي والمناطقي، وقد أثبت
نجاعته في مقاومة الموجة الإصلاحية الأخيرة، كما موجة
العنف. في الأولى من خلال الأحكام التي صدرت ضد الإصلاحيين
وهي أحكام لا تمت الى الحق والعدل ولا إلى الدين بصلة،
وفي الثانية من خلال الطعن الدائب في مشروعية العنف ضد
الحكم القائم وتغييره بالقوة أو حتى بالسلم. إن صمود التحالف
الوهابي السعودي الذي هندسه سلطان ونايف رغم بشاعة أحداث
سبتمبر وآثارها، ورغم سقوط الطالبان وديكتاتور العراق،
ورغم موجة التطرف والعنف المحلية، ليدل على أن النيّة
تتجه الى شيء آخر وليس الى الإصلاح.
وأخيراً في الموضوع الشخصي، فإننا لا نعلم لماذا صدق
البعض ماكنة الدعاية الحكومية بأن الأمير عبد الله رجل
إصلاح؟! منذ متى كان الرجل إصلاحياً، ومنذ متى يتمتع بمقومات
الرجال المصلحين الشخصية؟! وأين هي مؤشرات برنامجه الإصلاحي؟
لنكن واقعيين، لا الملك عبدالله ولا أي أحد من إخوته
يريد الإصلاح بالمعنى الذي في أذهاننا؛ ولم يحدث إلا نادراً
في التاريخ أن أقدم شخص او نظام محافظ على الإصلاح اختياراً
بدون ضغوط. ما نشهده اليوم من خلاف حول الإصلاحات بين
الأمراء هو مجرد تكتيك، الأصل والإستراتيجيه فيه هو الحفاظ
على السلطة أو أكثرها بيد آل سعود.. والباقي مجرد وسائل
تكتيكية لتنفيس الضغوط الداخلية والخارجية.
كيف لنا أن نكتشف اليوم وبعد أن وصل القادة الى فوق
الثمانين عاماً من العمر أنهم أصبحوا إصلاحيين؟! أين كانوا
يختبؤون وماذا كانوا يصنعون؟ سيقول البعض بأنه لم يكن
لعبد الله من الأمر شيئاً!
لنرَ أين هي الإصلاحات في المسائل التي كان له من الأمر
فيها شيء! في الحرس الوطني، في الإقتصاد، في الشأن الإداري،
في مكافحة الفقر، في مواجهة الفساد.. لا نكاد نرى شيئاً
ذا قيمة يعتدّ به، ويستحق من أجله أن يطلق عليه لفظة إصلاحي
أو مصلح أو رجل التغيير أو ما أشبه.
ليست لعبد الله لا الرغبة ولا الإمكانية في الإصلاح
السياسي وغيره. لقد طال به العمر، وقصر وقت الإصلاح ويكاد
يفوت قطاره.
للإصلاح رجال ليس عبد الله منهم، حتى لو آمن بالإصلاح.
فهو رجل ضعيف الشخصية لا يمتلك الشجاعة ولا الإرادة ولا
التصميم في الدفع ببرنامجه الإصلاحي إن كان له برنامج
أصلاً. وزيادة على ذلك، فإن رجال عبد الله المحيطين به
ضعفاء في مجملهم، غارقون في مناطقيتهم وفئويتهم، قليلي
الخبرة وحتى الكفاءة العلمية.
لا يجب أن نخدع ولا أن نسدّ أبواب الأمل كاملة، فاحتمال
الإصلاح (الجزئي) لا يزيد ربما عن عشرين بالمائة؛ أما
الباقي فدعاية فجّة سرعان ما تتطاير فقاعاتها، فنكتشف
أنها مجرد زبدٌ لا ينفع الناس ولا يستحق أن يمكث في الأرض.
|