مقتل زعيم القاعدة في السعودية
نايف ينتظر المكافأة
لم يكن مقتل زعيم تنظيم القاعدة في السعودية صالح العوفي
في الثامن عشر من أغسطس حدثاً أمنياً خالصاً، فقد كان
هناك أغراض سياسية تختفي خلف الحادث، وهو ما أراده الامير
نايف والعصبة السديرية المؤيدة له. إن إختيار عملية نوعية
في هذا الوقت بالخصوص له دلالات سياسية محددة تتجاوز أهدافها
الأمنية المعلنة.. إنه حدث يمثل مفتتحاً متميزاً لعهد
الملك عبد الله، الذي يتطلع لتدشين عهد يتسم بالهدوء والاستقرار
على مستويات أمنية وإقتصادية وسياسية، كما يشكّل في الوقت
ذاته صفحة جديدة لعلاقة إتسمت بالتوتر المزمن بين جناحي
الامير عبد الله والامير نايف.
نايف: حلم العرش عبر الامن
|
بعد فترة هدوء على مستوى المواجهات الامنية دامت أكثر
من شهر ونصف سوى من رسائل التحذير التي أطلقتها سفارات
غربية لرعاياها في السعودية من أن الجماعات المسلّحة على
وشك القيام بعملية عسكرية داخل السعودية، خاضت قوات الامن
مواجهة مسلّحة في المدينة المنورة والرياض مع عناصر من
الجماعات المسلّحة بقيادة زعيم تنظيم القاعدة في السعودية
صالح العوفي والتي أودت بحياته. وكان العوفي متهماً بتدبير
هجوم مسلّح على القنصلية الاميركية بجدة قبل عدة أشهر،
وفي مقتله رسالة غير مباشرة للاميركيين. وكان حي الملك
فهد شهد قبل أكثر من عام مواجهة أمنية تمكن خلالها العوفي
من الهرب فيما تم القاء القبض على زوجته التي جرى اتهامها
بالتستّر على اعمال زوجها وتواجدها في موقع لتخزين الاسلحة،
وقد تم الافراج عنها لاحقاً لأسباب تتعلق بوضعها العائلي.
العوفي المدرج على قائمتي المطلوبين لوزارة الداخلية،
هو جندي أول متخرج من مؤسسة الامن العام السعودية وتعيّن
في سجن بمنطقة المدينة المنورة، ثم ترك وظيفته عام 1992
حيث سافر الى أفغانستان والشيشان للمشاركة في العمل الجهادي
وأصيب بجروح وعاد للسعودية عام 1995، لينخرط في نشاط تنظيمي
وعسكري داخل السعودية بعد الحادي عشر من سبتمبر. وكان
زعيم تنظيم القاعدة في العراق الاردني أبو مصعب الزرقاوي
قد أعلن قبل أكثر من شهر عن مقتل العوفي في العراق، الا
أن وزير الداخلية الامير نايف أبدى إهتماماً ضئيلاً برواية
الزرقاوي وقال بأنه لم يثبت له وجوده في العراق.
وقد تولى العوفي قيادة تنظيم القاعدة في السعودية بعد
مقتل عبد العزيز المقرن في العام الماضي، وتميّز العوفي
بخبرته الامنية والعسكرية الى جانب نزوعه الايديولوجي
الشديد، حيث قدّم للتنظيم نظرات عقدية في العمل الجهادي
الى جانب التخطيط الاستراتيجي، كما تولى شخصياً الاشراف
على عمليات تهريب الاسلحة وتخزينها في المنطقة الغربية
وبخاصة في منطقة المدينة المنورة، والتي قيل أنها كانت
معدّة لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق، كما قاد العوفي
عدداً من الهجمات على المصالح والمنشآت الغربية والاميركية
قبل وبعد توليه قيادة التنظيم.
ان مقتل العوفي في الثامن عشر من أغسطس حيث عثر على
جثته في معقل بالقرب من مسجد المدينة الى جانب عنصر آخر
من التنظيم، وقع قبل وصول الملك عبد الله الى المدينة
بساعات قليلة، كما جاء في بيان وزارة الداخلية، وهنا تكمن
الرسالة السياسية التي أراد الامير نايف إيصالها الى الملك.
إن مقتل العوفي مثّل إحدى أهم الضربات الخاطمة لتنظيم
القاعدة في السعودية، فحصد الرؤوس المتواصل يكسر شوكة
الجماعات المتشددة، ويقدّم أغلى هدية للملك الجديد الذي
أفصح في مرات عديدة لوزير الداخلية عن تذمره من عجز قوات
الامن عن القضاء على ظاهرة العنف، وقد أفاد الامير نايف
من هذا التذمر في البحث عن مدخل مناسب لكسب رضا الملك
الجديد للفوز بالغنيمة المؤجّلة، أي منصب النائب الثاني
لملك.
ومن المؤكد أن الامير نايف عمل مافي وسعه في هذه الفترة
من أجل كسب ود الملك الجديد من خلال تنفيذ عمليات نوعية
ضد الجماعات المسلّحة والمشاركة بفعالية غير مسبوقة في
ترسيخ أسس الامن والاستقرار في عهدد الملك عبد الله، على
الاقل حتى الانتهاء من حسم قرار تعيينه كنائب ثانٍ للملك،
بعد أن بدأت أعناق الاخوة الآخرين تتطاول للتنافس على
المنصب الشاغر، وبخاصة إذا ما جرى إعتماد السن كمعيار
لاختيار النائب، فهناك من هو أكبر من الامير نايف سناً
بين أخوته وبالتالي من هم أحق منه في النيابة الثانية.
لاشك أن إرباكاً في الوضع الأمني سيفضي الى تعكير صفو
شهر العسل الذي يعيشه الملك عبد الله، الأمر الذي يدفع
الامير نايف الأحرص على نيل المكافأة الى بذل جهود جبّارة،
سيما وأن تدابير السفارات والبعثات الدبلوماسية الغربية
في أوائل أغسطس وقرارات إغلاقها لمدة يومين خشية تعرّض
المباني الاميركية والحكومية في السعودية لهجمات وشيكة
تفقد العهد الجديد تميّزه، وتدرجه في سياق العهد الفائت
من حيث كونه مليئاً بالتوترات الامنية الى جانب الانخفاضات
الاقتصادية والسياسية.
الأمر الآخر، إن صدور بيانات من السفارات الأجنبية
في السعودية حول توقّع هجمات مسلّحة قريبة يبعث السؤال
الاستنكاري القديم حول قدرة أجهزة الأمن على ضبط الاوضاع
الأمنية ورصد تحركات الجماعات المسلّحة، وقد يحرم وزارة
الداخلية من نشوة الانتصارات الامنية التي حققتها في الشهور
الماضية.. إن مبادرة قوات الامن على إقتناص الفرص الذهبية
والنادرة يمثل مكسباً سياسياً لوزير الداخلية في هذه المرحلة،
فهو بحاجة الى منجز أمني متميز يقدّمه قرباناً للملك الجديد
طمعاً في الجائزة.
صالح العوفي: قربان نايف للملك
|
قد لا يملك الآخرون من أخوة الامير نايف أوراقاً قوية
للمنافسة على منصب النائب الثاني، سوى ورقة السن التي
تم إسقاطها في عهود سابقة حين تولى من هم أصغر سناً العرش
سواء عبر تسويات داخل العائلة المالكة أو عن طريق فرض
الأمر الواقع.. إن الأمر قد يتطلب إخراجاً حاذقاً من الملك
الجديد الذي يميل بشدة الى تفكيك الهيمنة السديرية من
خلال منح منصب نائب ثاني للأمير نايف على أن يتولى وزارة
الداخلية أمير من غير الجناح السديري وكذا الحال بالنسبة
لوزارة الدفاع، وهنا مكمن الخلاف بين الامير عبد الله
ومعه أفراد من العائلة المالكة والجناح السديري الذي يتمسك
بموقفه المتصلب من قضية التعيينات.
الامير نايف الذي يتطلع للوصول الى العرش بعد شقيقه
الامير سلطان يرفض الا الدخول الى العرش من بوابة وزارة
الداخلية، كما هي سيرة شقيقه الراحل، ويدرك تماماً بأن
عامل السن الذي يعوّل عليه في نظام التوريت داخل العائلة
المالكة تجبره القوة على الأرض، ولكن يبقى أن عامل القوة
ليس حاسماً دائماً في ظل تعقيدات العلاقة الداخلية بين
الامراء والاستقطابات الجديدة التي بدأت تتبلور في السنوات
الاخير ثم إنفرازها تدريجياً مع وصول عبد الله الى العرش.
ثمة رسالة أخرى يلزم الالتفات الى فحواها السياسي من
وراء مقتل صالح العوفي، وتندرج أيضاً في سياق رغبة الامير
نايف في الحصول على مكافأة سياسية متميزة، وهذه الرسالة
موجّهة تحديداً الى الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
فمنذ بدء الحرب على الارهاب كانت السعودية ممثلة في أجهزتها
الأمنية متّهمة بالتقصير في أداء دور فاعل في ملاحقة عناصر
الجماعات المسلحة وتعقّب ظواهر العنف، بل إن ثمة إتهامات
غير مباشرة الى وزير الداخلية بضلوعه في عمليات العنف
داخل العراق عبر تشجيع العناصر المتشددة داخل السعودية
لنقل عملياتها خارج الحدود بدعم من رجال دين سلفيين معروفين،
وقد ساهم ذلك كله في توتير العلاقة بين الحكومة السعودية
والادارة الاميركية، بالنظر الى تصريحات ذات لهجة صارمة
صدرت عن الامير نايف يرفض فيها تدخل الادارة الاميركية
في الشؤون الداخلية للمملكة عن طريق مكافحة الارهاب.
إن تشكيك الامير نايف في الرواية الاميركية حول تورط
تنظيم القاعدة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر أثار حفيظة
الادارة الاميركية، ثم رفضه المتكرر لتدخل محققين أميركيين
في عمليات التحقيق مع مشتبهين سعوديين، قد ترك أثراً كبيراً
في الموقف الاميركي، يضاف الى ذلك الشبهات الكثيرة التي
أحاطت بدور الامير نايف من أعمال العنف داخل العراق..
ساهم ذلك كله في تشكيل الرؤية الاميركية حول الامير نايف
الذي يضطلع بدور مزدوج في الحرب على الارهاب.
الاميركيون عبّروا عبر قنواتهم الدبلوماسية للقيادة
السعودية بعدم رغبتهم في تولي الامير نايف منصب النائب
الثاني، ويستند الموقف الاميركي على رفض احتكار السديريين
للسلطة بكاملها مع إستثناء الاجنحة الاخرى داخل العائلة
المالكة، لأن في ذلك تعطيلاً لحركة الاصلاح المرفوضة أصلاً
وفعلاً من الامراء السديريين. فمن المعروف أن الجناح السديري
أبدى تشدداً بالغاً من قضية الاصلاح السياسي ودخل بصورة
مباشرة في مجابهة رموز التيار الاصلاحي. إن خضوع السلطة
للجناح السديري سيفضي دون شك الى الغاء إمكانية التغيير،
القائمة على أساس وجود حالة حراك وتنوع داخل العائلة المالكة،
وقد يعطي إحتكار فئة للسلطة فرصة لمزيد من التشدد والاستبداد
الامر الذي سيؤدي الى توتير الاوضاع الداخلية وإعادة البلاد
الى مرحلة سابقة.
إن الاميركيين يتطلعون لوجود عناصر متباينة داخل نظام
الحكم في السعودية، بما يسهّل مهمة التعامل معهم، رغم
أن السديريين أقرب من حيث المصالح الى الادارة الاميركية،
ولكن في الوقت نفسه يخشون من تشكّل حالة عصبوية تؤدي الى
نزاع داخلي أولاً اضافة الى ما تمنحه الحالة العصبوية
من أوراق ضغط وتهديد للمصالح الحيوية الاميركية. وبحسب
مصادر مقرّبة من الملك عبد الله، فإن الموقف الاميركي
الرافض لتعيين الامير نايف نائباً ثانياً للملك يلتقي
مع رغبة الملك نفسه والاجنحة الاخرى في العائلة المالكة،
وهو أمر يجري تداوله على نطاق محدود في ضوء ما ستسفر عنه
المداولات الحامية بين أطراف عديدة في العائلة المالكة،
حيث يرى بعض الامراء المدعومين من الملك أن تراكم السلطة
في أيدي السديريين يعني ترسيم عملية النبذ لكافة الاجنحة
الاخرى، التي ستجد نفسها خارج معادلة السلطة للأبد.
يدرك الامير نايف بأن الموقف الاميركي منه لا يمكن
تعديله سوى بعملية نوعية، وبمزيد من الليونة والتقارب،
وقد قامت أطراف سديرية بمهمة التقريب بين الامير نايف
والادارة الاميركية، عقب مقتل العوفي الذي قاد الهجوم
على القنصلية الاميركية بجدة، ولم يكن الامير نايف قادراً
بصورة مباشرة على استثمار هذا الحدث.. فقد لعب سماسرة
الجناح السديري مهمة تسويق المنجز الامني الذي حققه الامير
نايف وقصد به إرضاء الملك الجديد والادارة الاميركية.
لا شك أن مقتل العوفي وعدد من عناصر الجماعات المسلّحة
في ظل تكهنات قوية بقرب وقوع هجمات مسلّحة قد ألقى بظلاله
على الموقف من الامير نايف، الذي كان بحاجة الى صيد ثمين
بحجم العوفي كيما يكفّر عن تشدده المعهود.. فقد قُتل قائد
التنظيم السابق عبد العزيز المقرن بأيدي رجال الملك عبد
الله في سياق إفشال لصفقة بين المقرن ووزارة الداخلية،
أما العوفي فهو إنجاز خاص بوزارة الداخلية وبالأمير نايف.
على أية حال، فإن الاوراق التي بيد الامير نايف والجناح
السديري لكسب رهان منصب النائب الثاني تبدو أكثر، الا
أن ثمة عناصر أخرى معيقة قد تطيح بالرهان، فلا الملك عبد
الله ومن خلفه كتلة الامراء الاخرين من الاجنحة الاخرى
ولا الاميركيون راغبون في تمكين الجناح السديري من كامل
السلطة، ما لم تتم عملية قسمة للسلطة تمنع أي توترات مستقبلية
داخل العائلة المالكة وقد تضطر بعض الاجنحة للتوسل بقوى
من خارج الاسرة لتحقيق مآربها السياسية، وهو ما يؤذن بزوال
الملك السعودي.
|