مجلس الأمن الوطني السعودي
إعادة السيطرة على جهاز الأمن أم تعديل يعكس التوافق؟
أعلن الملك عبد الله في 13 رمضان الماضي تشكيل مجلس
للأمن الوطني في السعودية وعين السفير السعودي السابق
في واشنطن بندر بن سلطان أميناً عاماً له بمرتبة وزير..
ويتشكل المجلس ـ حسب المادة الثانية من نظامه ـ من: الملك
(رئيسا)، وولي العهد سلطان (نائبا للرئيس)، ونائب رئيس
الحرس الوطني وهو متعب ابن الملك (عضوا)، ووزير الداخلية
(عضوا)، ووزير الخارجية (عضوا)، ورئيس الاستخبارات العامة
الذي لم يعين إسمه خلفاً لسلفه نواف (عضواً)، وأخيراً
أمين عام مجلس الأمن الوطني، بندر، (عضوا). وقالت المادة:
أنه يجوز بأمر ملكي إضافة أعضاء آخرين، ولرئيس المجلس
أن يدعو من يراه لحضور اجتماعاته لمناقشة أي من الأمور
المعروضة عليه دون أن يكون له حق التصويت.
صلاحيات وأهداف واختصاص المجلس حسب نظامه كثيرة جداً
وتشمل:
- التخطيط للسياسة الأمنية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
- دراسة وتقويم الأحداث والتطورات والظواهر المهمة
ذات الصلة بالأمن الداخلي الواقعة داخل المملكة، وكذلك
دراسة وتقويم الأحداث والتطورات والظواهر المهمة، السياسية
والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية، الواقعة
في الدول الأخرى مما له تأثير مباشر على أمن المملكة ومصالحها.
- تحديد اختصاصات ومسؤوليات كافة أجهزة الأمن والتنسيق
بينها.
- التحقيق والتفتيش على كافة الأجهزة الأمنية بتوجيه
من رئيس المجلس وذلك في الحالات التالية: الخروج بالجهاز
عن مسؤولياته، الإهمال والمخالفات الخطرة، العبث بالإمكانات،
نشوء أو اكتشاف حالة داخل أحد الأجهزة الأمنية تهدد الأمن
العام والمصالح العليا للوطن لتحديد المسؤولية.
- تحديد هيئات الاستخبارات الأجنبية الصديقة التي يمكن
للأجهزة الوطنية المماثلة التعاون معها في مجالات تبادل
المعلومات والخبرات.
- دراسة المعلومات المتوفرة عن نوايا العدو تجاه المملكة،
وتحليلها لتقرير مدى تأثيرها على أمن المملكة، وسلامة
شعبها، وصيانة مصالحها ووحدة أراضيها.
- دراسة موضوع إعلان حالة الطوارئ، وتأثيرها على الصعيدين
الداخلي والخارجي، ودراسة الإجراءات التي تسبق إعلان حالة
الحرب أو تصاحبها بما في ذلك الإجراءات السياسية والاقتصادية،
وتخفيض التمثيل الدبلوماسي، وسحب السفراء، وقطع العلاقات
الدبلوماسية، وتقدير آثارها في الداخل والخارج، ودراسة
وإقرار نوع الاستراتيجية لدخول الحرب ضد دولة أخرى، أو
إعلان الحرب، أو لدخول الحرب إلى جانب دولة أو دول صديقة.
- دراسة وإقرار نوع الاستراتيجية العسكرية المطلوب
اتباعها للتعامل مع التهديد العسكري الذي يتوقع أن تتعرض
له المملكة، ومراجعة التطورات المهمة المتصلة بالطاقة
وبالوضع الاقتصادي المالي للمملكة لتقدير آثارها على الأمن
الوطني بمفهومه الشامل.
إعادة ترتيب البيت الداخلي
على مقاس الملك الجديد، يجري ببطء شديد، إجراء تغييرات
في الوجوه والأشخاص وبعض السياسات. وقد سبق للملك عبد
الله أن غيّر من تشكيلة مستشاريه في الديوان الملكي، ووضع
رئيساً له من المقربين له وهو خالد التويجري. ويحاول الملك
أن يأخذ قدراً من الصلاحيات من إخوته السديريين الذين
يمسكون بمفاصل السلطة الحقيقية في البلاد خاصة في جانبها
الأمني، ولكن خطوة خطوة.
في هذا المقام يأتي إعادة تشكيل المجلس الوطني، فهذا
المجلس وجد منذ زمن طويل ولكنه كان بدون فاعلية، كون المهمة
الأمنيّة موزّعة على رموز النظام، وإن كانت وزارة الداخلية
ممثلة بوزيرها الأمير نايف تسيطر على الملف الأمني الداخلي
من ألفه الى يائه.
هل يعتبر إعادة تشكيل هذا المجلس مجرد استجابة للظروف
الأمنية الحالية التي تعيشها المملكة واستباقاً لما يمكن
أن يحدث في المستقبل؟
بالطبع؛ لكن هذا ليس كل الهدف.
يظهر من خلال الصلاحيات الواسعة للمجلس، وهي صلاحيات
التحقيق والتفتيش ووضع الإستراتيجيات والدراسات والتنسيق
بين الأجهزة الأمنية والى حدّ ما الإشراف من بعيد على
مختلف الأجهزة الأمنية، أن المجلس لا يسحب صلاحيات حقيقية
من وزير الداخلية الذي أصبح مجرد عضو فيه. فقد تركت الأجهزة
الأمنية عامّة مستقلة في إدارة شؤونها، وبقي جهاز الإستخبارات
كهيئة مستقلة ترجع الى الملك، فيما جهاز المباحث (الأمن
الداخلي) بقي في يد وزير الداخلية دون تدخل من أحد، اما
الإستخبارات العسكرية فلا تزال تابعة لوزارة الدفاع.
والملاحظ أن اختصاصات المجلس لم تتطرق الى وضع حدّ
لتجاوزاتها تجاه المواطنين، أي أن المواطن وحقوقه النابعة
من مواطنته لم تكن ضمن التخطيط، وإنما كان الغرض إيجاد
مرجعية أمنيّة، تبقي الملك مطلعاً على ما يجري في البلاد
من خلاله، لا أن يستقي معلوماته من وزير الداخلية الذي
هو في صدام دائم مع الملك، والذي عادة ما يقدم معلومات
منتقاة.
لكن ما الذي يجعل الملك مطمئناً لعمل مجلس كهذا، طالما
أن أحد أعضاء الجناح السديري يقف على رأسه؟
للملك شخصان عضوان في المجلس هما: إبنه متعب كممثل
للحرس الوطني؛ ورئيس جهاز المخابرات الذي يتوقع أن يرأسه
زوج إبنته عادلة. وهذان بإمكانهما، أن يكونا عينا الملك
في المجلس، وبالتالي فإن المجلس سيكون ذا فائدة في توحيد
التوجهات الأمنية من جهة، والتنسيق بين الأجهزة، ويكون
الملك قد حقّق لنفسه ـ وبصورة التوائية ـ حضوراً في جهاز
الأمن المحلي طالما كان غائباً عنه.
لا يتوقع أن تتأثر سلطة نايف بوجود هذا المجلس، وإن
كان فيه مجرد عضو، ولكنه العضو الأكثر فاعلية فيه ربما.
ويبدو أن المجلس كان مخرجاً مريحاً لكلا الطرفين المتنافسين
على السلطة: الجناح السديري وجناح الملك. وهذا يدل على
أن الأمور في البلاد ستسير في إدارة توافقية من قبل الجناحين،
عبر وضع صيغ تحدّ من الإحتكاك بينهما، وتلغي إمكانية اتخاذ
حلول راديكالية إقصائية لأي منهما. بمعنى آخر، فإن الملك
لا يستطيع ـ وربما لا يريد ـ أن يوجه ضربة قاضية للجناح
المنافس ويأتي برجاله، فدون هذا العمل خرط القتاد: سيل
من الدماء، وربما اغتيالات، وفوضى.
هذه النزعة التوافقية قد تنعكس على الأجهزة العسكرية
المشتتة هي الأخرى، والتي لا يجمعها جامع. فقد يخرج علينا
الملك بصيغة مشابهة أو قريبة منها، لتوحيد الفصائل العسكرية
في الجيش والحرس الوطني. نقول توحيداً في التوجه والتنسيق
بينهما، بما يلغي التفرّد، ويبعد شبح الصدام بين الجيش
والحرس.
التوافق والإصلاحات
لماذا؟
التوافق في المملكة يعكس حالة من توازن القوى بين الجناحين
الحاكمين. وفي الحالة السياسية فإن الطرفين من حيث المبدأ
لا يؤمنان بالتغيير، ولكن أحدهما ـ وهو جناح الملك ـ أكثر
ميلاً لإجراء إصلاحات غير هيكلية، فيما يعارض الطرف الآخر
هذا النوع من الإصلاح او حتى البدء به. في حال البحث عن
توازن، فإن الأقرب هو تعطيل الإصلاحات. يدلنا على هذه
النتيجة ما شهدناه في السنوات الثلاث الماضية، حيث لم
تستطع الدولة البدء بخطوات إصلاحية فاعلة في الجانب السياسي.
حتى الإنتخابات البلدية، فإنها، ولسخرية الأقدار، لم تفعّل
حتى الآن. أي أن الإنتخابات البلدية لم تنتج نظام بلديات
كون المنتخبين لم يبدأوا العمل بعد، رغم مضي نحو تسعة
أشهر على انتهاء الإنتخابات! ويقال بأن النصف المعيّن
من أعضاء المجالس البلدية سيحدد في يناير القادم 2006،
وهناك خلاف بين وزارة الداخلية ووزارة البلديات حول من
له الحق في تعيين الأسماء!
التوافق هنا يعني إبقاء كل شيء على حاله، نظراً لتعذّر
الإجماع.
في حين ان الإصلاح السياسي يتطلب مبادرة واختراقاً
للمألوف الحالي. إنه يتطلّب شجاعة، تفرضه القيادة على
نفسها وعلى المخالفين لها. وطالما أن جناح عبد الله لازال
ضعيفاً وغير قادر حتى على فرض الحدود الدنيا من الإصلاح
السياسي على الجناح السديري، فإن التوافق إما سيجمّد الإصلاحات
أو يحرفها الى مواضيع اجتماعية كما هو الحاصل، أو يجعلها
غير ذات فائدة بحيث يمكن القول بأنه يمكن تسميتها أي شيء
إلا أن تكون إصلاحاً.
نحن ـ على الأرجح ـ بإزاء عملية ترميم لمركز السلطة،
ومحاولة تعديل الأنصبة والحصص ضمن متغيرات ما بعد موت
الملك فهد؛ وستستمر على الأرجح عمليات الترميم بمثل هذه
القرارات كونها الهاجس الأول للملك؛ أما الإصلاحات فلا
تحتلّ مكاناً مهماً في الأجندة السعودية هذه الأيام. وهذه
المرحة تتطلب توافقاً ناظماً للصراع على مراكز القرار،
وليس انتهاج سياسة كسر العظم، لا الملك ولا الجناح السديري
يرغب بها أو قادر على النجاح فيها لو انتهجها.
قد يخيّب هذا النوع من السياسة بعض الأمراء الذين اعتقدوا
ـ واهمين ـ بأن مجرد وصول عبدالله الى كرسي الملك فسيكون
بإمكانه قلع الجناح السديري بكامل طواقمه أو تحديده في
مواقع قابلة للضبط، ومن ثم فإنهم سيحزمون حقائبهم لتولّي
المناصب الوزارية والمواقع الهامّة بدلا من ذلك الجناح.
هذا لن يحدث، لأن موازين القوى لم تتغير كثيراً بوصول
الملك الى كرسي العرش، ولأنه يبحث عن إجماع داخل العائلة
ضمن وضعها الحالي، ولأنه لا يمتلك الجرأة والشجاعة الكافية
لحسم الأمور من طرف واحد إن استدعى الأمر.
ثم إن الملك مشغول بموقعه وموقع أبنائه في السلطة،
وليس بالضرورة حلفاءه من الأمراء الضعفاء.. وهذا هو المعنى
الذي يمكن استخلاصه من وجود إبنه في مجلس الأمن الوطني
وكذلك زوج ابنته. مع أنه ينبغي ملاحظة حقيقة هامة هنا،
وهو أن كل أعضاء المجلس الوطني هم من الأمراء! ولا يوجد
رجل من العامّة، اللهم إلا أن يأتي لاحقاً في جلسة كضيف
لأخذ رأي أو استشارة!
لازالت هناك الكثير من القضايا عالقة حتى الآن تنتظر
الحسم ببطء، كما هي عادة النظام السياسي في المملكة، ومن
بينها تحديد من يكون النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء،
أي من يكون ملكاً بعد سلطان، والمرشح هنا هو نايف. الملك
يستطيع أن يمطّط الأمر ولا يعيّن نايف من الناحية النظرية،
ولكنه لا يستطيع أن يلغي حقيقة أنه الرجل الثالث القوي
في الدولة. ثم إن الملك لا يستطيع أيضاً تعيين شخص غير
نايف في الوقت الحالي، ولا يوجد في أجندته إلا التأخير
فيما يبدو.
|