إمتحاناً لمصداقية الملك الجديد
ملف إنتهاكات حقوق الإنسان في السعودية
حين بدأت فعاليات الحوار الوطني قبل أكثر من سنتين،
كان الانطباع المفعم بالأمل أن عهداً جديداً من الحريات
وحقوق الانسان قد أرسى أسسه القويمة، خصوصاً وأن رائد
هذا العهد بات قاب قوسين أو أدنى من تسلّم السلطة بصورة
كاملة. فقد بدا وكأن حرية التعبير ستكون معلماً ساطعاً
في مرحلة الملك عبد الله، وأن ملف إنتهاكات حقوق الانسان
سيغلق للأبد، سيما مع الاعلان عن تشكيل لجنتين لحقوق الانسان
ترصد قضايا الانتهاكات التي تقع على الافراد وتسهم في
الدفاع عن تظلّمات من لا تصل أصواتهم الى المقامات العليا..
وبصورة عامة، فقد بدا كل شيء معدّاً بصورة إحتفالية توحي
وكأن نظاماً جديداً يولد من جديد، يقوم على صيانة الحقوق
واحترام الحريات الفردية والعامة.
كان ذلك أملاً معقوداً على الملك الجديد، وكان الجميع
بإنتظار طفرة جينية في العائلة المالكة تدشّن حقبة جديدة،
ولربما تجاوزت آمال الكثيرين حدودها حتى أصبحوا يرسمون
صورة حالمة عن الملك عبد الله الذي وصفه البعض بـ (المنقذ)،
وبلغ من تسامح الحالمين أنهم آثروا التبرير لأخطاء وقعت
في طريق الملك، فما كانت من وجهة نظرهم سوى كبوات غير
مقصودة للفارس القادم، بل بالغ البعض في تبرير الاخطاء
الى حد التغرير بضحايا حقوق الانسان عبر ضخ كمية كبيرة
من المهدئات في أجسادهم، فلم تكن سوى مهدّئات ملتبسة الوظيفة
والأثر، كمن يتوهم الشفاء من مرض لينسيه مرضه الحقيقي.
قبل وصوله الى العرش، سحب الفارس شهادته ليتيح للمنتهك
الاول لحقوق الانسان تنفيذ مخطط مبيّت للمناصرين الحقيقيين
لحقوق الانسان. وقد كان جذر المشكلة حينذاك أن جماعة من
الشرفاء من مواطني هذا البلد المعروفين بالنزاهة والتاريخ
النضالي الطويل والناشطين في مجال حقوق الانسان قررت تشكيل
لجنة وطنية حقوقية مستقلة تكون عوناً للدولة في التعرّف
على المساحة المجهولة والمسكوت عنها والتي تمثل مصدر توتر
مزمن في علاقة المجتمع والدولة. ولكن كبر على القابضين
على الحكم أن يحنوا رؤوسهم قليلاً كي يتعرفوا على مواطن
الخلل الرئيسية، وأن يصغوا لبعض الوقت الى شكاوى المظلومين
ممن سجّلت سياط الجلاد على أجساهم شهادات دموية، وأن يستمعوا
الى من حرمتهم أجهزة القمع المختلفة للتعبير عن أفكارهم
ومواقفهم بوسائل سلمية وصادقة.
كان قرار تقويض المجهود الحقوقي السلمي في الخامس عشر
من مارس العام الماضي نذير سوء وإشارة بالغة الدلالة عن
شخصية الملك القادم. وقيل حينذاك بأن هذا القرار لم يأت
لمجرد النزعة الفردية لدى وزير الداخلية بل هو ثمرة فاسدة
لاتفاق صلب أبرمه الكبار بمن فيهم الملك الحالي عقب جلسة
مناقشات ساخنة..
مع وصول عبد الله الى العرش، وضعت القوى السياسية والاجتماعية
آمالها على كاهل الفارس، وكان في ذلك إختبار لمصداقيته.
لقد أغرى هذا الفارس الحالمين بخطوات مألوفة مع قدوم ملك
جديد الى العرش، حيث أفرج عن الرموز الاصلاحية بضغط من
الخارج، في تدابير عاجلة طارت أنباؤها في الآفاق.. أما
ضحايا حقوق الانسان الباقون فكانوا بانتظار مبادرة مماثلة
وعاجلة لم تتم، بل جاءت التوقعات مخيّبة فبينما كانت لجنة
المناصحة التابعة لوزارة الداخلية تعمل بدأب من أجل تهيئة
الضالعين في دوامة العنف لاطلاق سراحهم، ظل المنسيون في
معتقلات وزارة الداخلية يقاسون أشد أنواع التنكيل.
وحتى الآن على الاقل، فإن البريق الذي خطفه الملك عبد
الله لم ينطفىء تماماً ولكنه بالتأكيد قد تقهقرت خيوطه
المضيئة، وتراجعت الى حد ما توقعات المراقبين في الداخل
والخارج، فيما تمسّك كثيرون بتفسير أقرب الى التبرير:
أن الملك عبد الله مشغول من رأسه حتى قدميه في ترتيب البيت
الداخلي، فكما أن القطاع الأكبر من الناس العاديين في
البلاد لهم حاجاتهم ومطالبهم، فكذا الحال بالنسبة لجحفل
من الامراء داخل العائلة المالكة، الذين لم ينالوا حصتهم
في الحكم.
كانت الشهور القليلة الماضية حبلى بحوادث الانتهاكات
لحقوق الانسان وفق معطيات جديدة تبعث على القلق، بالرغم
من محاولات التعتيم عليها وإهمالها في غمرة الاحاديث المكثّفة
عن البرنامج الاصلاحي للملك عبد الله. فبينما جاءت التوقعات
متفقة على أن الحوار الوطني قد وصل الى مرحلة الموت السريري
كما أنبأ عنه اللقاء الفكري الخامس في أبها والذي لم ينل
تغطية إعلامية تستحق، مع أهمية الموضوع مورد التداول في
هذا اللقاء وكان بعنوان (نحن والآخر)، الا أن الآخر الذي
كان يعرّف بكونه المختلف سواء كان على قاعدة فكرية أو
دينية أو سياسية يواجه قمعاً وتنكيلاً من لدن الموكولين
بحماية الآخر.
نبدأ من التقرير الدولي للحريات الدينية لعام 2005
والصادر عن هيئة الديمقراطية وحقوق الانسان والعمل للتعرف
على انتهاكات فادحة في مجال الحريات الدينية. فقد ذكر
التقرير بأن الحكومة لا توفّر حماية قانونية للحرية الدينية،
كما أن هذه الحماية غير متوفرة أيضاً من الناحية العملية.
ويؤكد التقرير على أن وضع الحرية الدينية لم يشهد أي تغيير
خلال السنة الحالية. وبالرغم من الحملة المتواصلة للحكومة
من أجل إشاعة الاعتدال والتسامح الديني، فإن تقارير تحدثت
عن المعاملة السيئة التي يتعرض لها المواطنون من قبل الشرطة
الدينية او المطاوعة. ما يجدر ذكره أن الخارجية الاميركية
كانت قد صنّفت السعودية في العام الماضي ضمن قائمة الدول
المثيرة للقلق تحت قانون الحرية الدينية الدولية، وذلك
على قاعدة الانتهاكات الحادة للحرية الدينية.
وينطلق التقرير لهذا العام من حقيقة غياب الحرية الدينية
في السعودية، كونها غير مقرّة بصورة رسمية وليست محمية
من الناحية الفعلية، وأن هناك جحوداً بالحريات الدينية
الاساسية لكافة الاديان والمعتقدات بما في ذلك أتباع المذاهب
الاسلامية غير الوهابية. وحتى غير المسلمين الذين سمحت
لهم الدولة بممارسة طقوسهم في البيوت الخاصة، فإن حوادث
عديدة تم رصدها وتدوينها حول عمليات إقتحام قام بها رجال
هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لتلك البيوت، والتعدي
على المتعبّدين من غير المسلمين. ويذكر التقرير بأن عدداً
من هؤلاء قد تعرض للحجز والتسفير وسجّلت حالات عديدة عن
جلد بعضهم قبل تسفيرهم الى بلدانهم، فيما خضع بعض الموقوفين
سابقاً الى المراقبة والتحقيق الدوري المصحوب بعبارات
التهديد من مغبة عقد جلسات عبادية في المنازل.
وينطلق التقرير لهذا العام من حقيقة غياب الحرية الدينية
في السعودية، كونها غير مقرّة بصورة رسمية وليست محمية
من الناحية الفعلية، وأن هناك جحوداً بالحريات الدينية
الاساسية لكافة الاديان والمعتقدات بما في ذلك أتباع المذاهب
الاسلامية غير الوهابية. وحتى غير المسلمين الذين سمحت
لهم الدولة بممارسة طقوسهم في البيوت الخاصة، فإن حوادث
عديدة تم رصدها وتدوينها حول عمليات إقتحام قام بها رجال
هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لتلك البيوت، والتعدي
على المتعبّدين من غير المسلمين. ويذكر التقرير بأن عدداً
من هؤلاء قد تعرض للحجز والتسفير وسجّلت حالات عديدة عن
جلد بعضهم قبل تسفيرهم الى بلدانهم، فيما خضع بعض الموقوفين
سابقاً الى المراقبة والتحقيق الدوري المصحوب بعبارات
التهديد من مغبة عقد جلسات عبادية في المنازل.
نلفت هنا في موضوع حقوق الانسان الى حادثتين متشابهتين
ولكنهما متفقتان في الموضوع والجهة. فقد تعرض أستاذ مدرسة
في مارس العام الماضي الى محاكمة بتهمة الارتداد وصدر
الحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات و300 جلدة والفصل من
العمل بتهمة الزندقة، وفي الشهر الماضي (أنظر هذا العدد)
صدر حكم مماثل ضد أستاذ مدرسة آخر بالسجن لمدة أربع سنوات
و750 جلدة اضافة الى الفصل من العمل على خلفية اتهامات
بالاستهزاء بالدين والنيل من شخصيات دينية محلية والاشادة
بالكفار.
ضحايا الرأي في تزايد
إن عدداً كبيراً من الذين شاركوا في نشاطات اصلاحية
أو أدلوا بتصريحات لوسائل إعلام خارجية أو عبّروا بصورة
علنية أو مسموعة عن آراء تخالف توجهات العائلة المالكة
او أحد أجنحتها تعرضوا لاجراءات قمعية غير مبررة، حيث
تم فصل البعض منهم من الوظيفة ومنع من السفر بعد سحب جوازاتهم،
فيما ألزموا بالتوقيع على تعهدّات جاهزة بعدم المشاركة
في أية اعمال سياسية أو الادلاء بتصريحات لوسائل الاعلام
الخارجية، كما حصل ذلك بالنسبة للاصلاحيين الذين تم اعتقالهم
في مارس العام الماضي.
وفي عام 2003 شنّت حملة في منطقة الجوف وتم اعتقال
16 شخصاً بتهمة حيازة وتوزيع كتب واشرطة فيديو ونشريات
تدعو للصوفية، وفي يونيو الماضي أقدمت الحكومة على اغلاق
مجلس إسبوعي يقوم عليه أحد العلماء من الذين ينتمون لمذهب
الامام الشافعي.
تجدر الاشارة الى أن 26 سجيناً في سجن المباحث العامة
بمدينة سكاكا التابعة لمنطقة الجوف بدأوا إضراباً عن الطعام
في نهاية سبتمبر الماضي احتجاجاً على الاجراءات القمعية
التي فرضتها اللجنة الأمنية الموفدة من قبل وزارة الداخلية
للسجن ومن بينها: عزل كل أربعة سجناء في غرفة واحدة، ومصادرة
ما بحوزة السجناء من كتب وصور عائلية مع الابقاء على بطانية
واحدة وقطع من الملابس، والمنع التام من الخروح من الغرف
بما في ذلك المنع من أداء الصلاة جماعة او الخروج الى
باحة السجن.
من جانب آخر، وبعد فترة طويلة على حوادث نجران التي
جرت في محرم الحرام على خلفية إقامة محالس دينية بصورة
علنية، لايزال المعتقلون في تلك الحوادث يتعرضون لاجراءات
قمعية صارمة، حيث صدرت بيانات عن قرار صادر من إدارة سجون
نجران بتغريب 18 سجينٍ على خلفية الاضراب الجماعي عن الطعام
والمطالبة بتحسين أوضاعهم داخل السجن، وكان بعضهم واجه
خطر الموت بفعل الاحوال الصحية والنفسية المتردية داخل
السجن، فقررت ادارة السجن تغريبهم على عدد من سجون السعودية،
وقد شملت قائمة المغرّبين عدداً من الاشخاص غير المشاركين
في الاضراب. ومما يثير الاستغراب ما نقل عن مدير سجن نجران
الذي قال بأن توجيهات صدرت لادارة السجن وقت الاضراب بأن
يدع السجناء يموتون!
حادثة غريبة أخرى تمثل سوءة سوداء في سجل حقوق الانسان
في هذا البلد، حيث تحدث تقرير حقوقي عن قيام الاجهزة الامنية
بمدينة نجران في العشرين من سبتمبر الماضي بمداهمة منزل
أحد الفارين من سجن نجران، وقاموا بترويع والدة السجين
الهارب البالغة من العمر 62 عاماً ثم اعتقالها ليوم كامل
مع أنها تعاني من إرتفاع ضغط الدم والسكر!
إن الاضراب عن الطعام الذي بدأ في نجران وصلت أنباؤه
الى السجون الاخرى، فقرر 400 سجين في سجن بريدة العام
في الخامس من نوفمبر بدء إضراب عن الطعام إحتجاجاً على
عدم صدور عفو عام عن سجناء الحق العام كما هي العادة بعد
تولي ملك جديد. ونقلت صحيفة الحياة في السادس من نوفمبر
أنباء متضاربة عن بدء إضراب عن الطعام في سجن الدمام العام
لنفس الاسباب.
وننقل هنا فقرات من أحد السجناء كان قد بعثها الشهر
الماضي:
(إننا كسجناء نلاحظ قسوة ولاة الأمر علينا ولا نعلم
السبب الحقيقي رغم أنهم يعلمون أن ليس هناك أسس قانونية
أوشرعية في أغلب الأحكام والعقوبات المتخذه بحقنا ورغم
أنهم يعلمون أن القضاة لدينا أصبحوا محل السخريه والتهكم
لدى الرأي العام الداخلي والدولي، ورغم أنهم يعلمون عن
التفاوت غير المنطقي وغير المعقول في القضايا المتشابهه،
ورغم انهم يعلمون عن عدم مشروعية أغلبية الإجراءات المتخذه
بحق المتهمين عند القبض وعند التحقيق وحتى عند الحكم باعتراف
وزير العدل نفسه).
إننا نضع هذه الحقائق المؤلمة برسم الملك عبد الله
وهناك من القصص الاخرى ما لا يمكن حصره حول أشخاص عديدين
تعرضوا للتعذيب بقسوة وصدرت بحقهم أحكام جائرة استناداً
على شهادات مزوّرة او ضغائن مبيّتة، وندعو الى فتح ملف
السجون السعودية كأحد التجسيدات الكبرى على الانتهاك السافر
لحقوق الانسان وكوصمة عار في الحكم.
|