المعلم الحربي يفتح ملف حقوق المعلّمين ويحذّر من
سيطرة فريق التطرف على المؤسسة التعليمية
فوجيء كثير من المواطنين والناشطين الحقوقيين والمناصرين
لحرية الرأي والتعبير في السعودية وخارجها بقرار غاشم
صدر عن الشيخ عبد الله العلي الدخيل القاضي بمحكمة البكيرية
في منطقة القصيم في الثاني عشر من نوفمبر الماضي بالسجن
لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر و750 جلدة موزّعة على خمسة
عشر أسبوعاً ضد معلم مادة الكيمياء محمد سلامة الحربي
(29 عاماً) المدرّس في مدرسة الفويلق بالبكيرية، بتهمة
الاستهزاء بالدين وعلماء الدين البارزين مثل الشيخ ابن
باز ومنع الطلاب من الخروج للوضوء وتأييد اليهود والنصارى
وإدعاء تعلّم السحر، وتشجيع الطلاب على شرب الخمور والتشبّث
بشبه عقائدية وترويجها بين الطلاب وفق تصريحات الدخيل.
وقد رفض قاضي المحكمة الاستماع للدفاع عن المتهم فضلاً
عن مسائلة الشهود ضد المعلم، كما أنكر حقه في توكيل محامٍ
عنه، فيما صرّح محامي الدفاع عبد الرحمن اللاحم التهم
الموجّهة لموكله الحربي ومبدياً إستغرابه للطريقة التي
تم بها اصدار الحكم وقدّم اعتراضاً على المحكمة وطلب الاستئناف
بعد تسلّم الحكم خطياً بعد عشرة أيام من تاريخ صدور الحكم.
وقال اللاحم بأن الادعاءات بنيت على شهادة الطلاب في
المدرسة بما يتنافى مع نظام الاجراءات الجزائية ومخالفة
النظام. وبالرغم من مطالبة الدفاع بمهلة قبل النطق بالحكم
للنظر في القضية بعد الاطلاع على ملف القضية وشهادة الشهود
الا أن القاضي رفض اطلاع الدفاع على أي شيء كما رفض الاعتراف
بوكالة الدفاع عن المتهم بحجة أن القضية منتهية وأن الحكم
غير قابل للنقض، وذلك بعد ست ساعات من التداول والنقاشات
الشفهية.
وفي رده على شهادة الطلاب، قال المعلم الحربي بأنهم
من الطلاب الذين رسبوا في مقرر الكيمياء ما أوغر نفوسهم
تجاهه، مؤكداً في الوقت ذاته على أن قاضي المحكمة رفض
الاستماع الى شهادات الدفاع، كما طالب بتشكيل لجنة تعليمية
مختصة للنظر في ما نسب إليه وفقاً للمقررات والمناهج التي
وضعتها وزارة التربية والتعليم. وذكر الحربي بأن قرار
وقفه عن التدريس غير مبرر، وأنه يستغرب صدور مثل هذا القرار،
معبراً عن خيبة ظنه في إدارة التعليم كونها تخلّت عن مناصرته،
بما يعد إهانة غير مباشرة لادارة التعليم.
وقد لفت المعلم الحربي الى أن الاشخاص الذين تولوا
رفع القضية ضده هددوه سابقاً بالمصير الذي تعرض له المعلم
السحيمي والذي تمت محاكمته على قاعدة تهم مماثلة وصدرت
بحقه أحكام بالسجن والجلد والطرد، وهي ذات الاحكام الجائرة
التي لحقت بالحربي فيما بعد.
وقال المحامي عبد الرحمن اللاحم، وهو بالمناسبة أحد
الرموز الاصلاحية التي أفرج عنها قبل فترة قصيرة بعد مطالبته
باصلاحات دستورية في البلاد، قال بأنه لم يتمكن من مناقشة
الشهود في المحاكمة أو الاطلاع على الشهادات المكتوبة
لاستيضاح بعض الاشكالات حول التهم المنسوبة الى المعلم
الحربي.
ومما يثير الاستغراب والدهشة أن مضامين التهم ونصوصها
تكاد تكون متطابقة في قضيتي المعلمين الحربي والسحيمي،
حيث ورد إتهام بالتطاول على العلماء والاشادة باليهود،
في إشارة واضحة الى تلطيخ سمعة المعلمين. فقد ذكر القاضي
الدخيل بأن المعلم الحربي (تطاول على الشيخ ابن باز رحمه
الله وزعم أن لحى بعض المعلمين مزيفة وأن شارون واليهود
على حق وأن المسلم لا يتوضأ)، من جانب آخر، يبدي القاضي
في الحالتين تسامحاً مفتعلاً حين يسقط حد القتل عن المعلم
في قضية تعلم السحر، ليثبّت ما بعده من حكم جزائي جائر
يناسب التهم المثبّتة كالاستهزاء بالدين وإصراره على التمسك
بالشبه العقائدية ومحاولة نشرها بين الطلاب.
في المقابل، نشرت جريدة الرياض في السادس والعشرين
من أكتوبر الماضي شهادات تثني على المعلم الحربي من بينها
ما قاله عنه إمام مسجد الحارة الشمالية بحي البطين بغاف
الجواء عبد العزيز العثمان العمير حيث قال بأن محمد من
جماعة المسجد منذ ثلاث سنوات وهو رجل ملتزم يشهد الصوات
مع الجماعة وأخلاقه مع الجيران وجماعة مسجده طيبة ولم
ألاحظ عليه سلوكيات سيئة كما أن عدداً من طلابه وفيهم
من رسب بمادته التي يدرسها شهدوا له بالأخلاق الحسنة والجد
والإخلاص والحماس الزائد لحب الوطن والتحذير من الانحراف
أو الأخذ بالفتاوى مجهولة المصدر ويؤكد أهمية الوقوف في
وجه كل من يحاول الإساءة للوطن والمواطنين والمقيمين.
تجدر الاشارة الى أن المعلم الحربي قد فصل من عمله
كمدرّس في مدرسة الفويلق واحالته الى العمل الاداري في
مركز الاشراف عقب شكوى تقدم بها طالب بتحريض من معلمين
محسوبين على التيار السلفي المتشدد، يتهم فيها المعلم
الحربي بالاعتراض على خروج المدرّسين مع الطلاب في إستراحات
خارج المدرسة، وتم تحويل الشكوى الى قضية في المحكمة حيث
إعتذر المعلم الحربي خطيّاً عن الحضور في المرة الاولى
للمحكمة ولكن بعد أن تم حشد عدد من الطلاب والمدرسين ضده
قرر الحربي اللجوء الى كتّاب الصحافة المحلية طلباً للمساعدة
لكسر طوق الحصار المفروض عليه ورغبة في التعريف بقضيته
ولفت نظر المسؤولين لما يواجهه من ضغوطات بسبب محاربة
التطرف الديني.
وفي مقالة كتبها الصحافي الناقد قينان الغامدي في صحيفة
الوطن في الرابع عشر من نوفمبر حاول فيها إيصال صوت الحربي
الى المقامات العليا في الدولة والى الملك عبد الله شخصياً،
حيث اعتبر تدخّل الاخير قضية إنقاذ وطن. وقد ربط قينان
الغامدي قضية الحربي بقضية سابقة كنا قد نشرنا تفاصيلها
على صفحات (الحجاز) والمتعلقة بالمعلم محمد بن رويشد السحيمي
المدرّس في متوسطة وثانوية الابناء بإسكان القوات المسلحة
بطريق الخرج بالرياض، والذي ناله حكم قضائي غاشم، حيث
حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات والجلد ثلاثمئة جلدة مع فصله
من وظيفته في مجال التعليم وذلك في الاول من شهر صفر العام
الماضي.
ويرجع الغامدي سبب رفعه هاتين القضيتين الى الملك عبد
الله لا لقسوة الحكم الجزائي ضد المعلمين رغم ما يثيرانه
من دهشة واستغراب، ولكن لتشابه ـ إن لم يكن تطابق ـ التهم
الموجهة الى المعلمين.. وأن مصدر التهم هو معلمون زملاء
للمتهمين إستخدموا معهم طلاباً غرروا بهم، وهم في الغالب
من صغار السن. وليس ما يستغرب منه إقدام المعلمين الزملاء
للسحيمي والحربي على السواء على إلصاق تهمة الاستهزاء
بالدين ومناصرة الكفار من اليهود والنصارى بحسب ماجاء
في حيثيات الحكم ونص الاتهام، فهؤلاء المعلمون المتطرفون
لن يقبلوا على حد الغامدي (معلماً يناهض فكرهم أو يحارب
توجهاتهم مثل السحيمي والحربي اللذين كانا من الضحايا)
الامر الذي يدفع للاعتقاد (وكأن هؤلاء المتطرفين يقولون
من لم يقتنع بفكرنا، أو يسمح لنا بنشره، أو يصمت، فإن
مصيره التعرّض لمثل هذه التهم التي دبّجت للسحيمي والحربي).
أما السبب الثاني على حد قينان الغامدي فيعود الى أن المتهمين
السحيمي والحربي لم تتح لهما فرصة الدفاع عن نفسيهما،
كما يقتضي العدل والنظام، فهما قد واجها إتهامات جاهزة
وأحكاماً مبرمة ونهائية دون أن يسمح لهما حتى مجرد الاطلاع
على طبيعة لوائح الاتهام فضلاً عن ممارسة حقهما في التظّلم
والدفاع عن نفسيهما. علاوة على ذلك كله، أن القضيتين تجاوزتا
جهة الاختصاص الفعلي حسب نظام المرافعات الشرعية، أي وزارة
التربية والتعليم وانتقلت الى المحاكم بما يعد تعدّياً
فاضحاً على جهات الاختصاص الفعلية.
إن ما يزيد في شراسة القضيتين أنهما إنتهى الى أحكام
شديدة القسوة لا يمكن إصدارها الا في مرتكبي الجرائم الجنائية
الواضحة، إضافة الى ما تمثله أحكام الجلد بصورة علنية
الى إساءة واضحة لمهنة التدريس خصوصاً أمام أولئك الطلاب
الصغار السن الذين غرر بهم لتقديم شهادات زور في قضية
المعلّمين.
تأتي هذه القضية لتعيد فتح ملف ضحايا حرية التعبير
والرأي كما تسلّط الضوء على دعوى محاربة التطرف والنزعات
الاقتلاعية في أوساط التيار السلفي، والتي مازالت رائجة
في حقل التعليم، وهو حقل يفترض أن يكون حاضنة طبيعية للأفكار
المتنوعة وللتسامح الديني والفكري والمنبر الذي منه تنطلق
أفكار الاعتدال والوسطية ونبذ التطرف والاقصاء للآخر،
سيما مع ما تروج له القيادة السياسية في الدولة من شعارات
في إصلاح المناهج ومحاربة مصادر الارهاب ومنابع التطرف
بكافة أشكاله. فقد كتب الاستاذ خالد الغنامي مقالة في
الرابع عشر من نوفمبر مقالة مثيرة بجريدة الوطن حمل فيها
على اولئك الذين يتربصّون الشر بالوطنين الاحرار، وحدد
جذر القضية المثارة ضد المعلم الحربي في كونه يحب مادة
الوطنية، التي كان يدرّسها كواجب إضافي وهي مادة تعد مرفوضة
من قبل التيار السلفي المتطرف التي يوصم المادة بـ (الوثنية)،
كونه يعتنق بدلاً عنها فكرة الاممية التي تمثل الاساس
الفكري والايديولوجي لمشروعهم السياسي الكبير. ويشير الغنامي
الى أن المعلم الحربي قد دخل في مواجهة بوطنيته ضد أممية
مناوئيه في التيار المتشدد، فكان يبشر بأفكار وطنية عن
طريق إلصاق المقالات المنشورة ضد التطرف والارهاب بأشكاله
المختلفة على لوحة الاعلانات في المدرسة، الامر الذي أثار
حفيظة المتشددين.
من جهته، وصف عبد الله باجبير في مقالة بجريدة الاقتصادية
في الرابع عشر من نوفمبر وصف فيها التهمة الموجهة الى
المعلم الحربي بأنها (أغرب تهمة في مواجهة الفكر المتطرف
والوقوف ضده في المدرسة التي يعمل فيها) وكشف باجبير عن
أن الحربي تعرّض لسلسلة من (التهديدات بالقتل واطلاق الرصاص
عليه وسجنه وإيقافه عن العمل)، وذكر أيضاً بأن نصائح أسديت
للحربي كي يتخلى عن وظيفته في التدريس من اجل اغلاق ملف
القضية، ولكنه رفض الانصياع لنصائح المغرضين، الذين أرادوا
إبعاده بطريقة هادئة ومغوية.
وفيما يحاول الحربي الاستعانة بالصحافة المحلية والخارجية
للدفاع عن موقفه، يثير قضية حقوق المعلمين الذين يتعرضون
لقضايا كيدية، من قبل جهات متشددة تحاول صناعة تكتلات
وتحالفات داخل الحقل التعليمي، والتي تسببت في إلحاق الأذى
بالعديد من المعلمين، يكون الدافع من وراءه الاختلاف في
الرأي أو المعتقد أو حتى تباين التوجهات المتعلقة بطرق
التدريس ووسائله. ويحذر الحربي من أن مثل هذا التكتل او
ما يطلق عليه الفريق يستهدف السيطرة على المؤسسة التعليمية
لبث أفكاره بعد أن فشل في إسكات الاصوات المخالفة له في
المؤسسة الاعلامية.
إن وجود تكتل سلفي متطرف داخل المؤسسة التعليمية مستعينة
بأطراف خارجها مثل القضاء يتيح مجالاً واسعاً للتخلص من
كل الاشخاص المخالفين له والذين يرفضون الانصياع لتوجهات
متشددة يحاول هذا التكتل فرضها بكافة الوسائل.
|