دعم العلمانيين ومحاربة النفوذ الإيراني أبرز سماته
رؤية للدور السعودي المنتظر في العراق
كاتب في الشرق الأوسط إسمه عبدالعزيز بن عثمان بن صقر،
ويوقع إسمه على أنه رئيس مركز الخليج للأبحاث، ولا ندري
كنه هذا المركز، هل هو يافطة أم حقيقة، ولا نعلم أي دور
له. لكن ما نعلمه عن الكاتب نفسه كثير من خلال كتاباته،
فهو متخصص في المديح لآل سعود، ويحاول أن ينظر بدون أية
خلفية علمية أو أكاديمية.
بالمختصر المفيد: ما تشي به كتابات هذا الكاتب يفيد
بأنه (جاهل).
نقول جاهل لا لأنه يخالف آراءنا، بل لأنه لا يدرك أبعاد
الموضوع الذي يكتب عنه، ولا يفقه في الاراء التي يطرحها
ولا في معانيها.
أقرب مثال على ذلك ما كتبه مؤخراً في مقاله: (السعودية
والموقف المحتمل تجاه التطورات العراقية) بتاريخ 13/12/2005؛
حيث يقترح على الحكومة السعودية تبني ما أسماه أفضل الخيارات
ثم يحدد خياراً واحداً هو (دعم وتنمية الشعور والإنتماء
الوطني في العراق وتعزيز الحركة الوطنية العراقية وذلك
عبر تقديم الدعم السياسي والمعنوي وحتى المادي للأحزاب
او المجموعات السياسية التي تتبنى هذا الخط). ويرى الكاتب
(رغم ان سياسة تعزيز الانتماء الوطني قد تتعارض مع بعض
ثوابت المملكة، وقد تستوجب دعم مجموعات سياسية عراقية
لا تعد من الأصدقاء التقليديين للمملكة، فان هذا الخيار
يعد اقل الخيارات ضرراً).. ثم يشرع في تفصيل فوائد اقتراحه
أو خياره.
لنتخيل ولو للحظة فقط، أن بلداً متخلّفاً كالسعودية
في المجال السياسي والوطني.. السعودية التي تعاني من ضعف
الحس الوطني والإنتماء، البلد الذي يعاني من أزمة هوية
حقيقية تكاد تشرخ البلاد وتقسمها، دولة يخترقها العنف
الفكري والمادي بسبب غياب المشروع الوطني.. تصوروا دولة
متخلفة عن كل جيرانها حتى الخليجيات، يريدها هذا العبقري
أن تصدر نموذجها الوطني الى العراق!
اولاً، هل العراق ناقص في وطنيته، في انتمائه الوطني،
وهل هويته الوطنية ضعيفة؟
ألا يستبطن ما يقوله الكاتب شعوراً استعلائياً من جهة،
وانتقاصاً للعراقيين من جهة أخرى؟
إن السعودية ـ وليس العراق ـ بحاجة الى دعم مسيرته
الوطنية، ورتق وحدته المفككة، التي جعلت الغرب يهدد بتقسيمها!
أما العراق، فكما يعلم الجميع أن الحس الوطني فيه مغالى
فيه، ولربما كان أحد عوامل أزمة العراق وحروبه مع جيرانه.
وبعد هذا هل المشاعر الوطنية تباع وتشترى بالأموال
السعودية او بغيرها؟
أهكذا تُصنّع الوطنية؟!
المال لم يفد السعودية من جهة تعزيز الإنتماء الوطني،
بل يمكن القول أن الحس الوطني ضعف في فترة التحديث، بسبب
غياب المشروع السياسي وبسبب تنجيد الدولة وفرض هوية مناطقية
على جميع السكان. وايضاً بسبب الصراع على مغانم التحديث
بين الفئات الإجتماعية خاصة بين أهل الحجاز المحرومين
والنجديين المستأثرين.
لو كان الحس الوطني يُشترى ويباع لاشترى آل سعود الذين
لا يجيدون سوى (بكم هذا؟!) ثم يدفعون.
الحس الوطني والإنتماء الوطني يتعززان عبر قناعات تنبع
من داخل الجماعات المكونة للشعب العراقي، وإن تدخل الخارج
هو الذي يضعف الحس الوطني، سواء كان تدخلاً أميركياً أو
إيرانياً أو سعودياً. هذه هي الحقيقة.
يوم كان عبد الله ولياً للعهد قال علناً: (وطنية أبنائكم
خفيفة.. ما هم حاسين بالوطن)!
لقد كان صادقاً، فهل يريد الصقر أن يعلمنا الأميركيون
الوطنية، ويقوون إحساسنا بها؟!
أم هل يريد آل سعود أن يعلموا العراقيين كيف يحبون
وطنهم؟ في حين أنهم فشلوا في تعليم ذلك لمواطنيهم؟!
وكيف يريد أن يصنف لنا الصقر الحركات السياسية العراقية
التي يريد السعودية أن تدعمها لتقوى بذلك الحركة الوطنية؟
بل كيف يمكنه أن يصنف الحركات السياسية المعارضة لآل سعود
لو أن دولة العراق نفسها قامت بدعمها بحجة دعم الشعور
الوطني والإنتماء في السعودية؟ وكيف يمكن لأي حكومة عراقية
أن تتفهم دعم السعودية لأحزاب وتوجهات بعينها؟
إن ما يقوله صقر ليس في مكانه ولا في زمانه وليس له
تبرير كافٍ.
فالسعودية في واقع الحال تدعم بعض الجماعات والأشخاص،
ولكن من وراء الستار وليس على المكشوف وغير المكسوف الذي
يدعو إليه الكاتب!
والسعودية حين تدعم هذه الأحزاب العلمانية في أكثرها
(علاوي مثالاً) فإنما تفعل ذلك بدون حجة تقوية الشعور
الوطني والحركة الوطنية، بل لكرهها للكرد (الإنفصاليين!)
وللإسلاميين الشيعة (الطائفيين!) كما يشير إليهم الكاتب.
السعودية وغيرها تخترق ثوابت حسن الجوار من جهة دعمها
توجهات بعينها مالياً وإعلامياً وسياسياً؛ وهي تخترقه
مرة أخرى عبر وهابييها المسلحين؛ وتخترق مبدأ عدم التدخل
في شأن الدول الاخرى داخلياً من جهة حشد الساسة العرب
والغربيين بغرض تمرير سياسات بعينها لا تراعي مصالح العراقيين..
ولا نريد أن نذكر بتصريحات سعود الفيصل؛ فإذا كان يحق
له أن يقول ما قاله، فإن الرد عليه هو ما جاء عبر وزير
الداخلية العراقي الذي اتهم السعودية بالبداوة ونصح المسؤولين
بالركض وراء الجمال، وأن لا يعلموا العراقيين الوطنية!
ورحم الله امرئاً عرف قدر نفسه!
ويرى الكاتب أن دعم أحزاب علمانية حتى ولو كانت سابقاً
ضد السعودية له إيجابية مهمة وهي إيقاف التدخل الإيراني.
لكن التدخل الغربي الأميركي البريطاني مقبول؛ والتدخل
السوري مقبول، والتدخل السعودي مقبول أيضاً!
ويرى الكاتب أن دعم أحزاب علمانية حتى ولو كانت سابقاً
ضد السعودية له إيجابية مهمة وهي إيقاف التدخل الإيراني.
لكن التدخل الغربي الأميركي البريطاني مقبول؛ والتدخل
السوري مقبول، والتدخل السعودي مقبول أيضاً!
والسؤال: ماذا إذا قُزم النفوذ الإيراني وبقي النفوذ
الأميركي والغربي وحتى الإسرائيلي؟!
لا يهم العرب ذاك، المهم أن العقدة الطائفية الإيرانية
تزول. وهم يستشيطون غيظاً أمام كل إنجاز ونجاح إيراني،
ولكنهم لا يفعلون ما تفعله إيران؛ وهل يجنى من الشوك العنب؟!
ويتفلسف الكاتب بأن دعم ما أسماه (الروح الوطنية العراقية)
يتعارض مع مصالح الكويت وإيران. ولكن لماذا لا يتعارض
مع مصالح السعودية؟ إنه يدعو الى ضرب إسفين بين إيران
والعراق، بحجة أن الأولى لا تريد عراقاً قوياً. فهل تريد
السعودية ذلك؟! ويقول بأن من مصلحة إيران قيام دولة على
أسس طائفية، ترى على ماذا تقوم الدولة السعودية؟ وكيف
كانت دولة صدام؟ ولماذا وقفت السعودية وأقنعت اميركا لقمع
انتفاضة الجنوب 1991، ودعمت الأحزاب السنية العربية، اليس
على خلفية طائفية؟!
أما الكويت فيرى ان الحس الوطني العراقي يهددها، ويعيد
النقاش حول إلحاقها بالعراق! ولهذا ليس في مصلحتها دعم
الروح الوطنية العراقية مثل السعودية! تحليل غبي وساذج
وسطحي!
اما الفائدة الثالثة من دعم أحزاب عراقية بعينها فلمنع
قيام حرب أهلية، ويشرح ذلك بقوله: (العمل على إحياء وتعزيز
الشعور الوطني سيكون عاملا يحد من الاندفاع في تعميق التفرقة
الطائفية والتفرقة العرقية ـ القومية التي سادت ساحة السياسة
العراقية منذ سقوط النظام السابق وحتى اليوم. هذه الظاهرة
قادت إلى قيام فئات محددة بالسيطرة على زمام السلطة واحتكار
المواقع في المؤسسات السيادية والمؤسسات الأمنية والعسكرية.
وهذه الفئات لا تكن اي ود او تعاطف مع مصالح المملكة،
لذا فان قرار تبني السعودية لدعم الخط الوطني يهدف، ضمن
ما يهدف اليه، الى إضعاف سيطرة العناصر الطائفية والعرقية
المتطرفة على آلية صناعة القرار في عراق ما بعد الاحتلال).
لقد نطق الكاتب بما في (بطن) السعوديين (المسؤولين
طبعاً)!
وهذا طبعاً لا يعد تدخلاً في الشأن العراقي!
آل سعود وكتابهم لا يهتمون بانتخابات ولا بنتائجها،
ولا الأسس التي يحكم العراق على أساسها. وكل المشكلة عند
هذا الكاتب وأمثاله، هو أن إسلاميين شيعة فازوا في الإنتخابات
الأخيرة وحكموا العراق نحو 9 أشهر فحسب! وهو لا يريدهم
أن يصلوا الى الحكم، بالرغم أن عدداً منهم له علاقات جيدة
مع السعوديين، وإن كان آل سعود ـ كعادتهم ـ قوميين ضد
الإسلاميين، وإسلاميين ضد القوميين! ووطنيين ضد الطائفية
وطائفيين ضد الوطنية: هم في الحقيقة يستخدمون الطائفية
والإسلام والقومية والوطنية وغيرها ضد من يعارضهم أو من
يختلف معهم.
آل سعود وكتابهم لا يهتمون بانتخابات ولا بنتائجها،
ولا الأسس التي يحكم العراق على أساسها. وكل المشكلة عند
هذا الكاتب وأمثاله، هو أن إسلاميين شيعة فازوا في الإنتخابات
الأخيرة وحكموا العراق نحو 9 أشهر فحسب! وهو لا يريدهم
أن يصلوا الى الحكم، بالرغم أن عدداً منهم له علاقات جيدة
مع السعوديين، وإن كان آل سعود ـ كعادتهم ـ قوميين ضد
الإسلاميين، وإسلاميين ضد القوميين! ووطنيين ضد الطائفية
وطائفيين ضد الوطنية: هم في الحقيقة يستخدمون الطائفية
والإسلام والقومية والوطنية وغيرها ضد من يعارضهم أو من
يختلف معهم.
آل سعود وكتابهم لا يهتمون بانتخابات ولا بنتائجها،
ولا الأسس التي يحكم العراق على أساسها. وكل المشكلة عند
هذا الكاتب وأمثاله، هو أن إسلاميين شيعة فازوا في الإنتخابات
الأخيرة وحكموا العراق نحو 9 أشهر فحسب! وهو لا يريدهم
أن يصلوا الى الحكم، بالرغم أن عدداً منهم له علاقات جيدة
مع السعوديين، وإن كان آل سعود ـ كعادتهم ـ قوميين ضد
الإسلاميين، وإسلاميين ضد القوميين! ووطنيين ضد الطائفية
وطائفيين ضد الوطنية: هم في الحقيقة يستخدمون الطائفية
والإسلام والقومية والوطنية وغيرها ضد من يعارضهم أو من
يختلف معهم.
ومنذ متى كان لها مصالح في الأصل؟!
أم هل كان علاوي يراعيها، وكيف تكون المراعاة بعد أن
تحدد؟
هل المطلوب من الحكومة العراقية المنتخبة أن تغير جلدتها،
وتصبح وهابية حتى يرضى عنها الوهابيون وال سعود؟
وهل الفئات المحددة التي قال انها سيطرت على الوضع،
فعلت ذلك بانقلاب عسكري كما فعل آل سعود أول دولتهم، أم
ورثوها كما يرث آل سعود الحكم؟
ثم إن آل سعود مطالبين وقبل أن يضعفوا سيطرة العناصر
الطائفية والعرقية المزعومة (الشيعة والأكراد الذين يمثلون
أكثر من 80% من الشعب) عليهم أن يوقفوا سيطرة الطائفيين
لديهم من الوهابيين، وسيطرة النجديين العنصريين على الحكم.
إن آل سعود في هذا المجال أسوء نموذج يحتذى ولا يمكن أن
يقارن بالعراق. ولكن يرى آل سعود وكتابهم أن باءهم تجرّ
وباء غيرهم لا تجر. وهم في هذا يتناسون أنفسهم وتلاعبهم
بالحكم واستئثارهم بالسلطة بيد فئة لا يصل عددها لعشرين
بالمائة من السكان.
إن إضعاف الطائفية الوهابية والعرقية الإستعلائية النجدية
ضروري لقيام هوية وطنية في السعودية، ولا نقول تعزيزها
لأنها ليست موجودة في الأصل. فليحلوا مشكلتهم إن كانت
هذه مشكلة (هم لا يرون ذلك). ولكن حين يرون قليلاً منها
عند غيرهم تقوم لديهم القيامة!
وانظر لهذه الفلسفة التي يقولها الكاتب، فهو يرى أن
فعل السعودية (لن يكون مصدرا لاتهام المملكة في التدخل
في الشؤون الداخلية في العراق) لأنها تدعم كل العراقيين
وغرضها (الحرص على مصلحة الوطن ومنع قيام الصراعات الداخلية،
والحد من ظاهرة التدخلات الخارجية).
هذه هي المبررات التي يقول عنها أنها مقبولة ومنطقية
في الشارع العراقي والعربي والإسلامي!
فالسعودية تتدخل بحجة منع تدخل الآخرين! ترى من جعلكم
أوصياء على العراق؟!
واسمع النكتة الذكية: إن تدخل السعودية في الشأن العراقي
هو لمصلحة الوطن! وهو حتى لم يعرف الوطن: العراقي أم السعودي؟!
إذا كان هناك اجماع عربي وإسلامي وعراقي على أن فعل
السعودية حسن ومطلوب، فلماذا لا يطالب هؤلاء بتدخل سعودي
علني ينقذهم مما هم فيه؟!
إن صيحات العراقيين تشكو تدخل الجيران: واحد بالمال
والأيديولوجيا، وآخر بالسلاح وثالث بالإرهابيين، ورابع
بالمال، وهكذا. والسعوديين لم يقصروا فقد ارسلوا أموالهم
ورجالهم وأيديولوجيتهم الوهابية لذبح العراقيين في الشوراع
والمساجد، ونشروا تلك الأيديولوجيا بين المعتدلين السنة،
فصار التكفير سمة، والذبح على الهوية. هل هذه هي المصلحة
العراقية؟!
ويذكرنا الكاتب بأن دوراً سعودياً كهذا لن تعارضه الدول
الكبرى وبالذات أميركا التي عجزت عن (التعامل الفعال مع
النفوذ الإيراني المتنامي في العراق والاتجاهات الطائفية
والقومية المتطرفة. لذا فان هناك مصلحة مشتركة في دعم
هذا التوجه) السعودي. أي ان غاية السعودية هو مقاومة النفوذ
الإيراني، ولكن بمباركة غربية أميركية، وكذلك مقاومة الشيعة
والأكراد (اي معظم الشعب العراقي). الا بئس السياسة، حين
يراد تحويل العراق الى معركة بين متنافسين وخصوم، كما
فعل آل سعود سابقاً ولكن كان صدام يقوم بذلك بالنيابة
دفاعاً عن البوابة الشرقية للعرب!
ليست الدول الكبرى التي ستحبذ الدور السعودي، يقول
الكاتب، بل الدول الإقليمية التي حددها: الأردن ومصر ودول
الخليج، وربما تركيا ايضاً، والتي يقول انها قلقة من عدم
الإستقرار العراقي! إذن ليتدخل السعوديون إن كانوا رجالاً
بجيشهم! أو علناً كما يطالب هذا الكاتب الأحمق، وسيجد
الشارع العراقي للوهابية وآل سعود بالمرصاد.
|