السعودية وسوريا الحيرانة والمحيّرة
كما هو واضح فقد تردت العلاقات السعودية السورية منذ
اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي اعتبر رجل السعودية
الأول في لبنان. الرجل الذي تم تصنيعه سياسياً في السعودية،
وجاء على مشروع الطائف لينقذ لبنان من حرب أهلية طال وامتد
أمدها واشتد أوارها.
اغتيال الحريري، الذي حمل هو وأبناؤه الجنسية السعودية
الى جانب الجنسية اللبنانية، مثل ضربة للنفوذ السعودي
في لبنان، وكان الحكم السوري ـ الذي تشير أصابع الإتهام
إليه ـ قد دخل معركة كسر عظم بعد انسحابه المذل من لبنان،
مع معظم الطوائف والحلفاء المحليين والخارجيين.
والمملكة التي استشاطت غضباً من الفعلة السورية النكراء،
شبه مقتنعة بأن الحكم السوري وراء استهداف الحريري؛ وقد
أنّب ولي العهد آنئذٍ ـ الملك الحالي عبدالله ـ أنّبَ
بشار الأسد حين زار الرياض لتطييب خاطرها، وأسمعه ـ حسبما
يقول مطلعون ـ كلاماً قاسياً. قيل أن عبد الله قال لبشار،
بأنه ليس مثل أبيه، حنكة ووعياً، وأنه يلعب بالنار، وأن
المملكة لن تقف مع سوريا الى الأبد ما لم تصلح علاقاتها
مع جارتها اللبنانية وتترك لبنان لشأنه. ورغم التأكيدات
التي تقدم بها بشار للسعوديين والنفي المتكرر من أن سوريا
لا ضلع لها في اغتيال الحريري ولا بالإغتيالات التي جاءت
بعده، فإن السلطات السعودية مقتنعة بما يكفي ـ حتى وإن
لم تتملك الأدلة الكافية والدامغة ـ من أن معظم ـ إن لم
يكن كل ـ ما يجري، صنع بأيدٍ سورية مخابراتية.
المملكة من خلال وسائل إعلامها المسموعة والمقروءة،
لا تخفي انزعاجها من السياسات السورية، وهو انزعاج يصل
الى حد التحريض أحياناً والمواجهة المفتوحة.
ولكن المملكة في الوقت نفسه، أدركت بأن حدود المواجهة
مع سوريا يجب أن تتوقف عند حدّ معين.
المملكة الموتورة من تصرفات بشار الأسد، لا تريد تكرار
السيناريو العراقي في سوريا. فرغم الإمتعاض، فالمملكة
لها مصالح باستقرار الوضع السوري، وقد سعت ـ بالتعاون
مع مصر ـ الى تخفيف الضغط الدولي عن سوريا من جهة، واقناع
بشار الأسد بالتجاوب ولو جزئياً مع تلك الضغوط، وأن لا
يكرر تجربة صدام حسين.
يبدو أن الطاقم السوري الحاكم غير قادر على القيام
بإصلاحات سياسية داخلية. فالخطوات الصغيرة التي بدأها
بشار توقفت منذ عامين، ولا يبدو في الأفق تغييراً في المنهج.
والطاقم السوري الحاكم، غير مصدق بأن نفوذه في لبنان
قد انتهى او شارف على الإنتهاء، وهو لا يكاد يصدق بأن
سياساته تزيد في ابتعاد لبنان عن سوريا، ويرمي بالإتهام
على النفوذ الأجنبي الغربي والصهيوني!
وكما هو واضح اليوم، فإن سوريا تستعد الى خوض مواجهة،
مع أعدائها في لبنان من سياسيين وصحافيين اغتيل بعضهم
وكان آخرهم جبران تويني.. ومواجهة أخرى مع الولايات المتحدة
والغرب التي تستخدم مقتل الحريري كقميص عثمان؛ بحيث أن
سوريا ستدان ولو تعاونت، وحتى لو ثبت أنها لم تقم باغتيال
الحريري. سوريا وحسب ما يقوله بشار لن تتنازل، لان كل
تنازل يجر الى الآخر، وأن الغرب لن يقتنع إلا بتغيير جذري
في نظام الحكم السوري، يبقي بشار ويطيح بالبقية، ويغير
من سياسة سوريا لصالح اسرائيل، ويوقف دعم المتسللين الى
العراق عبر حدود سوريا.
الأسد قال للتلفزيون الروسي ما يفهم أنه خطته، واعلن
عدم اكتراثه بمحاصرة سوريا اقتصادياً وسياسياً، وهدد بما
يفهم أنه نشر العنف والإرهاب في المنطقة. أي تطبيق سياسة:
عليّ وعلى أعدائي!
في هذا الاطار يبدو الحكم السوري مغامراً، وما كان
يفعل ذلك لو كان الأسد الأب حياً!
ولأن المسؤولين السعوديين اعتادوا على حافظ الأسد وطريقة
تفكيره، فإن هذا الأسد الشاب يفاجئهم ولا يتوقف عند اعتراضاتهم؛
في حين أن السعوديين يدافعون عن الحكم السوري مقابل الغرب
لا حباً ببشار بل خوفاً من اقتراب النار اليهم؛ ولكن الحكم
السوري المغامر قد ينجح في إيقاف الخسائر، وأهم خسائره
بالنسبة للطاقم الحاكم أنه لا يستطيع البقاء في الحكم.
ينبغي ان نشير هنا الى أن المملكة التي اعتادت ان تمد
يد العون المالي لسوريا ومصر، قد قلصت دعمها الى حد توقيفه
منذ ثلاثة أعوام. ويقول بعض المراقبين أن النشوز السوري
تجاه السعوديين يعود الى هذا السبب بالتحديد، وحين وجد
السوريون أذنا سعودية تكاد تكون صماء فيما يتعلق بتبني
مبادرة تخفف الضغط الغربي، انطلقوا الى قطر الصغيرة المزعجة
التي تبحث عن دور.
أياً كان الحال، فإن السوريين يقولون بأنهم لم يستخدموا
كامل أوراقهم في الإغتيال ونشر العنف!
ولكن السعوديين سيقفون ـ على الأرجح ـ مع بشار الأسد
الى حدود معينة.
فهذا النظام السوري أخذ يفقد اصدقاءه وحلفاءه سريعاً.
|