حتى لا تكون هدف المشروع الأميركي التالي
السعودية تحاول إنقاذ النظام السوري
سلكت الازمة المتصاعدة في العلاقات السورية اللبنانية
منحى خطيراً بعد المقابلة التي أجرتها قناة (العربية)
مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام في نهاية
ديسمبر الماضي، بكل مافيها من تصريحات مبتذلة واستغلالية
واضحة للخروج بوجه لامع بعد أن تراكمت السحب حول دمشق
التي باتت في وضع لا تحسد عليه.
سعد الحريري: السعودية تكبح جماحه
|
كانت القيادة السعودية وحتى وقت قريب راضية الى حد
كبير بالعقاب السياسي الذي تتعرض له دمشق، على خلفية اغتيال
رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، وقد كان للملك
عبد الله دور رئيسي في الضغط على القيادة السورية لسحب
قواتها من لبنان. ومن المرات القلائل التي تخرج القيادة
السعودية عن نهجها المحافظ وبخاصة في علاقاتها العربية،
حين وجّهت رسالة شديدة اللهجة الى القيادة السورية بعد
إغتيال الحريري، الشخصية اللبنانية الأثيرة لدى العائلة
المالكة، والتي مهّدت لخروج القوات السورية بصورة كاملة
من الاراضي اللبنانية.
مسار عمل لجنة التحقيق الدولية حظي بقبول القيادة السعودية،
ويرجع ذلك الى الدور الفاعل الذي لعبه النائب سعد الحريري
والزعيم الدرزي وليد جنبلاط اللذان قادا حملة تعبوية على
المستوى العربي والدولي. ولكن التطورات اللاحقة وخروج
التحقيق عن مساره المحدد نبّه القيادة السعودية وقيادات
عربية أخرى وأبرزها المصرية، الى أن الفريق السياسي اللبناني
بقيادة سعد الحريري ووليد جنبلاط فقد زمام الحكمة السياسية
في التعاطي مع التحقيق في قضية اغتيال الحريري وبات ينزع
نحو الانتقام بطريقة عبثية وإن أدى الى تدمير ليس النظام
السوري فحسب بل والنظام الاقليمي برمته.
إن حصول فريق الحريري ـ الابن وجنبلاط على المزيد من
الاوراق السياسية أغرى هذا الفريق في توسيع دائرة الانتقام
داخلياً وخارجياً، فبينما كان ملف التحقيق محصوراً في
الكشف عن الجناة (المخططين والمنفّذين) لجريمة الاغتيال
إنتقل فيما بعد لتصفية حسابات سياسية سابقة وراهنة وربما
مستقبلية مع أطراف داخلية وخارجية، دون حساب للتأثيرات
الكارثية لعملية الانتقام على الوضع الاقليمي، والاخطر
في الأمر كله أن هذه التصفية تتم لصالح قوى مصنّفة إما
في خانة العدو مثل اسرائيل أو في خانة القوى المحالفة
لها مثل الولايات المتحدة، بأجندتها الشرق أوسطية المعلنة
وهنا بدأت التحفظات السعودية والمصرية تغذي الاحساس بضرورة
الاسراع بالتدخل لاحتواء خطر الطيش السياسي لدى المتخاصمين
في لبنان ومحاولاتهم لجرّ الكبار مثل السعودية ومصر الى
وحل المهاترات السياسية التي قد تفضي الى تقويض النظام
الاقليمي. لم يلتفت، في المرحلة الاولى على الاقل، الملك
عبد الله والرئيس حسني مبارك الى الحكمة السياسية لدى
الفريق اللبناني الذي يقوده الحريري ـ جنبلاط على أساس
ان التحرك الدبلوماسي الذي قام به هذا الفريق كان محكوماً
بصدمة الاغتيال وتبعاً له من أجل تحقيق مبدأ السيادة والاستقلال
في لبنان، كما أن فاجعة اغتيال الحريري تركت آثاراً نفسية
وسياسية على القيادة السعودية والتي إعتبرت إغتيال الحريري
رسالة غير مباشرة لها، للعلاقة الحميمية التي تربط العائلة
المالكة بعائلة الحريري، وهو ما يفسّر الصفح او قل الاغفال
عن الطريقة التي أدار بها فريق الحريري معركته مع سوريا،
الى أن بدأت تطفو على السطح مؤشرات أزمة تنذر بعصف الاوضاع
السياسية الاقليمية.
وكما أخطأ الفريق اللبناني بقيادة الحريري ـ جنبلاط
في تقدير الوضع الاقليمي للبنان، مدفوعاً بعنف نحو الانتقام
من سوريا وبأي ثمن مطلوب، دون مراعاة لجيبوليتيكية لبنان
التي لا تسمح له بصناعة عداوة مع مصدر التنفس السياسي
والاقتصادي، أخطأ أيضاً في تقدير الوضع الاقليمي العربي
برمته من خلال تحويل لبنان الى بوابة لعبور المشروع الاميركي
ـ الاسرائيلي للاطاحة بالتوازنات السياسية الاقليمية وتغيير
مجمل عناصر المعادلة السياسية بدءاً بسوريا وانتهاءً بإيران
مروراً بالسعودية ومصر، وهو ما أثار قلقاً استثنائياً
لدى القيادتين السعودية والمصرية اللتين احتضنتا فريق
الحريري وقبلتا بدعم قضية التحقيق في جريمة اغتيال والده،
بعد أن تحقق خروج القوات السورية من لبنان. تدرك القيادة
السعودية بحذر بالغ ماذا يعني دخول العنصر الاميركي على
خط المنازلة بين فريق الحريري ـ جنبلاط وسوريا، وتدرك
أيضاً بحذر مضاعف أن رقعة المنازلة ستمتد الى خارج منطقة
الشام، مع إدخال العراق والتغييرات السياسية في الخليج
الى المشهد العام، وهو غير بعيد عن التفكير الاستراتيجي
السعودي والمصري.. بالنسبة للفريق اللبناني لا يهمه إن
تساقط أحجار النظام السوري على رؤوس قيادته وشعبه، طالما
أنه سيربح المعركة في الداخل وسيصل الى نشوة الانتقام
ضد خصمه الجديد خارج الحدود، وهنا مكمن الخطورة، فاللهو
بالمعادلة الاقليمية لا يعدو أكثر من مناورة ضرورية لخدمة
شعار السيادة والاستقلال اللذين لن يتحققا أبداً في ظل
الهرولة العابثة نحو القوى الدولية وبخاصة واشنطن وباريس
من أجل تطويق ليس سوريا بل والمنطقة برمتها.
إذن لم تعد القضية محصورة في حدود اكتشاف الجناة في
جريمة اغتيال الرئيس الحريري، فقد جرى توظيف المعارك الكبيرة
والصغيرة في الجناية البشعة، ويخشى أن تكون (الحقيقة)
المطلوب الكشف عنها ممقوتة لدى من هم خارج لبنان، الذين
سيتضررون من لعبة التصفيات السياسية الخفية والمعلنة،
وسيكون الدم حينئذ معروضاً في مزاد سياسي تزدحم فيه أطراف
عديدة لا رابطة بينها.
حتى وقت قريب، كان التحقيق في جريمة اغتيال الحريري
مقبولاً، رغم التحفظات القانونية والسياسية على سير اللجنة
من قبل أطراف لبنانية وربما عربية، وكان ذلك لصالح تيار
الحريري ـ جنبلاط، ولذلك اكتسب تعاطفاً سعودياً ومصرياً
وعربياً بصورة عامة، تماماً كما أن الخروج السوري من لبنان
اكتسب ذات القدر من التعاطف، ولكن حين بدأ أقطاب تيار
المستقبل بقيادة سعد الحريري والتحالف الديمقراطي بقيادة
وليد جنبلاط تحركاً دولياً من شأنه تقويض النظام اللبناني
فضلاً عن السوري وتالياً الاقليمي فإن القضية باتت خارج
نطاقها المتحمّل، لأن الاضرار السياسية تجاوزت حدودها
الجغرافية والسياسية، خصوصاً وأن أهداف تحالف الحريري
ـ جنبلاط تكبر يوماً بعد آخر، ولم يعد بالامكان السكوت
على هذا الانجرار غير الواعي لساحة حرب واسعة النطاق لا
تبقي ولا تذر من أجل قضية هي برسم التحقيق الدولي، وقد
حظيت بإهتمام عربي ودولي لم تحظ بمثله أية قضية أخرى مماثلة،
رغم أن لبنان شهد اغتيال رؤوساء وزراء وشخصيات سياسية
لا تقل أهمية عن الحريري.
إن السعودية كغيرها من الدول العربية الصديقة والحليفة
للبنان ستكون أقدر على تسوية ملف الازمة السورية اللبنانية،
فقد رعت أهم إتفاقية بعد الحرب الاهلية اللبنانية وهي
ميثاق الطائف 1991، التي على أساسها أعيد تعريف النظام
السياسي اللبناني وتحقيق قدر مقبول من التوازن الداخلي
من خلال حفظ مبدأ المحاصصة. فالسعودية تحتفظ بعلاقات وثيقة
مع كل من سوريا ولبنان، ولها من التأثير المعنوي ما يجعلها
في وضع يسمح لها بمزاولة دور الراعي لتسوية جديدة على
مستوى الداخل اللبناني وعلى مستوى العلاقات اللبنانية
السورية.
إن المستجدات المتسارعة على الساحتين اللبنانية والسورية
فرضت على القيادة السعودية تحرّكاً عاجلاً لانقاذ الموقف
المتدهور، وهو تحرّك ندرك، في ضوء جنوح تياري المستقبل
والديمقراطي، مغازيه السياسية. إن نجاح فريق الحريري ـ
جنبلاط في استدراج عبد الحليم خدام لخوض المعركة ضد دولته،
مع أنباء أخرى حول صناعة جبهة معارضة سورية للاطاحة بالنظام
السياسي بقيادة بشار الاسد قد أقحمت النظام الاقليمي في
أتون أزمة حرجة، ستحيق بالمنطقة لينخلق طوق أزمات حول
السعودية من ايران مروراً بالعراق وسوريا الى لبنان، وهو
وضع غير محتمل على الاطلاق.
إن القمة العاجلة التي جمعت الملك عبد الله والرئيس
حسني مبارك في جدة في الثالث من يناير جاءت بعد الانشقاق
المتلفز لنائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام،
والتي نجمت عن تطور خطير سواء على الاوضاع الداخلية السورية
وهكذا العلاقات السورية اللبنانية وأيضاً على مستوى عمل
لجنة التحقيق الدولية التي طالبت بالتحقيق مع الرئيس السوري
بشار الاسد ووزير الخارجية فاروق الشرع، وهو أمر ينقل
ملف التحقيق الى مستويات شديدة الحراجة ويراد منه أكثر
من كسر الأعراف الدبلوماسية. لقد أدركت القيادتان السعودية
والمصرية بعد تصريحات خدام بأن ثمة تصدعاً مفزعاً ينذر
بالمنطقة، وسيزداد عدد الخاسرين العرب في هذه القضية.
وتوصل الملك عبد الله والرئيس مبارك الى تقاسم الادوار
من أجل امتصاص التوتر وتخفيف طوق الازمة المضروب حول سوريا،
فبينما طار مبارك الى باريس للقاء جاك شيراك وقيل بأن
لقاءً سرياً جمعه بنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام
لابلاغه رسالة شفوية تعبّر عن لسان حال القيادتين السعودية
والمصرية بأن أي تحرك من جانبه ضد النظام السوري لن يحظى
بدعم عربي وأن إسقاط النظام يعتبر خطاً أحمر لن يُسمح
بتجاوزه. وذكرت مصار عربية بأن مبارك أبلغ شيراك عن مبادرة
سعودية ـ مصرية تستهدف تسوية الازمة المتصاعدة بين لبنان
وسوريا، مع التشديد على ضرورة سير التحقيق في قضية اغتيال
الحريري والضغط على سوريا من أجل اقامة علاقات دبلوماسية
مع لبنان وتبادل السفراء وترسيم الحدود.
في المقابل، باشرت القيادة السعودية تحرّكاً جدياً
على الساحة اللبنانية، حيث التقى السفير السعودي في لبنان
الخوجه بزعيم حزب الله السيد حسن نصر الله عقب انسحاب
وزراء أمل وحزب الله من حكومة فؤاد السنيورة في الثاني
عشر من ديسمبر الماضي على خلفية مطالبة الحكومة بتوسيع
صلاحية لجنة التحقيق الدولية والمطالبة بمحكمة دولية بعد
اغتيال النائب والصحافي جبران تويني. إن الحادث الأخير
أدى الى تصعيد خطير في الوضع اللبناني، وبدأت نذر الحرب
الاهلية تطلق إشاراتها المرعبة، سيما مع تصعيد لهجة تيار
المسقبل والتحالف الديمقراطي المشحونة بالاتهامات والتنّصلات
من الاتفاقيات السابقة، فبينما عاد جنبلاط الى بهلوانيته
السياسية المألوفة في التراجع عن التزاماته السابقة مع
حزب الله ساحباً عنه هويته اللبنانية ومتهماً إياه بالغدر
والعمالة للخارج قرر النائب سعد الحريري نقض اتفاقه مع
امل وحزب الله في موضوع المقاومة والتي على أساسها تشكّل
التحالف الرباعي في الانتخابات التشريعية الاخيرة، ليضع
الجميع في مواجهة الجميع حيث تقطّعت الأواصر السياسية
المرهفة لتدفع كل طرف للبحث عن حلفاء جدد أو بمزيد من
الاستقواء بالحلفاء القدامى.
في ظل هذا الوضع المربك وشديد التقلب، وجدت القيادة
السعودية نفسها أمام (لامعادلة) منطقية قابلة للاستمرار،
بل إن استمرارها سيفضي تلقائياً الى ما يُخشى منه من تدخل
دولي، ويفتح الطريق أمام المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي.
استقبلت السعودية قيادات ووفوداً لبنانية من تيار المستقبل
وحركة أمل وحزب الله تحت مظلّة الحج لبيت الله، بغية التوصل
الى إتفاق أولي مع الاطراف اللبنانية لتسوية الخلافات
الداخلية أو تجميدها ريثما تتبلور مبادرة سعودية مصرية
أو على الاقل الانطلاق من مبادرة الحوار التي حملها رئيس
مجلس النواب اللبناني نبيه بري الى القيادة السعودية والتي
لقيت حتى الآن قبولاً من عدد من القيادات اللبنانية.
يمكن القول في ضوء ما سبق، لم تعد المسألة اللبنانية
لبنانية محضة فقد أصبحت الآن عربية بإمتياز، ولاشك أن
أخطاء الاطراف اللبنانية جميعاً تعزز الحاجة الى تدخل
سياسي عربي من أجل انقاذ الجميع لبنانيين وسوريين وعرب،
وأن السعودية تتحرك بوازع سياسي أكثر منه أخلاقي وأدبي،
فلبنان الذي كان مسرحاً لتناقضات عربية والى حد ما دولية
يخشى أن يكون بوابة لمشروع دولي للمنطقة.
وفي ظل التصعيد المتواصل وانكشاف أجزاء من المساحة
المجهولة في التجاذب السياسي الحاد بين الاطراف اللبنانية،
ودخول خدام على خط التجاذب كعنصر تأزيم جديد يراد منه
لعب دور في معركة الحريري ـ جنبلاط ضد سوريا وبقية الاطراف
اللبنانية، وجدت السعودية نفسها أمام معادلة شديدة التعقيد
ولايمكنها بعد أن لحظت المخاطر الناجمة عن استرسال كتلة
الحريري ـ جنبلاط في السير نحو حافة المواجهة. إن إحتضان
السعودية لقيادات لبنانية (الحريري، السنيورة، بري) حمل
مؤشراً جدياً على رغبة السعودية في رعاية مبادرة سياسية
لانقاذ الوضع اللبناني، وبطبيعة الحال فإن إستبعاد جنبلاط
من إجتماع القيادات اللبنانية في السعودية كان ينذر بعزلة
العنصر الأكثر تشدداً في المعادلة اللبنانية، وبخاصة مع
إصرار جنبلاط على مواصلة لهجة التصعيد بطريقة لافتة. جنبلاط
الذي يحاول أن يكون ركناً من أركان المعادلة اللبنانية
القادمة إعتبر إستبعاده عن الترتيبات الجارية في الرياض
بين الاطراف اللبنانية الرئيسية محاولة لعزله وتهميشه،
ما دعاه الى التعبير بصورة شبه علنية الى رفض المبادرة
السعودية ـ المصرية، منبّهاً الحريري الى مرجعية قوى 14
آذار ـ مارس التي يرى بأنها وحدها تقرر مصير لبنان.
السعودية شأنها شأن مصر لم تعد راضية عن سلوك جنبلاط
الراديكالي بعد أن نجحت في كبح وتيرة اللهجة التصعيدية
لدى سعد الحريري، والذي بات يدرك خطورة الانسياق وراء
المصادمة المفتوحة ليس مع سوريا وانما مع الاطراف اللبنانية
أيضاً، وانعكاسات تلك المصادمة على الواقع الاقليمي.
لقد بدأت بوادر تحرك سعودي مصري عاجل منذ اجتماع الرئيس
المصري بالملك عبد الله في جدة تلاها تحرك دبلوماسي على
مستوى اقليمي ودولي. وفي أول محاولة لفك طوق الأزمة المفروضة
على سوريا، نقلت السعودية عبر وزير الخارجية سعود الفيصل
دعوة الى القيادة السورية لعقد قمة عاجلة مع الملك عبد
الله للتباحث في كيفية سحب فتيل الازمة بين لبنان وسوريا،
بعد إعلان الاخيرة رفض مقابلة اللجنة الدولية للرئيس بشار
الأسد، وفي أعقاب انشقاق النائب السابق للرئيس السوري
عبد الحليم خدام، إضافة الى الارتفاع السريع لدرجة الحرارة
السياسية والامنية في العراق وفلسطين. لقد باتت السعودية
ومصر على قناعة مؤكدة بأن تدهور العلاقات اللبنانية السورية
لن يقتصر على هذا الجزء الحساس من الاقليم بل سيزيد في
تعقيد الاوضاع الشرق أوسطية برمتها.
جاءت القمة السورية السعودية في الثامن من يناير لاشتقاق
درب موازٍ للتحرك الدبلوماسي الاميركي والفرنسي الذي بعث
معه القلق العربي (السعودي والمصري بدرجة اساسية) من المشاريع
الشرق أوسطية، ولم يعد بالإمكان التزام الصمت حيال ما
يجري من تحركات تشارك فيها أطراف لبنانية بحماسة غير محسوبة
العواقب. لم تكن القمة السورية السعودية لانقاذ الموقف
السوري من الورطة الدولية بقدر ماهي محاولة لاعادة التوازن
للدور العربي الذي بات مغموراً بصورة كاملة، خصوصاً بعد
أن تطايرت شظايا الاوضاع اللبنانية المتفجّرة خارج المدى
المتخيّل، وبعد أن ظهر الى المشهد السياسي خدام حاملاً
معه مشروع إسقاط النظام في سوريا، وهو أمر أثار فزعاً
لدى السعودية ومصر، خصوصاً وأن مشروع الاسقاط ينطلق من
قاعدة دولية.
إن القمة السورية السعودية الطارئة كانت ضرورية لسحب
جزء من البساط الدولي والحيلولة دون تواصل خطى التأزيم
في الوضع الاقليمي، مع التزام السعودية بموقف صارم في
قضية التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري. إن السعودية تدرك
أكثر من غيرها طبيعة الاخطاء الفادحة التي إرتكبتها الحكومة
السورية في لبنان، ولكنها في الوقت نفسه تدرك أيضاً بأنها
ساهمت في بعض الفترات في التورط في الوحل اللبناني خلال
الحرب الاهلية كما ساهمت في تبني مبادرة الحل، فعلى أرضها
تم اسدال الستار على الحرب الاهلية وتوقيع وثيقة الطائف.
القيادة السورية تأتي هذه المرة الى قمة بدون أوراق
تفاوضية بل هي أقرب ما تكون الى من يطلب العون، فهي قمة
طوارىء بحق. وتدرك القيادة السعودية بأن ليس لسوريا منفذ
سياسي نحو العالم الا عبر بوابتها، وهذا ما يمنحها فرصة
الضغط على دمشق للقبول بحل وسط ومتوازن. وفيما يبدو فإن
القيادة السورية التي تواجه خطراً دولياً متعاظماً يهدد
بإسقاط الدولة، فإنها تجد ملاذاً آمناً في التسوية المقترحة
من القيادتين السعودية والمصرية اللتين قررتا صناعة حلقة
آمنة لسوريا وفق المنظور الاستراتيجي الاقليمي، وإخراج
أغلبية الاطراف الاقليمية من ورطة التفرّد الاميركي ـ
الفرنسي من الملف اللبناني كعنوان جديد لأزمة شرق أوسطية.
وبالرغم من وجود بوادر إخفاق للمحاولة السعودية لجمع
الاطراف اللبنانية على طاولة الحوار، بفعل تعنت بعض أقطاب
قوى 14 آذار، وتحديداً الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، والذي
يسعى الى إبقاء ملف الازمة اللبنانية السورية في أيدي
أميركية وأوروبية الا أن الفرص أمام دور سعودي وعربي لم
تستنفذ بعد، مع قبول أغلب أطراف الصراع بهذا الدور.
|