جولة الملك عبد الله في آسيا
تدشين سياسة شرقيّة لفكّ طوق الغرب
جولة الملك عبد الله الاسيوية والتي شملت الصين والهند
وباكستان في يناير الماضي جذبت إهتماماً خاصاً واستثنائياً،
كونها أطلقت إشارات في إتجاهات متعددة وحملت ملامح مرحلة
جديدة بالنسبة لعالم يعيد ترتيب توازاناته ومواقعه. هذه
الجولة كسرت المألوف السعودي، كونها تضع رهاناً جديداً
في السياسة الخارجية السعودية من خلال الانفتاح على الشرق
بعد أن كان الغرب ميدانه الوحيد والمكلف أيضاً، وكسرت
الجولة المألوف السعودي كونها أزالت المحرَّمات في روابطها
مع دول أسيوية مثل الصين والهند، فقد اعادت النظر في اعتبارات
الفتور التاريخي في علاقاتها مع الصين بوصفها جزءا من
المعسكر الشيوعي، وكذا مع الهند بحكم دعمها للجانب الباكستاني
فيما يتعلق بالنزاع التاريخي مع الهند على إقليم كشمير،
وكسرت الجولة المألوف السعودي أيضاً كون الجولة اشتملت
على اتفاقيات بالغة الاهمية كانت فيما مضى من نصيب الغرب
وحده.. فهل تشي تلك الانكسارات الى مرحلة جديدة تروم السعودية
الدخول فيها من أجل بناء علاقات وربما تحالفات متوازنة
تحررها من ضغوطات تراكمت خلال السنوات الماضية، وتمنها
أيضاً فرصاً استثمارية أفضل حيث مؤشرات النمو الاقتصادي
في آسيا تفرض نفسها على صانعي القرارات الاقتصادية في
الدولة.
لقد بدا واضحاً بأن جولة الملك عبد الله تأتي في فترة
نهوض اقتصادي بفعل الارتفاع في أسعار النفط، الذي ساهم
الى حد كبير في تهدئة الاضطرابات الداخلية الامنية والاجتماعية
والسياسية. إن تدفق الثروة النفطية بغزارة خلال السنوات
الماضية قد أنعش السياسة الخارجية السعودية والتي بدأت
تستعيد دورها كمؤثر في السياسات الاقليمية والدولية، وهو
ماتعكسه انطلاق الطواقم الدبلوماسية السعودية في أرجاء
المنطقة والعالم لتأكيد دور السعودية كلاعب مؤثر ونافذ
في القضايا الاقليمية والدولية.
تنظر بعض المصادر الى ان جولة عبد الله في آسيا ليس
معزولة عن التجاذبات السياسية والاقتصادية التي جرت خلال
السنوات الماضية حيث كانت السعودية تشعر بأنها واقعة تحت
ضغط غربي شديد اقتصادي وسياسي، مما دفع بها لفتح أفق تحالفاتها
على نطاق واسع.
إن جولة الملك عبد الله في الشرق حملت دون ريب مؤشرات
عديدة، وقد وبالغ بعض المراقبين في وصفها باعتبارها نقطة
تحول في السياسة الخارجية السعودية. وتأتي هذه الجولة
في وقت تشهد فيه الاسواق العالمية طلباً متزايداً على
النفط الذي وصلت أسعاره معدلات قياسية، وفي وقت أيضاً
بدأت فيه السعودية تستعيد قدراً كبيراً من قوتها الضائعة
منذ الحادي عشر من سبتمر.
بالنسبة للصين التي كانت المحطة الاولى في جولة الملك
عبد الله، وهو أول ملك سعودي يزور الصين منذ سنة 1955
حيث قررت الدولتان إقامة علاقات دبلوماسية سنة 1990، تمثل
عنصراً هاماً في العلاقات الخارجية للسعودية، لأسباب سياسية
واقتصادية، فالصين وهي العضو الدائم في مجلس الامن الدولي
والقوة الاقتصادية الواعدة حيث تشهد معدلات نمو هي الاعلى
في العالم، ولاشك أن تمثل في الوقت ذاتها فرصة إستثمارية
بالغة الاهمية.
في سؤال طرحته جريدة الشرق الاوسط عشية جولة الملك
عبد الله الى الشرق: هل تنوي الرياض تغيير نطاق علاقاتها
الاستراتيجية، أو أنها على وشك البدء بمغامرة سياسية؟
وهو سؤال لاشك قد راود الكثيرين وخصوصاً في الغرب الذي
ينظرون بإهتمام بالغ الى هذه الجولة وما تتضمنه من إتفاقيات
وصفقات وتفاهمات سياسية واقتصادية.
فيما يبدو، فإن السعودية باتت جاهزة لاستئناف لعب دور
رئيسي في الشؤون الاقليمية والدولية. لم يكن المحلل مايكل
سكوت مخطئاً في تحليله قبل عام في ضوء المعطيات التي كانت
قائمة حينذاك، حين قال بأن السعودية على شفير أزمة، فالاقتصاد
لا يمكنه أن يتماشى مع النمو السكاني، وأن دولة الرفاه
تنهار بوتيرة سريعة، وأن مظاهر الاحتجاج المذهبي والمناطقي
تطفو على السطح). ولكن هذه المشكلات بدأت تخبو لفترة من
الوقت مع ارتفاع مداخيل النفط، التي أنعشت اقتصاديات الدولة
وأمدّت سياستها الخارجية بأوراق جديدة.
وفيما يبدو فإن السعودية وهي تدير ظهرها للغرب وتيمم
وجهها قبل المشرق تحاول فتح ثغرة في جدار النظام الدولي
المحكوم غربياً وأميركياً. فقد ظلت السعودية على مدار
السنوات الماضية خاضعة تحت تأثير الحكمة القائلة بأن السعودية
بحاجة الى إصلاحات جوهرية والتي لا يمكنها أن تتم بسبب
(الانفصام الثقافي) لدى النخبة الحاكمة. بالنسبة للاخيرة،
فإن الاصلاح يجب أن يسير وفقاً لارادتها وشروطها، وتصرّ
النخبة بأن الاصلاحات تسير بوتيرة منتظمة، أي تدريجية،
على سمت التطلع الاصلاحي لدى الملك عبد الله منذ عقود.
لقد كان المرجو من الانتخابات البلدية، كمثال، أن تخفف
من لهجة الغرب في الدعوة للاصلاحات السياسية، ولكن ذلك
لم يحصل فقد جاءت مواقف الغرب متحفظة بشدة حيال مسيرة
الاصلاحات المتباطئة.
تصريحات الامراء الكبار في عهد الملك عبد الله جاءت
واضحة، فلا انتخابات يمكن ان يشهدها مجلس الشورى (على
حد الامير سلطان) ولا مشاركة للمرأة في السلطة التنفيذية
(على حد الامير نايف)، وأن الاصلاحات ستكون بطيئة للغاية،
وفي تلك التصريحات رسالة غير مباشرة للغرب وللاصلاحيين
في الداخل بأن خط الاصلاح مقطوع، وأن العائلة المالكة
وحدها صاحبة اليد العليا والوحيدة في التغييرات الداخلية..
لقد بدا واضحاً بأن العائلة المالكة تستعيد ثوابتها التقليدية
في الحكم، وجاءت الثروة الاقتصادية لتعزز من ثوابتها.
إن حصول السعودية على عضوية منظمة التجارة العالمية
(دبليو تي أو) حررها قليلاً من ضغوطات الغرب واملاءاته،
وفتح لها مجالاً واسعاً من الشراكة الاقتصادية العالمية
بقدر كبير من الانفتاح على دول عديدة في العالم.
إن إدارة اقتصاد الدولة في المرحلة الراهنة هي بلاشك
شديدة التعقيد أكثر من ذي قبل، وإن انضمام السعودية الى
منظمة التجارة العالمية منحها القدرة على امتصاص الكثير
من التوترات الناشئة عن نظام إقتصادي عالمي غير مستقر.
فالناتج المحلي للمملكة ينمو بنسبة 7 بالمئة سنوياً، وأن
صادرات النفط لعام 2005 بلغت 160 مليار دولار. هذا النمو
الملحوظ جعل السعودية مؤهلة للقيام بمبادرات إقتصادية
مهمة كما عبّر عنها إنفتاح نافذة على الشرق. إن هذا الانفتاح
الاستراتيجي ودلالاته باتت موضع دراسات جادة، كونها تحمل
مؤشراً قوياً على إتجاهات التجارة البينية التي تنوي السعودية
تنويعها لجهة صناعة هامش من المناورة على المسرح الدولي.
الصين، التي تعتبر دولة ذات اقتصاد واعد في العشرين
سنة القادمة، يأمل طاقمها الدبلوماسي الرئيسي حالياً في
توفير أمن الطاقة الذي يتوقف عليه تحقيق ذلك الوعد الاقتصادي
المأمول. فمنذ شهور والصينيون يجوبون العالم للبحث عن
مصادر رصينة ومأمونة للنفط والغاز، وقد حملوا معهم مقترحاً
للاستثمار التنافسي في احتياطات الطاقة في الخارج. وقد
كشفت صحيفة ايلاف الالكترونية عن بعض بنود الاتفاق النفطي
بين السعودية والصين بحيث يشتمل على: تصدير كميات اكبر
من النفط السعودي الى الاسواق الصينية لتنويع اقتصادها،
بينما تتردد الصين مفضلة تنويع مصادرها لتغذي اقتصادها
الذي يشهد تحولا غير مسبوق، وانشاء مشروعين لانشاء مصاف
سعودية في الصين: المشروع الاول تم الاتفاق عليه بين ارامكو
وsn dc الصينية اكساموبيل باكثر من بليونى دولار، وانشاء
مصنع للبتركيماويات، ويتضمن المشروع انشاء شبكة لتوزيع
المنتجات البترولية. إن بنود الاتفاقية في حال تنفيذها
ستعزز موقع أرامكو كأكبر مورد مضمون للزيت الخام، بما
يزيد من حجم مبيعات الزيت الخام والمنتجات المكررة الى
حوالي 850 ألف برميل يومياً. اضافة الى أن ارامكو السعودية
تشارك ساينوبك في دراسة جدوى بناء استراتيجي وتشغيلي في
الصين، وذلك لطمانة مخاوف الصين فيما يتعلق بامن الامدادات
النفطية لها.
لقد وقعت السعودية والصين خلال هذه الزيارة على اتفاقية
للتعاون في مجال الطاقة، وقد جاء التوقيع على الصفقة وسط
جهود من قبل الصين لتأمين احتياجاتها المستقبلية من الطاقة.
فقد استوردت الصين في الفترة ما بين يناير ونوفمبر 2005
ما كميته 20.1 مليون طن من النفط من المملكة. وفي الوقت
الراهن، فإن بكين تستورد نحو 450 ألف برميل يومياً من
النفط من السعودية والتي تمثل 14 بالمئة من احتياجها الكلي.
وعلى أية حال، فإن بكين قلقة بدرجة كبيرة من احتياجات
المستقبلية من الطاقة وأنها تبحث عن أمن الطاقة. إن تفاصيل
الصفقة بين السعودية والصين لم يجر العمل على تنفيذها
حتى الآن ويتوقع أن يتم مناقشتها بين الجانبين في المستقبل.
ومهما يكنن فإن تقريراً نشرته جريدة صينية (مورننج بوست)
ذكر بأن الجانبين يناقشان تجهيزات تخزين ضخمة للنفط الخام
في جنوب منطقة هاينان الصينية. وبحسب التفاصيل المنشورة،
فإن طاقة المخزون يتوقع لها أن تتراوح ما بين 25 ـ 30
مليون طن. لقد جرت مناقشة تجهيزات التخزين خلال الزيارة
باعتبارها جزءاً من صفقة مشتركة شاملة تشمل مصفاة وتجهيز
لتخزين الغاز. وبناء على تقارير سابقة، فإن فكرة بناء
تجهيزات ضخمة للنفط الخام في الصين قد جرت مناقشتها ابتداءً
حين قام ولي العهد عبد الله (الملك الحالي) بزيارة الى
الصين سنة 1999 ثم تحوّلت فيما بعد الى مبادرة من الملك
عبد الله. وقد شكّلت الاتفاقية حول موقع التخزين جزءاً
من سلسلة إتفاقيات ثنائية تجارية ونفطية بين الجانبين.
إن رهان الصينيين على كسب شركة يونوكال الاميركية قد
تبدد ولكنهم اشتروا شركة الطاقة الكندية في كازاخستان.
الاهم من ذلك هي الترتبيات التي يجري التفاوض بشأنها مع
الهند. فمن بين خمس إتفاقيات وقعت بعد لقاء الملك عبد
الله مع الرئيس هو جنتاو، فإن الاهم من بينها كان الاتفاق
على توسعة التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي والمعادن.
وبحسب تصريح وزير الخارجية سعود الفيصل فإن الصين كانت
واحدة من أهم الاسواق في مجال النفط، وأن النفط السعودي
هو أهم مصادرها، فهو يمثل 26 بالمئة من الواردات النفطية
الصينية والذي أضاف في عام 2005 مايربو على 130 مليون
طناً. إن الاتفاقية الراهنة تستبدل المشتريات من النفط
السعودي بإتفاقية شاملة صالحة لعدة سنوات قادمة. إن رياح
الشرق (الصواريخ الصينية في ترسانة الاسلحة السعودية كونها
متزامنة) والتي جلبت الملك عبد الله الى السواحل البعيدة
يمكن فهمها على أنها جزء من إطار السياسة السعودية الجديدة.
الصين بلا شك تتطلع لأن تصل الى المنطقة العربية بعد
عقود من الغياب، بفعل الاستقطاب الدولي، وتجد الآن فرصة
مناسبة للدخول الى المجال الحيوي في المنطقة العربية عبر
مشاريع اقتصادية استراتيجية. بإستثناء الموقف الايديولوجي،
فإن الروابط السعودية الصينية مؤهلة لكي تصبح وثيقة، وكان
لبوادر سابقة إيجابية من قضايا سياسية أن تسهم في تمهيد
الارضية لتعزيز تلك الروابط من بينها قضية واحة البريمي
حيث وقفت الصين الى جانب السعودية وكذا وقوف الاخيرة الى
جانب الصين في حربها الحدودية مع الهند. والاهم من ذلك
كله هو موافقة الصين على بيع السعودية صواريخ باليستية
إبان الحرب العراقية الايرانية بعد أن امتنعت الولايات
المتحدة عن تزويدها بصواريخ مشابهة نتيجة ضغوطات اللوبي
الاسرائيلي، حيث شكّلت الصفقة علامة فارقة في الروابط
الثنائية بين السعودية والصين والتي دشّنت لعلاقات دبلوماسية
بين البلدين في يوليو 1990، أعقبتها نشاطات دبلوماسية
وتجارية، وكان أبرزها الاتفاقية التجارية التي وقعت مع
شركة سينوبيك الصينية في مارس الماضي بما يسمح للاخيرة
بالتنقيب عن النفط في منطقة الربع الخالي.
إن وقوف الصين الى جانب الانظمة اليسارية والقومية
مثل مصر وسوريا والعراق ترك دون شك آثاره السلبية خلال
الحرب الباردة، ولكن ظروف مابعد انهيار الاتحاد السوفيتي
في نهاية الثمانينات ثم تطورات مابعد الحادي عشر من سبتمبر
قد خلقت أوضاعاً جديدة تساعد على بلورة إتجاهات مختلفة
في العلاقات الدولية يتراجع فيها عنصر الايديولوجيا ويعلو
فيها عنصرا المصالح الاقتصادية والسياسية.
بالنسبة لزيارة الملك عبد الله الى الهند، جاء في مقالة
لراجا موهان في الثالث والعشرين من يناير الماضي بأن الاحتفالية
التي احاطت بزيارة الملك عبد الله الى الهند منذ نصف قرن،
بالتزامن مع ميلاد الجمهورية، تشي بأهمية استراتيجية للمحادثات
بين رئيس الوزراء مانموهان سينج مع الملك عبد الله. بالرغم
من مشاركة الملك عبد الله في تلك الاحتفالات قد لامست
بعضاً من الاوتار الحساسة لدى الجانب الباكستاني، الذي
لم يأمل ان تتزامن الزيارة مع الاحتفالات الوطنية الهندية.
وعلى اية حال، فقد ناقش الطرفان الترابط المتنامي للمصالح
الوطنية بين البلدين، فقد كان من المتوقع أن يرسي الطرفان
أسس التعاون الامني على المدى الطويل بين الهند والسعودية.
إن عناصر التعاون ـ محاربة الجريمة العابرة للحدود، التعاون
الجاسوسي المتعلق بالارهاب، تطوير أمن الطاقة المشترك،
وتأسيس اتصالات دفاعية ـ جاءت خلال الاستعداد لرحلة مستشار
الأمن القومي نارايانان الى السعودية قبل زيارة الملك
عبد الله.
تميّزت زيارة الملك عبد الله الى الهند بكونها جاءت
تتويجاً لزيارات عدة قام وزراء هنود للملك ما بين مارس
ومايو الماضي، وقد أكّدوا جميعاً على رغبة الهند في تأسيس
علاقات مميزة مع السعودية لجهة خلق فرص التعاون الاقتصادي
في مجال الموارد البشرية واحتياطات النفط والغاز في السعودية،
واجتذاب الاستثمارات السعودية الى السوق الهندية، ولذلك
قرر بنك الدولة الهندي إفتتاح فرع له في السعودية كمؤشر
على نوايا البلدين لتعزيز العلاقات التجارية. يشار الى
أن السعودية تعتبر ضمن عشر شركاء أوائل للهند في مجال
التجارة.
إن المبادرة الهندية تتصل بالبعد الجديد للسياسة الخارجية
والامنية السعودية، ولا يمكن إغفال الحجم السكاني الكبير
للمسلمين في الهند، والذي، كما هو شأن شعب باكستان، لديه
روابط دينية تاريخية مع السعودية. إن الحلف الجديد بين
السعودية والهند يمكن أن يعمل لصالح كل من الدولتين ولمسلمي
الهند، ويمكن أيضاً أن يساهم في التقارب بين الهند وباكستان.
فالهند مازالت تمثل مشكلة بالنسبة للمنطقة بسبب تناقضاتها
الحالية، فلديها طموح ولكن لها تفتقر الى خصائص القوة
العالمية.
وفيما يبدو فإن تصميماً راسخاً كان لدى رئيس الوزراء
الهندي والملك عبد الله للعمل على أساس مبدأ عريض يضع
المناطقة الممتدة من القارة الهندية وحتى الجزيرة العربية
كفضاء أمني متداخل ومتفاعل.
بالنسبة للملك عبد الله، فإن زيارة الهند هي جزء من
سياسة أسيوية جديدة والتي تبحث في ربط السعودية بدينامية
الاقتصاد الاسيوي وإدخال الصين والهند اللذان يشهدان تحولاً
بارزاً على مستوى الاقتصاد الدولي.
وتتطلع الهند الى أن تؤسس المحادثات مع الملك عبد الله
لمنطقة تجارة حرة مع مجلس التعاون الخليجي، والتي تشمل
الدول الاعضاء في المجلس. نلفت الى ان السعودية التزمت
موقفاً متحفظاً من إتفاقيات التجارة الحرة بين عدد من
الدول الخليج (قطر، البحرين، الكويت والامارات) والولايات
المتحدة. إن دخول السعودية في اتفاقيات مع دول آسيوية
كبيرة لانشاء مناطق تجارة حرة يحبط فرص الابتزاز الاقتصادي
والسياسي الاميركي. بالنسبة للهند، فإن هناك توجهاً للانتقال
بالاقتصاد الهندي من ماضيه التجاري الذي كان مكرّساً فحسب
لمشتريات النفط وتصدير العمالة. إن ارتفاع أسعار البترول،
وانتعاش الثروة السعودية قد فتحا الابواب لاستثمارات طموحة
بين البلدين في القطاع الهيدروكربوني، فالسعوديون يأملون
في الاستثمار في تطوير البنية التحتية الهندية.
وفيما يبدو فإن الهند مصممة على التغلب على استحواذ
الماضي في علاقتها مع باكستان في التعامل مع السعودي.
وإذا ما نجحت الهند في تطوير علاقات مستقلة مع الحليفين
الرئيسيين لباكستان ـ واشنطن وبكين ـ فليس هناك ما يمنع
من عمل الشيء ذاته مع الرياض. إن الخطاب الهندي الرسمي
حول الارهاب ينزع حتى الآن الى طلاء السعودية بألوان قاتمة
وتجاهل حقيقة كون المملكة السعودية هي أيضاً ضحية للتطرف
والعنف. إن السعي من أجل إيجاد أرضية مشتركة مع الملك
عبد الله في مقاومة الارهاب في أبعادها المختلفة بدءاً
من مصادر التمويل وصولاً الى منابعها الايديولوجية تعتبر
في قائمة الاجندة الهندية.. وقد يمكن المجادلة بأن السعودية
تبحث عن شركاء آسيويين يتقاسمون معها هموم مشتركة دون
أن يكلّفها التزامات وتبعات لأزمات قد تكون تورطت فيها
كالارهاب وتمويل انقلابات عسكرية إضطرتها لابتزازات سياسية
ومالية.
في سياق التعاون الدفاعي بين السعودية والهند، رغم
ضآلته، فإن وزير الدفاع الهندي بارناب موهرجي قد دعى الملك
عبد الله لمناقشة آفاق التعاون العسكري بين البلدين. فلدى
كل منهما رهان كبير على تطوير التعاون الامني البحري والذي
يمسك بمفتاح تأمين الامدادات الثابته من الطاقة من الجزيرة
العربية الى مراكز الاستهلاك الاسيوية عبر المحيط الهندي.
في عام 1981م وخلال زيارة رئيسة الوزراء الهندية السابقة
انديرا غاندي للسعودية وفي البيان المشترك بينها وبين
ولي العهد آنذاك الملك فهد قال البيان: إن الأمن والاستقرار
في جنوب اسيا له علاقة أو مرتبط بالأمن والاستقرار بالجزيرة
العربية. وقد أكد الملك عبد الله خلال جولته الاسيوية
على دور الهند في أمن وإستقرار منطقة الخليج.
بطبيعة الحال، فإن الحكومة الهندية تدرك تماماً بأن
السعودية تحتفظ بروابط أمنية تقليدية مع الولايات المتحدة.
ومن الواضح، في ظل الديناميات الاقليمية والعالمية المتغيرة،
فإن خلق منظومة متنوعة من الشراكات الامنية أصبح أولوية
سعودية. إن تطوير الشراكة الاستراتيجية الهندية الاميركية
قد سهّلت على نيو دلهي والرياض للتقارب بعد عقود من النكران
السياسي المشترك.
وبالرغم من أن الهند اعتمدت في السنوات الاخيرة على
التجارة والاستثمار لاجندتها الدولية، فإنها لا تزال تنزع
الى وضع القوة العسكرية كأداة رئيسية لنفوذها. ومنذ التجارب
النووية لعام 1998، فإن ميزانياتها قد حافظت على زيادة
سنوية بين 15 ـ 25 بالمئة في مجال الانفاق العسكري. الى
جانب جنوب آسيا، فإن على دول الخليج وايران ودول أسيا
الوسطى الأخذ بنظر الاعتبار مفعول بناء القوة العسكرية
الجوية في الهند، وكذا الصواريخ القادرة على حمل رؤوس
نووية وكذا الصواريخ التقليدية واحتياطي القوة البحرية
في جوا. ولذلك فمن الطبيعي بالنسبة لهذه الدول أن تتوصل
الى تفاهم أمني صلب مع نيو دلهي. إن حجم العمالة الهندي
الكبير في دول الخليج (مليون ونصف عامل هندي متعاقد في
السعودية) يضيف بعداً آخر للتفاعل مع الهند. إن التعاون
الاقتصادي لعب دوراً محورياً في التقارب الهندي الصيني،
وفي الحالة السعودية، فإن ازدياد عجز الطاقة في الهند
يعتبر مكوّناً من نقاش قوي لعلاقات وثيقة بين البلدين.
في عشية زيارة الملك عبد الله، كان المراقبون الهنود يتطلعون
الى ان توفّر المحادثات بين القيادتين فرصة ذهبية لخلق
شراكة إستراتيجية في مجال الطاقة، عبر مشاريع واستثمارات
مشتركة.
في نيودلهي، وبالرغم من الاجندة السياسية المثقلة،
فإن قضايا الطاقة قد هيمنت على محادثات الملك عبد الله
والحكومة الهندية، حيث كان الجانبان حريصين على تمتين
علاقاتها في هذا القطاع. إن احتياجات الهند من الطاقة
كانت محثوثة بتنامي المجال الصناعي، والنمو الاقتصادي
والزيادة السكانية المضطردة. ولذلك فإن الهند بحاجة الى
تأمين احتياجها من الطاقة من أجل ضمان مستقبل أفضل لحجم
سكانها الكبير. تستورد الهند حالياً أكثر من 450 ألف برميل
من النفط السعودي، وهي تمثل ربع إحتياجها وهي سابع مستهلك
في العالم. حيث يصل إستهلاكها الحالي الى 2.4 مليون برميل
يومياً. وعلى أية حال، فإن بنهاية هذا العقد فإن من المتوقع
أن يرتفع استهلاكها الى 3.2 مليون برميل يومياً، وعليه
فإن ثمة ضغطاً لتأمين الاحتياجات المستقبلية.
وفي عالم، حيث تحتل قضايا الطاقة أهمية أكبر، وخصوصاً
حيث تتراكم الغيوم حول أنابيب إمداد الغاز الممتدة من
إيران ـ باكستان ـ الهند لأسباب سياسية، فإن الهند بحاجة
لضمان احتياجاتها المستقبلية وتأمين نموها الاقتصادي.
وعليه فإن اللجوء الى السعودية يبدو ضرورة ملحّة من أجل
ملء الاحتياطات المستقبلية. إن زيارة الملك عبد الله للهند
تأتي لتوفير ضمانة للاحتياجات المستقبلية للهند وبقية
الدول المستهلكة للطاقة التي كانت ضمن جولة الملك الاسيوية،
فقد شكّلت الزيارة الى نيودلهي عهداً جديداً من الشراكة،
حيث تلعب الطاقة دوراً محورياً.
كانت هناك اتفاقيات إضافية لتطوير الاستثمار الثنائي
وتفادي الضريبة المزدوجة ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال
مكافحة الجريمة، وخصوصاً تهريب المخدرات. ومن الواضح،
فإن الملك عبد الله تقدّم بعرض تمويل وترميم المسجد الكبير
في دلهي وبعض المؤسسات التعليمية. وبناء على المسح الذي
قامت به مجلة الايكونوميست فاذا كان سعر البرميل من النفط
على المدى المتوسط والبالغ 40 دولاراً فإن تدفق النفط
من الاراضي السعودية قد يتواصل ليصبح نحو 500 مليون دولار
في اليوم لسنوات عديدة قادمة.
ومع تظافر مكاسب التنوّع الناجح للاقتصاد، سيكون لدى
السعودية هامش كبير من الحرية. وعلى أية حال، فإن دبلوماسيتها
يجب أن تحذر من مخاطر مستورة في منطقة مازالت مضطربة بفعل
السياسة العسكرية الاميركية في اعقاب الحادي عشر من سبتمبر.
فالاوضاع في العراق، على سبيل المثال، حبلى بالمؤشرات
الخطيرة، ويمكن للمرء ان يتنبأ بشأن تداعيات الأزمة التي
يمكن أن تنشأ باسم البرنامج النووي الايراني، وفي اسوأ
سيناريو ممكن فإن باكستان والسعودية ستواجهان تداعيات
خطيرة للأزمة. إن مشروع الدمقرطة للرئيس الاميركي الذي
ينظر اليه معظم شعوب المنطقة بأنه ليس سوى ستاراً لأجندة
مختلفة كلياً، فإنه سيخضع لاختبار الصدقية مرة تلو الاخرى.
إن فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية سيضع الادارة
الاميركية دون شك أمام إختبار عسير للنوايا. إن على باكستان
أن تبدي تفهّماً كاملاً للاعباء الجديدة للسياسية الخارجية
السعودية (لقد وافقت الاخيرة على تعويض الفلسطينيين بعد
تلكؤ الجانب الاسرائيلي في دفع اموال الضرائب للجانب الفلسطيني
بعد فوز حماس).
لا شك أن هناك تطلعاً يتنامي من أجل انشاء كتلة شرقية
تضاهي أو تخفف من وطأة التكتل الغربي، إن الروابط السعودية
الصينية يراد منها أن تكون في سمت التعاون السعودي الهندي
لصالح التكتل الشرقي. فهناك اطرف عدة في القارة الاسيوية
تأمل في تعميق الحوار فيما بينها على أمل التوصل الى نظرات
وسياسات اقليمية متجانسبة. هناك من يتطلع بعين الرضى للياقة
الدبلوماسية الايرانية في تعاملها مع الجبهة الغربية ويأمل
في اشراك ايران وتركيا داخل دورة المشاورات وصولاً الى
صناعة جبهة شرقية مقابل جبهة الغرب.
لقد بات واضحاً بأن السعودية تستعمل كرت النفط من أجل
تمتين علاقاتها مع آسيا، التي تمثل بالنسبة لها فضاءً
إستثمارياً واعداً وفرصة للخروج من الشرنقة الخانقة التي
وضعها فيها الغرب منذ سنوات. فدبلوماسية الطاقة هي في
كامل قوتها من أجل الوصول الى أبعد نقطة في القارة الاسيوية.
فالسعودية، كلاعب رئيسي في مجال الطاقة الدولية، تستعمل
كرت الطاقة لبناء علاقات مع القوى الرئيسية القادمة في
الشرق.
إن زيارة الملك عبد الله الاسيوية قد أحدثت تموجات
في كل الاتجاهات، خصوصاً وأنها زيارة غير مسبوقة وغير
عادية في ظروف دولية إنتقالية. وبالرغم من أن قضايا الطاقة
بقيت النقطة المحورية للزيارة الا أن أبعادها السياسية
لم تكن قليلة، خصوصاً بالنسبة لدولة كالسعودية التي كانت
موجّهة ناحية الغرب.
والى جانب مناقشة القضايا السياسية الرئيسية مع البلدان
الاسيوية الكبرى، فإن الملك عبد الله يحاول تطمين مضيفيه
الى أنه بالرغم من كل التقلبات والازمات السياسية وغيرها،
فإن السعودية ستستمر في أن تكون لاعباً مسؤولاً ومؤثراً
في في الاسواق النفطية العالمية. وأنها ستواصل ليس فقط
لعب دور في استقرار تلك الاسواق ولكنها ستسعى الى تأمين
النمو والازدهار في القوى الاقليمية الواعدة.
السعودية كعضو في منظمة أوبك، تعتبر المنتج الوحيد
في العالم اليوم الذي بإمكانه المساهمة في إستقرار الى
حد كبير اسواق الخام العالمية وفي الوقت نفسه قد يساعد
في أن يروي العطش الاسيوي للنفط. وبالرغم من حقيقة أن
زيادة الاسعار النفطية يعني زيادة مداخيل السعودية وكذا
الدول المنتجة للنفط الاخرى، فإن الملك عبد الله كما جاء
في مقابلة مع محطة هندية بأن المستويات العالية لسعر النفط
الخام قد يضر بالاقتصاديات العالمية الناشئة، وعليه فإن
الاسعار يجب أن تنخفض. وكان الملك عبد الله قد صرّح في
مقابلة مع شبكة تلفزيون أيه بي سي في الرابع عشر من أكتوبر
الماضي:( بأننا إستفدنا مالياً من إرتفاع أسعار النفط
لكننا نعتقد أن الضرر على الدول الاخرى هائل ولا نعتقد
أن الاسعار ينبغي أن تكون عند هذا المستوى). وأن الحل
بالنسبة للسعودية من اجل تهدئة الاسعار يكمن في زيادة
حجم الانتاج.
فقد عمل الملك عبد الله بدون كلل لتمديد الافق الدبلوماسي
للمملكة، والتي تنضوي تحت مبدأ التقارب، والتي تلمح الى
التعايش والتعاون وفي سياق الاستقطاب المتنامي في الوقت
الراهن. في تمظهرها الداخلي، فإن الانفتاح على الخارج
يفترض أن يطوّر الرؤية السعودية في دعم المناظرة حول العلاقات
الدولية على أسس جديدة ويفترض أيضاً أن يعزز أسس الاصلاح
السياسي والتسامح الديني مع بقية شعوب وثقافات وأديان
العالم.
|