علّة في المجتمع، أم تشابك في الولاءات، أم قهر من
السلطات؟
وَصَـمَـتَ الإصـلاحـيـون!
يبدو وكأن حركة الإصلاح قد خمدت بسرعة غريبة. فمئات
الاشخاص من مختلف الإتجاهات الذين وقعوا على عرائض الإصلاح
لا تسمع لهم صوت ولا كلمة.
ما الذي حدث؟
كل ما حدث ان اعتقل أقل من عشرة افراد بينهم بعض انشط
الفعاليات السياسية، وهم من بقوا في السجن حتى صيف العام
الماضي. اضافة الى طرد مجموعة من أعمالها وسحب جوازات
سفر مجموعة اخرى من الإصلاحيين وحتى المواطنين العاديين.
فهل ما قامت به سلطة نايف من قمع، يبرر هذا الصمت؟
هل حركة الإصلاح، ومثقفو البلاد بمثل هذه النرجسية؟
وهل توقعوا أن يأتيهم الإصلاح والتغيير بلا ثمن (اعتقال
وفصل من الأعمال ومنع من السفر)؟
هل نحن أمام مجتمع معوّق الى حدّ ان وزير الداخلية
بمجرد أن يرفع عصا تصمت الألسن وتنزف الأقلام حبرها؟
ام أن مبرر الإصلاح في الأصل غير مكين بدليل أن الجميع
غير مستعد للتضحية بما بين يديه من أجل أمرٍ يعتقد أنه
أفضل في المستقبل؟
لا يمكن القبول بأن قمع الدولة (وحده) مبرراً كافياً
ومفسراً كاملاً لصمت دعاة الإصلاح المريع. فالسعودية رغم
قمعها ليست الأعنف بين الدول العربية، وهناك دول خليجية
وعربية مارست القمع بأكثر من السعودية ولكن إصلاحييها
أدهشونا بحركتهم المثابرة، ومثال ذلك ما نشهده في سوريا،
ومصر وحتى تونس والبحرين (ما قبل الإصلاحات). فأين مثقفونا
وإصلاحيونا من نظرائهم في الأوطان العربية الأخرى؟
ولا يمكن القول أيضاً ان السعودية لا تعاني من مشاكل،
وبالتالي لا مبرر لحركة الإصلاح. فالفقر والبطالة والفساد
وقمع الحريات والتسلط باسم الدين والحق التاريخي وغيره
كلها مبررات، خاصة في بلد نفطي غني، وفي بلد متعدد الثقافات
والهويات. وما تطفح به الجرائد السعودية نفسها من مشاكل
يكفي من الناحية النظرية لإشعال ثورة، وليس فقط الإحتجاج!
هنا محاولة لقراءة أسباب ضعف الحراك السياسي في السعودية
عامة، والنشاط الاصلاحي بصورة خاصة:
1 ـ انقسام المجتمع بصورة حادة على اسس مناطقية ومذهبية
تجعل من قيام حركة اصلاحية واحدة امراً صعباً. ولقد لعبت
هذه الإنقسامات دوراً كبيراً في تعويق الحراك الإصلاحي
خلال الأعوام الماضية، إذ ان بعض الإصلاحيين بدا وكأنهم
يغلبون انتماءاتهم الدينية والمناطقية، بحيث ظهر من يعتقد
بأن الإصلاح سيكون على حساب فئة (نجدية) لصالح فئات أخرى.
ولذا صارت مصالح النخبة النجدية ـ دينية وبيروقراطية ـ
مرتبطة بمصالح آل سعود على قاعدة الخلفيات الاجتماعية
والثقافية وعلى قاعدة المصالح. حتى وإن كانت مصالح معظم
فئات الشعب بمن فيهم النجديون العاديون تنسجم مع المقولات
التي جاء بها الإصلاحيون.
2 ـ ان كثيراً ممن وقعوا على العرائض، كانوا يعملون
في جهاز الدولة، بمعنى أن الدولة استطاعت ومنذ زمن استيعابهم،
ومثل هؤلاء يضعون حدوداً للمدى الذي يمكن لهم الذهاب فيه
بشأن دفع ثمن الإصلاح. فهم وإن كانوا يؤيدونه ولهم الإستعداد
للدفاع عنه، فإن هناك حدوداً معيّنة لذلك، اي انهم معه
طالما أن الإصلاح لا يكلفهم شيئاً كثيراً، بل أن بعضهم
ركب موج الإصلاح على أمل أن لا هناك من ضرر (خاصة بعد
لقاء عبد الله ـ الملك الحالي ـ مع قادة عريضة الرؤية)
وأن قدراً من المكاسب للذات والمجتمع أمر ممكن.
3 ـ قدرة العائلة المالكة في التلاعب بالقوى الاصلاحية
وبالمجتمع كبيرة. فبيدها الورقة الدينية ـ الوهابية، التي
رغم تمزق الكثير منها إلا أنها لاعب قوي على مستوى جهاز
الدولة وعلى مستوى البيئة النجدية التي تشكل العمود الفقري
في الولاء للعائلة المالكة. ومازال بيد العائلة المالكة
إمكانات مادية ضخمة تصبها آناً وتمنعها آناً ضمن سياساتها
للإلتفاف على المطالب الجماهيرية كلما اقتربت من التبلور.
حدث هذا في التسعينيات من القرن الماضي وحدث قبل سنتين
أيضاً. ثم ان العائلة المالكة تمتلك خبرة لا بأس بها في
تشتيت قوى المجتمع، ولعلنا هنا نشير الى اللقاءات التي
كان يجريها الأمراء مع هذا الإصلاحي (منفرداً) او ذاك
بغية ثنيه او التاثير على مواقفه. وزيادة على ذلك كان
عنصر القوة حاضراً والتهديد ممارساً بصورة علنية في كثير
من الأحيان.
4 ـ وينبغي التذكر ان الشعب السعودي لا يمتلك ثقافة
معارضة سياسية، بعضها راجع الى جذور تاريخية، فقيام الدولة
لم يتم إلا على أنهار من الدماء وعلى التهجير، ولازالت
الذاكرة حاضرة خائفة مرتعبة رغم تغير الظروف، وآل سعود
لازالوا ينفخون في ذلك التاريخ، وفي ذلك السيف الذي لازال
بيدهم، رغم انهم من الناحية الواقعية ضعفاء جداً. ولعلنا
نضيف هنا أن أغلب الحركات المعارضة كانت راديكالية تستهدف
القضاء على النظام، ولم تجرب الإصلاح من داخله، وقد بدا
ان هذا ممكناً، ولكن الأيام أثبتت أن صعوبته لا تقل عن
صعوبة اسقاط النظام نفسه.
5 ـ ان اخطاء الإصلاحيين كانت كثيرة، وكانوا في الوقت
الذي يريدون الإصلاح، يعترفون بشرعية النظام (القيادة)
والحال إن الوضع لا يستقيم. فإما ان العائلة المالكة غير
شرعية وبالتالي يجري عليها الإصلاح أو حتى التغيير، أو
أنها شرعية (باي منطق؟) وبالتالي فإن فضيلة الصمت هي النتيجة.
والشرعية غير معرفة لديهم، فهل هي شرعية دينية ام شرعية
تاريخية أم شرعية سياسية أم شرعية انجاز ام كل ذلك؟ نعم
في الوقت الذي كانوا لا يريدون الظهور بمظهر اسقاط النظام،
فإن التأكيد على الولاء للقيادة من قبل الإصلاحيين كان
خطأ. كان يجب ان يقولوا بأن الولاء مشروط بإعطاء المواطنين
حقهم في المشاركة السياسية وتقرير المصير. انه مشروط بالإصلاح
الإقتصادي والسياسي وإقامة مؤسسسات الدولة الدستورية.
في غير هذه الحالة يصبح الإعتراف بالعائلة المالكة كقيادة
شرعية، سلاحاً بيدها تضربهم به. وهو ما حدث.
|