الـدولـة الـفاشـلـة
نعت الدولة بالفشل ليس إبتكاراً منا، بل يعود الى منظمة
(صندوق السلام) التي تأسست عام 1957، وهي منظمة تعليمية
وبحثية مستقلة مقرها في واشنطن العاصمة. ومهمتها منع الحرب
وإزالة الظروف المؤدية الى اندلاعها. ومنذ عام 1996، تخصصت
هذه المنظمة بصورة رئيسية في تخفيض النزاعات النابعة من
الدول الفاشلة والضعيفة.
وتعرّف الدولة الفاشة (Failed State) بأنها الدولة
التي ليس لدى حكومتها سيطرة فاعلة على إقليمها، أو ينظر
اليها قسم كبير من السكان بأنها شرعية، أو لا توفّر الامن
والخدمات العامة الاساسية لمواطنيها، أو تفتقر لاحتكار
استعمال القوة. وقد تواجه الدولة الفاشلة عنفاً فاعلاً
أو تكون عرضة لأعمال عنف. وبالرغم من أن الغالبية العظمى
من الدولة المدرجة في قائمة المنظمة ليست دولاً فاشلة
في الوقت الراهن، الا أن القائمة تقيس الضعف والنزاع الداخلي
العنيف، وبالتالي فهي قائمة دول خطر، وليست دول قد فشلت
فعلاً، فقد تسير الى فشلها في حال واصلت طريقها العكسي
بحسب المؤشرات التي حددتها القائمة والبالغة إثنا عشر
مؤشراً على قياس فشل الدول، وتشمل مجموعة واسعة من عناصر
خطر فشل الدولة مثل الفساد المتمدد، السلوك الاجرامي،
الضغوطات الديموغرافية، حركة اللاجئين والنازحين، سجّل
الاضطهاد أو التمييز المؤسسي، الهروب الجماعي، التنمية
غير المتوازنة، التدهور الاقتصادي الحاد والمزمن، الفساد
البيئي، تجريم ونزع مشروعية الدولة، تدهور متواصل للخدمات
العامة، نزيف الادمغة أو هجرتها، إنتهاك واسع لحقوق الانسان،
الاجهزة الامنية (دولة داخل الدولة)، ظهور النخب العصبوية،
وتدخل دول أخرى أو عوامل خارجية.
وكانت أول قائمة صدرت في يوليو/أغسطس 2005، من قبل
مجلة السياسة الخارجية وصندوق تمويل السلام، ثم صدرت قائمة
أخرى في مايو/يونيو لهذا العام، بحيث زاد عدد الدولة الخاضعة
للفحص من 75 (2005) الى 148 دولة في هذا العام. بالرغم
من أن الفريق العامل في هذا التصنيف يشكو من شح المعلومات
حول بعض الدول، بما يجعل إخضاعها لتقييم دقيق أمراً صعباً،
الا أنه سعى الى تقديم صورة أولية تتسم بالعلمية والدقة
الممكنة حول أوضاع الدول إعتماداً على معلومات مستمدة
من أكثر من 11 ألف مصدر معلن وتم جمعها في الفترة ما بين
يوليو وديسمبر 2005. ويستند تصنيف القائمة على منهجية
معترف بها دولياً، وهي آلية نظام تقييم النزاع. وهذه الآلية
تستهدف تقييم نزاعات العنف المحلية، وتقيس تأثير الاستراتيجيات
الشارحة. بالاضافة الى تعيير مؤشرات فشل الدولة والتي
من شأنها تحريك النزاع، كما تقدِّم القائمة تقنيات لتقييم
قابليات المؤسسات الرئيسية للدولة وتحليل إتجاهات استقرارها.
وبحسب قائمة هذا العام والصادر في شهر مايو فقد ظهرت
السعودية في قائمة الدول التي فيها درجة عالية من الخطر
والفساد. وبحسب قائمة الدول الفاشلة لعام 2005، والذي
شمل 76 دولة احتلت السعودية مرتبة 45 بمعدل 78.1 نقطة،
وفي قائمة هذا العام جاءت السعودية في مرتبة 73 من أصل
146 بمجموع 77.2 أي بعد الجزائر بمجموع 77.8، وتنزانيا
بمجموع 78.3 وفيتنام بمجموع 78.6.
في تطبيق معايير قائمة الدول الفاشلة على السعودية،
تبرز أمامنا ملفات حالكة، هي مورد اتفاق قطاع كبير من
المواطنين وهي ملفات الفساد الاداري والمالي، والانتهاك
الواسع لحقوق الانسان، والاضطهاد المؤسسي والتمييز بطابع
جمعي على قاعدة مناطقية ومذهبية وقبلية، وتآكل مشروعية
الدولة كما تنبىء عن ذلك أشكال التذمر بنوعيه السلمي والعنفي،
وهيمنة المؤسسة الامنية التي أصبحت من الناحية الفعلية
(دولة داخل الدولة).
يلزم الاشارة الى أن التراجع الملحوظ في وتيرة العنف
لا يعني بالضرورة تلاشي مبرراته ومصادره الفكرية والاجتماعية
والسياسية، فقد كان واضحاً الاسهام الفاعل لارتفاع الموارد
المالية من النفط في امتصاص قدر كبير من الاحتقان الشعبي
على قاعدة اقتصادية، ولكن بالتأكيد لم تعالج هذه الزيادة
في المداخيل النفطية جوهر المشاكل الاخرى المرتبطة بأزمة
السلطة ذاتها.
في تقريرهما حول قائمة الدول الفاشلة، تشدد كل مؤسسة
(صندوق السلام) ومجلة السياسة الخارجية (فورين بوليسي)،
على أن هناك تغييرات شكلية لا تنبىء بالضرورة عن تحوّلات
جوهرية في الدول ولا تفضي الى تحقيق الاستقرار أيضاً،
كما في مثال الانتخابات التي جرت في عدد من دول الشرق
الاوسط. يذكر الفريق بأن هناك العديد من الحكومات استعملت
الانتخابات كرداء لستر نزعتها التسلطية القديمة، ولذلك
فإن السياسيين المعارضين للحكومة يواجهون مع قرب موعد
الانتخابات التهديد والمضايقات للحيلولة دون مشاركتهم
في الانتخابات وتقليص فرص نجاحهم فيها.
من جهة ثانية، فإن ارتفاع أسعار النفط والخدمات قد
يملأ خزينة الدولة، ولكنه لا يؤدي بالضرورة الى بناء مؤسسات
قوية. على العكس، فإن الخطوات التي تحتل قلة من المانشيتات
وهي تعيين قضاة مستقلين، وتطوير الخدمات المدنية المؤهلة،
وشن الحملات ضد الفشاد، هي المفتاح لتحسين مؤسسات الدولة.
فزيادة الموارد المالية لا يعني نجاحاً اقتصادياً بل
قد يخفي أحياناً فشلاً سياسياً كبيراً في الدولة، ولا
ريب أن مستوى التطوّر لا يقاس بالنمو بل بالتنمية، وقد
فشلت الدولة السعودية في تحقيق تناسب بين مستويات التحديث
والحداثة، فالعمران لم يقترن بتحسن ظروف الانسان سياسياً
وثقافياً وحقوقياً، فقد تحقق الفشل في الموضوعات المرتبطة
بالدولة بوصفها إطاراً لمواطنين متساويين فيما تحقق النجاح
في الجزء المتعلق بتعزيز السلطة بوصفهاً إطاراً للحاكمين..
لقد فشلت السلطة في تأهيل مؤسساتها وأوضاعها الداخلية
بحيث تمنع من تفجّر ظواهر عنفية وأشكال أخرى من التفجّر
ومع زوال المؤثر المالي يتمسرح الفشل على كامل جسد الدولة
مرة أخرى.
|