(العصابة) وبيان التطرف
جهيِّر عبد الله مساعيد
اللافت للنظر أن الموقعين عليه اختاروا لأسمائهم ألقاباً،
معظمهم أستاذ (سابقاً) ولا أدري لماذا الحرص على ما كان
سابقاً من مناصب ووظائف إلاّ لغاية الوجاهة والإقناع في
اعتبار البيان وجيهاً لم يخرج من أفواه الصغار أو الطائشين
أو المغرر بهم أو الذين يلقون بالكلام على عواهنه في لجة
الأحداث والأزمات. ولأنهم كما يقولون عن أنفسهم أساتذة
سابقون، وأهل علم ودراية، ورجال قضاء وعدل ومحاكم، وأصحاب
خبرة في الحياة بكل جوانبها، ولأنهم عن الدين يتحدثون،
وبلسان أهل الدين يكتبون: أتساءل: كيف أن لغتهم في البيان
لم ترتق إلى مستواهم العلمي والفكري والمهني؟ وإذا كانت
هذه لغة نخبة من التربويين والمعلمين والقضاة والأساتذة
فما الذي جناه المجتمع من التعليم والتربية بعد هذا العمر
من بناء المؤسسات التعليمية الضخمة؟ وما الفرق بين لغتهم
وبين لغة الخطاب عند العوام والمتحمسين للجدل والمناطحات
الكلامية؟ أبسط ما فيها من تجاوزات أنها لغة تفتقر لروح
الإخاء والشعور بالمسؤولية وقيمة الانتماء، وأصعب ما فيها
أنها ترمي العبارات الملغمة بالتهم الجاهزة على طريقة
غيرها من البيانات الكلامية دون تحديد براهين أو إعلان
حقائق أو مواجهة، دون تسمية كل شيء باسمه بلا مواربة ولا
لف ولا دوران مما يجعل قضية البيان وكأنها مجرد ثأر واستعراض
وإثبات حضور.
كم هو مؤسف أنه ولا مرة جاء بين سطور الموقعين على
البيان اللفظ الأديب الأريب المهذب الحصيف الأمين اللائق
الذي يدل على صاحبه، ولا مرة بين سطورهم رطبوا ألسنتهم
بالذكر والدعاء حتى لأنفسهم فكيف بمن خالفهم؟ ولا مرة
جاءت كلماتهم بما هو عليه دين محمد صلى الله عليه وسلم
وهو يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي
هي أحسن حتى في أصعب المواقف وأحرج الأزمات. ولا مرة قالوا
في بيانهم ما ترق له القلوب وتنصت له الآذان (رب اغفر
وتجاوز عما تعلم إنك تعلم ما لا نعلم). كان اليقين أنهم
الأعلون وغيرهم الجاهلون هو روح البيان بينما ليس في الإسلام
رهباناً ولا أحباراً.
أصعب ما ورد في مضامين البيان تلك التهم الجاهزة الملقاة
جزافاً وأشد ألفاظها خطورة لفظ (العصابة) المتكرر في طيات
السطور والمراد به فئة محددة من المسؤولين والمستشارين
والإعلاميين المتهمين عند أصحاب البيان بأفظع التهم وأبشع
الأدوار ما بين الإفساد في الدين إلى المتاجرة بالمجتمع
إلى العمالة الرخيصة للعدو الأجنبي، مما يجعل ذا اللب
حيران، فما دمتم تعرفونهم لماذا تتسترون عليهم؟. هنا يكون
الساكت كالفاعل، أليس كذلك؟ لا يجب السكوت على هذه الجرائم
المعلنة سواء كانت جريمة اتهام الناس زوراً أو جريمة الخيانة
الوطنية، فإما أن تكون (العصابة) المذكورة في البيان موجودة
وإما أن يكون البيان كاذباً.
بيان كهذا إذا وقع في يد المتربصين بحثاً عن سبب لسفك
الدماء ولا يرون فرقاً بين حرمتها وبين مياه المجاري لن
يكون أثره توزيع الورود على الأحياء السكنية بدعوى إنقاذ
المجتمع. نعم هناك من هو مع الإرهاب أيديولوجياً وضده
حركياً. يرفض أسلوب الجريمة ويؤيد دوافعها وهذا هو ما
يجب القضاء عليه قبل القضاء على الإرهابيين أنفسهم.
الوطن 3/6/2006
|