الشرق الأوسط الجديد
خـارطـة تـفـتـيـت الـمـنـطـقـة
الأهداف الخفيّة للحرب المفتوحة على لبنان كانت مثار
جدل واسع على المستوى الاعلامي والسياسي، وكان التحليل
الاولي بأن العدوان الاسرائيلي مجرد انتقام من حزب الله
بعد انتصار العام 2000. وكان يمكن أن تبقى الاهداف المضمرة
للعدوان محجوبة حتى نهاية الحرب، ولكن خرجت وزير الخارجية
الاميركية كونداليزا رايس لتعلن عن هدف أساسي للحرب لتقرر
بأن الحرب هي مدخل لشرق أوسط جديد، فيما أعلن الرئيس الاميركي
بوش بأن حزب الله هو مشكلة الشرق الاوسط، في إشارة واضحة
الى ان تغيير وجه الشرق الاوسط يتم بإزالة المقاومة اللبنانية
ليتحقق ما وصفه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر
الله بدء العصر الاسرائيلي.
فتحت الحرب العدوانية ملف الشرق الاوسط الجديد، وبدأ
الحديث في الايام الاولى من العدوان الاسرائيلي على لبنان
عن خارطة جديدة للشرق الاوسط، تستهدف إحداث تبدّلات بنيوية
في الكيانات الجيوسياسية القائمة، بما يؤدي الى عملية
تقسيم واسعة للدول في هذه المنطقة على أساس إثني ومذهبي
وقومي. هذه الخارطة صدّقت ما تحدث عنه حسن نصر الله بشأن
خطة مبيّتة للحرب تتجاوز قضية أسر جنديين اسرائيليين،
وتعود الى فترة سابقة، يتحين فيها العدو الاسرائيلي فرصة
الانقضاض على حزب الله بطريقة مباغتة. خارطة الشرق الاوسط
أثارت لغطاً واسعاً داخل الاطراف المستهدفة سواء كانت
دولاً أو أحزاب، وتلفت الى أهمية قراءة العقل السياسي
الاميركي والغربي للشرق الاوسط.
فقد نشر موقع مجلة (القوة العسكرية) في عددها الصادر
في يوليو الماضي مقالة بعنوان (حدود الدم) للكاتب رالف
بيتر، وتضمن المقال خريطة الشرق الاوسط الجديد كما بشّرت
به وزيرة الخارجية الاميركية رايس. وفيما يلي نص المقالة:
نشرت خارطة جديدة للشرق الاوسط بمقال معنون (حدود الدم)،
حددت ملامح جديدة لخارطة شرق أوسطية جديدة والتقرير يفترض
أن الحدود بين الدول غير مكتملة وغير نهائية، وخصوصاً
في قارة أفريقيا التي تكبّدت ملايين القتلى، وبقيت حدودها
الدولية بدون تغيير والشرق الاوسط الملتهب والمتوتر منذ
عقود هذه الحدود التي شكّلتها أوروبا (الفرنسيون والبريطانيون)
في أوائل القرن العشرين، من الدولتين اللتين كانتا تعانيان
من هزائمها في القرن التاسع عشر فكان التقسيم عبئاً عليها
وجاء من عدم الادراك لخطورة هذا التشكيل الذي قسّم قوميات
على جانبي الحود وأصبحت كتلا قومية كبيرة ومبعثرة على
جوانب الحدود لعدة دول، وقد يضم الكيان السياسي المستقل
اثنيات وطوائف متناحرة.
إن حدود الشرق الاوسط تسبب خلالاً وظيفياً داخل الدولة
نفسها وبين الدول من خلال أعمال أخلاقية تمارس ضد الاقليات
القومية والدينية والاثنية، أو بسبب التطرف الديني أو
القومي والمذهبي، إن لمّ الشمل على أساس الدين والقومية
في دولة واحدة لن يجعل الأقليات سعيدة ومتوافقة. إن القومية
الخالصة أو الطائفة وحدها يمكن أن تجد مبرراً لتغيير الحدود
ولتشكيل كيان سياسي لها كما يفترض التقرير وللمقارنة أنظر
في هذه الرؤيا أن التقسيمات ليست على أساس خرائط معدة
مسبقاً بل أعدّت على أساس وقائع ديموغرافية (الدين القومية
والمذهبية).
ولأن إعادة تصحيح الحدود الدولية تتطلب توافقاً لإرادات
الشعوب التي قد تكون مستحيلة في الوقت الحالي، ولضيق الوقت
لابد من سفك الدماء للوصول الى هذه الغاية التي يجب أن
تستغلها الادارة الاميركية وحلفاؤها. يفترض أن اسرائيل
لا يمكنها العيش مع جيرانها ولهذا جاء الفصل عن جيرانها
العرب، ولذا فإن الطوائف المتباينة التي لا يمكن التعايش
فيما بينها من الممكن تجمعها بكيان سياسي واحد.
الأكراد على سبيل المثال أكبر قومية موزعة على عدة
دول بدون كيان سياسي. وعليه لا تريد الولايات المتحدة
وحلفاؤها أن تفوت فرصة تصحيح (الظلم) بعد احتلال بغداد
مستفيدة من فراغ القوة التي كان يشكلها العراق الذي أصبح
مؤكداً الآن أنه الدولة الوحيدة في العالم التي كانت الحاجز
العظيم أمام تنفيذ المخطط الاميركي للمنطقة.
أما الدول المستهدفة بالتقسيم والاستقطاع فهي ايران،
وتركيا، والعراق، والسعودية وباكستان وسوريا والامارات
ودول ستوسع لأغراض سياسية بحتة مثل: اليمن والاردن وافغانستان.
أما الدول الجديدة التي ستنشأ فمن تقسيم العراق تنشأ
دويلات (كردستان، سنيستان، وشيعستان). دولة كردستان الكبرى،
وستشمل كردستان العراق، وبضمنها طبعاً كركوك النفطية وأجزاء
من الموصل وخانقين وديالي وأجزاء من تركيا وايران وسوريا،
وأرمينيا وأذربيجان، وستكون أكثر الدول ولاءً للغرب ولأمريكا.
(دولة شيعستان) وستشمل جنوب العراق والجزء الشرقي من
السعودية والأجزاء الجنوبية الغربية من إيران (الاحواز)
وستكون بشكل حزام يحيط بالخليج العربي. (دولة سنيستان)
ستنشأ على ما تبقى من أرض العراق وربما تدمج مع سوريا،
وخلق (دولة بلوشستان الجديدة) التي ستقطع أراضيها من الجزء
الجنوبي الغربي لباكستان والجزء الجنوبي الشرقي من ايران.
وستفقد أفغانستان جزءاً من أراضيها الغربية الى بلاد
فارس وستحصل على أجزاء من باكستان وستعاد إليها منطقة
القبائل السعودية. وستعاني أكبر قدر من التقسيم كالباكستان
وستقسم السعودية الى دولتين: دولة دينية (الدولة الاسلامية
المقدّسة) على غرار الفاتيكان، وتشمل كل المواقع الدينية
المهمة لمسلمي العالم، ودولة سياسية (السعودية) وسيقتطع
منها أجزاء لتمنح إلى دول أخرى (اليمن والأردن).
كما ستنشأ دولة جديدة على الأردن القديم بعد أن تقطع
أراض لها من السعودية وربما من فلسطين المحتلة لتشمل كل
فلسطينيي الداخل وفلسطيني الشتات (الأردن الكبير). وسيوسّع
اليمن من اقتطاع أجزاء من جنوب السعودية وتبقى الكويت
وعمان بدون تغيير.
لماذا تعرض هذه الخارطة الآن؟ ما الغرض من عرضها بموقع
عسكري أمريكي رسمي؟
كانت الادارة الاميركية قد طرحت مبادءها وتصورها عن
شرق أوسط (ديمقراطي) جديد، يبدأ بإلغاء الخرائط الاستعمارية
القديمة التي أنشأها الاستعمار الفرنسي والبريطاني في
بداية القرن العشرين لانتفاء الحاجة إليها بسبب المتغيرات
القومية والطائفية الجديدة للبلدان المعنية بالتقسيم.
إن التقسيم والاقتطاع وسيلة لاضعاف الدول التي تتعرض
للتقسيم والاقتطاع، وستكون الدول الجديدة التي ستنشأ موالية
تماماً للإدرة الأمريكية بحكم العرفان بالجميل للعناصر
الانفصالية المستفيدة الى الدولة التي منحتهم الاستقلال
والدول التي ستتوسع ستكون مدينة أيضاً بولائها لمشروع
التقسيم والضم. والأردن الكبير سيكون الحل الأمثل للمشكلة
الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين ونقطة جوهرية بتخليص
إسرائيل من مشكلة تواجهها باستمرار وهي التغيير الديموغرافي
للسكان لصالح الفلسطينيين في حال تطبيق قرارات مجلس الأمن
ذات الصلة.
لكن السؤال هل هذا هو الحل الممكن للتخلص من المشكلات
التي تواجه إستراتيجية الولايات المتحدة للسيطرة على العالم
وعلى مصادر الطاقة؟ أو ستكون بؤراً جديدة للتوتر ونوعاً
جديداً من الحروب بين الكيانات القديمة والجديدة (المثال
الكوري) والاقتتال الداخلي والتوتر غير محسوب العواقب
(تيمور الشرقية).
إن محاولة تقسيم العراق بأيدي عملاء عراقيين باتت معروفة
وكشف معظم خيوطها، فهل يمكن أن تجر الدول الأخرى بالطريقة
نفسها، ربما يكون طرح الفكرة والخارطة التقسيمية مجدداً
وهو ورقة ضغط على:
1 ـ تركيا: في حالة معارضتها لمشروع الدولة الكردية
في كردستان العراق المقترح خلقها في حال فشل المشروع الأميركي
السياسي والعسكري في العراق لتكون كردستان المكان الآمن
لقواتها في حالة انسحابها.
2 ـ إيران، كتهديد مباشر على تدخلها السافر في العراق
وتجاوزها لخطوط حمر وضعتها الادارة الاميركية لها.
3 ـ السعودية لمنعها من دعم (المتمردين) أو لفيدرالية
شيعية في الجنوب.
4 ـ باكستان: لضمان عدم ترددها بضرب (طالبان) والعناصر
الاسلامية المتشددة وضمان بقائها ضمن المشروع الاميركي.
5 ـ اليمن والأردن، لإغراقهما بحلم التوسع، والأكراد
بحلم خلق دولة جديدة لهم كمكافأة غنية على دعمهم للمشروع
الأميركي هذا هو الحلم الأمريكي، وحلم الانفصاليين والتابعين
والسائرين ضد أحلام ومستقبل شعوبهم.
إن التقسيم والاقتطاع لتشكيل دول جديدة أو توسيع لدول
قديمة لا يمكن أن يمر من دون الاتفاق، وهو أمر مستحيل
لدولة مستقلة ومستقرة ذات كيانات سياسية معترف بها دولياً
بهذا الشكل أو أن تتم بالتقسيم القسري بالشكل الذي ينجز
حالياَ في العراق. وتمنح الإدارة الأميركية الآن سرعة
الأولوية القصوى لإنجاحه، ثم تعميمه على المنطقة كلها.
لقد كان من الضروري للدول المعنية بالتقسيم والاقتطاع
أن تعي أن العراق سيكون الخطوة الأولى. ومن هنا تجيء خطوة
المقاومة العراقية بكل فصائلها على مشاريع الإدارة الأميركية
وحلفائها لا في إفشال الاحتلال نفسه ولكن إنقاذاً للمنطقة
كلها وللعالم من هذا الشر القادم الذي قد يؤدي بنهاية
المطاف إلى إغراق العالم بسلسلة من الحروب قد تنتهي بحرب
مدمرة للبشرية.
المبادرة السعودية.. مقدمة
للتطبيع مع اسرائيل
جهّزت السعودية مبادرة أرادت تمريرها بين نار الحرب
على لبنان، في محاولة لاحتواء مخاطر المشروع الاميركي
الاسرائيلي. السعودية التي كررت تصريحاتها حول العواقب
الوخيمة التي ستنجم عن استمرار الحرب وخروجها عن نطاقها
الاقليمي والحاجة الى مبادرة سياسية للحل، وخصوصاً بعد
أن اخفقت آلة الحرب الصهيونية في كسر إرادة المقاومة اللبنانية،
وفشلها في تحقيق أهدافها من وراء الحرب رغم التدمير الهمجي
للبنية التحتية للبنان، وقتل الابرياء تحت غطاء أميركي
ورسمي عربي. المبادرة جاءت في وقت بدأ الشرخ في جدار التحالف
الدولي الذي وفّر غطاء للعدوان الصهيوني على لبنان، وشعور
الادارة الاميركية بأنها لم تعد قادرة على منح المزيد
من الوقت لاسرائيل لمواصلة عدوانها، وإن إطالة أمد الحرب
له انعكاساته سلبية على الإسرائيليين وقد يدفع الى ضرب
الاستقرار في دول أخرى، ويمنح مزيداً من القوة والدور
والموقف لايران وسوريا.
ذكرت بعض المصادر بأن الادارة الاميركية تميل الى إعطاء
الحكومة السعودية فرصة طرح مبادرة سلام بإسمها، في حال
أخفقت آلة الدمار الاسرائيلية عن تحقيق أهدافها. المبادرة
السعودية يراد طرحها عبر هيئات دولية تتولى تطبيقها وذلك
دعماً للدور السعودي كقوة إقليمية في مواجهة إيران وتنامي
وصلابة حزب الله. وكشفت هذه المصادر بأن بنود المبادرة
السعودية المدعومة أميركياً وأوروبيا تشتمل على:
ـ الوقف الفوري لإطلاق النار بين حزب الله واسرائيل.
ـ الدخول في مفاوضات لعقد صفقة لبتادل الأسرى بين بيروت
وتل أبيب بإشراف رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وبدور
واضح ومشاركة من ألمانيا.
ـ الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا بالتزامن مع نشر
الجيش اللبناني في منطقة الجنوب بأسلحة محددة.
ـ تعهد من الجهات المشاركة ومن سورية أيضاً والحكومة
اللبنانية بوضع حد لسلاح وتسلح حزب الله ووقف التحريض
بين لبنان واسرائيل من خلال طاولة الحوار وبين القوى المؤثرة
في لبنان.
ـ نشر قوات دولية من دول أوروبية بتسلح جيد وأسلحة
ثقيلة ومحطات إنذار وتحت قيادة حلف الناتو.
ـ إقامة صندوق مساعدات مالية لتعمير ودعم لبنان بقيمة
ثلاثة مليارات دولار وقالت المصادر أن الأفكار المطروحة
لا تتضمن إنسحاب عناصر حزب الله من الجنوب، لأن هؤلاء
العناصر هم من أبناء الجنوب الذي هم في الحزب أو يناصرونه
ويتعاطفون معه.
ونوهت المصادر أن هذه الجهود سوف تشهد مفاجآت هامة
قد تشكل تمهيداً لمطلب أميركي إسرائيلي وهو التطبيع العربي
مع اسرائيل حيث تتوقع المصادر حدوث لقاءات بين مسؤولين
سعوديين واسرائيليين، ستقتصر في البداية على لقاء بين
الأمير بندر بن سلطان رئيس مجلس الأمن القومي السعودي
ورئيس مجلس الأمن القومي الاسرائيلي بحضور قيادات من يهود
أمريكا، مؤكدة هذه المصادر على أن الرياض تلقت إشارات
إيجابية من الرئيس الأميركي جورج بوش بشأن اقتراح سعودي
يقضي بتعديل خطة أولمرت. والمبادرة العربية لتوسيع دائرة
الحل للصراع في المنطقة يبدأ تطبيقه ببدء عملية تطبيع
شاملة بين الدول العربية واسرائيل.
هذه المبادرة سقطت، جزئياً على الأقل، بعد مجزرة قانا
فقد أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بأن شروط
التفاوض على أساس تبادل الاسرى قد تبدّلت، وأن المبادرة
السعودية انحسرت بعد أن بدا التنسيق أميركياً ـ اسرائيلياً
على قاعدة شروط قصوى لا يمكن لأي قيادة سياسية عربية القبول
بها. السعودية ستعمل ما في وسعها لثني الادارة الاميركية
عن التفكير في مشروع التقسيم الشرق أوسطي على أن تتقدم
بمبادرة سلام بعد نهاية الحرب الصهيونية على لبنان.
|