إنطلاقاً من السعودية
إحذروا (الفتنة الطائفية الأميركية)
المفكر الإسلامي محمد سليم العوا
|
لم يكن مفاجئاً ذلك الجنوح الطائفي خلال وبعد العدوان
الاسرائيلي على لبنان، خصوصاً بعد صدور البيان السعودي
الاول الذي أُعتبر، الى جانب فتاوى دينية سلفية ومواقف
رسمية عربية أخرى صدرت بدرجة أساسية من مصر والاردن، جزءاً
من الغطاء الدولي للعدوان. ولم يكن مفاجئاً أيضاً تلك
النبرة الطائفية التي انطلقت أول مرة من الولايات المتحدة
في بداية الحرب في الثاني عشر من يوليو، حين توسّل ساسة
أميركيون على رأسهم وزير الخارجية الاميركي الاسبق هنرى
كيسنجر، المسؤول عن كثير من الكوارث السياسية في الشرق
الاوسط، بلغة طائفية لافتة تنطوي على نزعة استخفافية بوعي
الشارع العربي والاسلامي وتحريضاً لبعض الانظمة العربية
على استعمال سلاح الطائفية من أجل خلط الاوراق وتشويه
الغايات النبيلة التي من أجلها دافعت المقاومة اللبنانية
وخلفها الغالبية العظمى من الشعوب العربية والاسلامية
عن مصير لبنان والمنطقة برمتها للحيلولة دون مرور مشروع
الشرق الاوسط الجديد بأهدافه التقسيمية. في ذلك اليوم
بدأت الادارة الاميركية ورجالها يصبغون تصريحاتهم بلغة
بلون آخر، ليحيلون من العدوان على لبنان مفتتحاً لحرب
طائفية سنية شيعية، فجهر كيسنجر بدعوة الحكومات العربية
(السنية!!) لتحمّل مسؤوليتها، ولا ندري أية مسؤولية يراد
منها غير تشغيل الماكينة الطائفية مجدداً، والتي كنا نعتقد
بأن حرب الخليج الاولى قد أكلت رصيدها بالكامل، بعد أن
حقق الأطراف الضالعة في تلك الحرب أهدافها.
وفيما يبدو، فإن التصريحات التي صدرت من قيادات سياسية
عربية خلال عام من الآن مثل الملك الاردن حول الهلال الشيعي،
والرئيس المصري حول ولاء الشيعة لغير اوطانهم، دع عنك
السعودية التي هي متورطة في الطائفية منذ عقود، تشي بدورة
طائفية جديدة سيشهدها الفضاء الثقافي والاعلامي العربي.
الصحف السعودية الكبرى سواء في الخارج مثل الشرق الأوسط،
وفي الداخل مثل الجزيرة والوطن وغيرها أصبحت قنوات نشطة
في هذه الدورة الطائفية، تعكسها مقالات لكتّاب كنا نعتقد
بأنهم أقرب الى قضايا الوطن والأمة واذا بهم يصبحوا عناصر
في اوركسترا طائفية بائسة الالحان، بل نصّبوا من أنفسهم
مفتشي نوايا ومختبري ضمائر فصاروا يوزعون كروت الوطنية
على من يشاؤون ويسحبونها عمّن يكرهون بحسب درجة القرب
والبعد من مواقف السلطة.
ليس من قبيل الصدفة أن تكون القيادات السياسية التي
أطلقت تصريحات طائفية ذات طابع تحريضي هي ذاتها التي تبنيت
مواقف متخاذلة خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان، بل
وحرّضت على المقاومة اللبنانية حين حمّلتها مسؤولية العدوان،
وليتها اكتفت بموقف بني اسرائيل (إذهب أنت وربك فقاتلا
إنا هاهنا قاعدون) ولكن تجاوزت ذلك الى حد أنها أوعزت
وشجّعت على ضرب المقاومة اللبنانية.
وبعد أن سقط المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي في حرب
الثلاث وثلاثين يوماً على لبنان، وأخففت القيادة الاسرائيلية
في تحقيق أهدافها المعلنة والسرية، لجأت الاطراف الضالعة
بصورة مباشرة أو غير مباشرة في العدوان الى إذكاء نيران
الطائفية في محاولة لاستكمال المخطط نفسه عن طريق السياسة،
عبر اولاً التشكيك بانتصار المقاومة اللبنانية، وثانياً
وتبرير المواقف المتخاذلة، والاخطر من ذلك إحداث شرخ عميق
داخل الأمة كيما لا تنعم بوحدة على مستوى الشعوب بعد أن
عجزت الحكومات عن بلوغ ذلك.
وما عجز عنه العدوان الاميركي ـ الاسرائيلي بالقوة
العسكرية يحاول تجريبه بالطائفية السياسية والمذهبية.
يلفت كتاب صدر في منتصف سبتمبر الحالي بعنوان (قوة خطيرة:
الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأميركية) كتبه نعوم
تشومسكي وجيلبير أشقر الى أن (ألورقة الرابحة الوحيدة
في يد واشنطن ستكون النعرات المذهبية والعرقية بين العراقيين
التي تستغلها إدارة بوش على نحو شديد الوقاحة ووفقاً لأكثر
الوصفات الإمبريالية قدماً وهي 'فرق تسدب). ويلفت جيلبير
أشقر الى أن (تأجيج تصاعد التوتر المذهبي في العراق هو
نعمة إلهية في نظر واشنطن)، التي تقتضي مصلحتها تسعير
التوتر المذهبي الى مستوى يمكن السيطرة عليها، كيما لا
تخسر مصالحها النفطية في حال خرجت الحرب الاهلية في العراق
عن حدود السيطرة.
يشير جيلبير الى أسلوب استخدمته سلطات الاحتلال الاميركي
لصبّ الزيت على النار العراقية هو مساعدتها لأحزاب عراقية
دينية مقرّبة من واشنطن ومن السعوديين لتشكيل جناح مسلح
بدأ يلعب دوراً في التوتر المذهبي. وكانت مصادر مطّلعة
ذكرت بأن لقاءات تمت في تركيا بين قيادات دينية عراقية
مع مسؤولين سعوديين قاموا بتسليم مبالغ مالية كبيرة الى
هذه القيادات المتورطة في أعمال عنفي طائفية داخل العراق.
نشير هنا الى ما ذكرته فضائية العراقية في السابع من
سبتمبر أن مجلس الوزراء العراقي قرر اغلاق مكتب قناة العربية
الاخبارية الفضائية في بغداد لمدة شهر اعتبارا من اليوم
(السابع من سبتمبر). ولم يذكر تلفزيون العراقية أسباب
الاغلاق، الا أن مصادر عراقية شبه رسمية ذكرت بأن قناة
العربية التابعة لمجموعة (ام بي سي) والتي تبث من دبي
وتموّلها السلطات السعودية، تنقل أخباراً وتقارير تحرّض
على الفتنة الطائفية.
إن تلك (الخلطة الطائفية) يراد تعميمها على المنطقة
الحيوية في الشرق الاوسط، أي في المنطقة الواقعة بين إيران
شرقاً ومصر غرباً واليمن جنوباً وحتى تركيا شمالاً، على
أساس أن السلاح الطائفي وحده الكفيل بتمرير مشروع الشرق
الاوسط الاميركي. فما يجري في العراق من مواجهات طائفية
مسلّحة يصلح كنموذج يمكن عبره تعطيل أي مشاريع تفاهم أو
تقارب بين شعوب ودول المنطقة.
في موضوع الحرب الاسرائيلية السادسة، والصمود الاسطوري
للمقاومة الاسلامية في جنوب لبنان خرج المارد الطائفي
من قمقمه، وأزيل الغبار عن تراث كان الجميع يعتقد بأنه
أصبح شيئاً من الماضي، فإذا بعملية إعادة إنتاج واسعة
للخطاب الطائفي، تستهدف تطويق التأثيرات الايجابية لانتصار
المقاومة اللبنانية على شعوب المنطقة عموماً، عبر تهييج
الرأي العام المحلي والعربي والاسلامي بكلام طائفي في
سياق حماية المشروع السعودي، الذي يواجه خطر السقوط في
عقر داره، بعد أن تكبّد خسائر فادحة نالت من مصداقيته
وجدارته ونزاهته. هناك حملات منسّقة ومنظمة تديرها الصحافة
المحلية ووسائل الاعلام الرسمية أو المموّلة سعودياً وكذلك
كتيبة الكتّاب المسجّلين في قائمة بيت المال السعودي،
وهي حملات تجعل من المقاومة اللبنانية موضوعاً للنيل من
كرامة أمة بأكملها شهدت الانتصار الحقيقي، وغضبت لمواقف
مهينة ومتخاذلة لحساب المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي الذي
أريد له أن يعبر على أجساد الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ
ومن خلال تدمير كل ما يقف في طريقه حتى لو أتى على لبنان
بأكمله بل والأمة باسرها.
اختارت الادارة الاميركية أن تكون السعودية قاعدة لانطلاق
مشروع الطائفية مجدداً، كونها أكثر الدول تأهيلاً في إدارة
المشروع ولكونها تعتنق أيديولوجية دينية ذات صبغة طائفية،
فضلاً عن كونها الراعية لمذهب السلفية الوهابية الذي يضع
الشيعة في خانة الاعداء العقائديين حيث تبلغ درجة الخصومة
حداً يتجاوز الابعاد الاخلاقية والانسانية، وترى بأن خطر
الشيعة أشد من خطر اليهود، وهو ما يمنح المؤسسة الدينية
الوهابية الرسمية شهادة تقدير أميركية في حمل لواء الطائفية
ولعب دور مركزي في هذا المشروع.
في خطابه بمناسبة هجمات الحادي عشر من سبتمبر تحدث
بوش في الخامس من سبتمبر بخطاب ينضح طائفية حيث قال بأن
التطرف السني لشبكة القاعدة والتطرف الشيعي الذي يتهم
به النظام الايراني يمثلان الخطر نفسه مشيرا الى خطر تضافر
التهديدات الارهابية والنووية. وقال ان الفارق بين المتطرفين
السنة والشيعة الذين يشكلون 'نفس الخطورةب لاميركا، هو
ان الشيعة استولوا على السلطة في ايران.
ومن اللافت في خطاب الرئيس بوش أنه حمّل حزب الله السعودي
مسؤولية تفجيرات الخبر العام 1996 والتي أدت الى مقتل
19 أميركياً، وقال بأن من أسماهم إرهابيي الخبر كانوا
ينسقون مع مسؤولين إيرانيين. وشمل بوش في حملته الطائفية
حزب الله لبنان والرئيس الايراني احمدي نجاد واعتبرهم
أعداء للشعب الاميركي.
الجدير بالذكر، أن السلطات الامنية الكندية كانت قد
سلّمت في نهاية التسعينيات ما يعتقد بكونه أحد عناصر حزب
الله الحجاز هاني الصايغ بتهمة المشاركة والمباشرة في
تفجيرات الخبر الى هيئة التحقيقات الفيدرالية الاميركية
ثم قامت الاخيرة بتسليمه الى السلطات الامنية السعودية
بعد أن تبين برائته، وقد كان ذلك مؤشراً على أن الرواية
السعودية على تورط حزب الله في التفجيرات مهزوزة وتفتقر
الى المعلومات الدقيقة، الأمر الذي أدى الى اطلاق سراح
العديد منهم لاحقاً.
إن إعادة العمل بالرواية الأولية في موضوع تفجيرات
الخبر له دلالة أخرى، كما هو شأن استعمال بوش لمصطلح (الارهاب
الشيعي) ونظيره (الاسلاميين الفاشستيين)، وهي بلا شك تصب
في المحفل الطائفي الذي تقيمه أطراف عدة دولية وعربية.
لم يكن من قبيل الصدفة أن تخرج هذه التصريحات في هذا
الوقت بالذات متزامنة مع اقلاع الخطاب الطائفي من داخل
السعودية وخارجها، يتجند اليه وفيه عدد كبير من الساسة
والكتاب بل وحتى المحسوبين على التيار الليبرالي وبعض
المناوئين للتيار السلفي.
ولم يكن أيضاً من قبيل الصدفة أن يحذر مجلس الوزراء
السعودية في الرابع من سبتمبر من فتنة طائفية تؤدي الى
(تفكيك أوصال الأمة وبذر الشكوك والتفرقة داخلها)، داعيا
القيادات الدينية والسياسية الى (أن تكرس جهدها نحو توحيد
الكلمة والتعايش بين المذاهب وتدعيم الوحدة الوطنية).
وكمن يصدق عليه المثل: رمتني بداءها وانسلّت، فإن التحذير
السعودي يشبه الى حد كبير تلك البيانات العاطفية التي
كان يصدرها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في نعي القيادات
الحزبية التي قضت نحبها في عمليات اغتيال سرية. ينقل أحد
المقرّبين من صدام بأن صدام حسين أصدر بياناً فور إنهاء
فرق الاغتيالات التابعة له مهمة تصفية حردان التكريتي
في الكويت تحدث فيه عن مزاياه وشمائله ودوره في حماية
منجزات الثورة والدفاع عن الوطن، فسأله هل أنت وراء الاغتيال
فقال نعم، فقال إذن لم كتبت البيان، فأجابه: ألم تستوعب
الدرس بعد؟!
في مقال مثير للجدل، يندرج في سياق تنضيج ظروف الفتنة
الطائفية، كتب الدكتور رضوان السيد المقرّب من السعودية
في جريدة الاهرام القاهرية في الثامن من سبتمبر بعنوان
(احتمالات الصراع الشيعي ـ السني في المنطقة العربية).
انطلاقاً من خلفية سياسية معروفة، يفتتح الكاتب مقالته
بأن احتمالات الفتنة بين السنة والشيعة يدلُّ عليها الاصطفاف
الشيعي خلف حزب الله خلال العدوان الاسرائيلي بين 12 يوليو
و14 أغسطس الماضي، حيث تضامن الشيعة العرب في البحرين
والسعودية مع حزب الله، فتظاهرو ودعوا لمقاتلة إسرائيل
الى جانب حزب الله وأدانوا تخاذل الأنظمة العربية. وفي
هذا خطأ كبير ومقصود وبتر فاضح للجزء الآخر من المشهد،
فضلاً عن كونه ينطوي على توهين وإهانة لغالبية الشعوب
العربية والاسلامية التي خرجت الى الشوارع في تظاهرات
غاضبة من المغرب الى أندونيسيا وعبّرت عن تضامنها مع المقاومة
اللبنانية وصمودها في وجه العدوان، كما عبّرت في انتقادات
شديدة اللهجة عن سخطها على الأنظمة العربية وخصوصاً السعودية
ومصر والاردن لمواقفها المتخاذلة والاستسلامية وفي جزء
كبير منها المتواطئة مع العدوان. لم تخرج تلك المظاهرات
بحافز مذهبي أو حتى قومي بل خرجت بحافز ديني وإنساني،
وفي حقيقة الأمر عبّرت عن نقاء فطرتها الدينية وضميرها
الانساني الذي يراد طمسه بفعل الضالعين في المشروع الطائفي
الموجّه هذه المرة باملاءات أميركية ـ اسرائيلية.
رضوان السيد المحسوب على قوى الرابع عشر من شباط (بعد
خروج العماد ميشيل عون منه) حاول استغلال دماء الرئيس
رفيق الحريري في تمرير فايروس الطائفية، بتوصيف منقوص
للاصطفافات السياسية التي تشكّلت عقب اغتيال الرئيس الحريري
من السنة والمسيحيين، والتي واجهتها ـ هكذا يقول ـ (جبهة
مكوّنة من القوتين الشيعيتين الرئيسيتين حزب الله وحركة
أمل، وانضم اليها فيما التيار الوطني الحر بزعامة الجنرال
ميشال عون، وبعض بقايا الاحزاب والشخصيات الموالية لسوريا).
وفي ذلك إشارة واضحة الى أن ثمة فتنة طائفية يقودها الفريق
الثاني المخالف لتوجهات فريق الرابع عشر من شباط الذي
يضم سعد الحريري ووليد جنبلاط وأمين الجميل وسمير جععج،
والذين باتوا يعرفون في الشارع اللبناني بسيمائهم الاميركية.
وينتقل رضوان السيد من موضوع لبنان الى العراق وافغانستان،
بغرض التموقع على خط المحاور الذي يستحوذ على اللهجة السجالية
اللبنانية اليومية، وهي لهجة تستمد عنصر التأسيس من الصراع
الاميركي ـ الايراني. يرمي السيد حجراً في الساحة العربية
لإحدث ضجيج سياسي واعلامي من خلال الحديث عن تدخل ايراني
في افغانستان والعراق بالتعاون ـ والكلام للسيد ـ مع الولايات
المتحدة مستعملة الشيعة الافغان والعراقيين في هذين التدخلين،
فأفادت من ذلك بالتخلص من نظامي طالبان وصدام حسين المعاديين
لها وللشيعة!! ولأنه من غير المتوقع والمعقول أن تتعاون
ايران واسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة مستعملة شيعة
لبنان للتخلص من سلاح المقاومة، فإن السيد أسقط حزب الله
من اللعبة المتخيّلة. إن هذا التصوير الطائفي البالغ في
بساطته لتطورات سياسية بالغة التعقيد يصلح مادة في التأجيج
الطائفي ولكنه لا يصلح البته في تقديم تحليل واقعي لما
حدث في العراق وافغانستان، والذي يندرج في سياق مشروع
أميركي استراتيجي مكتوب ومعد سلفاً.
يذهب السيد في تضخيمه للعامل الشيعي في الجيوبوليتك
الاقليمي، فينحل الشيعة بأفغانستان دوراً لا يقدرون على
الاضطلاع به، بل ويهديهم مكافأة لا يستحقونها حين يقول
(أن الشيعة بأفغانستان يقيمون دويلة شبه مستقلة في الوسط)
وأن انصار ايران ـ الشيعة في العراق استلموا السلطة في
البلاد، وهم أي الشيعة يقاتلون الشيعة الآخرين الذين يعارضون
النفوذين الايراني والأمريكي، ليضيف بعد ذلك اليهم الشيعة
في لبنان كنموذج ثالث للتدخل الايراني من خلال المجموعة
الشيعية بالبلاد، أي حزب الله والهدف من ذلك على حد السيد
هو (إيذاء الولايات المتحدة من طريق إيذاء الكيان الصهيوني
لدفعها للتنازل في الملف النووي)!!
يصعّد السيد من لهجته التي تتسم بالطائفية غير المباشرة،
وكل ذلك وهو يتحدث عن احتمالات الصراع السني ـ الشيعي
وكأنه منافح عن وحدة المسلمين أو أراد تحذير الطرفين من
الوقوع في الفتنة التي بات بمقالته هذه ومقالات أخرى تندرج
في السياق نفسه، أحد مضرميها. يقول الشيعة في لبنان بأنهم
(سعوا حتى الآن لنشر الفوضى أو الاستيلاء على السلطة)
بتحريض من الرئيس السوري بشار الأسد.
رضوان السيد: الإنخراط في المشروع الطائفي
السعودي
|
الملفت في مقالة رضوان السيد أنه في الوقت الذي ينفي
عن الشيعة في لبنان أي تورط في المستنقع الطائفي أو حتى
المستنقع السياسي اللبناني الذي وقع فيه كثير من الساسة
اللبنانيين بما في ذلك موضوع استعمال السلاح في الداخل،
فإن ما ساقه في مقالته يصب في قناة التعبئة الطائفية.
يعترف بأن لا مشكلة شيعية سنية في لبنان وليس هناك سوابق
قتال بين الطرفين، بل هناك سعي من الطرفين الى لجم الطائفية
ووأدها في المهد، إذن لمن يكتب السيد هذه المقالة ولخدمة
أي غايات يسوّق مقالته. قد نفهم موقف السيد، كما هي مواقف
قوى الرابع عشر من شباط، من ايران وسوريا، وتلبية لأجندة
سياسية تطابقت أو في الحد الأدنى انسجمت مع الاجندة الاميركية
ـ الاسرائيلية، ولكن هل يلزم السير في طريق ندرك نهايته
الكارثية؟.
في حقيقة الأمر، أن هذه المقالة تمثّل نموذجاً للخطاب
الطائفي الذي يتفشى في الفضاء الالكتروني، والذي تشرف
عليه وتموّله وتغذيه جهات رسمية أو طائفية سعودية، وهو
بلاشك يمثّل إضافة نوعية في المشروع الطائفي بنكهته الأميركية.
في المقابل، تنبّه عدد من القيادات السياسية والدينية
العربية الى خطورة المخطط الطائفي الذي ترسمه الادارة
الاميركية مع حلفائها في الشرق الاوسط، حيث بات هؤلاء
على قناعة تامة بأن ما يراد حسمه بعد العدوان الاسرائيلي
الفاشل هو الأشد خطورة، بعد أن عجزت آلة الحرب الاسرائيلية
عن تحقيقة بالقوة. ففي مقالة للكاتب المصري الدكتور محمد
السيد سعيد بعنوان (الطائفية.. والقنابل الانشطارية الاخرى)
في صحيفة الاتحاد الاماراتية في السادس من سبتمبر: (إن
الحروب والبدائل الأخرى للحروب لم تعد تحسب على صعيد أي
بلد بعينه. فما يهم الادارة الأميركية ليس بلداً بعينه
أو بذاته وإنما الساحة العربية والشرق أوسطية ككل). وتحدث
عن العامل الطائفي الذي تحاول الادارة الاميركية توظيفه
بعد فشل العدوان الاسرائيلي على لبنان لجهة تعزيز الانقسامات
الداخلية وخصوصاً على المستويين الطائفي والقومي، وقال
ما نصه (لقد نجح الأميركيون في توظيف الطائفية في العراق
بصورة فعالة للغاية، وهم مسرورون أشد السرور لأن 'المقاومةب
تركت قوات الاحتلال وأخذت تركز بصورة شبه أحادية على المجازر
ضد الشيعة، كما تركت الميليشيات الشيعية في العراق قضية
بناء دولة ديمقراطية وصارت تركز بصورة شبه أحادية على
ارتكاب مجازر ضد السُنة، وإذا بالأخوة وأصحاب الدين والوطن
الواحد يقتلون بعضا بعضهم، فيما يشبه جنون الإبادة، تاركين
قضاياهم ومصالحهم الحقيقية. وخلال الأسابيع والشهور القليلة
المقبلة يرجح أن نشهد توظيفاً أوسع بكثير لقنبلة الطائفية
والقنابل الانشطارية الأخرى على اتساع العالم العربي والاسلامي).
كما يشير الكاتب الى ما يدور داخل الفضاء الاليكتروني
من معارك طائفية بصورة مثيرة للفزغ. ويسوق الكاتب مثالاً
من مصر (حيث لا توجد انقسامات طائفية، بل وحيث تعيش ثقافة
دينية تجمع بحساسية وذكاء بين الانتماء السُني وبعض القيم
الشيعية، يثير بعض الناس القضية باسم الاختراق الشيعي
لمصر، وهو أمر مذهل بالفعل. فقد ترك كثيرون الخطر الإسرائيلي
جانباً وذلك لاصطناع خطر وهمي كلية وتغذية المشاعر الشعبية
والتحريض العلنى ضد أخوتهم من المسلمين والعرب الشيعة.
ونسمع أصداء هذه السخافات في بلاد عربية إسلامية كثيرة
اخرى, بل نسمعه بين المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا
وأميركا الشمالية، وهو ما يدلل على الاهتمام الهائل الذي
توليه إسرائيل والادارة الأميركية بإثارة الصراعات المذهبية
والطائفية في العالم العربي والإسلامي, وفيما بين العرب
والمسلمين في كل مكان). ويدعو الكاتب الى (تأسيس تحالف
من أجل تجديد الأخوة الشيعية ـ السُنية وتأكيد وحدة الاسلام
والعروبة وعلاقات الأخاء والمساواة وترابط المصير بين
المنتمين لكل الأديان والقوميات في أرضنا، وفي مواجهة
التوظيف الانتهازي والاجرامي للانقسامات المذهبية والقومية).
من جانبه أحبط المفكر الاسلامي الدكتور محمد سليم العوا
محاولة البعض استغلال تصريحات الشيخ العلامة يوسف القرضاوي
حول ما نسب اليه من كلام عن زعيم حزب الله السيد حسن نصر
اللبناني، وقال بأن عبارة (تعصب) التي استعملها الشيخ
القرضاوي حول السيد نصر الله هي مجرد سبق لسان. وأصدرت
الامانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بياناً
نوّهت فيه بمواقف الشيخ القرضاوي المعروفة مثل (ضرورة
وحدة الأمة، ومن كون إخواننا الشيعة الإمامية فرقة من
فرق المسلمين، ومن كون المذهب الجعفري مذهباً إسلامياً
معتبراً، وهو الموقف القديم لسماحته من هذه المسألة).
وأضاف البيان لقد (عبّر العلامة القرضاوي مرات لا تحصى،
آخرها في لقائه مع قناة دريم، عن تقديره لسماحة السيد
حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، وعن اعتزازه بالصلة
الأخوية التي تربطهما، وعن وقوفه بكل ما يملك الى جوار
المقاومة الاسلامية المشروعة في لبنان، كوقوفه مع المقاومة
الاسلامية المشروعة في فلسطين، وفي غيرها من البلدان المستعمرة
أو المحتلة).
وأكّد الدكتور العوا على موقف الاتحاد العالمي لعلماء
المسلمين، الذي يضم علماء من المذاهب جميعاً، على (ضرورة
وأد أي فتنة بين المسلمين في مهدها، ومن ضرورة التقريب
بين أهل المذاهب الاسلامية وعلمائها وأتباعها، ومن ضرورة
التعاون بين المسلمين كافة فيما اتفقوا عليه وأن يعذر
بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه). وكان الدكتور العوا قد
حذّر في بيان سابق بإسم الاتحاد خلال فترة الحرب من فتاوى
تصدر عن علماء السلفية التي تمثل مواقف التخاذل والتخذيل.
وقد انبرى الدكتور حسن حنفي للرد على الفتاوى الطائفية
إبان العدوان الصهيوني على لبنان، في مقالة بعنوان (الخطر
الأعظم وفتاوى السلطان) نشرت في جريدة الاتحاد الاماراتية
في الثامن من سبتمبر، حيث قال ما نصه (منذ أن فقد بعض
علماء الأمة استقلالهم وأصبحوا موظفين في الدول ومؤسساتها
الدينية مثل دور الإفتاء، فإنهم في الغالب يبررون قرارات
السلطان إلا فيما ندر. هم جزء من جهاز الدولة مثل الجيش
والمجالس النيابية والإعلام والتعليم). ثم تعرّض الى فتاوى
علماء السعودية ضد حزب الله بالقول ما نصه (والفتوى التي
صدرت مثلاً من بعض الفقهاء بتحريم مناصرة 'حزب اللهب فتوى
أراها غير مبررة منهجاً وموضوعاً، قصداً وهدفاً وغاية).
وتابع قائلاً بأن اللازم أن يكون (غرض الفتوى توحيد الأمة،
وتجميع قواها وحشد طاقاتها ضد الغزو والعدوان وليس تفرقتها
إلى سُني وشيعي، 'رافضيب وإباضي، سلفي وعلماني... الخ.
فالموت لا يفرق بين المذاهب والطوائف والديانات. وطالما
سعت الاتجاهات الإصلاحية المعاصرة إلى التقريب بين المذاهب
منذ الشيخ شلتوت، والإمام القُمي، ومجلة (التقريب). وإن
تغليب التناقض الرئيسي بين مصلحة الأمة لا فرق فيها بين
عرب وعجم وترك على التناقض الثانوي والخلافات بين الأقطار
العربية والإسلامية أقرب إلى روح الشرع الذي ينتصر للمظلوم
ضد الظالم).
وشدد الدكتور حنفي على أن (قسمة الوطن في العراق أو
لبنان أو دول الخليج إلى سُنة وشيعة هو وقوع في التصور
الطائفي ومشروع الشرق الأوسط الجديد الأميركي. فالوطن
واحد بصرف النظر عن طوائفه العرقية والمذهبية. والمواطنون
مواطنون بصرف النظر عن أصولهم الطائفية. هكذا قرر مؤتمر
الطائف للمصالحة اللبنانية بعد الحرب الأهلية. حزب الله
ليس شيعياً طائفياً بل يمثل، من وجهة نظر كثيرين، المقاومة
الوطنية اللبنانية. تقاوم فيه كل ألوان الطيف السياسي
الناصري والماركسي والمسيحي والسلفي والعلماني. هويته
وطنية وليست طائفية. كان الشاه شيعياً. وكانت أميركا تريد
إدخاله في حلف إسلامي مع دول سٌنية للدفاع عن المصالح
الأميركية ومحاصرة القومية العربية في مصر وسوريا واليمن
والجزائر. ولم يقل أحد من العلماء إن شاه إيران شيعي).
وختم الدكتور حنفي بتوجيه دعوة مفتوحة الى فقهاء الأمة
من أجل (مراعاة ضمائرهم وإصدار فتاويهم دفاعاً عن مصالح
الأمة وليس لتبرير المواقف السياسية. وعليهم أن يختاروا
بين المصالح العامة والخطر العاجل ومسؤوليتهم عن دماء
الأبرياء، وبين المصالح الخاصة للنظم).
|