وقائع اللقاء السعودي ـ الاسرائيلي
لم يطل أمد التكتم على اللقاء الذي تم في القصر الملكي
الاردني بعمان في سبتمبر الماضي، والذي جمع مسؤولين من
كل من مصر والسعودية وفلسطين والاردن والامارات العربية
المتحدة. كان هذا اللقاء المنتظر مقرراً بعد الحرب الاسرائيلية
على لبنان، وقد وضعت كافة التجهيزات لترتيب اللقاء بعد
مشاورات مكثقة بين كافة الاطراف المعنية.
كان العدوان الاسرائيلي على لبنان في 12 تموز/يوليو
الماضي قد تم تنفيذه في وقت مبكر، فيما كان المخطط كما
كشفت عنه تقارير اعلامية وسياسية أميركية (صحيفة نيويوركر
مثالاً) وأوروبية الى جانب، بالطبع، الاسرائيلية. هذا
العداوان يمثّل باكورة نشاط معسكر جديد يضم أطرافاً عربية:
6+2 (دول مجلس التعاون ومصر والاردن) والولايات المتحدة
واسرائيل وبريطانيا. هؤلاء الاطراف كانوا على قناعة بأن
القوات الاسرائيلية ستنهي مهمتها في لبنان خلال يومين،
ولكن هذه القوات واجهت ممانعة شرسة، فيما كانت الاطراف
الكبرى في هذا المعسكر تستحث بكل ما أوتيت من قوة من أجل
استمرار الحرب، من أجل تنفيذ الحرب القذرة بالنيابة عنهم
كما وصفها الكاتب الاميركي الصهيوني دانييل بايبس، ولم
يكن مستغرباً أن تتصل الحكومة السعودية بالقيادة المصرية
تطلب منها إيصال رسالة للقيادة الاسرائيلية بمواصلة الحرب
ضد حزب الله، ولا تخشى من التكاليف فهي على استعداد لدفع
تعويضات لما سينجم عن ذلك من خسائر طالما أنها ستخلّصها
من عدو مشترك.
كل مجريات العدوان تثبت بالدليل القاطع أن السعودية
كانت حليفاً اسرائيلياً، وأنها فعلت ما فعلت منذ البيان
الفضيحة وحتى اللقاءات السرية والعلنية ومواقفها السياسية
رغم ما أحدثته من صدمة للرأي العام العربي والاسلامي،
واخيراً وليس آخراً التعاون التجاري بينهما والذي ازداد
ثلاثة اضعاف خلال الفترة الاخيرة..هذه وغيرها من أدلة
كانت كفيلة بالكشف عن هوية التحالف الجديد الذي تقوده
رايس تحت مسمى معسكر المعتدلين.
وكما كان مقرراً، فإن لقاءات عريبة ـ اسرائيلية بإشراف
أميركي ستنطلق وتكون مصر والاردن حاضنتين رئيسيتين لهذه
اللقاءات، وهذه اللقاءات لم تكن مفاجئة فقد تسربت اخبارها
خلال أيام العدوان الاسرائيلي على لبنان.
قد تحمّل السعودية قطر بدرجة أساسية مسؤولية التسريب
الذي حصل بعد عقد اللقاء، ولكن تقارير أوروبية وأميركية
نشرت خلال العداون كانت قد تحدثت عن خطة تفصيلية تشتمل
في أحد نقاطها على لقاءات بين مسؤولين اسرائيليين وسعوديين.
تم اللقاء في قصر الملك عبد الله الثاني بعمان في سبتمبر
الماضي، وفيما يلي خلفية وتفاصيل اللقاء:
في الثامن من ايلول الماضي، وصل مسؤول أميركي رفيع
المستوى على عجل الى عمان، وعقد اجتماعاً خاصاً مع الملك
الاردني عبد الله الثاني قبل ان ينتقل الى اسرائيل ومصر
والسعودية والامارات العربية المتحدة، وطلب ترتيب اجتماع
سياسي رفيع المستوى بين هذه الدول مجتمعة لأجل القيام
بما يلزم من خطوات لاحتواء الموقف بعد حرب لبنان، وبعدما
سمع أجوبة سلبية وحذرة من الجانب العربي بعقد اجتماعات
على مستوى سياسي رفيع، نجح في إقناع الجميع بعقد اجتماع
سياسي ـ أمني لتدارس الموقف. ولما جرت الاتصالات تقرر
ان يحدد الاجتماع قبيل سفر الرئيس الفلسطيني محمود عباس
الى الولايات المتحدة الاميركية حيث من المقرر عقد اجتماعات
هناك في الأمم المتحدة وفي العاصمة الاميركية.
وأبلغ المسؤول الاميركي الجانب الفلسطيني بأن اجتماعات
عباس رهن عدة أمور ابرزها عدم تنفيذ الاتفاق مع حركة حماس
على قيام حكومة وحدة وطنية، وتجميد الملف حتى إشعار آخر،
لأن هناك فرصة لتغيير الوضع برمته وان ما حصل في لبنان
يجري العمل عليه لعدم إتاحة الفرصة لمحور الشر الذي تقوده
إيران وسوريا وفيه حزب اله وحماس، لاستثمار نتائج الحرب
لبنانياً وفلسطينياً وسورياً ايضاً. وأفادت التقارير عن
الاجتماعات التي عقدها المسؤول الاميركي عن كلام واضح
ومباشر على ضرورة مبادرة (النظام العربي الرسمي الذي تقوده
غالبية سنية الى القيام بما يلزم من أجل منع تمدد النفوذ
الايراني الذي يبدو انه يتعاظم داخل العراق نفسه).
ووفق الترتيبات المتفق عليها، وصل الى العقبة الرئيس
الفلسطيني محمود عباس برفقة مدير مخابراته توفيق الطيراوي
ليجد الملك عبد الله الثاني ومعه رئيس مخابراته اللواء
محمد الذهبي ومدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان
ورئيس جهاز الأمن الداخلي في اسرائيل (الشين بيت) يوفال
ديسكن. أما المفاجأة فكانت حضور رئيس المخابرات في دولة
الامارات العربية المتحدة هزاع بن زايد ورئيس مجلس الأمن
القومي السعودي الامير بندر بن سلطان. ولم يتأكد حضور
رئيس المخابرات السعودية الامير مقرن بن عبد العزيز.
وبعد مداخلة للملك الاردني عن الوضع في المنطقة قال
بلغة حاسمة ان المطلوب الآن مواجهة التحالف الذي يجمع
إيران وسوريا وحماس وحزب الله، وإن المسرح الآن هو الساحة
الفلسطينية، ولا بد من خطوات سريعة في هذا المجال.
ووجد المجتمعون أن ما حصل في لبنان لا يبعث كثيراً
على التشاؤم وأن معلومات المخابرات الاردنية والمصرية
تقول ان التطورات السياسية داخل لبنان تقود الى محاصرة
حزب الله وحلفاء سوريا، وان القوات الدولية التي ذهبت
الى الجنوب اللبناني تتمتع بعقلية من قلب (دول الناتو)
وهي ليست مكلفة بمهمة مراقبة فقط بل لديها القدرة مع الوقت
على أن تقوم بعمل اكبر من شـأنه محاصرة حزب الله ومنعه
من القيام بعمل يؤثر على الوضع الأمني في المنطقة أو يترك
انعكاسات على بقية المنطقة، وان مهمتها بمنع وصول الإمدادات
الى حزب الله سوف تتعزز يوماً بعد يوم وان في لبنان قوى
(تساعدنا على ذلك).
وجرى التركيز في الاجتماع على سبل تعزيز التعاون بين
جميع الدول المشاركة فيه على مواجهة (الارهاب المتنامي)
الذي يعمل في كل هذه الدول والذي بات يتقاطع في المصالح
وفي الاهداف. وقد وعد الجانب السعودي كما الاماراتي باتخاذ
كل ما يلزم من إجراءات لمنع وصول الاموال الى هذه المجموعات
في كل العالم وفي اتخاذ ما يلزم من خطوات سياسية في مجال
تعزيز وضع كل الحكومات والقوى المؤيدة لهذا التوجه في
كل الدول العربية.
أما في شأن الملف الفلسطيني فإن العنوان الرئيسي يتصل
بالوضع الحكومي، حيث تولى محمد الذهبي الحديث عن ضرورة
وقف الرئيس الفلسطيني لمحادثات تأليف الحكومة مع حماس.
وذلك قبل ان يذهب الى الولايات المتحدة الاميركية، وأن
يكون هناك بحث في آليات لإسقاط الحكومة، واعداً بوضع دراسة
قانونية عن إمكان قدرة عباس على إطاحتها. وتولى وزير أردني
سابق هو هشام التل وضع دراسة قانونية انتهت بعد وقت الى
القول إنه لا يمكن لعباس حل المجلس التشريعي كما ليس هناك
ضمانة بأنه إذا سقطت الحكومة يصار الى تأمين غالبية تغطي
تأليف حكومة جديدة، وان الحل يكون بحكومة طوارئ تحتاج
الى توفير مناخاتها. وانتهى الاجتماع الى تنبيه عباس بضرورة
ان يعلن فشل المفاوضات مع حماس قبل وصوله الى الولايات
المتحدة الاميركية حتى لا يقال ان واشنطن هي وراء الموقف،
بينما يصار الى درس الخطوات العملية تفصيلاً في وقت لاحق،
التي تلخصت في تقرير لاحق بالعمل على إنشاء حكومة طوارئ
تتولى إدارة البلاد وفق القانون الفلسطيني لثلاثين يوماً
قبل ان يبدأ البحث عن حكومة بديلة، وأن يصار خلال هذا
الشهر إلى ترتيب الوضع السياسي والميداني في مناطق الضفة
وغزة بما يتناسب وخطة إبعاد حماس نهائياً عن السلطة.
ولما حصل نقاش حول صعوبة إبعاد حماس بصورة نهائية،
سمع عباس كلاماً واضحاً بأن المجتمع الدولي لن يقبل تحت
أي ظرف من الظروف مفاوضة حماس إذا لم تعترف صراحة بإسرائيل،
وانه بدل التمسك بوثيقة الاسرى يجب العودة الى برنامج
منظمة التحرير وإلزام حماس القبول بكل الاتفاقات الموقعة
مع اسرائيل من جهة والإقرار أولاً بالمبادرة العربية التي
أقرت في قمة بيروت والتي تقود الى الاعتراف بورقة اللجنة
الرباعية. ووعد عمر سليمان بأن يتولى إيصال الرسالة الى
حماس في أسرع وقت ممكن.
في ملف الجندي، كان عباس حريصاً على امرين، الاول وقف
التفاوض مع قيادة حماس في الخارج وإجبار قيادة حماس في
الداخل على تولي المهمة بعدما كان رئيس الوزراء الفلسطيني
اسماعيل هنية يكرر على مسامع عباس أن ملف الجندي ليس من
اختصاصه، وأن هناك محادثات سابقة اشارت الى ان الامر يتعلق
بقيادة عسكرية لحماس في الداخل او برئاسة المكتب السياسي
في دمشق. وبعدما تبيّن من المندوب الاسرائيلي أنه ليس
هناك تفويض كامل لتركيا او النروج، عرض عباس بطلب من سليمان
أن تقر اسرائيل بأن تكون مصر هي قناة التفاوض الوحيدة،
وأن يصار الى تقديم تنازلات من جانب اسرائيل في مجال اطلاق
سراح المعتقلين الفلسطينيين. ووعد المسؤول الامني الاسرائيلي
بأن يحسم هذا الامر على عجل وأن يحصر التفاوض الإجرائي
بين حكومته وبين رئاسة السلطة الفلسطينية ووعد بتقديم
عرض للجانب المصري خلال ايام قليلة.
وفي وقت لاحق، بعث سليمان رسالة الى قيادة حماس طلب
فيها استئناف الاتصالات التي سبق ان توقفت قبل مدة بسبب
رفض الحركة اطلاق سراح الجندي والأخذ بتوصيات القيادة
المصرية في ما خص الملف السياسي. وقام وفد من الحركة بزيارة
الى مصر وجرى خلال الاجتماع البحث في أمور كثيرة تضمنت
ايضاً العلاقات بين الحركة ومصر، وقدم سليمان لوفد حماس
الاقتراحات العملية في شأن الجندي الاسرائيلي الأسير،
وهي تقول بضرورة الافراج عنه مقابل إطلاق سراح بعض المعتقلين
على ان تتعهد اسرائيل بإطلاق آخرين من خلال السلطة الفلسطينية
في وقت لاحق. وقال لهم (خلصونا هاتوا الجندي ولنقفل هذا
الملف). وبعث رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل رسالة
خطية الى سليمان بتاريخ 23/9 الماضي، طلب فيها دعم مصر
لجهود تشكيل الحكومة الوطنية على قاعدة وثيقة الاسرى مع
ملاحظات على ملف الجندي الاسرائيلي تركز على رفض القناة
المحصورة برئيس الحكومة الاسرائيلية إيهود اولمرت والرئيس
عباس. ورد سليمان على مشعل برسالة خطية في 26/9 أكد فيها
الحرص على السلام العادل وأن هناك شروطاً يجب ان تتوافر
لتأمين دعم المجتمع الدولي. وقال سليمان في رسالته: ان
موضوع الجندي المختطف ليس أمراً مهماً بالنسبة إلينا ولكن
اسرائيل هي التي تشترط الافراج عنه قبل اي تفاوض سياسي
او غير سياسي وأنه ليس لدينا أي عرض آخر في شأن (الجندي
المختطف) كما يصفه سليمان.
وتبيّن في وقت لاحق أن سليمان أطلع الجانبين الاميركي
والاسرائيلي على مضمون هذه الرسالة. وحصل ضغط من الجانب
الفلسطيني بضرورة عدم العودة الى التفاوض مع خالد مشعل
في دمشق. فعمد المصريون الى طلب اجتماع عاجل مع قيادة
حماس في غزة وقدموا لها عرضاً تبيّن أنه مختلف عن العرض
المرسل الى مشعل، وفيه ان يتم تسليم الجندي الى المصريين
في غزة وعبرهم الى السلطة او الى اسرائيل التي تفرج في
المقابل عن عدد من الأسيرات وعدد من المعتقلين من الفتيان
(تقل أعمارهم عن 16 سنة)، وأن يصار في وقت لاحق الى إعداد
قائمة تطلقها إسرائيل بالتوافق مع عباس. وفي وقت لاحق
بعثت قيادة حماس للجانب المصري أن العرض الذي قدِّم في
غزة أبطل ما سبقه وأن الأجوبة تصل في وقت لاحق.
|