السعودية والعودة الى الأحلاف الغربية بلباس جديد
هلال أم بدر شيعي؟ حلفٌ سياسيُّ أم أيديلوجي؟
زيارة وزيرة الخارجية الأميركية رايس الى المنطقة الشهر
الماضي، كانت بمثابة إطلاق لحلف جديد، أُطلق عليه حلف
(المعتدلين) العرب.
من حلف بغداد البريطاني في الخمسينيات لمواجهة المدّ
الثوري الناصري، الى الحلف الإسلامي الأميركي في الستينيات
برعاية واشنطن لمحاصرة الشيوعية ومنع تقدّمها والذي كان
محوره الفاعل الملك فيصل وقيادتا الباكستان وإيران.. الى
محاولات تشكيل حلف ضد الخطر الإسلامي لم يكتب له النجاح
بعيد انتهاء الحرب الباردة، الى قيام حلف جديد بعناصره
القديمة وغطائه الأميركي لمكافحة الإرهاب (الإسلامي) وتركيع
القوى الممانعة لأميركا وإسرائيل.
عادت أميركا من جديد تطلب ودّ حلفائها العرب. تخلّت
مقابل ذلك عن مشاريعها (الديمقراطية) وحقوقها الإنسانية،
وشعاراتها الأخرى. بعيد أحداث 9/11 كانت السعودية كما
مصر مستهدفة من أميركا. اليوم ثبت أن أميركا لا غنى لها
عن حلفائها، كما لا غنى لحلفائها عنها. هل يمكن أن تفرق
الديمقراطية الأميركية بين الأحباب وأصحاب المصالح؟
حلف مقابل من؟
هل هو حلف (معتدلين) مقابل (ثوريين). حلف عقلانيين
ـ كما يقول السعوديون وإعلامهم ـ يريد حفظ الوطن العربي
من شرور المغامرة والمغامرين ومن التشرذم وتحصيل أدنى
حقوقه، مقابل حلف مغامر يضحي بكل شيء ولا يدرك العواقب؟.
هل هو حلف بين أيديولوجيات مختلفة، يمين ويسار مثلاً،
إسلام ونصرانية، رأسمالية معولمة وإسلام ناهض؟ لا نرى
أثراً للأيديولوجيا حتى الآن بمعناها الدقيق. أي أن حلف
العرب المعتدلين لا تعلوه طبقة أيديولوجيا واضحة كتلك
التي كانت بين الشيوعية والرأسمالية، أو بين الشيوعية
والإسلام.
فالتحالف لماذا أصلاً، وعلى أية قواعد، ولتحقيق أية
أهداف؟
من هو العدو؟ ومن هو الصديق؟ ولماذا؟ تكاد الأمور تختلط
بشكل يجعل الحليم حيراناً.
هل ما نشهده مجرد تنازع مصالح بين قوى إقليمية بارتباطات
دولية: إيران وسوريا من جانب، ومصر والسعودية من جانب
آخر؟ ما هي هذه المصالح ومناطق النفوذ التي يراد اختلاق
معركة من أجلها، وتأتي رايس من وراء البحار لتمنحها الشرعية؟
هل هي مسألة دفاع عن الذات؟ من الذي يهدد أنظمة الإعتدال؟
إيران وسوريا، أم إسرائيل وأميركا؟ السلاح النووي الإيراني
الذي لم ينتج بعد وهو في رحم الغيب، أم القنابل النووية
الإسرائيلية التي يعلم الجميع بوجودها ولا يريد أن يتحدث
(المعتدلون) عنها وعن أخطارها؟
هل الدفاع عن الذات يعود الى فشل أنظمة (الإعتدال)
الحليفة لأميركا داخلياً وإقليمياً، مقابل منافسة إيرانية
سورية بالتعاضد مع حماس وحزب الله، بحيث استطاع هؤلاء
استقطاب عقل وعاطفة الشارع العربي، فأفقد المعتدلين شرعيتهم
وأحرجهم بين شعوبهم؟ وما الذي يمنع أنظمة الإعتدال من
ممارسة ذات السياسة بدل لعن الظلام؟ لماذا لم ينقدوا أنفسهم
على فشلهم الداخلي والإقليمي، ولماذا لم يعدلوا من سياساتهم
غير المرغوب فيها، بدل مهاجمة الآخرين؟
هل حلف الإعتدال، ومقابله حلف المغامرين، يعتبران المسألة
صراعاً طائفياً أم اختلافاً سياسياً (في الرؤية والمواقف
السياسية)؟ بمعنى آخر: هل نحن بإزاء حلف شيعي يمتدّ من
طهران وينتهي بحماس في فلسطين سبق وأن نظّر له الوهابيون
والتقطه مبارك وعبدالله الثاني، مقابل حلف أهل السنّة
والجماعة ممثلاً بآل سعود ومبارك وعبدالله الثاني؟ وكيف
يكون كذلك وسورية سنيّة، وحماس سنيّة؟!
أما إذا كان الصراع سياسياً، فلماذا ترفع اليافطة المذهبية،
ولمصلحة من؟ ولماذا لا يعتبر حلف (الإعتدال) إن كان يرى
المسألة من زاوية الطائفية ـ لماذا لا يعتبر العراق جزءً
من ذلك الهلال الشيعي؟ هل لأن واشنطن هي الحاكم بأمر العراق؟
ألا يعيدهم هذا الى القائلين بسياسية التحالفات والمحاور،
الأمر الذي جعلهم يستثنون العراق، لأن أجندة حلف المعتدلين
قائمة على تحديد العدو وفق الأجندة الأميركية، وليس وفق
الأجندة الطائفية، والعراق لا يدخل ضمنها بالطبع؟
حلف المعتدلين عيونه على طهران ودمشق، وعين حلف (الهلال
الشيعي المزعوم!) مركزة على أميركا وإسرائيل! مفارقة أليس
كذلك؟
حلف المعتدلين يضمّ شراذم العجزة في السن، يعلوهم العجز
في الفكر، والبطء في التدبير والتفكير والممارسة. وحلف
المغامرين، يحكمه ويقوده الشباب، برؤى بعيدة عن الماضي،
وبعزيمة وزخم كبيرين، ويكسب في كل يومٍ أرضاً وعقلاً وقلباً.
حلف المعتدلين في حالة دفاع، وخصمه المغامر في حال
هجوم ومقاومة دائمين، أليس من طبع المغامر (التهوّر والهجوم)
كما يقول لنا المعتدلون؟
وحلف المعتدلين صناعة خارجية، والمغامرين صناعة محلية.
حلف المعتدلين منسجم مع الخارج الأميركي والإسرائيلي،
والمغامر، منسجم مع عواطف وتطلعات شعوبه. حلف المعتدلين
أداة في مشروع، وحلف المغامرين له مشروعه الخاص به من
صناعته وعلى مقاسه ووفق إمكاناته الذاتية. وحلف المعتدلين
متهالك الخطاب والأهداف، أثبت فشله في الماضي ويصرّ عليه
في الحاضر، في حين أن حلف المغامرين يمتلك خطاباً أكثر
إقناعاً للشارع وجاء على أنقاض خطاب الإعتدال، وهو يوماً
بعد آخر يدعّم رصيده ومصداقية خطابه ويعدّله بين الحين
والآخر.
بعد هذا.. ألا نعرف الطريق الذي سيسلكه المعتدلون والمغامرون،
والى أين سيكون مصيرهما.. من الذي سيفشل ومن الذي سيربح؟!
|