د ولـة الـكـذ ب
إذا كان هناك شخصية تعكس صفة دولة، فهو ولي عهد بلادنا
الامير سلطان، الذي ينظر اليه على أنه النسخة الثانية
لشقيقه الملك فهد، الذي قضى شطراً كبيراً من حياته في
الليالي الحمراء السرّية، وصاحب نزعة تتسم بالشراهة لاقتناء
أقصى ما تصل اليه يده من أموال وعقارات، ويرى بأن ذلك
حق مشروع له ليس لأنه ينتمي لعائلة آل سعود التي يتعتنق
أفرادها عقيدة تقوم على جعل مال الله دولا وعباده خولا،
ولكن أيضاً لاعتقاده بأنه يجني ثمرة ذكاءه الفريد، وعليه
(من له حيلة فليحتال). لقد بلغنا (ونتمنى الا يصدق هذا
البلاغ رأفة بنا وبعباد الرحمن) أن الامير سلطان وضع هدفاً
عالياً بأن يكسر الرقم القياسي لثروة أخيه فهد (سابع أغنى
رجل في التاريخ البشري).
للتعرف على شخصيته نبدأ بالقول: أن الامير سلطان ينظر
الى السلطة بوصفها امتيازاً يحيلها إثرة ومقتنى محتكراً،
وله في ذلك طريقة فريدة في التعبير عن هذه النظرة، الظاهر
منها للعيان هو ما تعكسه نشرات الاخبار في القنوات الرسمية.
ففي هذا البلد، بخلاف بلدان العالم أجمع، تخرج وفود رسمية
ضخمة من كبار وصغار الامراء والمسؤولين لوداع الملك أو
الأمراء الكبار واستقبالهم في الرحلات الداخلية. تصوّروا
كم عدد الساعات والاموال والطاقات التي تستنزف في عمليات
بروتوكولوية غير معمول بها في كل دول العالم..وحده الأمير
سلطان الذي يبرع في تصميم هذه البروتوكولات بطريقة تفوق
مراسيم استقبال ووداع الملك نفسه.
وحده الوارث لتقاليد وعادات مبتدعة من شقيقه الملك
فهد، ومنها عادة (تقبيل الأيدي)، والتي تنم عن ميل متفجر
نحو إهانة الغير. يتعمد مدّ كفه لمن يستقبله أو يودعه
حتى يهوي عليها تقبيلاً ولثماً، ولا يجد ضيراً في رفعها
قليلاً في عملية تحريض نفسي وإيحائي كيما يستجيب المستقبل
له والمودّع.
له استقبال يفوق كل مراسيم الاستقبال الخاصة بالملوك
والرؤساء، من حيث العدد والترتيبات والاجراءات والمواكب
المرافقة والمودّعة، وله مساحة متميزة في نشرات الاخبار
تبعث الضجر لدى حتى مقدّم النشرة، لكثرة ما تحمل من عبارات
مملة.
بارع في فن التكاذب، وله مدرسة خاصة في ذلك لا يتخرّج
منها الا الراسخون في الكذب، وقد بلغ في اتقان هذا الفن
أنه قدم ذات مرة الى مطار الرياض لاستقبال ولي العهد الأمير
عبد الله (الملك الحالي)، فلمح من بعيد أبناء الملك فيصل،
فبدت عليه سمات الماقت لملاقاتهم. وهنا مفارقة: الامير
سلطان هو الموكل بجائزة الملك فيصل المشهورة، وفي العلن
هو الأقرب الى عائلة الملك فيصل، ولكن يعلم الله كم يحمل
هذا الرجل من كره لأولاد فيصل. على أية حال، سأل الامير
سلطان مدير المطار: ما خبر هؤلاء؟ فقال له: بأنه جاءوا
لاستقبال أخيهم الامير عبد الله الفيصل، فعقّب سلطان بالقول:
افتح لي مكتبك، ولا تطلع هؤلاء على خبر وصولي الى المطار.
وشاءت الاقدار أن يتأخر موعد وصول طائرة الامير عبد
الله الفيصل قليلاً، ولأن أبناء فيصل عرفوا بأن الأمير
عبد الله (الملك الحالي) على وشك أن تهبط طائرته في المطار،
فلم يكن من اللائق عائلياً واخلاقياً أن يغادروا المطار
قبل السلام على سموه. الامير سلطان الذي طلب من مدير المطار
ابلاغه قبيل موعد وصول الطائرة بعشر دقائق، خرج لاستقبال
الامير عبد الله (الملك الحالي) واذا به أمام خصومه، أبناء
فيصل، وهنا بدأت مراسيم حفلة تكاذب عجيبة، وضع لبنتها
الاولى سموه الكريم بأن سأل الامير سلطان عن احوال ابناء
فيصل وعن سبب مجيئهم فقالوا له إنهم جاءوا لاستقبال الامير
عبد الله الفيصل، فهاج الأمير افتعالاً ووجه غضباً مفبركاً
لمدير المطار مخاطباً اياه: عبد الله الفيصل جاي ياكلب
وما تخبرني؟!. واستمرت حفلة التكاذب هذه عدة دقائق فيما
يدرك الطرفان أنهم يتكاذبان بصورة راقية، فكل طرف يعلم
سلفاً بأنه يكذب ويعلم بأن صاحبه يكذب ويعلم صاحبه بأنه
يعلم بأن صاحبه يكذب.
تصوّروا أن هذا الرجل نفسه الذي يتقن الكذب مع المقرّبين
منه، كيف يخوض غمار الكذب على الرأي العام المحلي والعالمي.
للانصاف فحسب، أن الشائع في هذه البلاد هو أن تصريحات
الامير سلطان لا تحمل على محمل الجد، فهي تشتمل على كل
شيء الا الحقيقة، وأنها تقترب الى الاستعراض الخالي من
التزامات ووعود. فحين يسئل الامير سلطان (في الحادي عشر
من أكتوبر) عن: النظام القضائي الجديد، يقول بأنه (في
طريقه للتنفيذ لكن التنفيذ يجب أن يمضي مع ما رسم له)،
وحول تطوير برنامج التعليم (وهو رئيس اللجنة العليا للاصلاح
الاداري!!) أجاب: أن مناهج التعليم تحت الدراسة. وعن جهود
المملكة لاعادة الاستقرار في لبنان والعراق، يجيب (صاروخاً):
أن الملك عبد الله بن عبد العزيز بذل مجهوداً لا يتصوره
عقل بشر!!، وعن اللقاء بين مسؤولين سعوديين واسرائيليين،
أجاب: (من المضحك أن نسمع أن سعوديا اجتمع بإسرائيلي فيما
بالك بالقيادة السعودية)، دع عنك ما قاله في شؤون أخرى
خارجية مثل اليمن والعراق وفلسطين وكلها تحظى بجرعات كذب
مكثّفة.
لاحظوا أن تصريحات الامير سلطان وهي جزء من عبقرية
الكذب تنطوي على خاصيتين: التعميم والتبديد، فهو في الاولى
يفتح أفق الاجابات على مداها الاقصى، وفي الثانية يغلق
أفق المحتمل الزمكاني. وهاتان الخاصيتان في تصريحات الامير
سلطان تمثل منهجاً لديه في التعامل مع كافة القضايا، وتصورا
أحبائي لو أن هذا الرجل اعتلى العرش فماذا سيكون حال الدولة،
أليس الكذب من أبرز أوسمتها!!
|