المشروع الأميركي بعد الحرب على لبنان
مصير الهرولة السعودية
في تقييم للعدوان الاسرائيلي على لبنان، وحرب الإثنين
والثلاثين يوماً التي خاضتها الدولة العبرية مع المقاومة
اللبنانية الممثلة في حزب الله، كتب ألاستير كروك ومارك
بيري ثلاث حلقات تحت عنوان (كيف هزم حزب الله اسرائيل؟)،
وسلّط الضوء على ثلاث أوجه للحرب التي حقق فيها حزب الله
انتصاراً: الحرب الاستخبارية، والحرب العسكرية، وأخيراً
الحرب السياسية.
ألاستير كروك ومارك بيري هما مديرا منبر النزاعات،
وهي جماعة في لندن متخصصة بتقديم رؤية حول الإسلام السياسي.
وكروك هو مستشار سابق في موضوع الشرق الأوسط لخافيير سولانا
ممثل الاتحاد الاوربي، وكان عضواً في هيئة ميتشل للتحقيق
في أسباب الإنتفاضة الثانية. أما بيري فهو مستشار سياسي
في واشنطن، ومؤلف لستة كتب عن تاريخ الولايات المتحدة
ومستشار شخصي سابق لياسر عرفات.
ويهمنا هنا أن نستعرض بعض النقاط التي أثارها الكاتبان
في بحث تفصيلي عن الحرب الاسرائيلية على لبنان وفيما يتصل
بالحرب السياسية بوجه خاص، كونها تعطي مؤشراً على تداعيات
ما بعد الحرب.
تحدث كروك وبيري عن الاستطلاع الذي أجرى في مصر حول
الشخصيات السياسية الأكثر شعبية فحصل السيد حسن نصر الله
على المرتبة الأولى فيما حصل الرئيس الإيراني محمد أحمدي
نجاد على المرتبة الثانية. ويعلق كروك وبيري بالقول أن
هذا الاستطلاع كان استنكاراً واضحاً ليس فقط على الرئيس
المصري حسني مبارك، الذي أبدى وجهات نظر ضد حزب الله في
بداية الحرب، ولكن على القيادات السنية، بما فيها الملك
السعودي عبد الله وملك الأردن عبد الله الثاني، الذي انتقد
الجماعة الشيعية في محاولة يائسة لابعاد العالم السني
عن دعم إيران.
وبحسب دبلوماسي أميركي من المنطقة (مع نهاية الحرب،
فإن هؤلاء الأشخاص كانوا يسارعون بحثاً عن مخارج) وتساءل
ـ أي الدبلوماسي (لم تسمع منهم شيئاً كثيراً مؤخراً، هل
سمعت أنت؟).
ويضيف كروك وبيري (لم يكن مبارك وعبد الله وعبد الله
الثاني وحدهم الذي كانوا يحثّون الخطى بحثاً عن مخارج،
ولكن السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، وخصوصاً
في ضوء زيادة ارسال الجنود الى العراق، هي في حالة تخبّط.
وهذا يعني أن كل الأبواب قد أوصدت أمامنا، في القاهرة،
وفي عمان، وفي السعودية) بحسب دبلوماسي آخر الذي قال بأن
نفوذنا قد تضاءل، لا أحد سيرانا، وحين نتصل لا أحد يرفع
سماعة الهاتف.
لم يكن هناك مخرج طوارىء للسعودية، كما هو شأن حكومات
عربية أخرى فضلاً عن الادارة الاميركية، إلا بإعادة تفعيل
الحديث عن مبادرة السلام في الشرق الاوسط. فبعد أن تحطّمت
صورة الإدارة الاميركية في الشرق الأوسط في العدوان الاسرائيلي
على لبنان، حاولت استعادة موقعها عن طريق دعم خطة سلام
اسرائيلية فلسطينية، ولكن هذه الخطة لم تقدّم أية مؤشرات
على نجاح هذه المحاولة، بل أن إعلان الدولة العبرية الحرب
الشاملة على قطاع غزة منذ بداية شهر نوفمبر قد يجعل معسكر
المعتدلين على الطريقة الأميركية في حرج بالغ، وستثبت
النتائج بأن ما حصل خلال العداوان الاسرائيلي على لبنان
بأن الشارع العربي يتجه على عكس إتجاه حكوماته، وأن القيادات
السياسية في معسكر المعتدلين باتوا بلا مصداقية ومشروعية.
لقد أكّدت الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان مركزية
القضية الفلسطينية والدور الانهزامي للحكومات العربية
الكبرى. فقد كشف انتصار حزب الله لشعوب العالم الاسلامي،
على حد كروك وبيري، بأن الاستراتيجية المعمول بها من قبل
الحكومات العربية والاسلامية الحليفة للغرب، أي إستراتيجية
إرضاء المصالح الأميركية على أمل الحصول على مردودات سياسية
هامة (أي الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وسعر عادل لمصادر
الطاقة الشرق أوسطية، وعدم التدخل في التركيبات السياسية
للمنطقة، وانتخابات عادلة ومفتوحة) لم ولن تنجح. فقد قدّم
حزب الله نموذجاً آخر مختلفاً، عن طريق تمزيق الهيمنة
الأميركية وتدمير صورتها في المنطقة. وهكذا أظهرت المقاومتان
اللبنانية والفلسطينية بأن خيارهما أنجع في تلبية المطالب
الشعبية وتحقيقها، ما ترك تأثيراً كارثياً على حلفاء أميركا
في المنطقة.
لابد أن القيادة السعودية لحظت ما نجم عن موقفها خلال
العدوان الاسرائيلي على لبنان، وما حققه حزب الله وقيادته
من شعبية واسعة على مساحتي الوطن العربي والاسلامي، ما
دفع بها للبحث عن فرص من أجل وقف عملية التآكل في صورتها
في المنطقة، الأمر الذي دفع بسفير السعودية في لبنان السيد
عبد العزيز خوجه للتحرّك العاجل والفاعل من أجل إعادة
ترميم صورة الدولة السعودية. وكان إصرار الأخيرة على عقد
لقاء مع قيادة حزب الله بأية وسيلة ممكنة محاولة لإنقاذ
ماء الوجه ليس في لبنان فحسب، بل وعلى الساحتين العربية
والاسلامية.
نشير الى ما ذكره كروك وبيري الى أن نتائج الحرب الاسرائيلية
على لبنان أوقفت الهرولة السعودية نحو الخيار الاميركي،
حيث أن قرار الادارة الاميركية بفرض عقوبات على ايران
لن يلقى ترحيباً سعودياً فضلاً عن أن اللجوء الى الخيار
العسكري سيكون مرفوضاً من القيادة السعودية، التي تدرك
بأن هذا الخيار قد يفضي الى إطاحة النظام السياسي في السعودية
ومصر والإردن. يقول كروك وبيري ذلك بالاستناد الى معطيات
مستخلصة من يوميات العداون الاسرائيلي على لبنان حيث تساءل
قادة أحزاب إسلامية في عدد من الدول العربية عن قدرتهم
في السيطرة على حركاتهم، أو أن عملاً سياسياً قد يتطور
الى أعمال ثورية.
|