ومن كتبت عليه خطى أميركية مشاها!
محطات ومشاهد انهيار نفوذ السعودية وتراجع سياستها
الخارجية
ابتداءً نقول (انهيار) نفوذ السعودية وليس (تراجعه)
لأن سقوط النفوذ السعودي وإن بدا بشكل تدرجي في مدد زمنية
متطاولة زادت عن العقدين، إلا أن توصيف (مرحلة) التراجع
في الوقت الحالي في تلك العملية التدرجية بلغت مشهد الإنهيار.
يكفي أن ننظر الى دور السعودية كلاعب سياسي في محيطها
الإقليمي الخليجي، العربي، الإسلامي والدولي لندرك أن
السياسة الخارجية السعودية بلغت الحدّ الأدنى لتسافلها
منذ أن تأسست السعودية كدولة في الثلاثينيات الميلادية.
من بقي حليفاً للسعودية ضمن الدوائر التي ذكرناها آنفاً؟
ما هي القضايا والملفات التي تضطلع بها السياسة الخارجية
السعودية وتتميز بها في الوقت الحاضر؟
من هم اللاعبون المؤثرون في صناعة أحداث الشرق الأوسط
والعالمين العربي والإسلامي، وأين موقع السعودية منهم؟
هل هي لاعب من ضمن لاعبين؟ هل هي لاعب متميز ورئيسي،
أم مجرد كومبارس؟
ما هي الإنجازات التي حققتها السياسة الخارجية السعودية
خلال عقد من الزمن مثلاً؟
بل نصل الى حدّ أن نسأل: هل هناك شيء إسمه سياسة خارجية
سعودية، يمكن للمراقب أن يتلمّس خطوطها العريضة، ويرى
فعلاً سعودياً منهجياً باتجاه تحقيقها؟
لو ابتدأنا بالسؤال الأخير، فإن من المشكوك فيه أن
هناك سياسة خارجية سعودية واضحة، في معظم القضايا التي
تشغل المنطقة والسعودية نفسها، اللهم عدا مسألة واحدة
شديدة الوضوح ويجري العمل عليها بجهد غير مسبوق وتتعلق
ببث الروح في الحلف السعودي ـ الأميركي، والحلف السعودي
الغربي بشكل عام، وبذل الجهد الفائق لتجاوز تداعيات 11
سبتمبر. في غير هذا الشأن تبدو الأمور وكأنه لا توجد قضية
تشغل بال المسؤولين السعوديين، بما فيها القضية العراقية
التي يقترب حريقها من الثوب السعودي، ولا يوجد إلا استسلام
للقدر واعتماد رد الفعل على اللاعبين وابداء الإنزعاج
بأن هذا الفعل لا نؤيده وذاك الأمر لا نقتنع به! مثل القول:
لا يعجبنا التدخل الإيراني في العراق، ونحن ضد تقسيمه،
ونحن ضد العنف، وضد التمدد الإيراني وضد المشروع النووي
الإيراني، ومع حل سلمي وعادل للقضية الفلسطينية، وضد حكومة
حماس، ومغامرة حزب الله، الخ. ومثل هذا الموقف غير المدعوم
بمبادرات وبدائل وحركة سياسية فاعلة لا قيمة له، لأنه
لا أوراق تسنده.
حين تذكر سوريا، يتبادر الى ذهنك الأوراق التي بيدها
أو الأوراق التي يمكن أن تلعبها لتحقيق غاياتها مثل الورقة
العراقية، واللبنانية، وملف الصراع الإسرائيلي ـ السوري،
والإسرائيلي ـ الفلسطيني بسبب وجود فصائل المقاومة الفلسطينية
بما فيها حماس والجهاد، اضافة الى التحالف السوري الإيراني
المبرمج في توافقات سياسية استراتيجية.
بالمقارنة مع سوريا، ما هي الأوراق التي بيد السعودية؟
يكاد لا يوجد بيدها شيء في العراق، اللهم الا فرق القتل
التي ترسلها وبعض الأموال التي ترفع العتب عنها من جانب
السنة العرب. وفي فلسطين، قطعت شعرة معاوية مع حكومة حماس
المنتخبة، وبقي لها نصف ـ حليف هو محمود عباس الذي ليس
هو الورقة الأقوى، فضلاً عن أن علاقاته بمصر والأردن وتأثير
هاتين الدولتين عليه أكبر بكثير من التأثير السعودي. في
لبنان خسرت السعودية الكثير من نفوذها بعد أن كانت اللاعب
الموازي لسوريا من حيث القوة، فدخلت ضمن تحالفات أضعفت
مصداقيتها وأضعفت حلفاءها وشركاءها، فصارت سمعة (قطر)
المبتدئة في وجودها السياسي على الساحة اللبنانية أكثر
قبولاً واحتراماً!
وماذا بعد، العلاقات الإيرانية ـ السعودية في تدهور
بقرار سعودي بسبب عجز السعودية عن المنافسة في التأثير،
وبسبب الإنحياز للمشروع الأميركي.
والعلاقات السعودية السورية تخطت حواجز العتب الصامت
الى العداء المفتوح ومحاولة إسقاط النظام في سوريا. فهل
هذا نجاح أم دليل آخر على تراجع نفوذ السعودية؟
حتى دول الخليج، وهو المحيط المفضل للسعودية الذي تمارس
فيه هيمنتها، خسرته ولكن بدون ضجة، اللهم إلا ما يأتي
من (قطر) المزعجة!
واليمن الجار الجنوبي لها، يكرهها على الصعيد الشعبي،
ولا يثق بها على الصعيد الرسمي، بسبب موقفها من الوحدة
اليمنية أصلاً ودعمها الإنشقاق عسكريا كما حدث، أو بسبب
تداعيات حرب تحرير الكويت وطرد اليمنيين والذي لاتزال
له آثاره الكبيرة، أو بسبب ظهور النفط اليمني وتقلص مساعدات
السعودية، او بسبب وقوف السعودية ضد دخول اليمن في مجلس
التعاون الخليجي.
ماذا عن السودان؟ الجزائر؟ تونس الصديقة لوزير داخليتنا
المبجل؟ ماذا عن ليبيا؟ المغرب الصديق الأكبر الذي يكاد
يخرج من دائرة الاهتمام والنفوذ بسبب الحرائق العنفية
التي تطلقها الوهابية كقذائف الى هناك؟ وفوق هذا ماذا
عن قضايا المسلمين الأخرى، فقراؤهم في القارة الأفريقية
الذين جذبهم فيصل الى مشروعه المزدوج: مكافحة الشيوعية،
وقطع العلاقة مع اسرائيل! انهم الآن يعيشون عالماً بعيداً
عن عالم السعودية. ماذا عن كشمير مثلاً؟ بل أين وصلت العلاقات
المتميزة مع الباكستان والتي كانت المزرعة المفضلة للنفوذ
السياسي والديني السعودي منذ الخمسينيات من القرن الفائت..
هل حافظت السعودية على نفوذها هناك، ولأي غاية؟! ماذا
عن أفغانستان التي كانت ثاني أو ثالث أكبر لاعب فيه أيام
غزو السوفيات (بعد أميركا والباكستان)؟ هل تسمعون دوراً
للسعودية هناك؟
ماذا عن الحركات الإسلامية التي دعمتها في كل أنحاء
العالم، لماذا تحولت في معظمها ضد السعودية؟ ماذا عن المراكز
الإسلامية في كل العالم والتي دعمتها السعودية، لماذا
تحولت في معظمها الى خزانات دعم للقاعدة وابن لادن، اللهم
إلا القليل منها؟ أين سمعة الإسلام السعودي المعتدل؟ أين
أسطورة التنمية والغنى والنموذج المزعوم للحكم الصالح؟
أنت تسمع عن دبي والإمارات عامة، تسمع عن ديمقراطية الكويت،
تسمع عن نماذج اسلامية هنا وهناك تحاول تبرئة نفسها من
النموذج الوهابي السعودي!
هذه هي السعودية اليوم، بلا حلفاء حقيقيين: هل يمكن
ان تكون الأردن ومصر حليفاً؟ وما قيمة هذا الحلف، وماذا
يستهدف او يفيد السعودية وفي اي اتجاه؟! والأخطر أين هو
الحلف الأميركي ـ السعودي؟ الحماة الأميركان تحولوا الى
مهددين لوجود السعودية نفسها. هل يمكن الوثوق بهم في حفظ
عرش آل سعود، عبر رشوتهم بصفقات أسلحة، وصفقات سياسية
على شاكلة مبادرة عبدالله للسلام؟! لقد دقّ السعوديون
الذين فجروا برجي مركز التجارة إسفينا في العلاقات السعودية
الأميركية، والعلاقات السعودية الغربية، ولما تهدأ بعد
ماكنة الإعلام الغربي التي تتحدث وتكتشف يوماً بعد آخر
أن السعودية وأيديولوجيتها صارت تشكل خطراً حقيقياً على
الصعيد الداخلي الغربي، وهي في الحقيقة خطر على الجاليات
الإسلامية التي تعيش في الغرب.
وهكذا.. لا يوجد حلفاء حقيقيون للسعودية من الكبار
الإقليميين والدوليين، بمن فيهم أميركا، إذ يمكن في أية
لحظة أن تتغير المعادلات.
والسعودية لم تعد لاعباً مهماً في صناعة الأحداث في
الشرق الأوسط، ولا يوجد لها تأثير محسوس على صعيد قضايا
العالم العربي والإسلامي. كانت السعودية اللاعب الأكبر،
فجار عليها الزمان، أو جارت على نفسها، فأصبحت وحيدة،
ترفض حتى دولة مثل البحرين (سماع نصائحها)!
أنّى التفت لا تجد مكاناً للسعودية في خارطة النشاط
السياسي المحموم في المنطقة منذ سنوات. لا تجد وجهاً سعودياً
فاعلاً ونشطاً، لا تجد سياسة سعودية خارجية واضحة المعالم
لدرجة أن سفراء السعودية لا يدرون شيئاً عن سياسة بلادهم.
سأل دبلوماسيون خليجيون مسؤولاً كبيراً في الخارجية السعودية:
ماذا عن علاقتكم مع الصين، ماذا تستهدفون منها على الصعيد
الإستراتيجي؟ اجابهم: ستقابلون بلا شك صاحب السمو الملكي
الأمير سعود الفيصل، اسألوه فأنا لا أملك الإجابة!
الدبلوماسيون السعوديون (يستصحبون) السياسة السعودية
القديمة، ويظنون أنها لم تتغير، في حين أنه حدثت أمور
كثيرة تجعلهم غير قادرين على فهم حقيقة ما يجري بشأن العلاقات
السعودية السورية مثلاً، والعلاقات السعودية مع الحكومة
الفلسطينية التي شكلتها حماس، ولا يدركون بالضبط ما هي
السياسة السعودية في العراق، او أفغانستان، أو في دارفور
حتى، فضلاً عن الملفات العربية العتيقة كالخلاف المغربي
الجزائري حول البوليساريو، او العلاقات مع السودان حالياً
أو الدولة المنسية: الصومال، ودور المحاكم الإسلامية الصاعد
فيها.
حتى الكتاب السعوديون يضربون أخماساً في أسداس، وكل
واحد يكتب ما يعتقد أنه موقف حكومي، والحقيقة أنه لا يوجد
أحيانا (اية موقف) مثلما هو الحال في الصومال وأفغانستان،
ولا يوجد استهدافات للسياسة الخارجية (عدا العلاقة مع
الغرب وأميركا)، ولا نظن أن هناك (اليوم) شيء إسمه (سياسة
خارجية) سعودية واضحة المعالم تجاه القضايا الكبرى، بل
يمكن المغامرة بالقول أن لا أحد من المسؤولين السعوديين
يستطيع الإجابة (بصدق) عن سؤال: هل هناك سياسة خارجية
أصلاً؟
قد يكون المنظور الأمني أو البعد الأمني في السياسة
الخارجية السعودية واضحاً في العلاقات مع اميركا، حيث
التهدئة والرشوة مطلوبتين لغاية دفع الأذى عن حكم العائلة
المالكة. ولكن هذا المنظور غير واضح فيما يتعلق بالعلاقة
مع ايران، فهل هي (العدو) القادم للسعودية بدل اسرائيل؟
أم العراق (الشيعي) القادم هو العدو؟ أم هو (الهلال الشيعي)
السياسي الذي يتضمن حماس أيضاً؟ هل هو البعد الطائفي؟
هل السعودية تبحث عن نفوذ سياسي أصلاً؟ هل أصبحت أدواته
عديمة الجدوى (المال والأيديولوجيا الوهابية) فلا مال
يجب أن يدفع والوهابية أصبحت مشكلة للسياسة الخارجية؟
هل السعودية تخلت عن الإهتمام بالشأن الخارجي عدا ما تضطر
اليه أمنياً (فتدفعه بالحسنى) في حين تركز جهدها على تصحيح
الأوضاع الداخلية؟ نحن لا نرى شيئاً اصلح في الوضع الداخلي،
لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا حتى أمنياً. اين هي انجازات
الداخل التنموية، ليعددوها لنا، وليبينوا أين ذهبت فوائض
مردودات النفط. ان الأزمة الداخلية تتفاقم اقتصادياً واجتماعياً،
وخدمياً، رغم كل الثروة، ولن نتحدث عن الإصلاح السياسي
فقد طوي الملف وأودع سجل (المجمدات).
كل هذه أسئلة لا نعلم كيف يتعاطى معها المسؤولون، أو
ما إذا كانوا يهتمون بها أصلاً.
هناك جمود في كل أجهزة الدولة. جمود يتوازى مع جمود
النظام السياسي وجمود عقلية رموزه العاجزة سناً وابداعاً.
انهيار النفوذ الخارجي (كما تردي الوضع الداخلي على
كل الأصعدة) لم يحدث فجأة، ولكن البلاد وصلت الى القاع،
نحن نشهد اليوم فعلاً النهاية المأساوية المبرمة لما سماه
هيكل بـ (الحقبة السعودية) التي تحدث عنها منتصف السبعينيات
الميلادية من القرن الماضي. لقد تمّت وفاة الحقبة عبر
مراحل متعددة، يمكن اعتبارها محطات تراجع وتآكل حتى وصلت
الى مثواها الأخير. المحطات هي التالي:
1 ـ الثورة الإيرانية شكلت تحديات متعددة للسعودية
ولكن ما يهمنا ما يتعلق بالسياسة الخارجية، فالشاه لم
يكن منافساً للسعودية على مستوى العالم الإسلامي، وإن
كان منافساً أكبر على النفوذ في منطقة الخليج، وقد وصلت
السعودية ودول الخليج الى ما يشبه الإعتراف بنفوذ الشاه
فيما يتعلق بأمن الخليج وقبل دوره على مضض. بالنسبة لإيران
ما بعد الشاه، فإن البعد الديني للثورة بدا وكأنه يعرض
إسلاماً مختلفاً عن إسلام السعودية، اسلام له صفة النضالية
ضد الغرب والإمبريالية، وله صفة الحداثة في بعدها السياسي.
اعتقدت السعودية ان النموذج الإيراني يشكل خطراً في ملعبها
الإسلامي رغم الفوارق المذهبية، ورأت أن العديد من الحركات
الإسلامية قد تأثرت بتلك الثورة، وأن النموذج السعودي
بدا باهتاً. لكن السعودية استطاعت فيما بعد تطويق ايران
مستخدمة المفاعل (المذهبي) متعاضداً مع المفاعل (العنصري/
غير العربي). اما بشأن التحدي الأمني ـ الذي شكلته الثورة
ـ فبقي هاجساً منذ قيامها الى الآن، رغم التغيرات الدراماتيكية
في الدولة الإيرانية.
2 ـ الحرب العراقية الإيرانية، وفرت للسعودية محاصرة
ايران (امنياً)، اي انها استكملت الحصار بأبعاده السياسية
والأمنية، وقد نجحت بأن أضافت للسعودية صديقاً جديداً
وهو (صدام حسين) الذي اكتشف متأخراً ان الأخيرة استثمرته
في حرب أضعفته، ومكنت السعودية للإستفراد بدول الخليج
الأخرى فكان أن قام مجلس التعاون الخليجي بعيداً عن القطبين
الأساسيين لأمن الخليج: العراق وإيران. في هذه الفترة
كانت السعودية وأميركا تعملان على جبهة أفغانستان التي
احتلها الروس، أي ان الحرب كانت قائمة على جبهتي مكافحة
ما سمي حينها (الأصولية الإسلامية) و (الشيوعية) معاً.
وقد نجح الطرفان الأميركي والسعودي أيضاً على هذه الجبهة،
وبقيت السياسة السعودية فاعلة ونشطة، وكأنها استمرار للحقبة
السعودية التي بناها فيصل قبل اغتياله في عام 1975.
الاحتلال الإسرائيلي للبنان لم يلحق ضرراً للسعودية
بقدر ما كان ضرراً مباشراً لسوريا. وبالطبع فإن مواجهة
اسرائيل التي كانت تحاصر بيروت صيف 1982، ليست ضمن أجندة
السياسة الخارجية السعودية، فاسرائيل طرف في ذات الحلف
الذي تساهم فيه السعودية. ورغم مكانة الأخيرة لدى أميركا
فإنها لم تستطع اقناع واشنطن بشيء ذي قيمة على هذا الصعيد.
3 ـ العد العكسي الواضح للسياسة السعودية بدأ بانتهاء
الحرب العراقية الإيرانية، فتلك الحرب أخرجت البلدين المتحاربين
مثخنين بالجراح، ولكن الى حين فقط. فالحرب لم تسقط نظام
(الجمهورية الإسلامية) وإن أضعفته، فها هي ايران تصبح
دولة أكبر من اعتبارها قوة اقليمية عظمى. والحرب وإن أظهرت
صدام منتصراً (جزئياً على الأقل) لكنها فتحت شهيته وأعادته
الى لعب دوره كسيد للخليج، فكان أن غزا الكويت، وانقلب
نصر السعودية الى هزيمة.
احتلال الكويت، وبعيداً عن آثاره السلبية الضخمة على
السعودية على الصعيد الداخلي إقتصادياً وأمنياً وسياسياً،
سبب خسارة فادحة على الصعيد الخارجي أيضاً. ويمكن إجمال
الخسائر تلك على النحو التالي:
- لم يبق للسعودية يومئذ من حليف بين الأنظمة العربية
سوى مصر وسوريا ودول الخليج. وخسرت بنحو مباشر علاقاتها
مع منظمة التحرير ومع الأردن واليمن، فضلاً عن العراق،
وتوترت العلاقات مع السودان وغيرها. معظم الدول العربية
لم تكن مرتاحة للطريقة التي أديرت فيها معركة الكويت (سياسياً).
ـ خسرت السعودية سمعتها بين الشعوب العربية والإسلامية،
فقد ظهر أنها مجرد أداة أميركية، وخسرت أكثر ما بنته من
علاقات مع التيارات والحركات والشخصيات الإسلامية على
امتداد العالم الإسلامي، فهؤلاء جميعاً أدهشوا السعودية
بوقوفهم ضد الحرب الأميركية ضد العراق وكانوا يتمنون اخراج
صدام من الكويت بطريقة أخرى.
ومنذ انتهاء تلك الحرب، أُصيبت السعودية بحالة من الجمود
في السياسة الخارجية لم تخرج منها حتى اليوم.
ومع أن السعودية بدت وكأنها منتشية بسقوط الإتحاد السوفياتي
آنئذ، إلا أن فرحتها لم تستكمل، فقد اعقب تحرير الكويت
انهيارات سياسية داخلية، مترافقة بوضع اقتصادي صعب، وعودة
(الأفغان العرب) السعوديين منهم الى بلادهم، واشتعال الحرب
الأهلية في أفغانستان، الأمر الذي زاد من عدم الإستقرار
المحلي.
4 ـ أعقب تحرير الكويت أيضاً، وربما بسبب ذلك، انهيار
النفوذ السعودي في محيطها الخليجي: فالوجود الأميركي المباشر
في كل دول الخليج بما فيها السعودية ألغى الحاجة الى حماية
(الأخ الأكبر السعودي) الذي لم يعد قادراً على حماية نفسه،
وصار تعامل دول الخليج مع (الحامي الأميركي مباشرة!).
وهنا بدا أن (مجلس التعاون الخليجي) قد فقد قيمته من الناحية
الأمنية، ولم ينجز شيئاً على الصعيد الإقتصادي، وبالتالي
فإن هذه المظلة للزعامة السعودية بدأت بالتفكك ايضاً.
وزاد الأمر سوءً ان السعودية دخلت على خط الصراع المباشر
مع قطر وعمان حول مسائل حدودية، الأمر الذي أفرغ مجلس
التعاون من معظم مضامينه السياسية والأمنية والإقتصادية،
ولاتزال العلاقات السعودية متوترة مع جيرانها الخليجيات
وإن تغطت أحياناً بغشاء رقيق من الإحترام الكاذب للأخ
السعودي الأكبر.
5 ـ وبدأت الخسائر السعودية على الصعيد الاستراتيجي
تأتي دفعة واحدة بعيد تفجيرات نيويورك وواشنطن والتي نفذتها
القاعدة في 9/11. توترت علاقات السعودية مع أميركا (الحليف
الأكبر) وأضحت لغة التهديد طافحة على ألسنة السياسيين
الأميركيين، أعقبها إسقاط حكومة الطالبان التي كانت السعودية
واحدة من ثلاث دول في العالم اعترفت بها، مع ما ترافق
ذلك من غضب اسلامي على السعودية كون أن إدارة المعركة
تمت من قاعدة اميركية في الرياض. ثم جاء إسقاط نظام حسين
فاختلت الموازين لغير صالح السعودية، التي أصبح عليها
ان تتحمل تبعات استرضائها للحليف الأميركي، ثم جاءت الخسارة
أو لنقل الصفعة التالية في لبنان حيث خسرت السعودية مواقعها،
وادهشت العالم بوقوفها ضد حزب الله، وباتصالاتها المباشرة
مع اسرائيل طالبة منها عدم إيقاف حربها إلى ان تتم الإطاحة
بالحزب إياه. النتيجة معلومة واضحة الان، تقلص دور السعودية
في لبنان، وخسارة سوريا بعد ان وصلت الأمور حد التآمر
لاسقاط نظام دمشق، ولا ندري فقد تتبع السعودية أفعالها
بسقطة جديدة أعظم بأن تعترف باسرائيل مباشرة لمواجهة ما
سمي بخطر (الهلال الشيعي)! او تفتح معركة مباشرة مع ايران.
والآن ها هي السعودية لا تستطيع حتى أن تصول أو تجول،
تتملكها الحيرة والجمود معاً، وكأنها مستسلمة لقدرها،
تنتظر ببلاهة ما ستأتي بها نتائج الوضع العراقي، ونتائج
الحالة اللبنانية الجديدة، وما سيفرزه صراع القوى بين
ايران والغرب حول ملفها النووي، وكأن لسان حالها يقول:
مشيناها خطى كتبت علينا/ ومن كتبت عليه خطى مشاها!
|