إستقالة سعود الفيصل
تركي الفيصل وزيراً للخارجية
فوجىء المراقبون في واشنطن في الحادي عشر من سبتمبر
بمغادرة السفير السعودي في واشنطن الأمير تركي الفيصل
الى الرياض بعد إبلاغه وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا
رايس وطاقمها بأنه سيترك منصبه بعد أن أمضى فيه خمس عشرة
شهراً، ولم تصدر الحكومة السعودية بياناً بهذا الخصوص
في حينه.
وقد علّقت صحيفة واشنطن بوست في الثاني عشر من سبتمبر
على الخبر بالقول أن مغادرة الأمير غير المتوقعة تعتبر
مفاجئة للغاية، وبشكلٍ خاص لأن سلفه الأمير بندر بن سلطان
أمضى 22 عاماً في المنصب نفسه. ويعد منصب السفير السعودي
واحداً من المناصب الدبلوماسية الأكثر تأثيراً في واشنطن،
كما أنه المنصب الخارجي الأكثر أهمية بالنسبة لمملكة الصحراء
الغنية بالنفط. الأمير تركي أخبر طاقمه بأنه يريد أن يمضي
وقتاً مع عائلته، فيما تثير مصادر أخبرى سؤالاً حول الهدف
الحقيقي من عودته المفاجئة والى أين سيمضي الأمير تركي
الفيصل بعد مغادرته منصبه كسفير، ومن هو المرشّح الجديد
للمنصب الذي يعد واحداً من أهم الكراسي الدبلوماسية في
جهاز وزارة الخارجية السعودية.
مصادر أخرى حاولت أن تضفي على عودة تركي الفيصل غمامة
إعلامية من خلال الحديث عن خلافات بين تركي الفيصل والمسؤولين
الاميركان مذّكرين باستقالة سابقة لتركي من لجنة الحوار
الاستراتيجي المشترك بين واشنطن والرياض. ونشير هنا الى
أن الأمير تركي أفشى لبعض مقرّبيه قبل عدة سنوات بأن الأميركيين
هم وراء إنشاء حركة طالبان في أفغانستان بهدف مواجهة إيران،
وقد اعتبر حينذاك موقفاً دفاعياً عن إتهامات أميركية للحكومة
السعودية بخصوص دورها في تمويل الحركات المتطرفة في أفغانستان
وفي مقدمها شبكة تنظيم القاعدة.
مصادر أخرى حاولت أن تضفي على عودة تركي الفيصل غمامة
إعلامية من خلال الحديث عن خلافات بين تركي الفيصل والمسؤولين
الاميركان مذّكرين باستقالة سابقة لتركي من لجنة الحوار
الاستراتيجي المشترك بين واشنطن والرياض. ونشير هنا الى
أن الأمير تركي أفشى لبعض مقرّبيه قبل عدة سنوات بأن الأميركيين
هم وراء إنشاء حركة طالبان في أفغانستان بهدف مواجهة إيران،
وقد اعتبر حينذاك موقفاً دفاعياً عن إتهامات أميركية للحكومة
السعودية بخصوص دورها في تمويل الحركات المتطرفة في أفغانستان
وفي مقدمها شبكة تنظيم القاعدة.
عودة تركي الفيصل الى الرياض بدون مراسم توديع التي
عادة ما ترافق مغادرة المبعوثين الدبلوماسيين، تأتي في
سياق أنباء شبه مؤكدة عن تدهور الحالة الصحية للأمير سعود
الفيصل، وزير الخارجية. وكان الأخير تولى منصبه في العام
1975 بعد مقتل والده الملك فيصل، ومنذاك أصبح هذا المنصب
بمثابة تكريم لعائلة الملك فيصل الذي كان أول وزير للخارجية
منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة العام 1932.
الحكومة السعودية التي اعتادت الصمت في مثل هذه القضايا
ذات الحساسية الخاصة لم تعلّق على خبر استقالة الامير
تركي الفيصل بانتظار الاجراءات الرسمية الشكلية التي عادت
ما يسبقها إعلان قبول استقالة أمير ما وتعيين آخر، خصوصاً
وأن منصبين شاغرين سيكونان مورد تداول بين الملك وأخوته
النافذين في عملية صناعة القرار، وهما السفير الجديد في
واشنطن ووزير الخارجية الجديد.
سعود الفيصل الذي يعاني من رجفة في العنق لسنوات طويلة،
كان قد سقط في حمام السباحة ما أدى الى كسر ذراعه، وقد
خضع لعملية جراحية في أحد مستشفيات لوس أنجلس بعد حضوره
جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي،
وبقي في الولايات المتحدة الى ما قبل عيد الفصح.
تدهور الحالة الصحية للأمير سعود الفيصل دعّمت شائعات
حول احتمال حلول الامير تركي الفيصل مكان أخيه في منصب
وزير الخارجية. وبرغم أن هذا التبدّل لن يحدث تغييراً
يذكر في السياسة الخارجية السعودية خصوصاً فيما يرتبط
بالقضايا الاقليمية الراهنة وعلى رأسها التوتر في العراق،
أو حتى في السياسة الاقتصادية والسياسية المشتركة في الشرق
الاوسط، وخصوصاً بعد المحادثات التي أجراها نائب الرئيس
الاميركي ديك تشيني مع الملك عبد الله الشهر الماضي حول
العراق وقضايا أخرى في المنطقة، الا أن تسلّم الامير تركي
الفيصل حقيبة الخارجية قد يؤدي الى سحب بعض الصلاحيات
من بعض الامير بندر بن سلطان، رئيس مجلس الأمن الوطني
الذي كان يمارس دور وزير الخارجية خلال الشهور الفائتة.
بكلمات أخرى، لا يبدو أن استقالة الأمير تركي الفيصل وحتى
تسلّمه حقيبة الخارجية ستحدث تغييراً من أي نوع في السياسة
الخارجية، ما لم تكن تنطوي عملية توزيع المناصب على مفاجئات
غير مدركة وهو غير متوقع خصوصاً بعد أن تم حسم موقع الأمير
بندر بن سلطان الذي أصبح قوياً بعد توليه منصب رئيس مجلس
الأمن الوطني، والذي كانت شائعات كثيرة تحدثت بعد عودة
بندر الى الرياض بأنه سيتولى حقيبة الخارجية، الا أن الأخيرة
باتت محسومة بكونها جزءً من إلتزام العائلة المالكة الأدبي
للملك فيصل.
تركي الذي تخرّج في جامعة جورج تاون العام 1968 سيعود
لفترة قصيرة في يناير القادم بعد موسم الحج، لتوديع زملائه
وموظفي السفارة وبلا شك الاصدقاء في الادارة الأميركية.
بيان سلفي موتور
السعوديون يمّولون جماعات
عنفية في العراق
رغم المساعي المبذولة من قبل قيادات سياسية ودينية
عراقية وعربية وإسلامية من أجل لجم العنف وقطع الطريق
أمام المحرّضين على الحرب الأهلية في العراق والتي يخشى
من اتساع نطاقها لتشمل رقعة واسعة من الإقليم المجاور،
يبدو هناك من يدفع نحو الحرب على قاعدة مذهبية، عبر إصدار
بيانات تقف وراؤها شخصيات دينية سلفية معروفة بضلوعها
في تعميم الفكر الديني المتطرف.
فقد أصدرت مجموعة من رجال دين سلفيين في السعودية بياناً
نشره موقع (المسلم) على شبكة الانترنت في السادس عشر من
ذي القعدة بياناً اتسم بلغة موتورة تجاوزت كل الحدود الأخلاقية
والشرعية في التعاطي مع قضية خطيرة يشهدها العراق والمنطقة
بصورة عامة وتنذر بحرب شاملة على قاعدة مذهبية مفتعلة.
فقد وقّع 38 من المشايخ السلفيين البيان الذي حمل عنوان
(نداء لأهل السنة في العراق وما يجب على الأمة من نصرتهم)،
حيث فتح البيان النار على الداخل والخارج. وبدلاً من الدعوة
الى نبذ العنف وحقن الدماء، طالب الموقّعون علماء المسلمين
بالاصطفاف المذهبي تحت شعار فضح ما وصفوه بـ (المخططات
الرافضية) على قاعدة أن العراق يتعرض لما اعتبروه (تآمر
صليبي صفوي رافضي) وأن الاستيلاء على العراق يهدف تحقيق
(شراكة بين الصليبين والرافضة الصفويين)، وأعاد البيان
التأكيد على مخطط الهلال الشيعي الذي تحدث عنه الملك الاردني
عبد الله الثاني قبل سنتين.
لغة البيان عكست الرؤية التاريخية والعقدية السلفية،
ولم تخرج عن سياق الموقف التقليدي الذي وجد أصحابه في
ما يجري على الساحة العراقية مبرراً لإعادة انتاجه وتعميمه
بصورة موتورة، بحيث تجاوز أصحاب البيان الواقعة العراقية
ليفتحوا الصراع على أفق واسع يهدد التعايش المشترك بين
المسلمين ومبدأ التسامح الديني بين المذاهب الاسلامية
كافة في بقية الدولة بما فيها المملكة السعودية.
انشغل البيان طويلاً بإحياء الخلافات التاريخية والمذهبية،
ولم يخرج عن وظيفة شحن النفوس وتعبئة مشاعر الخصومة لدى
الأتباع، تحت لافتة الدفاع عن أهل السنة في العراق. يقول
البيان في أحد فقراته الموتورة (ولم تترك أحداث العراق
للرافضة الإثني عشرية وأشياعهم من سائر فرق الباطنية من
سربال ولا ستر ولا تقية، فقد أظهر الله سرهم علانية، وفضحهم
على رؤوس الأشهاد؛ لمن كان له قلب وسلم من الهوى؛ فقد
سارعوا في هوى الصليبيين واحتضنوهم وحموا ظهورهم، وتخندقوا
جميعاً في حرب العراق وتقسيمه. لقد أثبتوا بصورة عملية
كل ما كان مسطورًا عندهم في كتبهم مما كانوا يخادعون المسلمين
بعكسه تقية، ففي نشوة النصر لم يتمالكوا أنفسهم، فظهرت
أخلاقهم المرذولة، وعقائدهم البغيضة، فقالوا وفعلوا ما
يشهد لهم بأنهم أمة واحدة مع تعدد مذاهبهم وبلدانهم وأجناسهم،
وأن مايفعلونه في ديار أهل السنة من بيعة وطاعة ومهادنة،
ماهو إلا مداراة ومصانعة حتى تتهيأ لهم الظروف)، وهنا
تبدو النقطة المثيرة للانتباه، حيث وضع أصحاب البيان كل
الشيعة في خانة الخصوم، متناسين أن على مقربة منهم شيعة
يتعايشون بسلام منذ قرون مع نظرائهم السنة سواء في داخل
السعودية أو دول الخليج الأخرى، فمالذي يدفع أصحاب البيان
الى تجاهل هذه الحقيقة وتعميم المشهد العراقي من أجل تشويه
حقائق أخرى تهدد قواعد العيش المشترك وتهديد السلم الأهلي،
وفوق ذلك كيف سمحت الحكومة السعودية لمثل هؤلاء الموتورين
أن يفصحوا عما يجيش في نفوسهم من مشاعر منفلتة تهدد الوحدة
الداخلية وتنذر بشرٍ مستطير.
من اللافت أن البيان وبعد مقدّمة طائفية مطوّلة يناشد
(من يحمل همَّ الأمة أن يتقوا الله في أمتهم، وأن لايكونوا
معول هدم فيها، وأن يعملوا جاهدين على أن لاتكون العراق
ساحة لتجذير الخلاف والفرقة والتناحر)، ما لم يكن أصحاب
البيان قد أخرجوا طائفة كبيرة من المسلمين من هذه الأمة!!
خصوصاً وأن ما جاء في فقرات لاحقة من البيان تؤكد ذلك
حيث رسم الموقّعون خارطة طريقة لـ (معاشر المسلمين) تشتمل
على (توعية عموم المسلمين بخطر الرافضة) و(فضح ممارسات
الرافضة على كل المستويات واستخدام كافة المنابر والمحافل
والمناسبات، بل وإقامة لقاءات خاصة بهذه القضية..) و(الوقوف
المباشر مع إخواننا أهل السنة في العراق، ودعمهم بكل أساليب
الدعم المدروسة المناسبة، حتى تنجلي عنهم هذه المحنة..).
تجدر الاشارة الى أن جميع المشايخ الذين أصدروا البيان
هم موظفون حكوميون. ويأتي بيانهم عقب موقف نشره مستشار
أمني للسفير المستقبل الامير تركي الفيصل في صحيفة الواشنطن
بوست يحث فيها السعوديين على تقديم المساعدة لدعم السنة
في العراق، وبعد الموقف السعودي الذي نشرته صحيفة نيويورك
تايمز في الثالث عشر من ديسمبر حيث ذكرت بأن الملك عبد
الله أبلغ نائب الرئيس الاميركي ديك تشيكي خلال زيارته
الرياض بأن (السعودية ستقوم بتميل سنة العراق في حربهم
ضد الشيعة عقب إنسحاب القوات الاميركية)، ثم التهويل من
الوضع الأمني في العراق، كما جاء على لسان الملك عبد الله
من أن المنطقة على برميل بارود يوشك أن ينفجر، وخلو البيان
الختامي للقمة الخليجية في الرياض من دعوة لحقن الدماء
ودعم جهود المصالحة العراقية.
من جهة ثانية، ذكرت وكالة الأسوشيتد برس في الثامن
من ديسمبر بأن مواطنين سعوديين يدفعون ملايين الدولايات
لناشطين سنة في العراق وأن الكثير من المال يتم إستعماله
لشراء الأسلحة ويشمل صواريخ مضادة للطائرات محمولة على
الكتف، بحسب مسؤولين عراقيين وآخرين مطلّعين على تدفق
الاحوال السعودية الى العراق.
وقد نفى مسؤولون سعودين بأن يكون أي من المال قد أرسل
الى العراق لمحاربة الحكومة والتحالف الذي تقوده الولايات
المتحدة.
ولكن تقرير مجموعة دراسة العراق الأميركية ذكر بأن
السعوديين هم مصدر تمويل المقاومين العرب السنة. وبحسب
مقابلات أجرتها وكالة أسوشيتد برس مع سائقي شاحنات وصفوا
الصناديق التي يحملونها من المال النقدي من السعودية الى
العراق بأنها موجّهة الى المتمردين.
وأخبر مسؤولان عراقيان رفيعا المستوى رفضا الكشف عن
إسميهما بسبب حساسية القضية، بأن معظم المال السعودي يأتي
من تبرّعات خاصة، أي الزكاة. وعلّقت الوكالة بأن بعض السعوديين
يعرفون بأن المال يرسل الى المقاومين العراقين، ولكن هناك
سعوديين يعطون الزكاة الى العلماء الذين يقومون بدورهم
بتحويلها الى العراق.
وذكر مسؤول عراقي بأن 25 مليون دولاراً من الأموال
السعودية تم تحويلها الى عالم سني كبير في العراق وقد
جرى استعمالها لشراء الاسلحة، من بينها صواريخ ستريلا
المضادة للطائرات، وقد تم شراء هذه الصواريخ من شخص ما
في رومانيا عبر السوق السوداء.
يقول المسؤولون العراقيون بأن الأموال تتدفق على العراق
من السعودية منذ غزو العراق من قبل قوات التحالف الدولي
الذي تقوده الولايات المتحدة. وقد نفي مسؤولون سعوديون
بأن تكون بلادهم مصدراً رئيسياً للدعم المالي للمقاومين
في العراق، وقالوا بأن ليس هناك أي تمويل إرهابي منظم،
ولن نسمح بمثل هذه الأعمال غير المنظمة، على حد قول منصور
التركي الناطق بإسم وزارة الداخلية السعودية.
ولكن مجموعة دراسة العراق قالت بأن تمويل المقاومة
السنية تأتي من أفراد داخل السعودية ودول الخليج الاخرى.
وأكّد ذلك مسؤولون عراقيون بقولهم أن التمويل يذهب الى
القيادة السياسية السنية في العراق التي تقوم بتوزيعه.
قسم آخر من الأموال، حسب قولهم، يحوّل الى المقاومين.
وتشمل شبكة التوزيع سائقي الشاحنات والباصات.
وبحسب عدد من السائقين الذين قابلتهم وكالة اسوشيتد
برس في عدد من العواصم الشرق أوسطية قالوا بأن السعوديين
يستغلون المناسبات الدينية مثل الحج والعمرة كغطاء لتحويل
الأموال، وأن بعض الأموال التي يتم تحويلها الى العراق
يجري تحميلها في الباصات بعد عودة الحجاج. ويقول هؤلاء
السائقون بأن السعوديين يرسلون صناديق مملوءة بالدولارات
ويطلبون منهم إيصالها الى عناوين محددة في العراق، وقد
تعرّض بعضهم للتهديد بالقتل في حال رفض إيصال تلك الأموال
لشخصيات محددة داخل العراق.
|