تواصل لقاءات مسؤولين سعوديين واسرائيليين
بندر يسوّق ورقة السلام عربياً
محمد الأنصاري
لا يبدو أن الدخان الكثيف الذي انبعث في سبتمبر من
العام المنصرم حول لقاءات بين مسؤولين سعوديين وإسرائيليين
كان مجرد خطأ صغير غير مقصود، أو شائعة مدسوسة في صحيفة
مغمورة، فالتقارير الواردة من مصادر عدة بما فيها الطرف
الاسرائيلي تؤكد أن ثمة لقاءات جرت في عدد من العواصم
العربية والعالمية، لجهة تسويق مشروع سلام جديد تقوده
الحكومة السعودية. بالنسبة للجانب الاسرائيلي، فإن البوح
بأسرار اللقاءات يبدو مقصوداً من أجل إزالة (الدنس) عنها،
حيث ينزع الاسرائيليون الى جعل مثل تلك اللقاءات مألوفة
واعتيادية. بالنسبة للجانب السعودي، فإن القضية مرتبطة
بواقعها كدولة ذات واجهة إسلامية تمثّل رافعة لقضايا العرب
والمسلمين، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، وعلى المستوى
الداخلي فإن الادبيات الدينية السلفية تنبذ التقارب من
أي نوع مع الدولة العبرية.
وفيما تتجاذب أجنحة الحكم السعودي أطراف السياسة الخارجية،
فإن الجناح السديري يجنح الى تمزيق القشرة الدينية التي
تحيط به من أجل التعاطي مع الواقع السياسي الاقليمي والدولي
وفق قاعدة المصالح وليس القيم الدينية.
في سياق اللقاءات السعودية الاسرائيلية، نقلت وكالة
معا الاخبارية، وهي وكالة أنباء فلسطينية مستقلة في بيت
لحم، تأسست عام 2004 وتضم عشرات الصحافيين المتخصصين وتحظى
باحترام واسع في الاوساط الاعلامية على المستوى المحلي
والدولي، نقلت في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي عن
مصدر مطلع بأن لقاءً سرياً عقد في شرم الشيخ بعد الحرب
على لبنان ضم اولمرت والسنيورة وحضر اللقاء الأمير بندر
بن سلطان. وفي تفاصيل الخبر ذكرت الوكالة بأن مصدراً عربياً
واسع الاطلاع كشف للوكالة عن لقاء سري عقد في عطلة عيد
الفطر عقب إنتهاء الحرب على لبنان في شرم الشيخ، ضم رئيس
الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، ورئيس الوزراء اللبناني
فؤاد السنيورة، بحضور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس
المصري، والأمير بندر بن سلطان رئيس مجلس الامن القومي
السعودي الذي كلف من حكومته لإجراء الإتصالات مع الاسرائيليين
لترتيب اللقاء.
ونقلت الوكالة بأن الإجتماع الذي عقد في استراحة الرئيس
المصري ضماناً للسرية إستغرق خمس ساعات وتناول موضوع التنسيق
والتعاون بين كل من مصر والمملكة العربية السعودية واسرائيل
والقوى المتحالفة معها في لبنان لمواجهة الخطر المشترك
الذي يشكله محور طهران ـ دمشق، وما يدور في فلكه حزب الله
وحركة حماس والجهاد الاسلامي.
واضاف المصدر، حسب الوكالة، أن رئيس الوزراء الاسرائيلي
إيهود أولمرت قال لرئيس الوزراء اللبناني أن الوجود الدولي
المكثف في لبنان والدعم الأمريكي لأصدقائها أوجدا منفذاً
من شأنه توفير فرصة غير مسبوقة لتخليص لبنان من حلفاء
إيران وسوريا، فيما أكّد رئيس الوزراء اللبناني لنظيره
الاسرائيلي تصميم حكومته على تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة
ومنها بسط سيادة الدولة، وإلغاء أي وجود ينازعها، ونزع
سلاح حزب الله، والقضاء على أي تواجد لأية قوى مؤيدة لدمشق
وطهران، حسب المصدر العربي.
من جهة ثانية، نقلت الوكالة في الحادي والعشرين من
ديسمبر الماضي عن السفير الامريكي في إسرائيل ما يؤكد
ان أولمرت إجتمع بشخصية سعودية رفيعة المستوى في عمان.
وذكرت الوكالة أن السفير الامريكي لدى إسرائيل ريتشارد
جونز أقرّ ضمنياً نبأ عقد لقاء بين رئيس الوزراء إيهود
أولمرت وشخصية رفيعة المستوى من العائلة السعودية المالكة
في عمان قبل نحو شهرين.
وكان الأردن والعربية السعودية قد نفيا هذا النبأ الذي
نشرته في حينه صحيفة يديعوت احرونوت بينما التزمت اسرائيل
جانب الصمت، فيما قال السفير الأمريكي أنه لا تتوفّر لديه
تفاصيل عن الاجتماع ولكن نشر هذا النبأ بحد ذاته يعد تطوراً
في غاية الأهمية، وأشار إلى أن الرغبة في التحاور لدى
الجانبين تدل على جدية المواقف تجاه العملية السلمية.
وكالة رويترز نقلت في الثالث والعشرين من ديسمبر عن
سفير أمريكي يؤكد حصول اتصال إسرائيلي ـ سعودي، ودار حول
السلام في الشرق الأوسط وبرنامج ايران النووي. ورغم ان
أياً من الحكومتين الاسرائيلية والسعودية لم تؤكد مثل
هذه الاتصالات الا أن ريتشارد جونز سفير الولايات المتحدة
لدى إسرائيل قال عندما سئل عن هذا الامر أنه يعتقد أنه
تطور مهم جداً أن هذا الاتصال..أعلن عنه.
واضاف قائلا ليس لدي أي تفاصيل محددة بشأنه، لكن أن
يكونوا تمكنوا ورغبوا في الاتصال هو أمر يدل على تقارب
جدي جداً.
وأشار جونز الى أن بعض المسؤولين الاسرائيليين تحدّثوا
مؤخراً بشكل أكثر إيجابية عن خطة للسلام بين العرب وإسرائيل
اقترحتها السعودية في عام 2002 والتي اعتبرها الاسرائيليون
طويلاً مشروعاً محكوماً عليه بالفشل.
وقال أعتقد أنهم (الاسرائيليون) يقرّون بأن سياسات
السعودية تطورت في السنوات القليلة الماضية وأن السعودية
الآن أكثر إهتماما وتقف بشكل أكبر في جانب السلام، ونتيجة
لهذا فان الاسرائيليين يرحبون بذلك.
واضاف جونز قائلاً ولذلك فانه بالتأكيد هناك شيء ما
يحدث لكن فيما يخص الإتصال الذي تناولته الصحف فإنني ليس
لدي علم به.
في السياق نفسه، نشرت صحيفة (المنار) الفلسطينية في
الثاني والعشرين من ديسمبر الماضي نبأ عن دعم واشنطن لوفود
سعودية في دول عربية. وقالت الصحيفة بأن ثمة لقاءً قريباً
بين الأمير بندر ومسؤول أمني إسرائيلي لاطلاعه على تعديلات
المبادرة العربية. وذكرت الصحيفة: تشهد الساحة العربية
إتصالات واسعة، لترتيب لقاءات واصطفافات تساهم في تحريك
عملية السلام، ونزع فتيل الإنفجار في أكثر من ساحة، وبالتالي،
سوف تشهد الأسابيع القليلة القادمة تطورات ومفاجآت على
أكثر من صعيد.
وكشفت مصادر دبلوماسية امريكية للصحيفة أن لقاءً سرياً
سيعقد في الثلث الأول من شهر يناير بين الأمير بندر بن
سلطان رئيس مجلس الامن القومي السعودي وسفير الرياض السابق
في واشنطن وبين مسؤول أمني اسرائيلي رفيع المستوى، ترجح
المصادر أن يكون رئيس جهاز الموساد مائير دغان الذي يفترض
وصوله الى العاصمة الاميركية في بداية يناير الحالي.
وقالت المصادر، حسب الصحيفة، أن اللقاء سيناقش بشكل
خاص المسودة النهائية التي تتضمن التعديلات التي أدخلت
على المبادرة العربية للسلام، وأن المسؤول السعودي سيحاول
إقناع المسؤول الاسرائيلي بإيجابيات هذه المبادرة التي
من شأنها إستئناف مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية.
وأكدت المصادر للصحيفة أن الادارة الامريكية اطلعت على
هذه التعديلات وأبدت موافقتها ودعمها لها. واشارت المصادر
نفسها الى ان الرياض تقوم باتصالات مكثفة سرية مع عدد
من الدول العربية لتهيئة الأجواء والمناخات الملائمة واللازمة،
للاعلان عن المبادرة المعدّلة، وقد بدأت وفود سعودية بزيارات
سرية الى دول عربية لاطلاعها على التعديلات والحصول على
موافقتها.
|