ردود فعل السعوديين
ليس حبّاً في صدام ولكنه الزلزال العراقي الكبير!
حسناً فعل بيان المتحدث السعودي، الذي استنقذ كتاب
الصحف السعوديين من الضياع، فقد كان من الممكن أن تتشتت
الآراء بعد إعدام صدام حسين بين مؤيد ومعارض، حتى جاء
البيان الذي كتب بإمرة الأمير بندر بن سلطان، وتم تسريبه
بعد ساعات من تنفيذ الإعدام عبر تعليق ورد هذه المرة على
لسان معلّق وكالة الأنباء السعودية، وهي الجهة الإعلامية
التي لا يتلفت أحد إلى تعليقها، ولكن التعليق الأخير أريد
له أن يرسم مسار ردة الفعل السعودية على إعدام حاكم العراق
السابق، فقام البيان بدور التعليق السياسي للحكومة معبراً
عن (استهجانه) من (توقيت) الإعدام فجر عيد الأضحى.
فيما بعد.. انطلق الكتاب والمعلقون السعوديون يتبارون
في التنديد بتوقيت التنفيذ ومعبرين (كلهم) عن (الاستهجان)
إياه..
الجميع ردد بدون وعي وبطريقة التسيير الآلي وبعقلية
النسق الجمعي، عن هذا (الاستهجان)، ولذلك فالبيان الرسمي
يُحمد له أنه صاغ العبارات من التشتت والضياع..
بعض المعلقين، وبعض الكتبة، قالوا في صدام قولاً كحديث
العشاق، أحدهم وصفه بعمر المختار، (نقل ذلك عبد العزيز
الخضر، الشرق الأوسط 1 يناير 2007) وشبّه تعليقه بالمشنقة
بقائد الثورة الليبية، والآخر وصف الرئيس المخلوع بالإمام
الحسين (إدريس الادريس، في جريدة الجزيرة، 1 يناير 2007)،
أما التهافت الرخيص، فكانت التعبئة الطائفية الفجة وإنتهاز
الحدث لتصفية حسابات سياسية بخلفة طائفية. فالجميع، إسلاميون
وليبراليون وسواهم حملوا بلغة رخيصة على الشيعة لا في
العراق وحدها ولكن في كل بقاع العالم، وإستعادوا لغة مؤتمر
اسطنبول وبيان المشايخ السعوديين، ورددوا عبارات الثأر
والإنتقام ونصبوا المناحة على ما يتعرض له السنة في العراق،
بل أن كاتباً في الحياة (1 يناير 2007) وهو الذي ما فتأ
يتفاخر بساعات الرولكس التي كان يهديها إياه طاغية العراق،
دبّج مقالات تطفح بالحس الطائفي والعنصري، واستعاد خطاب
التكفيريين السعوديين، بل وزايد عليهم بالدعوة لإعادة
قراءة كتاب (لله ثم للتاريخ..!).
هل كان السعوديون مغرمون بصدام حسين، ولذلك شعروا بالفجيعة
لرحيله؟!، هل كان خطأ (التوقيت) الذي أثار (استهجان) البيان
الرسمي وجوقة المطبلين خلفه، يمكن أن يسكب ماء زمزم على
جرائم وفظائع صدام فيحولها لمجرد (أخطاء مزعومة) على نحو
ما ذهب إليه خالد المالك رئيس تحرير (الجزيرة)؟.
إذا لم يكن يوم عيد الأضحى يوماً مناسباً، فما هو الموعد
المناسب..؟ هل ثالث ايام العيد يفي بالغرض.. هل اعدامه
قبل ذلك بإسبوع يجعله سفاحاً وديكتاتوراً كما يستحق..
وقتله في يوم العيد صيره قديساً.. ؟؟
الحقيقة أن الحكومات الخليجية، ومعها دول عربية وإلى
جانبهم نخب الإسلام السياسي الأصولي، وعدد من القوميين
والبعثيين، اكتشفوا الحقيقة غداء جرأة رئيس الوزراء العراقي
نوري المالكي على أخذ المبادرة بتنفيذ حكم القضاء بحق
صدام حسين، الحقيقة التي لا لبس فيها والتي بسببها ثارت
ثائرتهم: أنهم وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع ما كانوا يحذرون
وما كانوا يسلون أنفسهم بتأجيل بحثه.. لقد شعر القادة
العرب ومن معهم أن العراق لم يعد عراقهم، أصبح فيه وجوداً
يختلف عما عهدوه وخبروه.. أصبح للشعب العراقي كلمة، وفي
ميزان الطائفيين: شعور بالفجيعة لأن إعدام صدام بهذا الاستعراض
الكبير جعلهم يشعرون بالهزيمة..! بكلمات أدق : شعروا أن
الشيعة أخذوا زمام المبادرة في العراق.. وهذا ما أثار
الرعب في نفوسهم، تُرى لو أعدم الأمريكيون صداماً.. لو
قتل صدام لحظة خروجه بائساَ من حفرته وهو يصرخ : (أنا
صدام حسين، رئيس العراق .. أطلب التفاوض) ثم يستسلم لجندي
أمريكي وهو يتفحص فمه ولحيته وغير ذلك.. لو قتل ساعتها
هل كانوا يلطمون كما يفعلون اليوم..؟
أولئك الذين غضبوا من (التوقيت) وأعربوا عن (استهجانهم)..
وسكبوا العبرات ورددوا طرائف التسامح والشهامة والتخلص
من شهوة الإنتقام .. هل كانوا يعزفون على سيمفونية لا
تطرب..؟ هل كانوا ومعهم التاريخ العربي نظيفاً من أحداث
البطش والانتقام والتشفي ...؟ وهل فوجئوا حقاً بانتهاك
حرمة اليوم الحرام، يوم عيد الأضحى، وهم يعلمون أن كل
المآسي العربية أرتكبت أيام الأعياد وفي الأشهر الحرم..
بل أن وعيهم الطائفي لم يمكنهم أن يلحظوا أن يوم العيد
هذا سقط فيه سبعون بريئاً عراقياً بنيران مفخخات العرب.
هل نسوا قصف أماكن العبادة في الأشهر الحرم؟.. وهل
نسوا تفجيرات سامراء التي اطلقت العنان لبركان الغضب والانتقام
الذي – للأسف – خرج عن السيطر وأصبح مداناً، أم تناسوا
مئات المفخخات والانتحاريين في المساجد بين المصلين الآمنين؟.
2أما قصة التشفي والانتقام، فهذه مفردات دخيلة على
الثقافة العربية، منذ حروب الجاهلية ومعه حرب البسوس،
وحتى تعليق رأس الأمين العباسي بيد أخيه المأمون على قصر
الخلافة في بغداد، مروراً بمقاتل الطالبيين ونكبة البرامكة
وثورة الزنج.. حتى مذابح أيلول الاسود وقصف المدن الآهلة
بالسكان في معظم الدول العربية ورمي المعارضين في الصحراء
الليبية.. ألا يخبرنا أحد عما يرتكبه النظام العربي من
العقوبات الجماعية ضد مخالفيه السياسيين أو الدينيين أو
العرقيين.. ؟ ألا يتحدث هؤلاء عن معاقبة كل الأقليات في
العالم العربي ونبذها والفشل في استيعابها.. ألا يخبرنا
هؤلاء الكتاب السعوديون (الأحرار) عما يكابده إخوانهم
المغضوب عليهم في سجون الوطن الكبير، وعما يعاني منه المعارضون
وعوائلهم وأصحابهم، وعما يرزح تحته الليبراليون ومؤيديهم..
كل ذلك للتشفي والانتقام.. فمتى أصبحنا نوزع أوسمة في
هذا البازار.؟
ألم يعلم أولئك العرب ومعهم (الكتبة) السعوديون، أن
معظم الزعماء العرب التاريخيين شربوا الإنتقام والتشفي
والحقد.. هل نسي أولئك عن رؤوس المعارضين من زعماء القبائل
التي قدمت في اطباق الرز على الغداء..؟؟ وهل نسي أولئك
أن زعاماتهم التاريخية الكبيرة استولت على أملاك القبائل
التي غزتها .. بل وحتى على نسائها، هل نسي هؤلاء أن أغلب
الزعماء العرب جاؤوا على ظهر الدبابات أو بتأييد الغرب..
وأنهم إنتقموا بشهوة الحكم حتى ضد آبائهم وإخوانهم..!
الغريب..إن كل هؤلاء يقولون أن الحكومة العراقية هي
حكومة إحتلال وأنها صنيعة الاحتلال.. حسناً : لكن لم يجرؤ
أحد فيهم على توجيه شتيمة واحدة للولايات المتحدة ولا
لبريطانيا العظمى..!!.
هذا بالطبع لا يخفي أن هناك من شعر بصدمة حقيقية من
هذا التوقيت وهو حاول أن يظهر توازناً يحسب له، ففي مقابل
التنديد بجرائم صدام، وفي مقابل إحترام إرادة العراقيين،
لم يوافق على التوقيت وتمنى لو تم في وقت آخر، دون أن
يوظف ذلك لشحذ المدى والسكاكين في سوق التطرف.
هذا التطرف هو ما سيجنيه المخططون العرب والخليجيون..
إننا هنا نستعيد أجواء الفتن التي لعقنا مرها في الثمانينات،
وبرغبة إظهار الحكومة دينية وخلق إصطفاف ديني ورائها،
ها هي ترتكب خطيئة جديدة بإشعال النار الطائفية وإطلاق
المجانين من أعنتها لكي يسودوا صفحات صحفهم بالأحقاد والضغائن
والكراهية الطائفية والعنصرية، هذا تحديداً ما يستبشر
به المحافظون الجدد الذين ينتظرون أن تنضج الانقسامات
الداخلية في الخليج والعالم العربي لتمرير مشاريع التفتيت.
لم تنجح سياسة التهييج الطائفي في الثمانينات لتنجح
اليوم، وبالتالي لا بد من وقفها وتحييد الصراعات السياسية
عن الاختلافات الدينية والطائفية.. وعدم التمادي في رمي
الشيعة في السلة الإقليمية مجدداً.. لأن هذا الوضع خطير
ويؤدي إلى كارثة.
بالنسبة للعراق، فقد كشفت الحكومة العراقية الحالية
عن شجاعة تحسب لها، وهي اليوم أكثر قدرة على إعطاء البعثيين
العراقيين بالخصوص والقوى السياسية السنية في العراق بالعموم،
وبالأعم العالم العربي الفرصة لكي يتحرر من هيمنة شخصية
صدام والخروج من عباءته.. كان إعدام صدام مهماً لأنه يفتح
الأمل في خروج قيادات سنية في العراق وحتى من داخل حزب
البعث قادرة على ردع العنف والتواصل السياسي مع شركائهم
في الوطن.. في ظل صدام لم يكن أحد يستطيع أن يتجاوزه ..
وعلى العراقيين أن لا يستمعوا إلى دعوات الإنتقام والخروج
من العملية السياسية التي يطلقها العرب من حولهم لأنها
لن تجلب لهم سوى مزيداً من العزلة ولبلادهم المزيد من
الخراب والفوضى.
|