الحرب الطائفية وأسلمة البعث
لم يكن المتحالفون الجدد في العراق والسعودية على موعد
مع صدمة الحكم الشرعي الذي أصدره المفتي السعودي السابق
الشيخ عبد العزيز بن باز (المثبّة في موقعه على شبكة الانترنت)
على حزب البعث وقائده العراقي صدام حسين، وهم الذين يعملون
على تدوير الزوايا بحثاً عن أثر ديني لتبرير الاصطفاف
خلف الرئيس المعدوم، وصولاً الى توحيد جبهة طائفية وسياسية
وعسكرية مؤلفة من السلفيين المتشددين في العراق وفلول
البعث وقيادات دينية عراقية وخليجية.
المفتي ابن باز وصم صدام حسين بالكفر (وإن قال: لا
إله إلا الله، حتى ولو صلى وصام، ما دام لم يتبرأ من مبادئ
البعثية الإلحادية، ويعلن أنه تاب إلى الله منها وما تدعو
إليه، ذلك أن البعثية كفر وضلال، فما لم يعلن هذا فهو
كافر، كما أن عبد الله بن أبي كافر وهو يصلي مع النبي
- صلى الله عليه وسلم-، ويقول: لا إله إلا الله ويشهد
أن محمدا رسول الله وهو من أكفر الناس وما نفعه ذلك لكفره
ونفاقه فالذين يقولون: لا إله إلا الله من أصحاب المعتقدات
الكفرية كالبعثيين والشيوعيين وغيرهم ويصلون لمقاصد دنيوية،
فهذا ما يخلصهم من كفرهم؛ لأنه نفاق منهم ومعلوم عقاب
المنافقين الشديد كما جاء في كتاب الله: 'إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ
لَهُمْ نَصِيرًاب، وصدام بدعواه الإسلام ودعواه الجهاد
أو قوله أنا مؤمن، كل هذا لا يغني عنه شيئا ولا يخرجه
من النفاق، ولكي يعتبر من يدعي الإسلام مؤمنا حقيقيا فلا
بد من التصريح بالتوبة مما كان يعتقده سابقا، ويؤكد هذا
بالعمل، لقول الله تعالى: 'إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا
وَبَيَّنُواب، فالتوبة الكلامية، والإصلاح الفعلي، لا
بد معه من بيان، وإلا فلا يكون المدعي صادقا، فإذا كان
صادقا في التوبة فليتبرأ من البعثية وليخرج من الكويت
ويرد المظالم على أهلها، ويعلن توبته من البعثية وأن مبادئها
كفر وضلال، وأن على البعثيين أن يرجعوا إلى الله، ويتوبوا
إليه، ويعتنقوا الإسلام ويتمسكوا بمبادئه قولا وعملا ظاهرا
وباطنا، ويستقيموا على دين الله، ويؤمنوا بالله ورسوله،
ويؤمنوا بالآخرة إن كانوا صادقين.. هذه حال صدام وأشباهه
ممن يعلن الإسلام نفاقا وخداعا وهو يذيق المسلمين أنواع
الأذى والظلم ويقيم على عقيدته الإلحادية البعثية.
لاشك أن الفتوى تثير جدلاً داخلياً لدى الذين أفصحوا
بدرجة مبالغة عن غضبهم حيال إعدام صدام، بالرغم من التحفّظات
المقبولة حيال التوقيت، وهو ما حاولت بعض الجهات المقرّبة
من الرئيس العراقي السابق وكذلك الاطراف التي تحاول توظيف
الحدث في معارك سياسية قائمة، إضفاء طابع ديني فاقع على
عملية الاعدام. والسؤال: هل ثمة رابط بين الفتوى وبين
مزاعم (الأسلمة) التي ظهرت بعد اعدام صدام؟
فقد نشر موقع (العربية) في 4 يناير 2007م، خبراً عن
مذكرات منسوبة لصدام حسين بأن الاخير أقنع مؤسس الحزب
ميشيل عفلق بالإسلام، وأنه بذل جهوداً لجهة (أسلمة) حزب
البعث. يرد في هذا السياق الحملة الايمانية التي أطلقها
صدام في التسعينيات وكانت تهدف الى التغلغل داخل المؤسسات
الدينية العراقية وسحب البساط من الحركات الدينية التي
كانت تعارض النظام البعثي، حيث صدرت أوامر حزبية للبعثيين
بوجوب المشاركة في النشاطات الدينية، وحضور المساجد والمراكز
الدينية واطلاق اللحى، وكان الغرض منه إختطاف الاسلام
السياسي بشقيه السني والشيعي وتحويله الى سلاح سياسي بيد
النظام.
وفيما يبدو، فإن هذه المزاعم مالبثت أن واجهت خيبة
أمل جديدة ظهرت قبيل ساعات من اعدام صدام، حيث تحدث أحد
محامي صدام في الخامس من يناير بأن الاخير أبلغه بأن لا
مصالحة دون حزب البعث.
وقال ودود فوزي في مقابلة مع صحيفة (العرب اليوم) الأردنية
بأن صدام (سخر خلال اللقاء من تحرك المصالحة في العراق
التي تستثني حزب البعث) وقال (المصالحة بهذه الطريقة افتراض
للمستحيل فلو ان صدام حسين بنفسه ذهب الى المصالحة دون
حزب البعث لن يجدي شيئا).
وعلّق فوزي على التصريحات حول احتمال التدخل السعودي
اذا ما تعرض (السنة) في العراق الى الخطر قال صدام (رغم
أنهم نفوا هذه التصريحات لكن هذا جزء من الجو وجاءت بعد
ذلك تصريحات لعلماء مسلمين)، في إشارة الى بيان المشايخ
السلفيين. وأضاف فوزي نقلاً عن صدام (رغم أن موقفهم ـ
أي السعوديين ـ يثير الطائفية أكثر من خدمة الاتجاه القومي،
الا أن أكثر من 17 عالما سعوديا يحشدون الطاقات لحماية
السنة في العراق).
في المقابل، أصدر أحد المشايخ السلفيين السعوديين الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر البراك المشرف على موقع (شبكة نور
الاسلام) بياناً حول اعدام صدام يتطابق في مضمونه مع فتوى
الشيخ ابن باز، وجاء في البيان:
فمن المعلوم أن صدام أحد قادة حزب البعث العربي والمعروف
أن حزب البعث يقوم على مبادئ جاهلية وإلحادية وكان أمين
الحزب ميشيل عفلق النصراني ولم يُعلم أن صداما أعلن براءته
من حزب البعث بعد احتلال الأمريكان للعراق ولا قبل ذلك.
وأما ما يتظاهر به من الإسلام والنطق بالشهادتين؛ فلا
يكفي؛ فإن كثيراً من الملاحدة المنتسبين إلى الإسلام يتكلمون
بالشهادتين ويتمسحون بالإسلام.
وعلّق على رد الفعل بشأن توقيت الاعدام بالقول: وأما
اختيار يوم العيد لقتله يظهر أنه مضاهاة لقتل أميرٍ من
أمراء دولة بني أمية وهو خالد القسري للجعد بن درهم _
إمام المعطلة _ حيث قتله يوم عيد الأضحى وقال : ضحوا تقبل
الله ضحاياكم فإني مضحي بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله
لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً ، فنزل
من المنبر فذبحه..
وختم بيانه بالقول: فنحن أهل السنة غير آسفين على قتل
صدام فمثله مثل غيره من الزعماء الذين يحاربون الإسلام
ويتشدقون بالإسلام..
من جهة ثانية، يقوم نواب عراقيون بتحريض السعودية في
محاولة لاستدراجها الى الداخل العراقي عبر البوابة الطائفية،
وتقوم قيادات بعثية وأخرى سنية متحالفة معها بالترويج
لوثائق مزّورة بغرض إثارة المخاوف من احتمالات قيام إيران
بأعمال تخريبية داخل السعودية. وقد أشاعت في الحج بأن
ايران تحضّر لعمل تخريبي هذا العام، ما أثار أجواء متوترة
عكستها تصريحات وزير الداخلية الامير نايف وكتابات صحافيين
سعودين بارزين.
الجدير بالذكر أن القيادات البعثية بدأت تقود حملة
طائفية من خلال استحضار الخلافات المذهبية التاريخية وهي
التي ضخّت مصطلحات من قبيل (الصفويين) و(الرافضة) (الاحتلال
الفارسي) وقد شاركوا في مؤتمر استانبول تحت عنوان (دعم
أهل السنة في العراق) بمشاركة عدد من علماء دين سلفيين
متشددين وقيادات بعثية عراقية.
|