الصراع السعودي الإيراني
المذهبية والمكسب السياسي
محمد قستي
في مقالة حول نظام الشرق الاوسط الجديد تسلّط الدكتور
مي يماني حول ظروف التوتر الحالية في المنطقة وترى بأن
السعودية شديدة الحماسة لاحتواء التهديد الايراني وتنامي
(الهلال الشيعي) الذي مع تزايد قوة الشيعة في العراق،
قد تحرك باتجاه الغرب ليبدأ باستيعاب مناطق الشيعة في
المملكة. ولذلك لم يكن مستغرباً أن تكون السعودية أول
من أدان حزب الله في بداية الحرب مع اسرائيل، وأعلنت في
ديسمبر بأنها ستقدم الدعم الى سنة العراق عسكرياً في حال
أفضى انسحاب الولايات المتحدة الى اندلاع حرب اهلية سنية
شيعية هناك. التهديد الشيعي، بحسب الدكتور يماني، للحكومة
السعودية هو ايديولوجي. وفي الواقع يمتد التهديد الى قلب
سلطة الدولة السعودية، بالنظر الى اعتماد العائلة المالكة
على الاسلام الوهابي لشرعنة سلطتها. وحيث أن الوهابيين
يعتبرون الشيعة مرتدين، فإن التحدي من الشيعة ـ سواء في
الداخل أو الخارج ـ يمثل تهديداً قاتلاً.
ولذلك، ودائماً بحسب الدكتور يماني، فإن السعودية على
استعداد للتعاون مع اسرائيل ليس فقط ضد إيران ولكن ضد
(الراديكاليين) الآخرين مثل حماس. ومن الواضح، فإن رئيس
وزراء حكومة حماس اسماعيل هنية لم يتم استقباله في السعودية
في ديسمبر الماضي، حين كان يقوم بجولة عبر المنطقة للحصول
على دعم لحكومته. وتفضّل الحكومة السعودية التعامل مع
القيادات التقليدية مثل الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس
الوزراء الفلسطيني فؤاد السنيورة أكثر من التعامل مع القيادات
الشعبية مثل حسن نصر الله وخالد مشعل، ومحمود أحمدي نجاد.
الخلاف بين الرياض وواشنطن يتغذى دون شك على الحرب
المذهبية في العراق التي ساعدت على تخفيف التوتر بين العائلة
المالكة والمتشددين السلفيين. إن الرسالة التي تنقلها
هذه الحرب هي أن الحكومة السعودية تقدّم نفسها باعتبارها
الحامي الوحيد لحليفها التقليدي، أي المجتمع الوهابي ضد
القوة المتنامية للشيعة في العراق وفي المنطقة عموماً.
وللانصاف، فإن هذه اللهجة مغرية حيث أن الادبيات الوهابية
تساعد على تطوير هواجس من هذا القبيل. فالرسالة التي وقّعها
38 رجل دين سلفي حول ما وصفوه بمؤامرة صليبية يهودية رافضية
ضد الامة الاسلامية تكشف عن الاحساس بالخطر المتخيّل لدى
هذه الجماعة. فالعراق، المرشح لأن يكون تحت هيمنة الأغلبية
الشيعية في العراق، سيكون قوياً، ما يتطلب دعم الحكم السعودي
في مقابل الشيعة وكذلك مصادر التهديد الأخرى المتخيّلة.
المسكونون بالقضية المذهبية يتم تجنيدهم بسهولة الى جانب
الحكومة ضد خصومها في الداخل والخارج. وفي الواقع، فإن
الحكومة السعودية تملك عبقرية التحريض المذهبي، ما يجعلها
قادرة على استدراج هؤلاء الى صراعاتها، بل وصراع حليفها
الاميركي ضد إيران حالياً.
لقد بات واضحاً بأن الحكومة السعودية تلجأ الى حليفها
السلفي لمواجهة خصومها عن طريق استغلال السلاح المذهبي.
فقد استعمل الملك فيصل هذا السلاح ضد القوى الوطنية في
الستينيات، واقتفى الملك خالد نفس الطريق في نهاية السبعينيات
ضد ايران والمواطنين الشيعة في المنطقة الشرقية، وقد تم
استعمال السلاح ذاته بصورة مفرطة خلال عهد الملك فهد.
الآن، ومع تنامي التوتر بين الولايات المتحدة وايران،
فإن الحكومة السعودية تبدو أميل الى توظيف الخلافات المذهبية
في قضايا عدة: لبنان، العراق، لبنان وكذلك الشيعة السعوديين.
ومن المثير للسخرية، أن وزير الخارجية الاميركي الاسبق
طالب خلال حرب تموز/يونيو بين حزب الله واسرائيل، الحكومات
العربية السنية لتحمل مسؤوليتها في الحرب. إن استعمال
اللهجة المذهبية من قبل المسؤولين والسياسيين الاميركيين
يجب فهمه في ضوء فعالية المذهبية في الصراعات السياسية،
وماذا يمكن أن تنتجه من علاقات متوترة بين المسلمين.
إن الحروب المذهبية، بخلاف الأنواع الاخرى من الحروب،
فهي ذات أبعاد متنوعة، وتطال الجوانب الاجتماعية، والعسكرية،
والسياسية، والاقتصادية والفكرية. بالنسبة للعائلة المالكة،
فإن المذهبية تسهم في تعضيد التحالف مع المجتمع الوهابي،
وتعزيز حكمها في مركز الدولة، أي نجد، بالرغم من أن هذه
المذهبية تترك تأثيرات مدمّرة على الأجزاء الأخرى من المملكة.
على أية حال، فإن التأثير السلبي على الحكم السعودي لن
يكون مقتصراً على الاجزاء الاخرى من البلد، فالتهديد الوهابي
مازال أكبر، خصوصاً حين تحصل على المزيد من القوة والنفوذ
في الداخل. ففي مقابل التهديد الافتراضي للثورة الايرانية
في الثمانينات، قدّم الملك فهد إمكانيات سخيّة للمجتمع
الديني السلفي ومنحه سلطة غير محدودة والتي فتحت له شهية
توسيع نفوذها سواء محلياً أم دولياً.
في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وإظهار التحقيقات
الاولية تورّط 15 سعودياً من أصل 19 في تلك الهجمات، لم
تكن الحكومة السعودية في وضع يسمح لها باللعب بالبطاقة
المذهبية مع الادارة الاميركية التي يبدو أنها كانت مرنة
تجاه مزاعم الوهابيين ـ السعوديين بأن الشيعة هم أعداؤها
الحقيقيون في المنطقة. وهذا يلتقى مع الرؤية التي تقول
بأن المصالح المشتركة بين الحكومة السعودية والولايات
المتحدة يتطلب تركيزاً على خصم واحد في سبيل تحقيق أجندة
محددة. وهذا يفرض تنسيقاً مشتركاً للجهود لمواجهة التهديد
المتخيل للشيعة.
في تقديرنا، أن فشل الادارة الاميركية في قراءة الادبيات
الوهابية يعود الى القدرات الفريدة للعائلة المالكة في
فبركة صورة وهمية عن التعاليم الوهابية. وما ظهر عقب هجمات
الحادي عشر من سبتمبر هو تشظي صورة الوهابية على وقع الاحساس
بالخديعة من قبل الادارة الاميركية. وما نشهده الآن، أنه
محاولة لتكرار نفس الخطأ عن طريق الدعم المتزايد للفكر
المتشدد تحت ذريعة التهديد الشيعي. لا شك أن تغذية النزوع
الراديكالي لدى الشيعة سيضيف عنصراً جديداً لعدم الاستقرار
في المنطقة.
في العام الماضي، خضع الملك عبد الله، بسبب التمدد
الشيعي المزعوم، تحت تأثير الامير بندر بن سلطان، رئيس
مجلس الامن الوطني بالتنسيق مع اسرائيل لمواجهة تنامي
النفوذ الايراني. اسرائيل، مهما يكن هي (خصم موثوق) بالنسبة
للسعودية بعد تدمير جيش مصر الناصري في حرب 1967، في وقت
كان السعوديون يحاربون مصر بالنيابة في اليمن. ولذلك فإن
تركي الفيصل الذي كان رئيساً للاستخبارات العامة لفترة
طويلة التقى مائير دوغان، رئيس الموساد، فيما كان بندر
يلتقى رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت في الاردن
في نفس الشهر.
يبقى أن الدعم الخفي من قبل إسرائيل وأميركا والسعوديين
لعباس والسنيورة قدّم القليل من الدعم لهم في معاركهم
الداخلية. ومن المغرب، والجزائرن وليبيا، والسودان الى
البحرين واليمن، وفي الواقع عبر العالم الاسلامي من جاكرتا
الى نيجيريا، فإن الراديكاليين الاسلاميين قد حققوا رهانات
الدعم الشعبي.
قد تفيد اسرائيل واميركا والمعتدلون العرب من الانقسام
العميق في العالم العربي والاسلامي. وهذا الانقسام يتعزز
من خلال الدعم السعودي لكل المسلمين السنة في المنطقة.
إنه الإحساس بـ (التضامن السني) الذي أصبح عاملاً حاسماً
في الحرب من أجل روح الإسلام وفي الصراع من أجل السيادة
في الشرق الاوسط التي هي الآن في الطريق.
نستحضر هنا تصريحات الرئيس بوش في ذكرى هجمات الحادي
عشر من سبتمبر والتي أطلقها في الخامس من نوفمبر حول تورّط
شيعة سعوديين ينتمون الى حزب الله في تفجيرات الخبر 1996،
والذي أدى الى تحوّل دراماتيكي في موقف الشيعة، الذي شهد
تغيّراً بفعل التورط المباشر للولايات المتحدة في العدوان
الاسرائيلي على لبنان في تموز/ يوليو 2006. إن الصورة
المشوّهة لأميركا في العراق، والمواقف الجماعية التي يطلقها
بوش أفضت الى تقسيم العالم الى ما أعلنه فور وقوع هجمات
الحادي عشر من سبتمبر: معنا أو ضدنا. وفيما يساوي بوش
بين القاعدة وحزب الله لجهة تنشئة العدواة ضد الولايات
المتحدة، فإنه يحبط أولئك الذي اقتنصوا الفرصة لبناء علاقات
طيبة مع الرسمية الاميركية.
إن التداعيات المباشرة للتوترات المذهبية هي إحياء
القضية الاشكالية التقليدية حول ولاء الشيعة لبلدانهم.
وهذا سيقود الى إضعاف هذه الدول، وخصوصاً السعودية، حيث
أن المشاعر الوطنية ليست على درجة كافية من القوة، وربما
تسهّل مهمة تقسيم الدولة سواء بفعل عوامل داخلية أو خارجية.
لاشك إن الحرب على ايران ستشجع العنف بوتائر عالية وستهدد
الأمن في عموم المنطقة، ولاشك أيضاً بأن صورة الولايات
المتحدة ستبلغ حداً خطيراً من التشويه، وستضيف الحرب عنصراً
جديداً الى عناصر تشويه أخرى مثل: الحرب على العراق، العدوان
الاسرائيلي على لبنان، الانحياز الفاضح الى جانب اسرائيل
في الموضوع الفلسطيني، وغزو افغانستان.
|