خلافات داخل العائلة المالكة
عبد الله.. والعرش المتصدّع
محمد شمس
منذ تسلّمه مقاليد الحكم في الثلاثين من أغسطس 2005،
كان يتوقع كثيرون بأن الملك عبد الله سيحدث تغييرات جوهرية
في موازين القوى داخل العائلة المالكة بعد أن نجح الجناح
السديري في إحكام القبضة على مفاصل الدولة. وبالرغم من
أن كلاماً طويلاً قيل عن خلاف بين عبد الله ونايف حول
سير القررات الخاصة بالشؤون الداخلية، الا أن ثمة خلافاً
كان يستتر خلف غمامة التفاعلات التي صاحبت فترة التدهور
الامني بين عامي 2003 ـ 2005، والتجاذب الطويل بين عبد
الله ونايف بخصوص التعامل مع الملف الامني.
خلاف الملك عبد الله وولي عهده الامير سلطان ليس جديداً
ولا بسيطاً، فهو يعود الى سنوات سابقة، ترجع الى عهد الملك
فهد، وتجسّدها في الظاهر احتفاظ كل منهما بمؤسستين عسكرتين
منفصلتين: الجيش والحرس الوطني، والتنافس الشديد على تعزيز
قوة كل منهما عسكرياً وسياسياً. ما يجعل الخلاف بين الملك
عبد الله وسلطان يتسم بالسرية يعود الى قدرة الامير سلطان
في المراوغة وفي إخفاء خلافاته مع الملك عبد الله، فهو،
أي الأمير سلطان، يفضّل الضرب تحت الحزام، والخنق بمنديل
ناعم، ولكنه لا يتنازل عن مواقفه، وقد جدد معركته مع الملك
عبد الله في قضايا ثلاث أساسية: التسلح، والنفط، والعلاقات
الدبلوماسية. فقد نجح في تقويض زيارة شيراك الى رياض العام
الماضي والتي انتهت الى فشل المباحثات حول صفقة طائرات
رافال التي لم يكن جزءً فيها، ثم نجح في وقت لاحق في الانفراد
بها في يونيو الماضي، وساهم في تخريب علاقات الملك بدول
الجوار، ونجح في استعمال النفط لخدمة صفقاته العسكرية.
من جانبه، حاول الملك عبد الله منذ اعتلائه العرش اختراق
القلاع الحصينة التي بناها الجناح السديري خلال عهد الملك
فهد، وكان يقتنص الفرصة بعد الأخرى لتثبيت مواقعه في القضايا
المفصلية. فبعد استقالة الرجل الثاني من وكالة الاستخبارات
العامة الامير تركي الفيصل قام عبد الله بتعيين أحد رجاله
في الوكالة. وبعد موت الملك فهد، عمل على فرض سلطته على
العائلة المالكة من أجل تخفيض امتيازات الأمراء السديريين
وقام بتقسيم ثروة سلفه، ووقف الامتيازات المالية لدى أبناء
فهد من خزينة الدولة. ولكن تلك الاجراءات لم تحقق قدراً
كبيراً من النجاح بفعل تغلغل الجناح السديري في الجهاز
الاداري للدولة، وقد كشف إعلان الملك عن (هيئة البيعة)
عن ضعف مركز الملك في حسم الخلافات في القضايا الشائكة
بما في ذلك قضية الخلافة، إضافة الى قضايا أخرى تتعلق
بالقرارات المصيرية للدولة مثل الحرب والسلم والعلاقات
الدبلوماسية مع الدول العربية والاسلامية وكذلك ملف النفط.
شائعات واسعة برزت في الآونة الاخيرة حول خلافات داخل
العائلة المالكة، دفعت بالملك والأمراء الى نفيها كما
هي العادة في التعامل مع الانباء التي تتحدث عن الخلافات
الداخلية. فقد ذكرت وكالة رويترز للأنباء في الثامن والعشرين
من يناير أن الملك عبد الله نفى ما تردد عن وجود شقاق
داخل العائلة التي تحكم أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
ونقلت الوكالة عن الملك عبد الله قوله بأن ظهور عدد كبير
من الشخصيات البارزة في العائلة الحاكمة لدى عودة احد
الامراء من مستشفى بريطاني والذي ابرزته وسائل الاعلام
استهدف تبديد اي حديث عن وجود خلافات.
وكان الملك عبد الله قد ذكر في مقابلة صحفية مع جريدة
السياسة الكويتية بأن (الاستقبال كان الرد على أي تقولات
تدور في الخارج حول ترابط وتلاحم أبناء هذه الاسرة وكان
الرد ايضا على كل هذه المنتديات والمواقع الالكترونية
التي تبث من أوكار لا يعرف احد عناوينها وتتحدث عن تباعد
مزعوم بين أبناء هذه الاسرة). وقد علّق الملك على خبر
الخلافات بالقول (شعبنا مدرك ولن تكون مثل هذه الاقاويل
لافتة لانتباهه.. الاسرة السعودية كلها مترابطة..انصحكم
كاعلاميين ألا تسمعوا لقصص الغوغائيين).
وعلّقت رويترز على تصريحات الملك بالقول: ولم يتضح
ما هو الشقاق المحتمل الذي كان يشير اليه العاهل السعودي.
ونقلت الوكالة بأن حديثاً تردد بين دبلوماسيين وسعوديين
من أصحاب النفوذ عن وجود خلافات سياسية بين افراد العائلة
الحاكمة بخصوص العراق.
وكانت صحيفة (لي فيجارو) قد نشرت في السادس من فبراير
مقالاً للكاتب الصحافي جورج مالبرونو بعنوان (الملك عبدالله
بن عبد العزيز يعزّز سلطته ويسعى للحدّ من نفوذ سلطان
ونايف) جاء فيه:
قبل أيام، أبرم الحرس الوطني السعودي، الذي يمثّل القوة
الضاربة الحقيقية للملك عبدالله بن عبد العزيز، والمؤلّف
من 75 ألف رجل ينتمون إلى العشائر الأكثر ولاءً، عقداً
مع فرنسا لشراء 75 قطعة مدفعية متنقلة عيار 155 ملم من
فئة (سيزار). ويدرس الحرس الوطني لأول مرة فكرة التزوّد
بطائرات هليكوبتر. وفي قرار أحيط بسرّية تامة، استدعى
الملك السعودي مسؤول حرسه الشخصي حينما كان وليّاً للعهد،
وعهد إليه بمنصب الرجل الثاني في (الحرس الملكي)، الذي
ما يزال تابعاً لوزارة الدفاع ولو أن الملك عبدالله يعتزم
إعادة النظر في هذا المسألة.
ويبدو مغزى هذه المناورات واضحاً وسط الهندسة المعقدة
للسلطة السعودية. فبتعزيزه القوة الضاربة للحرس الوطني،
الذي يقوده متعب بن عبدالله، والذي يتولّى حماية المرافق
النفطية الإستراتيجية، فإن (عبدالله يسعى لتعديل التوازن
لصالحه بمواجهة الفروع الأخرى للعائلة الحاكمة)، حسب تعليق
أحد الإختصاصيين. وفي الجهة المقابلة (هنالك محمد بن نايف،
المسؤول عن عمليات مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية.
كذلك يشغل إبنا الأمير سلطان، موقعين أساسيين). فالأمير
خالد بن سلطان هو نائب وزير الدفاع، في حين أن بندر، رئيس
مجلس الأمن الوطني، يمثّل (عنصراً مستقلاً) يُقال أنه
اجتمع مع الإسرائيليين سرّاً في شهر سبتمبر في الأردن،
وليس بالضرورة أن تكون إجتماعاته هذه قد تمّت بموافقة
الملك عبدالله.
ويُعتقد أن إرادة الملك عبدالله في تعزيز سلطته سوف
تتأكّد لمناسبة التعديل الوزاري المرتقب في نهاية شهر
مارس. ويظل الموضوع الملتبس هو موضوع وزارة الشؤون الخاريجة،
التي يترأسها الأمير سعود الفيصل، المقرّب من الملك، منذ
23 سنة. ولكن سعود الفيصل مريض. وقد سجّل الملك نقطة حينما
عيّن، في الأسبوع الماضي، مستشاره الديبلوماسي عادل الجبير
سفيراً في واشنطن. ولأول مرة، فالسفير السعودي لدى الحليف
الأميركي ليس أميراً، مما يعني أن ضبطه سيكون أسهل.
ويندرج تعزيز نفوذ عبدالله ضمن منظور خلافته على رأس
المملكة. وحرصاً منه على إضفاء طابع مؤسّسي على آليات
عمل الدولة، فقد أنشأ الملك (82 عاماً) في العام الماضي
مجلساً للأسرة، عهد إليه بالبتّ بهذه المسألة الحسّاسة.
ويضم المجلس 30 أميراً من أبناء عبد العزيز، ستكون لهم
كلمتهم، كما أنه يسمح بتخفيف نفوذ (السديريين)، أي الفرع
الأقوى في العائلة، بزعامة سلطان ونايف وسلمان.
وبعكس فهد، الذي خلفه في العام 2005، يتمتع عبدالله
بشعبية أكيدة. كما أنه غير (متّهم) بالولاء المبالغ للأميركيين.
وقام عبدالله بجولة في مناطق المملكة بهدف تجديد العقد
الإجتماعي في أعقاب العمليات الإرهابية التي قامت بها
الفرع السعودي لـ(القاعدة) في العامين 2003 و2004. ويعلّق
ديبلوماسي غربي بأن (شعبية الملك مضافاً إليها إهتمامه
بشؤون وحاجات المجتمع السعودي تجعل موضوع سقوط الحكم السعودي
أمراً بعيد الإحتمال حالياً). ولكن الإصلاحات بطيئة جداً.
وما تزال المرأة السعودية محرومة من حقّها في قيادة السيارة.
كما تسهر سياط (المطوّعة) على تطبيق نظام أخلاقي ينتمي
إلى عصر آخر. وتنظر السلطة بعين الحذر إلى موضوع الإنفتاح
السياسي: فقد اضطر مجلس بلدية الرياض للإنتظار 15 شهراً
بعد انتخابه قبل أن يعقد إجتماعه الأول.
وبدلاً من تحقيق إنفتاح سياسي في بلد يحكمه نوع متشدّد
من الإسلام، فإن (الملك يسعى لخلق ولاء وطني حول العائلة
الحاكمة، بغية مواصلة تحديث السعودية)، حسب ديبلوماسي
آخر. ولهذا الغرض، يبدو أن الملك شرع بعملية (مكافحة فساد)
مصغّرة. فهو ينوي الحدّ من إمتيازات أمراء معيّنين، عبر
مركزة الإنفاقات في ميزانية الدولة.
ويضيف الديبلوماسي نفسه: (لقد استخلص عبدالله درس عملية
غسيل الأموال الهائلة التي مثّلها )عقد اليمامة( المعقود
مع الإنكليز، وقام بإصلاح نظام توزيع عقود التسلّح. وما
يزال الأمير سلطان مكلّفاً بالتفاوض، ولكن الملك هو الذي
يوقّع العقود العسكرية إذا تجاوزت سقفاً معيّناً. وتعزيزاً
للشفافية، بات إلزامياً أن تحظى عقود التسلّح بموافقة
وزير المالية المقرّب من الملك، إبراهيم العسّاف. ويعلّق
رجل أعمال بأن )عبدالله أثبت أنه هو الرئيس، وهو لا يقبل
أن يقوم أمراء آخرون بالإستفادة من نفوذهم، مع أنهم ما
يزالون مقيّدين على القائمة المدنية لشركة أرامكو). وهذه
الإشارة إلى القائمة المدنية في أرامكو هي تلميح إلى النسبة
(10 بالمئة على الأقل) التي تذهب للعائلة الحاكمة في كل
عام من مداخلي شركة النفط الوطنية السعودية.
ولكن عبدالله يرغب في وضع حدّ للتسيّب حتى في هذا النطاق.
فاعتقاداً منه أن قسماً من العمولات التي نجمت عن عقود
التسلّح من الغرب في نهاية الثمانينات، قد تمّ التنازل
عنها، من جانب أمراء رغبوا في تحسين سمعتهم، إلى منظمات
إرهابية أو إجرامية، يرغب الملك في تسليط الضوء على الشبكات
المبهمة التي تتولّى إعادة توزيع الأموال القذرة. ويعلّق
الإصلاحي محمد سعيد طيّب قائلا: (ينمّ الملك عبدالله عن
رغبته بتنفيذ إصلاحات، ولكن هل سيتمتّع بالوقت اللازم
والمثابرة للإستمرار في مواجهة كل خصوم الإصلاح؟).
وتضيف الصحيفة: تعثّرت الأمور بعد أكثر من شهر من توقيع
بروتوكول تفاهم بين الأمير سلطان وزميله وزير الدفاع البريطاني
لتزويد الرياض بـ72 مقابلة (يوروفايتر) بقيمة 15.2 مليار
دولار. وكان سبب التعثّر هو التحقيق البريطاني حول(عقد
اليمامة). وكان تم توقيع هذا العقد في العام 1985 وبلغت
قيمته 85 مليار دولار تمّ تسديد معظمها في صورة شحنات
نفط. وأسفر هذا العقد عن مليارات الدولارات من العمولات.
وتروج معلومات بأن قسماً من هذه العمولات (تسرّب) لصالح
تمويل شبكات إرهابية محلية. ولا يرغب الملك عبدالله في
(عقد يمامة) جديد. ومن جهتها، وضعت العدالة البريطانية،
بناء على توصية من طوني بلير، حدّاً لتحقيقاتها حول قعد
اليمامة. ومع ذلك، ما يزال توقيع العقد الجديد قيد الإنتظار.
وفي سياق صفقة اليمامة المثيرة للجدل، إتهم رئيس جنوب
أفريقيا ثابو مبيكي رئيس الوزراء البريطاني توني بلير
باعتماد سياسة مزدوجة المعايير، وذلك تعقيباً على قراره
الأخير وقف تحقيق فساد في صفقة بين شركة EAB البريطانية
للأسلحة والسعودية مقابل عدم تدخله لوقف التحقيق بشأن
صفقة أخرى بين الشركة ذاتها وجنوب أفريقيا.
وأضاف في حديث لصحيفة الصنداي تايمز نشر في الثامن
والعشرين من يناير على هامش منتدى دافوس الاقتصادي، أن
القرار أساء لسمعة بلاده، قائلاً إنه سيبحث هذه المسألة
مع بلير شخصياً. وكشف عن أنه تلقى أخيرا طلباً من لندن
لتزويدهم بالمعلومات، مؤكداً أنه لبى طلباتهم رغم أنه
يشكك بقوة في أسس هذا التحقيق.
وعبر الرئيس الجنوب أفريقي عن مخاوفه بأن تحقيقات الفساد
تركز على الدول الأفريقية بدلاً من الشركات الغربية، معرباً
عن حيرته من موقف بلير، متسائلاً لماذا تظهر المصالح الاستراتيجية
مع دولة ولا تبرز مع دول أخرى.
ولفتت الصحيفة بسخرية من المعايير المزدوجة للسياسة
البريطانية في هذا الملف، إلى أن المدعي العام البريطاني
أشار إلى أن هناك عددا من القضايا التي يتم التحقيق فيها
مؤخراً والتي تكشف أنشطة شركة EAB في رومانيا وجنوب أفريقيا
وتنزانيا وجمهورية تشيكيا وشيلي.
وكانت معلومات تكشفت عن أن رئيس مكتب مكافحة الفساد
البريطاني روبرت واردلي، تعرض 7 مرات على الأقل للضغوط
من أجل وقف تحقيقه المتعلق بقضايا الفساد بشركة smetsyS
EAB البريطانية في صفقة اليمامة للأسلحة السعودية التي
دفعت فيها رشاوى ضخمة لأفراد في العائلة المالكة السعودية،
مما دفعه إلى إيقافه بالفعل.
وأضافت المعلومات أن واردلي تعرض لضغوط رئيس الوزراء
توني بلير نحو 3 مرات، كما تعرض لضغوط سفير بريطانيا لدى
الرياض، شيرارد كووبير – كول، نحو 3 مرات أيضاً، ومرة
لضغوط شركة EAB.
وكانت الحكومة البريطانية قد دعيت الى تقديم توضيحات
من قبل 35 حكومة أوروبية فيما يتحين الديموقراطيون الأميركيون
الفرصة للانقضاض على هذا الملف من خلال استجواب الكونغرس
لشخصيات رفيعة في شركة EAB. وقد دخل بلير في مواجهة مع
جهاز الاستخبارات البريطاني الخارجي 6IM الذي دحض ادعاء
الحكومة بأن تحقيق مكتب مكافحة الفساد في صفقة الأسلحة
السعودية (اليمامة) كان يهدد الأمن القومي، لافتة إلى
أن رئيس الجهاز جون سكارليت رفض التوقيع على ملف حكومي
يقول أن جهاز الاستخبارات يؤيد هذا الرأي.
ويبدو ان هذا ملف التحقيق الذي يصر رئيس الوزراء البريطاني
على اقفاله خوفاً من توتر العلاقات مع المملكة العربية
السعودية التي يتورط عدد من أفراد أسرتها الحاكمة فيه،
سيكون الضربة القاضية التي تنهي حكم بلير الذي يترنح تحت
سيل من الفضائح والمواقف السلبية التي تسببت في خسارته
لأي تأييد أو شعبي.
وذكرت مصادر حكومية حينها أن أجهزة الاستخبارات البريطانية
الخارجية والداخلية 6IM و5IM لا تملك أية معلومات استخباراتية
تشير إلى أن السعوديين كانوا ينوون إلحاق الضرر بالعلاقات
الأمنية، وأن الأجهزة سئلت فقط إذا كان التحقيق سيضر بمصالح
بريطانيا القومية، وقد أجابت بأن هذا أمر طبيعي وقد يحصل.
وقد أبلغت مصادر وايت هول صحيفة (الغارديان) مطلع الشهر
الجاري بأن البيان الذي عرض على اللوردات غير صحيح وإن
6IM و5IM ليس لديهما أي معلومات استخباراتية مفادها أن
السعوديين يعتزمون قطع أواصر التعاون الأمني، وأن ما حدث
هو ان الأجهزة الاستخباراتية سئلت عن مجرد رأيها فيما
إذا كان الأمر سوف يضر بالأمن القومي للمملكة المتحدة
إذا حصلت مثل هذه الهفوة وقد أجابوا بأن ذلك أمر طبيعي.
|