سيمور هيرش في (إعادة التوجيه)
عناق إسترتيجي بين الرياض وتل أبيب
كتب سيمور هيرش في مجلة (نيويوركر) بتاريخ 5 مارس بعنوان
(إعادة التوجيه) في محاولة للاجابة عن سؤال كبير: هل أن
سياسة الادارة الجديدة تفيد خصومنا الجدد في الحرب على
الارهاب؟. وتضمن التقرير معلومات بالغة الأهمية إضافة
الى ما جمعه من معلومات تكشّفت خلال الشهور الماضية، ولكن
ما يجعل التقرير على قدر كبير من الأهمية أنه يضع المعلومات
في سياق موضوعي ويعزز ما كان يحوم تحت السطح من مخاوف
حول السياسات الاميركية في الشرق الاوسط وطبيعة التحرّكات
التي تقوم بها واشنطن مع حلفائها في المنطقة، هو بالتأكيد
تقرير يميط اللثام عن خفايا الاستراتيجية الاميركية في
المنطقة الأشد التهاباً في العالم، وما هي طبيعة المهمات
التي تضطلع به حكومات عربية حليفة لواشنطن، وما علاقتها
بالدولة العبرية، وماهو الدور الجمعي الذي يلعبه معسكر
الاعتدال في ملفات المنطقة. وسنقتطف من التقرير بعض الفقرات
المتعلّقة بالسعودية:
في الأشهر القليلة الماضية، وفي وقت تدهور فيه الوضع
في العراق، قامت إدارة جورج بوش، عبر دبلوماسيتها العامة
وعملياتها السرية، بإجراء تحول مهم في إستراتيجيتها في
الشرق الأوسط. (إعادة التوجيه) تلك، حسبما يسميها البعض
في البيت الأبيض، قادت الولايات المتحدة إلى موقع أقرب
نحو مواجهة مفتوحة مع إيران وبعض أجزاء المنطقة، دافعةً
إياها باتجاه نزاع طائفي متّسع بين الشيعة والسنة.
وبهدف تقويض إيران، ذات الغالبية الشيعية، قررت إدارة
بوش إعادة ترتيب أولوياتها في الشرق الأوسط. ففي لبنان،
تعاونت الإدارة مع الحكومة السعودية، وهي سنية، في عمليات
سرية تهدف إلى إضعاف حزب الله، المنظمة الشيعية المدعومة
من إيران. كما شاركت الولايات المتحدة في عمليات تستهدف
إيران وحليفتها سوريا. وكانت إحدى النتائج الجانبية لتلك
النشاطات دعم المجموعات السنية المتطرفة التي تعتنق رؤية
عسكرية للإسلام وهي معادية لأميركا ومتعاطفة مع القاعدة..
بعد أن حملت ثورة العام 1979 الحكومة المتدينة إلى
السلطة، قطعت الولايات المتحدة علاقتها مع إيران وبنت
علاقات أوثق مع قادة الدول السنية مثل الأردن ومصر والسعودية.
ثم أصبحت هذه الحسابات أشد تعقيداً بعد هجمات الحادي عشر
من أيلول، وخصوصاً مع السعوديين. فالقاعدة منظمة سنية،
والكثير من ناشطيها يتحدرون من دوائر متدينة متطرفة داخل
السعودية.
ونوقشت السياسة الأميركية الجديدة، في خطوطها العريضة،
على الملأ. وخلال شهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية
في مجلس الشيوخ في كانون الثاني الماضي، قالت وزيرة الخارجية
الأميركية كوندليسا رايس إن هناك (اصطفافا استراتيجياً
جديداً في الشرق الأوسط) يفصل بين (الإصلاحيين) و(المتطرفين)،
مشيرة إلى أن الدول السنية تمثل مراكز الاعتدال، فيما
تقع إيران وسوريا و(حزب الله)، حسبما قالت، (في الجهة
الأخرى من هذا التقسيم).
ومع ذلك، فإنّ بعض التكتيكات الجوهرية لإعادة التوجيه
ليست علنية. ففي بعض الحالات، ابقيت العمليات السرية مستترة،
من خلال ترك التنفيذ أو التمويل للسعوديين، أو من خلال
إيجاد طرق أخرى للالتفاف حول الآلية النظامية لصرف المخصصات
في الكونغرس، على حد قول مسؤولين حاليين وسابقين مقربين
من الإدارة.
وقال لي عضو بارز في لجنة المخصصات في مجلس النواب
إنه سمع عن الاستراتيجية الجديدة، ولكنه أحسّ بأنه، وبعض
زملائه، لم يتم إطلاعهم عليها بشكل لائق. وأضاف (لم نحصل
على أية معلومات.. سألنا عما يدور، فأجابوا أن لا شيء
يحصل.. وعندما وجّهنا أسئلة محددة، قالوا سنطلعكم عليها
في ما بعد)، واصفاً ذلك بـ(المحبط جداً).
إن اللاعبين الأساسيين وراء إعادة التوجيه هم نائب
الرئيس ديك تشيني، ونائب مستشار الأمن القومي اليوت ابرامز،
السفير الأميركي في العراق (ومرشح لمنصب سفير الأمم المتحدة)
زلماي خليل زاد، ومستشار الأمن القومي السعودي الأمير
بندر بن سلطان. وفيما كانت رايس مسؤولة بشكل وثيق عن رسم
السياسة العلنية، قال المسؤولون الحاليون والسابقون إن
الجانب السري كان موجهاً من قبل تشيني. (ورفض مكتب تشيني
والبيت الأبيض التعليق على هذه القصة، أما البنتاغون فلم
يجب عن أسئلة محددة ولكنه قال بأن (الولايات المتحدة لا
تخطط لحرب مع إيران).
إن التحول في السياسة دفع السعودية و(إسرائيل) إلى
ما يشبه (العناق الاستراتيجي الجديد)، لا سيما أن كلا
البلدين ينظران إلى إيران على أنها تهديد وجودي. وقد دخلوا
(السعوديون والإسرائيليون) في محادثات مباشرة، والسعوديون،
الذين يعتقدون أن استقراراً أوسع في (إسرائيل) وفلسطين
سيعطي لإيران نفوذاً أقل في المنطقة، أصبحوا أكثر تدخلاً
في المفاوضات العربية الإسرائيلية.
وقال مستشار حكومي أميركي له علاقات وثيقة مع (إسرائيل)
إن الاستراتيجية الجديدة (تعتبر تحولاً رئيسياً في السياسة
الأميركية. إنها بحر من التغييرات)، مضيفاً أن الدول السنية
(متخوفة من انبعاث شيعي.. وهناك امتعاض متنامٍ حيال مراهنتنا
على الشيعة المعتدلين في العراق.. لا يمكننا ردّ الفوز
الشيعي في العراق ولكننا نستطيع احتواءه).
وقال لي الباحث في مجلس العلاقات الخارجية فالي نصر،
الذي كتب بشكل موسع عن الشيعة وإيران والعراق إن (نقاشاً
جرى على ما يبدو داخل الحكومة حول أيهما يمثل خطراً أكبر:
إيران أو الراديكاليون السنة)، مضيفاً أن (السعوديين والبعض
في الإدارة يعتقدون أن التهديد الأكبر يتمثل في إيران
وأن الراديكاليين السنة هم الأعداء الأقل شأناً.. انه
انتصار للخط السعودي).
ويبدو أن السياسة الجديدة للإدارة من أجل احتواء إيران
تعقّد استراتيجيتها من اجل كسب الحرب في العراق. ومع ذلك
قال الخبير في الشؤون الإيرانية باتريك كلوسون، ونائب
مدير معهد واشنطن للأبحاث حول سياسة الشرق الأدنى إن علاقات
أوثق بين الولايات المتحدة والسنة المعتدلين وحتى الراديكاليين
قد تبث (الخوف) في حكومة نوري المالكي و(تجعله قلقاً من
أن السنة قد يكسبون الحرب) الأهلية هناك.
لعبة الأمير بندر
اعتمدت جهود الادارة لتحجيم القوة الايرانية في الشرق
الأوسط بشكل كبير، على السعودية والأمين العام لمجلس الأمن
القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان. وقد عمل بندر في
منصب سفير الولايات المتحدة لمدة 22 عاما، حيث حافظ على
صداقة مع الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني. وفي ظل منصبه الجديد،
استمر في الاجتماع بهما بشكل سري. وقد قام مسؤولون في
البيت الأبيض بزيارات عديدة الى السعودية مؤخرا، بعضها
غير معلن.
في تشرين الثاني الماضي، توجه تشيني الى السعودية لعقد
لقاء مفاجئ مع الملك عبد الله وبندر. وذكرت (التايمز)
حينها ان الملك حذر تشيني من ان السعودية ستدعم حلفاءها
السنة في العراق اذا قررت الولايات المتحدة الانسحاب.
وقال لي مسؤول استخباراتي اوروبي ان اللقاء ركز أيضا على
المخاوف السعودية من (صعود الشيعة)، وأنه رداً على ذلك
(بدأ السعوديون يستخدمون نفوذهم المالي).
وفي عائلة ملكية تظللها المنافسة، تمكن بندر على مر
الأعوام من بناء قوة تعتمد بشكل كبير على علاقته الوثيقة
بالولايات المتحدة، التي تعد حاسمة بالنسبة للسعوديين.
وخلف بندر في منصبه كسفير الأمير تركي الفيصل؛ استقال
تركي بعد 18 شهراً وخلفه عادل الجبير، البيروقراطي الذي
عمل مع بندر. وقال لي دبلوماسي سعودي سابق إنه خلال فترة
عمل تركي، عرف هذا الأخير بلقاءات بندر ومسؤولي البيت
الأبيض وبينهم تشيني وآبرامز. وقال المسؤول السعودي (أعتقد
أن تركي لم يكن سعيداً بهذا الأمر). لكنه أضاف أنه رغم
أن تركي لا يحب بندر، فإنه تشارك معه في هدفه وهو مقارعة
انتشار القوة الشيعية في الشرق الأوسط.
(لا يزال السعوديون ينظرون الى العالم من خلال الإمبراطورية
العثمانية، عندما كان السنة يحكمون، والشيعة في أسفل الدرجات)،
كما قال لي فريدريك هوف، وهو ضابط عسكري متقاعد يعمل كخبير
حول الشرق الاوسط. وأضاف أنه إذا نُظر الى بندر على أنه
يحدث تحولاً لدى السياسية الاميركية تجاه السنة، فإن هذا
الأمر سيعزز موقعه لدى العائلة الحاكمة.
ويسيطر على السعوديين الخوف من أن تتمكن إيران من قلب
موازين القوى ليس فقط في المنطقة بل في بلدهم أيضاً. ففي
السعودية، أقلية شيعية في مناطقها الشرقية، حيث أهم حقول
النفط، وحيث ترتفع حدة التوتر المذهبي. وتعتقد العائلة
الحاكمة ان الناشطين الإيرانيين، الذين يعملون مع الشيعة
المحليين، كانوا وراء العديد من الهجمات الارهابية داخل
المملكة، وذلك بحسب فالي نصر. (اليوم، الجيش الوحيد القادر
على احتواء إيران ـ الجيش العراقي ـ دمر من قبل الولايات
المتحدة. نحن نتعامل مع إيران التي تستطيع ان تكون قادرة
نووياً وتملك جيشاً نظامياً من 450 ألف جندي). (السعودية
تملك جيشاً نظامياً من 75 ألف جندي).
ويضيف نصر أن (السعوديين يملكون وسائل تمويل ضخمة،
وعلاقات قوية بالإخوان المسلمين والسلفيين) ـ المتشددين
السنة الذين يعتبرون الشيعة مرتدين. (في المرة الأخيرة
التي شكلت فيها إيران تهديداً، تمكن السعوديون من تحريك
أسوأ أشكال الإسلاميين الراديكاليين. حينما يخرجون من
الصندوق، من الصعب إعادتهم إليه).
لقد أدت العائلة الملكية السعودية دور الراعي وكانت
في الوقت ذاته هدفاً للمتشددين السنة، الذين يعارضون الفساد
والانحطاط بين آلاف الأمراء. وهؤلاء الأمراء يراهنون على
انه لن يتم الانقلاب عليهم طالما انهم مستمرون في دعم
المدارس الدينية والجمعيات الخيرية المرتبطة بالمتشددين.
إن الاستراتيجية الجديدة للإدارة تعتمد بشكل أساسي على
هذه المساومة.
ويقارن نصر الوضع الحالي بالفترة التي ظهرت فيها القاعدة
للمرة الأولى. ففي الثمانينات وأوائل التسعينات، عرضت
الحكومة السعودية تقديم العون المالي لحرب وكالة الاستخبارات
المركزية الاميركية على الاتحاد السوفياتي في افغانستان.
وتم إرسال المئات من الشبان السعوديين الى مناطق الحدود
مع باكستان، حيث أقاموا المدارس الدينية ومخيمات التدريب
ومنشآت التجنيد. وحينها، كما اليوم، فإن العديد من الناشطين
الذين تلقوا أموالا سعودية، كانوا من السلفيين. وبينهم
طبعاً، كان أسامة بن لادن ومساعدوه، الذين أسسوا القاعدة
عام .1988
في هذه المرحلة، قال لي مستشار الحكومة الاميركية إن
بندر وسعوديين آخرين أكدوا للبيت الأبيض انهم (سيراقبون
المتطرفين عن كثب. كانت رسالتهم: خلقنا هذا التحرك، ونستطيع
التحكم به. ليس الأمر اننا لا نريد أن يرمي السلفيون القنابل؛
إن الأمر يتعلق بالجهة التي يرمونها بها ـ حزب الله، مقتدى
الصدر، إيران، والسوريون أيضا إذا استمروا بالعمل مع حزب
الله وإيران).
وقال الدبلوماسي السعودي إنه من وجهة نظر بلده، فإن
الانضمام الى الولايات المتحدة في تحديها لإيران، يعد
مخاطرة سياسية: ينظر الى بندر على انه مقرب جداً من إدارة
بوش. ويقول لي الدبلوماسي السابق (لدينا كابوسان. امتلاك
إيران القنبلة وهجوم الولايات المتحدة على إيران. أفضل
ان تهاجم اسرائيل الإيرانيين، حتى نستطيع إلقاء اللوم
عليهم. إذا نفذت أميركا الأمر، نحن من سيلام).
خلال العام الماضي، توصل السعوديون والإسرائيليون وإدارة
بوش الى سلسلة من الاتفاقات غير الرسمية حول توجههم الاستراتيجي
الجديد. وقد شمل هذا الأمر أربعة عناصر رئيسية على الأقل،
كما قال لي مستشار الحكومة الاميركية: أولا، طمأنة إسرائيل
الى ان أمنها هو الأمر الأسمى وأن واشنطن والسعودية والدول
الخليجية الأخرى تشاركها قلقها حول إيران.
ثانياً، يحث السعوديون حماس، الحركة الاسلامية الفلسطينية
التي حصلت على دعم إيران، على التخفيف من عداوتها لإسرائيل
والبدء في محادثات جدية حول التشارك في القيادة مع فتح،
الجماعة الفلسطينية الأكثر علمانية. (في شباط الحالي،
توسط السعوديون حول اتفاق في مكة بين الفصيلين. ومع ذلك،
عبرت الولايات المتحدة وإسرائيل عن عدم رضاهما عن الشروط).
الأمر الثالث هو ان تعمل إدارة بوش بشكل مباشر مع الدول
السنية من اجل كبح الصعود الشيعي في المنطقة.
رابعاً، توفر الحكومة السعودية، بموافقة واشنطن، الأموال
والمساعدة اللوجستية لإضعاف حكومة الرئيس السوري بشار
الأسد. ويعتقد الإسرائيليون إن فرض ضغط مماثل على حكومة
الأسد سيجعل من الأمر أكثر ليونة وسيفتح الباب أمام المفاوضات.
أن سوريا قناة أساسية لتمرير الأسلحة الى (حزب الله).
والحكومة السعودية أيضا في خلاف مع السوريين حول اغتيال
رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق، في بيروت عام ,2005
حيث تعتقد ان حكومة الأسد مسؤولة عن الاغتيال. والحريري،
الملياردير السني، كان مقرباً جداً من النظام السعودي
والأمير بندر.
(أشارت لجنة تحقيق دولية الى أن السوريين متورطون،
لكنها لم تقدم دليلاً مباشراً؛ هناك خطط لإجراء تحقيق
آخر عبر إنشاء محكمة دولية).
يصف باتريك كلاوسون، من معهد واشنطن حول سياسات الشرق
الأدنى، التعاون السعودي مع البيت الأبيض بالاختراق المهم.
وقد قال لي (يدرك السعوديون انهم إذا أرادوا من الادارة
ان تقدم عرضاً سياسياً أكثر سخاء الى الفلسطينيين فإن
عليهم حث الدول العربية على تقديم عروض أكثر سخاء الى
الإسرائيليين). وتظهر هذه المقاربة الدبلوماسية الجديدة
(مستوى مرتفعاً من الجهود والمهارة التي ليست مرتبطة دائماً
بهذه الادارة. من يقود الخطر الأكبر ـ نحن أم السعوديون؟
حين يصبح الموقع الاميركي في الشرق الاوسط في أدنى مستوياته،
فإن السعوديين يعانقوننا. علينا ان نحصي نعمنا).
غير أن لمستشار البنتاغون رأي مخالف، حيث يقول إن الادارة
التفتت الى بندر على انه (بديل) لأنها أدركت ان الحرب
الفاشلة في العراق ستترك الشرق الأوسط (عرضة للاغتصاب).
السعودية في لبنان
في قائمة الإستهداف السعودي ـ الأميركي ـ
الإسرائيلي
|
إن وجهة تركيز العلاقة الأميركية السعودية، بعد إيران،
هي نحو لبنان، حيث ان السعوديين متورطون بقوة في جهود
من قبل الإدارة لدعم الحكومة اللبنانية. إن رئيس الوزراء
اللبناني فؤاد السنيورة يكافح من اجل البقاء في السلطة
ضد معارضة مستمرة يقودها حزب الله، المنظمة الشيعية، وزعيمها
حسن نصر الله.
حزب الله يتمتع ببنية تحتية شاملة، تُقدّر بألفين إلى
ثلاثة آلاف مقاتل ناشط، وآلاف الأعضاء الإضافيين. وتم
وضعه على لائحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية منذ
عام 1997 وقد تورطت هذه المنظمة في عملية تفجير ثكنات
المارينز في بيروت عام 1983 التي أسفرت عن مقتل 241 جندياً.
كما اتهمت بالاشتراك في اختطاف أميركيين، بمن في ذلك رئيس
مركز وكالة الاستخبارات المركزية في بيروت الذي توفي في
الأسر، وكولونيل في البحرية كان يخدم في مهمة حفظ السلام
التابعة للأمم المتحدة الذي قتل أيضاً..
أثناء حديثه معي، إتهم الدبلوماسي السعودي السابق نصر
الله بمحاولة (خطف الدولة)، ولكنه أيضاً عارض الرعاية
اللبنانية والسعودية للجهاديين السنة في لبنان، قائلاً
إن (السلفيين مثيرون للاشمئزاز وكريهون... وأنا أعارض
بشدة فكرة مغازلتهم)، مضيفاً (إنهم يكرهون الشيعة، ولكنهم
يكرهون الأميركيين أكثر. وإذا حاولت التفوق عليهم دهاءً،
سيتفوقون علينا. وسيصبح ذلك شنيعاً).
وقال لي الباحث في مركز أبحاث (منتدى الصراعات) في
بيروت الستير كروك، الذي أمضى نحو 30 عاماً في جهاز الإستخبارات
البريطانية (ام أي 6)، إن (الحكومة اللبنانية تفتح المجال
أمام هؤلاء الناس، وذلك قد يصبح خطيراً للغاية). وقال
كروك إن إحدى المجموعات السنية المتطرفة (فتح الإسلام)
قد انشقت عن مجموعتها الأم الموالية لسوريا (فتح الانتفاضة)،
في مخيم نهر البارد في شمال لبنان. وفي الوقت ذاته، عضويتها
تقدر بأقل من مئتين، مضيفاً (قيل لي أنه خلال 24 ساعة،
تم إعطاؤهم الأسلحة والمال من قبل أشخاص عرّفوا عن أنفسهم
بأنهم ممثلون عن مصالح الحكومة اللبنانية ـ ربما للإجهاز
على حزب الله).
أكبر هذه المجموعات، عصبة الأنصار، تتمركز في مخيم
عين الحلوة، وقد تلقت الأسلحة والعتاد من أجهزة أمنية
داخلية وميليشيات مرتبطة بحكومة السنيورة.
عام 2005 ووفقاً لتقرير لمجموعة الأزمات الدولية، ومقرها
في الولايات المتحدة، ورث سعد الحريري، زعيم الغالبية
السنية في البرلمان اللبناني وابن رئيس الوزراء الأسبق،
أكثر من أربعة مليارات دولار بعد اغتيال والده، وقد دفع
48 ألف دولار ككفالة للإفراج عن أربعة عناصر من مجموعة
إسلامية عسكرية من الضنية. وكان هؤلاء الرجال قد أوقفوا
خلال محاولة تأسيس دولة إسلامية صغيرة في شمال لبنان.
وأشارت مجموعة الأزمات إلى أن الكثير من المقاتلين (تدربوا
في مخيمات القاعدة في أفغانستان).
في كانون الثاني الماضي، بعد ثورة العنف الشارعي في
بيروت والتي تورط فيها مناصرون لحكومة السنيورة وآخرون
لحزب الله، توجه الأمير بندر إلى طهران لمناقشة المأزق
السياسي في لبنان وللقاء المفاوض الإيراني حول المسائل
النووية علي لاريجاني.
بحسب سفير في الشرق الأوسط، كانت مهمة بندر، المدعوم
من البيت الأبيض على حد قول ذلك السفير، تهدف إلى (خلق
المشاكل بين الإيرانيين وسوريا). وكان هناك توترات بين
الدولتين بشأن المحادثات السورية مع إسرائيل، وكان هدف
السعوديين هو تعزيز هذا الصدع. ومع ذلك، قال السفير أنها
(لم تفلح. سوريا وإيران لن تخونا بعضهما بعضاً.. ومبادرة
بندر مرشحة بشدة إلى الفشل).
وقال لي مسؤول كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية
أن (الأميركيين قدّموا الدعم السياسي والمالي. السعوديون
يقودون الدعم المالي ولكن هناك تدخلاً أميركياً). وأضاف
أن خدام، الذي يعيش في باريس، يتلقى الأموال من السعودية
بمعرفة البيت الأبيض. (في العام ,2005 التقى وفد من الجبهة
بمسؤولين من مجلس الأمن القومي، وفقاً للتقارير الإعلامية).
وقال لي مسؤول سابق في البيت الأبيض أن السعوديين زوّدوا
أعضاء الجبهة بوثائق السفر.
وقال المساعد السابق في مجلس الأمن القومي لم يتم اطلاع
الكونغرس على الحجم الفعلي للعمليات الاميركية ـ السعودية،
و(السي أي ايه تسال: ماذا يجري؟، انهم قلقون، لانهم يعتقدون
انها ساعة هواة).
إن الكونغرس بدأ يهتم بعملية مراقبة هذه القضية. في
تشرين الثاني، أصدرت (لجنة) الكونغرس للابحاث تقريراً
للكونغرس حول الادارة الضبابية للعلاقة بين نشاطات الـ(سي
أي ايه) والنشاطات العسكرية البحتة، والتي لا تشترط نفس
الاجراءات. كما ان لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، التي
يتراسها السيناتور جاي روكفيلير، عينت جلسة استماع في
8 اذار حول النشاطات الاستخباراتية لوزارة الدفاع.
وقال لي العضو في اللجنة السيناتور الديموقراطي رون
وايدن (لقد فشلت إدارة بوش في معظم الأوقات بتنفيذ تعهداتها
باطلاع لجنة الاستخبارات بشكل دائم (على نشاطاتها). ان
السؤال دائما (ثقوا بنا)...من الصعب بالنسبة لي ان أثق
بهذه الإدارة). كان المال السعودي متورطاً فيما أصبح معروفاً
بفضيحة إيران ـ كونترا، وأن قلة من هؤلاء اللاعبين سابقاً
ـ الامير بندر وايليوت إبرامز ـ هم متورّطون في صفقات
اليوم.
وقد كانت ايران ـ كونترا موضوعاً لمناقشة للدروس المستقاة
قبل عامين بين أعمدة الفضيحة. وكان أحد النتائج بأنه بالرغم
من أن البرنامج قد تم الكشف عنه في نهاية المطاف، فإن
احتمال تنفيذه لا يتم بدون ابلاغ الكونغرس. فما تعلموه
من التجربة، بالنظر الى العمليات السرية المستقبلية، أن
المشاركين لحظوا: أولاً، لا يمكنك منح الثقة لأصدقائنا.
وثانياً، أن السي آي أيه يجب أن تكون خارج ذلك بالكامل،
وثالثاً لا يمكنك الوثوق بالعسكر، ورابعاً: يجب أن تتم
من خارج مكتب نائب الجمهورية ـ إشارة الى دور تشيني، حسب
قول مسؤول استخباراتي كبير سابقاً.
|