الصراع السعودي ـ الايراني على فلسطين
الأكسير المكّي ينقذ الدولة
د.مي يماني
فيما كان الاهتمام الدولي منصبّاً على الإتفاق بين
حماس وفتح لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وتالياً وضع حد
للعنف المتبادل داخل فلسطين، فإن أحد أهم الجوانب الهامة
في المفاوضات والتي لم يتم النظر اليها بصورة مطلقة هو
حقيقة أن المفاوضات قد جرت في مكة. للمرة الثانية خلال
عام، عقب المحادثات التي عقدت من قبل الفرق المذهبية العراقية
خلال رمضان في أكتوبر 2006، فإن المكان المقدّس في الاسلام
قد جرى استعماله كمنصّة سياسية، والذي يغلّف الدور الزمني
والديني لمكة لتعزيز المكانة السعودية.
إن السبب الذي يقف وراء الدور الجديد لمكة كموقع لعقد
الاجتماعات السياسية على مستوى القمة واضح: فالسعودية
تريد إصلاح موقعها بوصفها (دولة قائدة) في المنطقة، وبالتالي
إحتواء الطموحات الهيمنوية الايرانية، المنعكسة في نفوذها
المتنامي في لبنان، العراق، وفلسطين.
وبدعوة حماس وفتح الى جلسة شفائية في مكة، كان الحكام
السعوديون يتطلعون الى تعبئة الرمزية القوية غير المتوفّرة
لدى ايران الشيعية، دع عنك المنافسين العرب السنة مثل
مصر والأردن.
وكونها غير مسبوقة، فإن استعمال مكة كأداة في السياسة
الخارجية السعودية لا يجب أن يثير الدهشة. فقد عانت السعودية
من سلسلة صدمات لمكانتها في المنطقة، وخصوصاً مع صعود
قوة الشيعة في العراق، وهيمنة حزب الله في لبنان، وصعود
حماس في فلسطين، وجميعها قد أفادت من الدعم السياسي والاسناد
المالي الايراني. وذات الشيء يقال عن العلاقات مع الولايات
المتحدة التي تضررت منذ الحادي عشر من سبتمبر، حيث أصبحت
السعودية تعرّف بالتطرف الديني والارهاب.
وفيما كانت المملكة تشعر بالبرودة، كانت السياسة الخارجية
السعودية تعيش جموداً، عكسته الحيرة حول مايجب فعله بشأن
العراق، ودورها المتردد في لبنان، وفقدانها الهدف بخصوص
النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني.
ولكن الآن، ومع تدمير أفغانستان ذات الهيمنة السنية،
والعراق من قبل الولايات المتحدة والذي زخم البروز الايراني،
فإن الموجة تنحسر لغير صالح السعودية. وفيما تراجعت السياسة
الخارجية الاميركية عن (الحرب على الإرهاب) اعتماداً على
الهدف النبيل لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط، الى التركيز
التقليدي على دعم الانظمة (المعتدلة) في المنطقة لجهة
حفظ النظام والاستقرار، فإن المملكة هي الآن ومجدداً الحصن
الاستراتيجي للعالم الاسلامي. فهي توفّر مظلة دينية للمسلمين
كافة، حيث لا يمكن لأي دولة أخرى إدعاء ذلك. والأهم من
كل ذلك، أن الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد لا يستطيع
ببساطة المنافسة.
الاصرار السعودي الجديد ليس مجرد رد فعل على القدرة
النووية الأولية لإيران، فالخطر الذي تفرضه إيران، ربما
أهم من كل شيء آخر، هو أيديولوجي، بسبب تنامي مكانتها
في العالم الاسلامي والتي تهدد بتقويض أسس النظام الوهابي
ـ السعودي. وفي واقع الأمر، فإن محاولتهم لاحتواء التهديد
الشيعي، يعمل السعوديون مع الاسرائيليين، إن لم يكن كحليف،
فعلى الأقل كخصم موثوق. ففي الحرب على لبنان الصيف الماضي،
كانت السعودية أول من أدان حزب الله.
ويشن السعوديون الآن هجوماً مدبّراً يهدف الى كبح (فلسطنة)
السياسة الخارجية الايرانية. فمنذ العام 1979، سعت إيران
الى إحتكار القضية الفلسطينية، حيث نقل الايرانيون بصورة
مباشرة السفارة الاسرائيلية في طهران الى الفلسطينيين،
والتي تقع ـ أي السفارة، في شارع تمت تسميته بـ (شارع
فلسطين). وبالمثل، فإن الايرانيين استثمروا الصراع الفلسطيني
بصورة مباشرة عبر حزب الله، وبصورة مباشرة عبر الاموال
والدعم الفني.
وبعد وفاة عرفات، والنجاح الانتخابي لحماس، كانت إيران
تأمل في جمع عائدات تلك الاستثمارات. وإذا كانت القضية
الفلسطينية هي (القلب النابض) للشرق الأوسط، فإن الايرانيين
بحثوا عن طريق جانبي باستبدال السعوديين بكونهم بطلها.
وفي الواقع، فإن كلا الجانبين يشنون حرباً بالنيابة على
الدم الفلسطيني ـ وهي حرب من المرشح أن تستمر، فيما فشلت
مصر وسوريا في محاولاتهما بالتدخل، أما الأردن فقد أصبح
لاعباً هامشياً بدرجة كبيرة.
إن التحدي الأكبر بالنسبة للسعوديين كان، بالطبع، الظهور
كمستقلين عن الولايات المتحدة واسرائيل وخصوصاً بالنظر
الى رفض المملكة مقابلة أو تمويل حماس منذ وصولها الى
السلطة. وفيما كان على السعوديين إقناع الولايات المتحدة
بأهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، فإن عليهم خلق
صورة الحيادية في سبيل الحفاظ على مشروعيتها المحلية والاقليمية.
وفي هذا السياق، فإن السيطرة على مكة تمنح السعودية
اليد العليا على إيران. يبقى أن الاستعمال المثير للسخرية
لدى الجانبين للقضية الفلسطينية لتمدد طموحاته السياسية
في المنطقة تجعل أي شكل للتسوية السلمية للنزاع الاسرائيلي
ـ الفلسطيني أقل إحتمالاً. على الضد من ذلك، فطالما بقي
النزاع مصنّفاً في الانقسام السني ـ الشيعي، فإن قبول
الواقع والدخول في حوار بنّاء يهدف الى تسويته، سيبقى
الشيء الأخير الذي يريده الجانبان.
|