الخارجية السعودية
يقظة جديدة أم تكتيك أميركي مختلف؟
من زيارة بوتين رئيس روسيا، الى زيارة رئيس وزراء تركيا،
الى زيارة نجاد رئيس إيران، الى زيارة نائب رئيس الوزراء
اليمني، ورئيس البرلمان اليمني، الى زيارة الملك الأردني،
الى زيارة الرئيس المصري، فضلاً عن زيارة هنية وعباس وتدشين
اتفاق مكة، الى زيارة عدد غير قليل من المسؤولين الصغار
من دول عربية وأجنبية شتى تقاطروا على الرياض خلال الأسابيع
القليلة الماضية.
ماذا حدث؟ هل استيقظت السياسة الخارجية السعودية من
سباتها؟ هل أجرت مراجعات جديدة لمواقفها ومواقعها على
الأصعدة العربية والإقليمية؟ هل أثر النقد المحلي والعربي
لتلك السياسة وعجزها، فأرادت الرياض استعادة زمام المبادرة
السياسية كمحور استمر لفترة طويلة ضعيف الفاعلية؟
أسباب ضعف السياسة الخارجية السعودية كثيرة تحدثنا
عنها مراراً وتكراراً في أعداد سابقة من هذه المجلة.
لكن هناك مؤشرات عديدة تفيد بأن السعوديين قد دخلوا
مرحلة جديدة من العمل السياسي، لها بعض السمات المختلفة
عن المراحل الماضية:
أولها ـ من حيث حجم الحركة، فإن الدبلوماسية السعودية
بدأت تستعيد عافيتها بتسارع كبير، ولكن لا يتوقع لها أن
تصل الى ما كانت عليه في الفترة الواقعة بين عامي 1975-1980.
ثانيها ـ حجم الحركة ينبئ عن حجم الإهتمام وتعدده ليشمل
عدداً غير قليل من القضايا. وكانت السعودية منذ حرب تحرير
الكويت، تخلت عن اهتماماتها العربية والإقليمية والإسلامية،
إلا ما اضطرت الى مواجهته وفعله. وزادت العزلة السعودية
(الإختيارية) بعيد أحداث 9/11 تاركة إدارة ملفات شؤون
المنطقة الى الأردن ومصر، ومعوّلة أكثر على الجهد الأميركي
في إدارة تلك الملفات. اليوم يبدو أن السعودية بدأت تستعيد
اهتماماتها بالملفات التي تركتها: الملف اللبناني، الملف
العراقي، الملف الإيراني النووي، الملف الفلسطيني. لكنها
رغم ذلك تجنّبت اقحام نفسها في ملفات أخرى كانت فاعلة
فيها سابقاً، مثل ملف الصومال والملف الأفغاني وملف الصحراء
الغربية والعلاقات الجزائرية المغربية وغيرها.
كما أنها حتى الان تجنّبت التقدم بأية مبادرة تتعلق
بالملفات المستجدة: مثل ملف دارفور. في حين تقدمت دول
مثل قطر واليمن وايران لحل مشاكل من هذا النوع على صعيد
القارة الأفريقية وقاربت بين دول عديدة مختلفة، بسبب غياب
الإهتمام السعودي والدول الأساسية العربية في المنطقة.
ثالثها ـ أن الحركة السياسية والدبلوماسية السعودية
انطلقت من قاعدة الإضطرار، وليس بدوافع الرغبة، فالمسؤولون
السعوديون يعتقدون أن لديهم ما يكفيهم من المشاكل الداخلية،
وهم يشعرون بأن تدخلاتهم الماضية ومساعداتهم لعدد كبير
من الأنظمة والمنظمات لم تؤت ثماراً حقيقية حين احتاجت
السعودية الى الدعم السياسي، وبالتالي فإن الدبلوماسية
السعودية اتخذت شكلاً يمكن توصيفه (دفع الأموال والمساعدات)
فقط، وهذه السياسة كانت سيئة في جانب كبير منها. والآن
تحاول السعودية أن تخفف من هذا الدعم، دون قطعه بالقطع،
فالمال لوحده لم يجلب في الماضي الولاء للنظام السياسي
وخلق انطباعاً خاطئاً لدى المتلقين.
رابعاً ـ ان وجه الإضطرار السعودي يمكن تصنيفه في عدة
اتجاهات: اضطرار بسبب الموقع الديني والسياسي، وهذا ما
حدث بالنسبة للشأن الفلسطيني، فالمملكة كانت مطالبة من
الرأي العام الإسلامي بأن تتدخل، وإلا فما فائدة نظام
يقبض على الأماكن المقدسة دون أن يؤدي واجبه الديني؟ وهناك
اضطرار من جانب سياسي، لمواجهة ايران وتمدد نفوذها في
ظل عجز عربي مقيم، وأولها العجز السعودي والمصري. هنا
تدخل قضية العراق، وقضية فلسطين وقضية لبنان كميدان للمنافسة.
وهناك تدخل من أجل دفع الضرر ليس على صعيد المنافسة السياسية
والنفوذ، فالسعودية إذ تدخل حقل النشاط الدبلوماسي تريد
أن تحمي نفسها من ويلات آتية من خارج الحدود: من الحرب
الإيرانية الأميركية ان وقعت، ومن الحلف الإيراني الأميركي
إن حدث! ومن تصاعد الفتنة الطائفية التي قد تؤدي الى إشعالها
داخل السعودية نفسها، ومن انتشار الحرب الطائفية من العراق
الى حدودها، ومن المفاعل النووي ليس بآثاره السياسية فحسب
بل بآثاره الأستراتيجية وتغيير موازين القوى بحدة في المنطقة،
فضلاً عما يزعم من احتمال تلويث منطقة الخليج.
خامساً ـ ونحن نتحدث عن الإضطرار، لا يجب ان يغيب عن
ذهننا خيبة الأمل السعودية من حماقات السياسة الأميركية.
السعوديون بعد 11/9 تماشوا مع الأميركيين الى أبعد الحدود
بغية ارضائهم وخوفاً من ضربهم وتقسيم بلدهم، وتوقع السعوديون
أن يقوم هؤلاء على الأقل بكبح النفوذ الإيراني في العراق،
وفي لبنان، وفي ايجاد مخرج سياسي للقضية الفلسطينية، ولذا
دعموا أجندة واشنطن الى أبعد حدود، وتخلوا عن القيام بأي
جهد إلا تحت المظلة الأميركية وهو جهد قليل على كل حال.
اكتشف السعوديون متأخرين أن الأميركيين أداروا ملفات المنطقة
بأسوء ما يمكن، وحين ظهر انهم سيفشلون، تدخل السعوديون
حتى لا يغرقوا معهم، وقد وفر الفشل الأميركي في العراق
فرصة للسعوديين لزيادة هامش حركتهم الدبلوماسية بشيء من
التمايز الذي لم يكونوا سابقاً راغبين فيه.
تدخل السعوديين في الوقت الحاضر قد يكون بإشارة اميركية
كما يرجح عدد من الباحثين الغربيين، فأميركا بحاجة الى
أي عون. ولكن لا يعني هذا تطابقاً كاملاً في كل المواقف.
ولعل التوجه السعودي لحل عدد من الملفات عبر التفاوض مع
ايران قد أتى بإشارة اميركية، ولكن المصلحة السعودية ليست
بعيدة على أية حال عن تلك الأجواء.
المهم ان الدبلوماسية السعودية تحركت.. ولكن الأهم
هو السؤال التالي: لماذا تحركت باتجاه اسرائيل بسرعة الصاروخ؟
|