ملك لا يستطيع أن ينقلب على فراشه
هل ينقلب على الوهابية؟
ملك ضعيف ومفتي بيد السديريين
|
مجلة المشاهد اللندنية في عددها الصادر يوم 12/3/2007،
كتبت في عنوان أحد مقالاتها الرئيسية: (الملك ينقلب على
الحركة الوهابية: نايف يهدد بإقالته إن هو واصل تفتيت
المؤسسة الدينية). وهذا العنوان مثير من جوانب متعددة:
فالملك لم ينقلب على المؤسسة الدينية، ولا ينوي أن
ينقلب عليها، وليس في مقدوره إن توافرت النيّة أن يفعل
ذلك!
الملك عبدالله أضعف من أن يتخذ قراراً مثل هذا، وهو
أكثر ضعفاً في تطبيقه.
فإذا كان الملك الذي أصدر قراراً بمنع (تقبيل الأيدي)
لم يلتزم به الأمراء خاصة (سلطان) الذي يظهر على الشاشات
متحديّاً أمر الملك ومتمادياً مع سجيّته المقزّزة والمذلّة
للآخر الذي يجب عليه تقبيل يده.
وإذا كان الملك غير قادر على تنفيذ أوامره (الملكية)
المتعددة والتي اشتكى من أن جهاز الدولة لا يطبّقها.
وإذا كان الوزراء ومن هم في مقامهم لا يستمعون إليه،
بل أن المشايخ لا يلتزمون بكلامه، فيسمعون بأذن ويخرجون
ما سمعوه من الأخرى.
وإذا كان رجال المؤسسة الدينية الكبار يعلنون صراحة
في مجالسهم ـ كما هو حال اللحيدان رئيس مجلس القضاء ـ
بأنهم لا يأبهون برأي عبدالله، ويتلذّذون في إطلاق النكات
عليه.
مثل هذا الملك، هل يستطيع أن يحلّ أو يضعف المؤسسة
الدينية، المدعومة من الصقور السديرية؟!
الأصحّ أن أولئك الصقور، وبغطاء شرعي من رجال المؤسسة
الوهابية، قادرون على أن ينقلبوا على الملك (الضعيف) هذا،
وإنهاء خدماته، وإحالته الى المنفى كما حدث مع الملك سعود،
أو وضعه حبيس قصر من قصوره!
ما يجعلهم يتوقفون عن ذلك، هو احتمال وقوع مواجهة مع
الحرس الوطني الذي يرأسه الملك. ولكن هناك مبالغة في قوة
هذا الحرس البدوي القبلي، فهو ضعيف قبالة الجيش، ويمكن
تحييد معظم قطاعاته وإضعافهم أو شراء ولاء كبارهم.
الطريف أن الجناح السديري استطاع شراء أحد أبناء الملك
عبد الله في بداية التسعينيات، فما كان من أبيه إلا أن
جرّده من مناصبه في الحرس!
(المؤسسة الدينية الوهابية) شريك في الحكم، شريك أدنى
على الأقل، وهي متحالفة مع الجناح السديري الذي يعتقد
بأن بقاء النظام من بقاء المؤسسة الوهابية قويّة.
ولعله من جهل عبدالله ـ الملك ـ أنه لم يبتنِ له قوّة
بين المشايخ، وفي نفس الوقت لم يسعَ الى إضعافهم، وإن
كان المشهور عنه عدم حبّه لهم. وبالتالي أصبحت المؤسسة
الدينية بكاملها بيد المنافسين السديريين، الذين أدخلوا
في روع المشايخ بأن مصيرهم من مصير الجناح السديري، وأنه
لولاهم لكان عبد الله قد أطاح بهم، وغيّر الخارطة الدينية
في المملكة، وهو زعم كاذب بالطبع.
الملك الضعيف، الذي لا يستطيع أن يهشّ الذباب عن وجهه،
فرّط في قوة التيار الإصلاحي الذي كان يمكن أن يشكل له
قوّة حقيقية في الشارع وفي جهاز الحكم. ترك الإصلاحيين
الذين زعم أنه يتبنّى خطابهم ليفترسهم وزير الداخلية،
دون أن ينبس ببنت شفه. ومع التصريح الواضح من الجناح السديري
بأنه ضد الإصلاح، مدعوماً بخطوات واضحة في تقليص هامش
الحريات العامة والصحافة، مثلما هو الحال مع الديوانيات
التي منعت مؤخراً، فإن الملك عبدالله غائب عن الساحة،
ويصوّر له مستشاروه البلهاء بأنه لازال (محبوب الشعب)
بل ويروجون بأنه (بطل الإصلاح)!
لا يعلم هؤلاء بأن الملك صار يشتم في كل منزل، ويستحقر
من قبل الجميع، وأن ضعفه وهزاله السياسي كملك لا يملك
صار محط سخرية من الشعب المسعود. الملك يعيش في وهم صنعه
المستشارون الضعفاء، الذين راح بعضهم يعقد الصلات مع الجناح
المنافس حماية لأنفسهم من المستقبل (الغادر).
الملك الذي لا يستطيع حماية أتباعه،
والملك الذي لا يستطيع أن يتخذ قراراً استراتيجياً
واحداً شجاعاً،
والملك الذي لم يصنع له قوة لا في الشارع ولا في العائلة
المالكة،
والملك الذي تنكر للإصلاح وللإصلاحيين كقوة ناهضة في
المجتمع،
والملك الذي تمّ توريطه اقليمياً بصراعات تتناغم مع
سياسة اضعافه،
هذا الملك العجوز والضعيف ثقافة وفكراً وإرادة.. لا
بدّ وأنه أعجز بكثير من أن يقوم بدور يذكر.
ولعلّه سيكون محظوظاً إن سمح له السديريون بأن يمضي
بقية عمره ملكاً. والأرجح أنهم سيقيلونه إن لم يتخطفه
ملك الموت باكراً بحجة أو بأخرى.
نعم.. الوهابية تمثل عبئاً على المجتمع والدولة.
ولكن العائلة المالكة، أو رموزها الأقوياء يعتقدون
بأن إضعاف الوهابية إضعافاً لهم.
إذن.. فلتعان الدولة، وليعان المجتمع، ولتبقَ سلطة
العائلة المالكة وشريكها الوهابي مستمرة بالقمع وغيره.
أما من يريد الإصلاح، فعليه أن يثبت ذلك.
على الملك أن يثبت أولاً أنه يمتلك قرار نفسه، وأن
لديه الرغبة في الإصلاح، وأنه راغب فيه، وأنه يستجمع القوة
لتنفيذه.
مثل هذا لم يظهر من هذا الملك العجيب، ولا يبدو أنه
سيظهر في المستقبل.
|