الفساد ملكاً
(سوداء اليمامة) تكشف سواد الوجه والمنقلب
سعد الشريف
لماذا سوداء اليمامة؟ ولماذا سلطان؟ ولماذا الآن؟
ثلاثة أسئلة دارت حول ما بثتّه قناة الجزيرة حول موضوع
الفساد في صفقات الأسلحة السعودية.
(سوداء) اليمامة، كان النموذج الأبرز للفساد، وقد اختير
البرنامج لأن مادته جاهزة، ولأن كثيراً من وثائقه نشرت
في الصحافة البريطانية، وبالتالي لن تتكلّف الجزيرة مشكلة
تحمّل مسؤولية برنامج قد بثّ من قبل. كما لن تتكلّف إثبات
أن ما بثته مفضوح للعالم، خاصة في الغرب ( الديمقراطي
غير الفاسد)!
هناك الكثير من ملفات الفساد في السعودية، والتي هي
في الحقيقة لا يوجد فيها ملف صلاح واحد، فكلّها مضروبة
بالفساد حتى النخاع، ولا نجازف إن قلنا بأن الفساد في
السعودية عميق الى الحدّ الذي لا يحتمل وجود مثيل له في
الشرق الأوسط كله، بل لربما يكون الأول عالمياً نظراً
لحجم السمسرة والتلاعب فيها وقلّة المحتكرين، خاصة وأنه
يقع في (بلد التوحيد الوهابي)، بلد (الإيمان).. بلد (الحرمين
الشريفين) بل وتحت شعار (خدمة الحرمين الشريفين).
لماذا سلطان، لماذا اختيرت صفقة مرتبطة بسلطان؟!
ذلك أمرٌ قطري محض. فسلطان هو الوجه الأكثر عداءً لقطر.
ليس هذا مبرراً كافياً.
لكن ما يجعل الأمر مبرراً هو أن سلطان وإخوته الأشقاء
هم من دبروا الإنقلاب في منتصف التسعينيات على الأمير
القطري الحالي، ذلك الإنقلاب فشل، وقد أعدّ الإنقلاب بعناية
شاركت في قوى داخلية وقبلية ومعسكرات سعودية. ويبدو أن
الجرح القطري لمّا يندمل بعد. وبالتالي فتقصّد سلطان بالصفقة
امرٌ متفهّم من هذه الزاوية، خاصة وان القطريين يبدون
فهماً واضحاً لخارطة الأجنحة السياسية في السعودية وصراعاتها.
ولماذا بثّ الفيلم في فترة إعداد السعوديين للقمة العربية؟
لسبب واضح، هو أن أمير قطر أراد تأخير القمّة ليوم
واحد، فرفض السعوديون، هذا سبب. وهناك سبب آخر، هو أن
الإعلام السعودي الذي يمسك به جناح الأمير سلطان وأشقائه،
لازال يواصل عمله الإعلامي المسيّس ضد الحكومة القطرية.
ولذا كان مدهشاً زيارة أمير قطر للسعودية قبيل المؤتمر،
وبعد بث برنامج اليمامة الأسود! وقد التقى بالملك في حين
كان سلطان في المغرب. لذا قيل بأن قطر قدّمت خدمة للملك
الضعيف بأن ضربت عصبة السديريين شعبياً عبر ذلك البرنامج.
بيد أن الأمير القطري، وجد من الأنسب أن يحضر المؤتمر،
ولكنه حين ذهب لم يستقبله الملك باعتبار الضيف رئيساً
لدولة، بل لم يستقبله أي أمير صغير من الدرجة الثانية
أو الثالثة أو العاشرة، بل بعثوا له بوزير إهانة له. وهي
ذات الإهانة ـ بصورة مخففة ـ حدثت للرئيس اللبناني لحود
الذي استقبله نائب أمير الرياض!
أياً كان الأمر، فإن برنامج (سوداء اليمامة) وبقدر
ما أراح شرائح واسعة من السعودية، إلا أن الأمير النهّاب
(سلطان، ولي العهد) لا يبدو مكترثاً كثيراً فالغريق لا
يخشى البلل. بل أن جحافل مشايخ الوهابية رأت الدفاع عنه،
ودبّجت بيانات ومقالات تنتقد الجزيرة (المتحيّزة ضد الملاك
الطاهر سلطان!).. وبدل أن يلوموا صاحب الفساد على فساده،
تعمدت الوهابية العمياء على انتقاد الجزيرة (العميلة)
لأنها نشرت فضائح حكام لم يظهر لهم مثل فسادهم في تاريخ
الجزيرة العربية لا القديم ولا الحديث. وحين يرحلون عن
كراسيهم، هناك شك في أن يظهر في المستقبل نظيرهم من الفساد
والإفساد بمختلف أصعدته وألوانه الأخلاقية والمالية والسياسية.
الفساد عامل انهيار في الأمم. هذا ما تحدثنا عنه سنن
الله في الكون. وهذا ما تتحدث عنه الدراسات السياسية والإجتماعية
الحديثة. الفساد سرطان، لا يمكن إنهاؤه، ولكن إن فلت من
الضبط فإنه يقود الى خراب الدول، وسقوط الحكومات، لما
له من تداعيات اجتماعية ونفسية وسياسية وقيمية. وآل سعود
لا يشعرون بالتهديد، شأنهم شأن أي سلالات طاغية حكمت وبادت،
لا تشعر بأنها تأتي قبيحاً، بعد أن لفّها الفساد والقبح
من كل اتجاه. وفي السعودية يجري أسلمة (الفساد) بالقول
أن آل سعود لا يسرقون أموال الشعب، أو أموال الدولة، لأنهم
في واقع الأمر يرون أن المال مالهم، فكيف يسرق صاحب المال
ماله؟!
وبعض متطرفي النجدية والوهابية المنتفعة من الفساد،
يرى الأمر بصورة أخرى. ففضح آل سعود فضح لهم، وكيف لا
يكون كذلك وهم شركاء في الفساد والجريمة؟ وكيف لا يكون
ذلك وهم يشرعنون حكماً أزكم فساده أنوف الداخل والخارج،
ولطخ سمعة السعودية وأهلها بالفضائح أينما حلوا وارتحلوا؟
لا بد إذن من القول بأن الحكم شرعي ويجري سياسته وفق منهاج
السنّة المطهرة، وأن شرعنته وشرعنة ممارسته بالتالي صحيحة.
ويرى هؤلاء الفئويون المتواطئون مع آل سعود، والمشاركون
لهم في الفساد والإستئثار بالسلطة ومنافعها، أن أي حكم
جديد بديل عن آل سعود سيكون أسوأ من آل سعود! وهي حجة
قالها من قبل كل الطغاة وأزلامهم، وقالها فقهاء سلاطين
قبل فقهاء الوهابية، الذي يتحدثون عن (الخير) الذي تقوم
به الحكومة الحالية، وأنها (أفضل) من غيرها من الحكومات
المشابهة لها.
الفساد أغرق المملكة، وأغرق العائلة المالكة، حتى صار
هو الأصل. وهذا السرطان المتمدد والآخذ بالإنتشار لا بدّ
وأن يقضي يوماً، أو على الأقل يساهم يوماً، في إنهاء حكم
هذه السلالة التي تمرّدت على كل المحظورات الدينية والأخلاقية
المتعارف عليها بين الأمم.
|