السعودية تنقذ أولمرت من السقوط
الرياض مدخل الإستسلام
خالد شبكشي
تعوّل حكومة أولمرت على دور سعودي إستثنائي من أجل
إنقاذها بعد أن أحاطت بها ملفات قاتلة سياسياً، بدأت بهزيمة
أولمرت في حرب تموز ـ يونيو العام الماضي، مروراً بالفساد
المالى والأخلاقي الذي يعصف بمسؤولي الدولة العبرية ووصولاً
الى إنهيار صورتها في الداخل والخارج. ليس أمام أولمرت
وحكومته مخرجاً آمناً لأزمات غير قابلة للتسوية دون الحاجة
الى إجراء عملية جراحية، فبين الاستقالة أو الإقالة يجد
أولمرت نفسه أمام رهان خارجي، يتكفّله المصنّفون تاريخياً
في خانة الأعداء، وراهناً في خانة المعتدلين، وستكون السعودية
بدرجة أساسية طوق النجاة بالنسبة لأولمرت على المستويين
الداخلي والخارجي.
في الثاني عشر من مارس الماضي، نقلت نقلت مصادر صحافية
عن مقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي قولهم إن السعودية
ستمنح إيهود أولمرت طوق النجاة داخليا وخارجيا، وستؤكد
للعالم بان الدولة العبرية ليست رافضة لمبادرات السلام.
وذكر المحلل السياسي في صحيفة هآرتس الاسرائيلية الوف
بن، المعروف بصلاته الوطيدة مع صناع القرار في تل ابيب
وواشنطن، فإن المحادثات السرية التي تجري بين السعودية
واسرائيل برعاية أميركية هي طوق النجاة لاولمرت. وذهب
بن إلى أبعد من ذلك عندما جزم، إستنادا إلى مصادر مقربة
من حكومة أولمرت، بأن المملكة العربية السعودية هي الوحيدة
التي بإمكانها دفع عملية السلام في المنطقة الى الأمام،
لافتاً إلى أن العلاقات السعودية الاسرائيلية تحسّنت كثيراً
بعد انتهاء حرب لبنان الثانية في الصيف الماضي، ومؤكداً
أن مستشار الأمن القومي في المملكة الأمير بندر بن سلطان،
هو الرجل الذي يقوم بتسخين العلاقات بين الدولتين، بدعم
من القصر الملكي السعودي، وبطبيعة الحال من البيت الابيض
الاميركي.
واضاف المحلل الاسرائيلي أن تصريحات أولمرت الايجابية
حول المبادرة السعودية لا تدور في فراغ ولم تأت من فراغ،
انما جاءت بعد تقييم للأمور شارك فيه صناع القرار في حكومة
أولمرت، وأيضا الأجهزة الأمنية الاسرائيلية. بالاضافة
الى تخليص أولمرت من تدني شعبيته، فان المبادرة السعودية
الأصلية، وفق الصحيفة الاسرائيلية، تؤكد للجمهور في اسرائيل
وايضا للرأي العام العالمي بأن الدولة العبرية هي دولة
لا ترفض السلام.
وأكد أن أولمرت يريد تكثيف الإتصالات مع السعودية لوجود
تقاطع في المصالح الاسرائيلية السعودية فيما يتعلق بتطوير
ايران لبرنامجها النووي. فاسرائيل والسعودية تعملان علي
جميع المستويات لإجهاض المشروع النووي الإيراني، والسعودية
تقوم بهذا الدور عربياً، إذ أنها تسعى بخطى حثيثة الى
تشكيل محور الدول التي تسمى إسرائيلياً وأمريكيا الدول
السنية المعتدلة، التي لا تريد أن تمتلك الجمهورية الاسلامية
في ايران الاسلحة النووية.
اما المحور الثالث الذي تلعب فيه اسرائيل والسعودية
فهو فيما يتعلق بالمبادرة السعودية. اولمرت، بحسب الصحيفة
الاسرائيلية، توصل الى قناعة بأن السعودية تملك كافة الطاقات
لإقناع الدول العربية المعتدلة بقبول المبادرة السعودية
الأصلية التي لا تشمل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين
شردوا من فلسطين في نكبة العام 1948، واذا تم اتخاذ هذا
القرار، يقول مقربو اولمرت، فإن السعودية ستكون اهم دولة
عربية بالنسبة لاسرائيل، لان حق العودة ما زال يقض مضاجع
الاسرائيليين، على حد تعبيرهم.
علاوة علي ذلك، يؤكد المقربون من أولمرت، أن المبادرة
السعودية هي مجرد إعلان نوايا لا أكثر، مشيرين الى أن
الحديث لا يدور عن مبادرة سلام مع أجندة زمنية تحتم على
الدولة العبرية أن تطبقها، من هنا يقول المحلل الاسرائيلي،
أن اولمرت يريد أن يوافق الزعماء العرب في مؤتمر الرياض
على المبادرة السعودية، وفي حال اقرارها من قبل المؤتمرين،
فان الحكومة الاسرائيلية ستبدا بالمراوغة والمناورات السياسية
حول الثمن الذي ستدفعه مقابل المبادرة السعودية، أي أن
قبول المبادرة سيمنح الدولة العبرية الوقت اللازم لتأجيل
النظر فيها والمساومة علي تفاصيلها، وهذه برأي المقربين
من أولمرت، نقطة ضوء أخرى في المبادرة السعودية.
بالاضافة الى ذلك، فإن أولمرت يريد من خلال المحادثات
المباشرة بين ديوانه وبين القصر الملكي السعودي، إبعاد
وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني، عن دائرة اتخاذ
القرار، لأن ليفني هي المرشحة الأقوى لخلافة أولمرت، خصوصا
وأنها تتمتع بشعبية واسعة لدى الاسرائيليين، الذين قال
30 بالمئة منهم في الاستطلاع الاخير بانها شخصية مقبولة
جدا وأنهم يؤمنون بأقوالها وأفعالها.
من جهة أخرى يقول محللون أن قمة الرياض تزيد من إحتمال
اجراء محادثات سلام بين السعودية واسرائيل في نهاية المطاف
الا ان على السعودية أن تتعامل بحرص فيما يتعلق بأي إتصالات
مع الدولة العبرية. وقال مسؤولون عرب أن السعودية وافقت
على ترؤس لجنة من الدول العربية ستكون مكلفة بالترويج
لمبادرة عربية قائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام لانهاء
الصراع العربي الاسرائيلي المزمن، بحسب رويترز. وقد تمهد
هذه الطريق أمام الدول العربية التي ليست لها علاقات مع
اسرائيل لفتح قنواتها الدبلوماسية الرسمية الخاصة وهو
هدف تسعى اليه الولايات المتحدة منذ وقت طويل.
وأبلغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس الزعماءالعرب في
الجلسة الختامية بأن اللجنة يجب أن تجري اتصالات مع جميع
(الاطراف المعنية) بعملية السلام في إشارة الى مجموعة
من الدول بينها اسرائيل. ورفض وزير الخارجية السعودي الامير
سعود الفيصل في مؤتمر صحفي عقب القمة التزحزح عن المقترحات
من اجل الترويج لمبادرة السلام العربية لكن الامين العام
للجامعة العربية عمرو موسى قال إنه لن يكون هناك تطبيع
من دون مقابل. وقال دبلوماسيون ومحللون أن على السعودية
أن تتوخى الحرص قبل تقديم أي مبرر لإجراء محادثات مع اسرائيل
التي تطالبها الدول العربية بإعادة أراضي إحتلتها في حرب
1967 الى كل من سوريا ولبنان والفلسطينيين الذين يريدون
إقامة دولة.
وقال دبلوماسي غربي (بالتأكيد هناك حالة من التوتر
بين الذين يقولون (لن نتحدث ابداً مع اسرائيل) ومن الجانب
الآخر للمبادرة العربية الذي يقول (سنقوم بالتطبيع في
نهاية المطاف). ولا تقيم سوى ثلاث دول عربية فقط علاقات
دبلوماسية كاملة مع اسرائيل هي مصر والاردن وموريتانيا
رغم أن بعض الدول الاخرى ترتبط معها باتصالات تجارية محدودة.
وستكون المملكة العربية السعودية بمثابة جائزة كبيرة بسبب
مكانتها في العالمين العربي والاسلامي. وردت اسرائيل على
القمة بالقول بانها مهتمة بالحوار مع الدول العربية التي
(ترغب في السلام مع اسرائيل من اجل العمل على (تطبيع)
العلاقات والتعاون).
وأكد دبلوماسيون ان عدة لقاءات غير رسمية جمعت بين
مسؤولين اسرائيليين والامير بندر بن سلطان الذي قاد جولة
من الدبلوماسية المكوكية في المنطقة خلال الاشهر الماضية
تركزت بصفة اساسية على ايران والعراق ولبنان. ونفت المملكة
العربية السعودية اجراء اي اتصالات مع اسرائيل، ولكن أكد
دبلوماسيون في الرياض اجتماعات الامير بندر مع المسؤولين
الاسرائيليين لكنهم يقولون إنه ليس واضحاً ما اذا كانت
تمت بموافقة الملك عبد الله ام لا.
وينظر الى الامير بندر وهو سفير سابق للسعودية لدى
واشنطن على انه طرف مستقل. وقال مسؤول أوروبي خلال القمة
في الرياض عن إمكانية إجراء إتصالات بين السعودية واسرائيل
(إنها تتجه الى مكان ما ولكنهما في الوقت الراهن يحومان
حول بعضهما البعض).
من جهته نسب موقع (واي. نت) teNY الاخباري التابع لصحيفة
يديعوت أحرونوت الى رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت
قوله أن (تغيراً ثوريا) حدث في رؤية الدول العربية لاسرائيل.
ونقل الموقع عن أولمرت قوله خلال حفل استقبال لأعضاء في
حزبه كديما (توجد عملية هنا صقلتها الحرب في لبنان (العام
الماضي).. وهذه العملية جعلت الدول المؤثرة في العالم
العربي تدرك أن اسرائيل ليست أكبر مشاكلها. هناك تغير
ثوري في مفهومهم).
وأضاف اولمرت ان السعودية هي الدولة التي (ستحدد في
نهاية المطاف قدرة العرب على الوصول الى حل وسط مع اسرائيل).
وقال (يوجد هنا اتجاه مُهم يسترعي الانتباه... إستعداد
السعوديين للقيام بدور رائد والتدخل هو بالتأكيد شيء مثير
للاهتمام). واعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت
في مقابلات صحافية نشرت الجمعة ان اتفاقية سلام شاملة
يمكن ان تبرم بين اسرائيل و(أعدائها) في غضون خمس سنوات.
ويقول المحللون أن قمة الرياض تمثل خطوة طيبة اذا ما
قورنت بالماضي الا أن أمام المبادرة شوط طويل كما أن الأمر
يستلزم قدراً كبيراً من الدبلوماسية الخلاقة من أجل ايجاد
حلول تاريخية لم يكتب لأجيال من الساسة ووسطاء السلام
ان يتوصلوا اليها. ويلقي محللون اخرون بشكوك على قدرة
اولمرت على حشد تأييد شعبي لأي خطوات سلام جذرية وذلك
في ضوء انحسار التأييد لحكومته منذ انتهاء الحرب غير الحاسمة
على لبنان العام الماضي. حسب رويترز. في حين يحاول كثير
من قادة الدولة العربية خلق فرص من صنعهم، وقد شكلوا هذه
المرة لجنة برئاسة السعودية حليفة واشنطن لمتابعة عمل
اللجنة وهو الامر الذي ربما يمهد السبيل امام دول عربية
لا تقيم علاقات مع اسرائيل لفتح قنوات.
واذا نحينا جانبا رد الفعل الاسرائيلي فإن العرب أنفسهم
لا يتفقون جميعهم على محتويات المبادرة السعودية بسبب
تجاهلها الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني. فحركة
المقاومة الاسلامية حماس التي ترأس الحكومة الفلسطينية
تشعر بقلق لان الخطة العربية لا تنص صراحة على حق اللاجئين
الفلسطينيين في العودة الى الديار التي نزحوا عنها عقب
قيام الدولة العبرية.
وخلال اجتماعات سبقت القمة العربية اتفق خالد مشعل
رئيس المكتب السياسي لحماس مع العاهل السعودي الملك عبد
الله على عدم المعارضة العلنية للمبادرة الا ان ساسة حضروا
القمة يقولون أن حق العودة كان يمثل مثار جدل بالنسبة
الى الفلسطينيين. وندّدت بالمبادرة السعودية/العربية أيضاً
عدة فصائل فلسطينية تعارض اتفاقات السلام الفلسطينية مع
اسرائيل، وكذلك حركات مقاومة عربية وإسلامية ذات قواعد
شعبية واسعة. ويقول محللون أنه في الوقت الذي اتفقت فيه
دول عربية على تنشيط مبادرة السلام دون إدخلال أي تعديلات
عليها فإن أي تغييرات تنشأ خلال محادثات مستقبلية يتعين
إعادة الموافقة عليها وهو أمر قد يفتت الجبهة العربية
الموحدة التي تريد السعودية ان تقودها.
ومع كل هذا فان اسرائيل تحبذ دوما التفاوض مع الدول
العربية كل على حدة. وقال جيرالد شتاينبرج رئيس برنامج
إدارة الصراع بجامعة بار إيلان الاسرائيلية أن الخطة العربية
قد تثبت جدواها إذا كانت السعودية جادة غير أن الفلسطينيين
ليسوا في موقف يتيح لهم التوصل إلى توافق بشأن قضيتي اللاجئين
أو القدس.
وفي تعليقه على الغزل الاسرائيلي للسعودية، كتب الباحث
الاردني عريب الرنتاوي مقالاً بعنوان (الغزل الإسرائيلي
للسعودية بديل عن القبول بالمبادرة) نشرته جريدة الدستور
في الثالث من أبريل جاء فيه:
أن إسرائيل تريد بحملة (العلاقات العامة) التي تثيرها
حول قمة الرياض ومبادرة السلام العربية، أن تتفادى تحديد
مواقف واضحة وملزمة من بنود هذه المبادرة ومحتوياتها،
فهي اكتفت ابتداء برفض البند الخاص باللاجئين الفلسطينيين،
وألمحت إلى تحفّظات أخرى على بنود أخرى، ودعت إلى تبديل
أولويات عملية السلام، ليأتي التطبيع أولا، ثم انتقلت
بعد ذلك لإدارة أوسع حملة (تزلف وتمجيد) للمعتدلين العرب،
لكأنها بذلك تريد استدارجهم إلى علاقات سلام طبيعية من
دون التورط بأي التزام من أي نوع، بمضون المبادرة العربية
واستهدافاتها.
على أن هذا التكتيك وإن كان يمكن له أن يداعب مشاعر
البعض ويرضي غرور البعض الآخر من القادة العرب، إلا أنه
تكتيك مأزوم بالضرورة، ولن يفضي إلى أي مكان، ولن تترتب
عليه أية نتائج، فمن من القادة العرب بمقدوره أن يذهب
بعيدا في التجاوب مع حملة (العلاقات العامة) الإسرائيلية
فيما إسرائيل تواصل تسمين المستوطنات، وتستكمل عمليات
تهويد القدس وبناء جدار الفصل العنصري، وتخوض يومياً حروبها
الصغيرة والدامية في مختلف القرى والبلدات الفلسطينية
المحتلة..من من هؤلاء بمقدوره الذهاب بعيدا في حملة المجاملات
مع قادة تل أبيب التي ما زالت تصنف الحكومة الفلسطينية،
حكومة إتفاق مكة، بالإرهابية، وتفرض حصاراً جائراً على
الشعب الفلسطيني، وتعطّل إجراءات فتح المعابر، وتجعل حركة
الفلسطينين وحراكهم أقرب ما تكون إلى الكابوس اليومي.
.. ما يهم إسرائيل في المبادرة، هو الخلاص من الديموغرافيا
الفلسطينية، بسد الأبواب والنوافذ في وجه (حق العودة أولا)،
وإتمام عمليات الانفصال عن السكان بعد قضم أوسع مساحة
من الأرض في الضفة الغربية والقدس، لتكون النتيجة دولة
فلسطينية غير قابلة للحياة، يتعين عليها البحث عن شرايين
أخرى للتغذية من مصادر عربية أخرى، ولهذا يبدو الغزل الإسرائيلي
للسعودية أمراً مفيداً ومتطلباً ضرورياً من وجهة النظر
الإسرائيلية في هذه المرحلة على الأقل، فإن جاءت النتيجة
على مقاس المصالح الإسرائيلية كان الأمر جيداً، وإن انتهينا
إلى تبديد المزيد من الوقت، فهذا أمر جيد أيضاً ويخدم
خطط التجميع والانطواء التي لم تطو بعد.
|