دولة التطبيع
حقبة سعودية جديدة أم حقبة صهيونية؟
تطمح إلى ممارسة دور قيادي، على أمل إعادة إحياء (الحقبة
السعودية) التي بدأت في السبعينيات وانتهت عملياً بغزو
القوات العراقية للكويت في الثاني من أغسطس 1990، وربما
هناك من أرد للدولة السعودية أن تستعيد هذه الحقبة في
غياب دور عربي رعوي سواء على مستوى الجامعة العربية أو
على مستوى القيادات العربية مثنى وفرادى. ففي ظل الصراع
الاميركي ـ الإيراني حول النفوذ في العراق والمنطقة برمتها،
دفعت واشنطن وحلفائها الاوروبيون الرياض لأن تضطلع بدور
منافس على قاعدة الضد المذهبي من أجل تحييد الدور الايراني،
واحتواء الأطراف الحليفة لايران، وهذا ما شجّع الحكومة
السعودية لدعوة القيادات الفلسطينية المتنازعة في مكة
المكرمة وابرام اتفاق على حكومة الوحدة الوطنية التي اعتبرت
انتصاراً سعودياً على إيران، كون الاتفاق جرى بمشاركة
حركة حماس المصنّفة كحليف ايراني.
وبالرغم من أن إتفاق مكة لم يكن في بعض جوانبه مريحاً
لواشنطن وتل أبيب، وهذا ما بدا واضحاً من زيارة رايس الى
المنطقة التي كانت مقررة سابقاً، حيث لم تكن تملك ما تقوله
للرئيس الفلسطيني محمود عباس بخصوص خطة كانت رايس تنوي
مناقشتها مع الرئيسين عباس وأولمرت، وتتضمن محاصرة حماس
وإضعافها تدريجياً وصولاً الى إقصائها عن السلطة، فكان
تثبيت الرئيس هنيّة كرئيس لحكومة الوحدة قد أحبط خطة رايس.
على أية حال، لجأت واشنطن الى الآلية البديلة التي
تندرج في السياق نفسه، أي تعزيز الدور المحوري السعودي
في المنطقة، مهما بلغ هامش الاختلاف بين الرياض وواشنطن
وتل أبيب. وكانت القيادة السعودية قد أقنعت حلفائها الغربيين
بأن ضمانة فعالية دورها بتسويق مشروع التطبيع مع الدولة
العبرية خلال قمة الرياض رهينة بإنجاح رعايتها للقاء تصالحي
يضم القيادات الفلسطينية.
حصلت الرياض على ما أرادت، من أجل عين تل أبيب التي
كانت على موعد مع حدث إستثنائي، في قلب الدولة التي طالما
يجاهر حليفها الديني السلفي بالعداء للدولة العبرية وشعبها،
وكأنما أريد لهذا الحدث أن يكتب تاريخاً مختلفاً.
لم تكن تحظى أي من ملفات الشرق الأوسط الأهمية المرجوة،
أو على الأقل كما توقّع كثيرون منها، وخصوصاً أولئك الذين
انتظروا موعد القمة كيما تفتح الطريق أمام إنسدادات الآفاق
في بلدانهم.. فلا لبنان الذي بالغ فرقاؤه في أن تولي القمة
قسطاً من الإهتمام بأزمته العميقة نال ما كان يرجوه، ولا
العراق الذي تفترسه الجماعات الارهابية الى جانب الاحتلال
الاميركي والبريطاني حصل من قادة العرب على دواء ناجع
لجراحه النازفة، ولا الصومال الذي دهمه الاحتلال الاثيوبي
في ظل صمت عربي مذهل، أعاره المجتمعون في الرياض جرعة
أمل أخوي فقده لسنوات طويلة..ملفات عربية وإسلامية غابت
جزئياً أو كلياً عن جدول أعمال القمة، وحقّ لكثيرين أن
يجأروا بالنقد وأن يعبروا عن خيبة الأمل.
كانت قمة الرياض مفصلاً رئيسياً لتحقيق الإجماع العربي
على الدور السعودي الذي سيرّمز لحقبة يكون التطبيع مع
الدولة العبرية عنوانها العام، ولهذا السبب بالتحديد تم
تغييب قضايا العرب الأخرى، لقناعة موهومة لدى أقطاب معسكر
الاعتدال عرباً وعجماً بأن الحل لقضايا المنطقة يمرّ عبر
تل أبيب، أي أن التطبيع الشامل وحده الكفيل بجلب الحلول
الى العراق ولبنان وفلسطين والسودان والصومال وحتى الملف
النووي الايراني بات يمرّ عبر تل أبيب أيضاً.
ربما لم تحقق القمة هدفها الأصلي، أي الحصول على إجماع
عربي شامل بشأن مبادرة سلام معدّلة بحسب الشروط الاسرائيلية
والاميركية وموافقة دول معسكر الاعتدال، بفعل قوى الممانعة
الفلسطينية والعربية التي رفضت التنازل عن الحقوق الثابتة
للشعب الفلسطيني، وخصوصاً المتعلقة منها بعودة اللاجئين
وعدم التفريط بعروبة القدس، عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة،
ومقاومة مشاريع الاستيطان، ووقف هدم البيوت والمراكز الدينية
ومصادرة الممتلكات، ولجم شهية تصفية القيادات الفلسطينية..
صور الممانعة هذه حالت دون تمرير مبادرة سلام إسرائيلية،
وهي موضع الخلاف بين قوى الممانعة العربية والاسلامية
ودول الاعتدال التي تضم بدرجة أساسية السعودية ومصر والاردن
والامارات، ولكن ما حققته قمة الرياض في بعدها الآخر،
أي التمهيد لمرحلة الاستسلام قد بدأ عملياً عبر تفويض
اللجنة الرباعية المؤلفة من أقطاب معسكر الإعتدال الذي
أعلنته رايس بمتابعة سير المبادرة مع الأطراف المعنية
بمن فيها، بالطبع، الطرف الاسرائيلي.
إعادة محورة السعودية كقوة مركزية في السياسة العربية
الرسمية في هذه المرحلة تبتغي إرساء أسس التطبيع انطلاقاً
من الرياض وتعميماً الى أرجاء الوطن العربي الكبير كافة.
ولذلك فإن ما نشهده من تجييش وإسناد غير مسبوق من الاطراف
كافة، العربية والاميركية والاوروبية والاسرائيلية بمشاركة
ماكينة إعلامية ضخمة تمجّد في شخصية الملك عبد الله وتضعه
كقائد فريد يتّسم بالحكمة (وأشدد على الحكمة) في معالجة
قضايا المنطقة، هو تسويق مقصود لمشروع التطبيع الشامل
مع الدولة العبرية.
وها نحن نقترب تدريجياً من لقاءات علنية على مستوى
القمة بحضور الملك عبد الله، ولسنا بعيدين عن لقاءات علنية
بين الأمير بندر ومسؤولين إسرائيليين، فهذه مقدّمات ضرورية
قبل عقد القمة التي يطمح أولمرت لأن تتم بحضور قادة دول
الاعتدال..نشير بصورة عاجلة الى عدم صدور رد فعل من القيادة
السعودية، فضلاً عن غيرها، ما يشي برفض دعوة أولمرت بالإجتماع
بالملك عبد الله، وليس في ذلك ضير طالما أن النية معقودة
على ما هو أكبر من ذلك، وهو التطبيع الشامل.
|