حول الإعتقالات الأخيرة
الدولة المعتدلة تفرّخ التطرّف
سعد الشريف
إعتقال ما يربو عن 172 عنصراً مشتبهاً في انتمائهم
لتنظيم القاعدة كانوا يعدّون الى عملية إنقلابية تطيح
النظام السعودي لم ينظر اليه بكونه تدبيراً أمنياً روتينياً
شأن تدابير سابقة كانت تقوم بها الأجهزة الأمنية خلال
السنوات الثلاث الماضية، فقد نظرت اليها جماعة بحثية بريطانية
في الثامن والعشرين من أبريل الماضي بأنها تندرج في مخطط
واسع تقوم به شبكة القاعدة، وأن هذه الاعتقالات ستجبر
رجال أسامة بن لادن لإعادة التفكير في خطتهم بفتح العالم
العربي.
فقد أحبطت السلطات السعودية سلسلة هجمات شبيهة بهجمات
الحادي عشر من سبتمبر على واشنطن ونيويورك، تهدف الى توجيه
إنذار مدوّي للدولة السعودية. فقد أعلن بيان وزارة الداخلية
عن إلقاء القبض على 172 مقاتلاً، كانوا يخططون لمهاجمة
المنشآت النفطية والقواعد العسكرية في المملكة. وقال الناطق
الرسمي بإسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي بأن بعض
الاشخاص كانوا يتدربون على الطيران لشن هجمات إرهابية..وأن
بعض الخلايا المعتقلة خطّط لاستهداف المنشآت والمصافي
النفطية. وأضاف تركي بأن أهدافهم شملت (قواعد عسكرية في
داخل السعودية وخارجها). ولم يشر التركي الى القواعد العسكرية
المستهدفة في الخارج، ولكنه أكّد بأن القواعد الأجنبية
داخل الأراضي السعودية لم تكن بين قائمة الأهداف.
وبحسب معلومات خاصة حصلت عليها (الحجاز) من مصادر مطلّعة
فإن شبكة تنظيمية مرتبطة بأسامة بن لادن كانت تعمل منذ
سنوات لإعداد خطة إنقلابية واسعة تستهدف إطاحة النظام
السعودي، وأن عناصر الشبكة لا تنتمي الى الجماعات المسلّحة
المحسوبة على تنظيم القاعدة في الداخل، وإنما ترتبط بأسامة
بن لادن بصورة مباشرة. وتتألف الشبكة من عناصر في الجيش
والحرس الوطني من المحسوبين على التيار الديني، وتركّز
نشاطها على السعودية، وهي ليست على علاقة برجال الدين
السلفيين الذين تدخّلوا لتوجيه إهتمام عناصر الجماعات
المسلّحة المحلية نحو العراق.
هذه الشبكة التي يقودها أسامة بن لادن، تسعى الى قلب
المعادلة الداخلية بعد نجاح السلطات الأمنية السعودية
بتوجيه ضربات الى الجماعات المسلّحة أو استيعابها من قبل
رجال دين سلفيين محسوبين على وزارة الداخلية، أو تم إغرائهم
بالانتقال الى العراق بوحي من خطاب مذهبي طائفي جرى توظيفه
لمعالجة أزمة الجماعات المسلّحة في الداخل. يقول المحللون
بأن المخطط الأخير في حال نجاحه، فإن الصدمة النفسية وتداعياتها
على الغرب والعالم العربي ستؤدي الى نتائج كارثية.
المعلومات المعلنة عن الشبكة تشي بحجمها وقائمة أهدافها،
فقد تحدث التركي عن تفكيك سبع خلايا كانت تستعد لتنفيذ
ما وصفه بـ (أكبر مخطط إرهابي)، وشرح التركي ذلك بقوله
أن عناصر الشبكة (تدرّبوا على قيادة الطائرات التجارية
المدنية لتنفيذ هجمات إنتحارية) وهي المرة الأولى التي
تتحدث فيها الأجهزة الأمنية عن تنظيم القاعدة بالإسم.
وبحسب مصادر (الحجاز) فإن ما ذكره التركي حول تلقي
عناصر الشبكة تدريبات عسكرية في بلد مضطرب في إشارة الى
العراق ليس دقيقاً، حيث يهدف الى ربط الشبكة بالجماعات
المسلّحة في العراق، فيما ذكرت مصادر مطّلعة بأن عناصر
من الشبكة ينتمون الى المؤسسة العسكرية الرسمية (الجيش
والحرس الوطني) وأن قيادات عسكرية كانت في أفغانستان في
مراحل سابقة، ما يجعل إستهداف القواعد العسكرية في السعودية
هدفاً سهلاً يمكن الوصول اليه.
تبدو أجندة الشبكة عامرة بالأهداف، تشمل ضرب المنشآت
النفطية والعسكرية وصولاً الى اقتحام عدد من السجون السعودية.
اعتقال عدد كبير من أعضاء الشبكة لم يضع نهاية لقصة
المخطط، وهو ما أعلنه وزير الداخليه الأمير نايف الذي
أكّد بأن اعتقال الـ 172 مشتبهاً به لم يضع نهاية للخطر
المرتبط بتنظيم القاعدة في السعودية، مؤكّداً على مواصلة
الجهود لملاحقة هذا التنظيم والسيطرة عليه.
من الواضح حتى الآن، أن وزارة الداخلية السعودية تعمد
الى كشف الجذور الخارجية للشبكة، حيث يتم تسليط الضوء
على جنسيات الشبكة: 8 يمنيين و3 بحرينيين، فيما يتم تجاهل
العدد الكبير من العناصر المحليّة، فضلاً عن دورها القيادي
وهو ما أفصح عنه الأمير نايف حين قال في تصريح لصحيفة
الرياض بان مواطناً سعودياً تم احتجازه للاشتباه في أنه
يتزعم واحدة من سبع خلايا تم ضبطها وكانت تخطط لمهاجمة
منشآت وقواعد عسكرية.
لقد أعدّت الشبكة مهمات توزّعت على خلاياها، وكانت
كل خلية تضطلع بمهمة، فكانت خلية مؤلفة من خمسين عنصراً
قد أعدّت خطة مهاجمة قواعد عسكرية في المنطقة الوسطى والشمالية،
فيما كانت خلية أخرى مؤلفة من خمسة عشر عنصراً تنوي القيام
بهجمات بالقذائف على منشآت نفطية في المنطقة الشرقية،
خلية أخرى مؤلفة من 9 يمنيين يقودها سعوديان كانت قد تدرّبت
على اقتحام أحد السجون في جدة.
وقد عقد أفراد الشبكة البيعة لزعيم لهم أمام الكعبة
المشرّفة بعد أن أنهوا تدريباتهم التي استمرت عدة سنوات،
وقد انتقل قسم منهم الى أوروبا لمتابعة سير العمليات بالتنسيق
مع قيادات في الخارج. أفراد هذه الشبكة لم يسبق لهم أن
شاركوا في أية عمليات مسلّحة في الداخل، بالرغم من مشاركتهم
في مرحلة الجهاد الافغاني، وهذا مكمن خطورة التنظيم الجديد،
حيث لا صلات له بالجماعات المسلّحة بالداخل، أو تجارب
عنفية داخلية ما درأ عنه إجراءات المراقبة من قبل الأجهزة
الأمنية.
ما يلفت الانتباه، أن بيان وزارة الداخلية تحدّث عن
فترة مراقبة امتدت لستة أشهر أنهتها قوات الأمن باعتقال
172 شخصاً من أعضاء التنظيم بعد وصول المخطط الى مراحل
متقدمة جداً، فيما يؤكد الأمير نايف في تصريحات صحافية
بأن الاعتقالات لم تضع نهاية للخطر، دون أن يحدد طبيعته،
فما هي المراحل المتقدمة إذاً، وكيف هي طبيعة المراقبة
التي استغرقت فترة طويلة نسبياً.
ثمة شك آخر في بيان وزارة الداخلية والمعلومات المعلنة
من مصادر رسمية، حيث كان الحديث عن الطائرات المدنية لتنفيذ
أعمال انتحارية مصمّمة لمهاجمة أهداف داخلية، ولكن بيان
الداخلية يتحدث عن أهداف خارجية وتحديداً في الصومال والعراق
وأفغانستان، بينما تتحدث مصادر أخرى مطّلعة بأن الاهداف
كانت قواعد عسكرية، ومنشآت نفطية، ومبانٍ حكومية بما فيها
مبنى وزارة الداخلية في قلب العاصمة الرياض، إضافة الى
عمليات انتحارية في مواقع حيوية، واغتيال مسؤولين في الحكومة
السعودية.
يشكك مراقبون غربيون في طبيعة الاكتشاف الفجائي لخلايا
الشبكة، ويصفونها بـ (خبطة إعلامية)، وأن عمليات الاعتقال
قد تمت على فترات متباينة على مدى تسعة آشهر، وأن أفرادها
ينتمون الى مجموعات عديدة مختلفة متورطة في نشاطات متنوعة،
من بينها جذب متطرفين للسفر الى العراق والدعاية عبر الانترنت،
لافتين الى اعتماد وزارة الداخلية إستراتيجية إعلامية
جديدة في حربها على الجماعات المسلّحة في الداخل. ويخلص
أحد المراقبين بأنه (بدلاً من الإعلان عن الاعتقالات وقت
حدوثها، والذي يعكس صورة عدم إستقرار مستمر، فإنهم يدّخرون
هذه الانباء ويقدمونها كمجموعة واحدة).
الا أن مصادر (الحجاز) تفيد بأن الشبكة المرتبطة بصورة
مباشرة بأسامة بن لادن كانت تعمل منذ عدة سنوات على تنفيذ
مخطط شامل يهدف الى ضرب مفاصل الدولة وصولاً الى إسقاطها،
وقد ضمّت الشبكة عناصر عسكرية في الجيش والحرس الوطني،
إضافة الى عشرات من المشاركين في الجهاد الافغاني الذين
لم يسبق لهم أن عملوا في صفوف الجماعات المسلّحة التي
برزت خلال السنوات الماضية ونفّذت عمليات انتحارية ضد
مواقع مدنية وحكومية، وعبّرت المصادر عن تحفّظاتها حيال
نشاطات الجماعات تلك وخصوصاً ما يرتبط منها بالاعمال التي
تطال المدنيين أو تخضع تحت تأثير رجال دين مرتبطين بوزارة
الداخلية.
ما لم تعلن عنه وزارة الداخلية هو هوية المشاركين في
الشبكة، ما ينبىء عن أن الملف مازال مفتوحاً، وأن الخطر
مازال قائماً وليس الأمر متوقفاً فحسب على الإجراءات الأمنية
الروتينية التي تتطلب إخفاء هوية المشاركين ريثما يتم
ضبط بقية أفراد الشبكة، فالأجهزة الأمنية مازالت عاجزة
عن اكتشاف خطوط وخيوط الشبكة كافة، حيث اعتمدت على نظام
الجزر المفصولة بما يدرأ عنها خطر الكشف الشامل.
الاعتدال السعودي.. مبرر التشدد
شأن سياساتها السابقة الممالئة للغرب والولايات المتحدة
بصورة خاصة التي قدحت شرارة التطرف في الداخل، فإن نزوع
العائلة المالكة نحو تبني سياسات تصفها واشنطن بالمعتدلة،
فيما يعتبرها كثيرون بمن فيهم المجتمع السلفي في الداخل
بأنها مؤامرة على الاسلام وقضايا الأمة، بما فيها القضية
الفلسطينية، لا سيما بعد مبادرة السلام التي تنبّتها السعودية
وروّجت لها قمة الرياض الأخيرة.
كانت العائلة المالكة تدرك بأن سياساتها (المعتدلة)
وفق المنطق الأميركي والاسرائيلي كفيلة بصنع بيئة خصبة
لثقافة التشدد، وقد نبّه مجلس الوزراء السعودي في الثلاثين
من أبريل الماضي الى أن ثمة قضايا تمدّ ما يصفهم بالارهابيين
بالذرائع ويرفعونها شعارات ضد الدولة، ولم ينس المجلس
الدفاع عن موقفه الديني إزاء سياسات (الاعتدال) التي يعتبرها
المجتمع السلفي متناقضة مع الموقف الشرعي في سياق التجاذب
بين الطرفين حول مصدر المشروعية.
يربط كثير من المراقبين بين استمرار وتنامي ظاهر العنف
وبين سياسات الغرب في الشرق الأوسط، كأحد مصادر التحريض
غير المباشر. فقد ألقى أحدهم باللائمة في تشكّل خلايا
متطرفة على (السلوكيات السياسية والأيديولوجية والعسكرية
الغربية في المنطقة). وبالرغم من أن هذا التحليل يتجاهل
مسؤولية المصادر المحلية وأهمها: استبداد السلطة السياسية،
والثقافة الدينية المتشددة المحرّضة على الكراهية والعنف،
الا أن جنوح السعودية الى سياسات شبه علنية متواطئة مع
الغرب واسرائيل من شأنها تأجيج المشاعر الدينية في المجتمع
السلفي.
الغلطة الخطيرة التي ارتكبها الغرب وخصوصاً إدارة الرئيس
بوش أنها أدمجت حربها ضد الإرهاب بحروب النفط وتشجيع من
أسمتهم بالمعتدلين المعروفين بكونهم مستبدين، ومتطرفين،
ودمويين، كل ذلك على حساب مشروع الدمقرطة الذي سحب من
التداول على نحو عاجل، ما أعاد الأوضاع الى نقطة التفجّر،
والذي وفّر مساحة كافية لانتعاش حركات التطرف على قاعدة
دينية، وكان من الطبيعي أن تكون الدول التي حظيت برعاية
الغرب، وتبنت بنك الأهداف التي وضعتها إدارة بوش والتي
تنتهي الى تشكيل محور جديد يضم الدول الحليفة مع الغرب
في الشرق الاوسط وتضم اسرائيل التي بدأت تتحدث ومعها أقطاب
الاعتدال مثل السعودية والاردن بأنهم يشكّلون جبهة الاعتدال
ضد التطرف المتمثل في دول وحركات الممانعة.
|