زلزال في لندن وسبات في الرياض
الأمير بندر وفضيحة بقيمة ملياري دولار
عمر المالكي
لم تصمد محاولات تطويق فضائح اليمامة من الجانبين السعودي
والبريطاني، فقد إنهارت التحصينات بعد أن تخلى المدعّي
العام البريطاني جولد سميث عن مهمة مواصلة التحقيق في
الادّعاءات بشأن رشى قدّمتها شركة بي أيه إي سيستمز لأمراء
سعوديين من بينهم ولي العهد الأمير سلطان ورئيس مجلس الأمن
القومي الأمير بندر وأمراء آخرين من أبناء الملك السابق
فهد والأمير سلطان.
وفيما أقفل مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير في
بريطانيا القضية على أساس أنها تتعارض مع المصالح القومية
لبريطانيا بحسب تصريح سابق لرئيس الوزراء توني بلير، قررت
منظمة مكافحة الفساد الدولية أن تكمل مسيرة فضح الفساد
في صفقة الأسلحة (اليمامة).
في السياق نفسه، كثّف عدد من وسائل الاعلام البريطانية
جهوداً خاصة من أجل التوصل الى حقائق جديدة فيما يرتبط
بفضائح الفساد، وكانت المفاجأة أن أحد أبرز وسطاء صفقة
اليمامة، أي الأمير بندر قد تلقى ملياري دولار على مدار
عشرات سنوات، بواقع 30 مليون جنيه إسترليني كل ثلاثة شهور.
المعلومات الجديدة تفتح الباب على قضية بالغة الخطورة
والتعقيد والتي طفت على السطح منذ بداية التسعينيات. فقد
نشرت وسائل الإعلام البريطانية في نوفمبر 1992 تقارير
مفصّلة حول أشكال متعددة من الفساد طالت صفقة اليمامة،
وكذلك الأطراف الضالعة في هذه الدعاوى. ففي الخامس والعشرين
من نوفمبر 1992، بثّت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني
برنامجاً حول دور مارك ثاتشر، إبن رئيسة وزراء بريطانيا
الاسبق في صفقة اليمامة، وكذلك دور رجال الأعمال السوري
وفيق سعيد، الصديق الحميم لأبناء الأمير سلطان وخصوصاً
خالد وبندر. وقد كشف البرنامج معلومات خطيرة حول الرشى
التي دفعت من قبل شركات بريطانية وأميركية لهؤلاء الأشخاص
من أجل الفوز بصفقات بيع أسلحة للسعودية.
وفي الحادي عشر من سبتمبر 1992، وقّعت الحكومة السعودية
صفقة شراء طائرات من طراز ف ـ 15 مع إدارة جورج بوش الأب.
وكانت قيمة الصفقة 9 مليارات دولار، ومن بينها 5 مليارات
دولار تم إدراجها تحت عنوان (خدمات أرضية). وبلغت قيمة
العمولات في هذه الصفقة نحو 30 بالمئة، تم تقسيمها الى
ثلاثة: عشرة بالمئة للملك فهد، وعشرة بالمئة أخرى للأمير
سلطان، والعشرة بالمئة الثالثة تم توزيعها بين الأمير
بندر بن سلطان، والأمير خالد بن سلطان إضافة الى أبناء
وأقارب الملك فهد.
المعلومات الجديدة التي نشرتها الصحافة البريطانية
حول فضيحة اليمامة تمثّل كشفاً آخر لفضيحة مازال بعض جوانبها
مغفلاً، خصوصاً وأن الحكومة البريطانية تخوض مفاوضات مع
الجانب السعودي من أجل توقيع صفقة أخرى من طائرات تايفون
تتجاوز قيمتها 70 مليار جنيه إسترليني.
هذه الفضيحة تسلّط الضوء على طبيعة تعاطي العائلة المالكة
مع قضايا الدفاع والتسلّح، وكيف يتم صنع القرارات المتعلّقة
بالصفقات العسكرية. ويلزم القول بأن العائلة المالكة تنظر
الى هذا الموضوع بكونه شأناً عائلياً، ما يمنع المناقشات
الداخلية على المستويين الشعبي والرسمي. فالقرارات الخاصة
بصفقات التسلح تتخذ، دائماً، داخل دائرة ضيقة في العائلة
المالكة، وتحديداً بين الأمراء في الجناح السديري، إضافة
الى الملك عبد الله الذي دخل الى الحلبة في فترة متأخرة.
يبقى أن تفاصيل هذه الصفقات تعتبر من الأسرار الخاصة جداً،
والتي لا يجوز للرأي العام المحلي الإطّلاع عليها، كونه
غير معني، بحسب وجهة نظر هؤلاء الماسكين بزمام الصفقات
العسكرية. وفي واقع الأمر، فإن شؤون الدولة قاطبة هي شأن
خاص بالعائلة المالكة، هكذا هي عقيدة أفرادها.
وفي غياب برلمان منتخب يملك صلاحية المصادقة أو رفض
الصفقات العسكرية، وكذلك غياب منظمات المجتمع المدني التي
تملك قدرة الضغط لمنع أية صفقة تتعارض مع المصلحة الوطنية،
فإن سياسة هدر الثروة الوطنية من خلال صفقات عسكرية غير
مجدية ستتواصل. فنحن ندرك بأن ثمة هدفين رئيسيين وراء
صفقات الأسلحة: الأول، تعزيز التحالف مع الشريك الآخر،
سواء كان أميركياً أم بريطانياً أم فرنسياً. الثاني: الحصول
على عمولات من هذه الصفقات. ويقود هذان الهدفان الى النتيجة
التالية: أن شراء الأسلحة يستهدف أمراً آخر غير الوظيفة
التي قرّرت لها هذه الأسلحة، بمعنى أن الأسلحة تشترى ليس
لأغراض عسكرية بل لأغراض سياسية ومالية.
أما التركيز على دور الأمير بندر بن سلطان في صفقات
الأسلحة وتالياً فضيحة الرشى المتعلقة بها فيعود الى حقيقة
كونه لعب دوراً مركزياً خلال أكثر من عقدين من الزمن في
حزمة قضايا تتراوح بين صفقات الاسلحة بين حكومته وشركات
غربية، والترتيبات السياسية والأمنية في الشرق الأوسط
ومنطقة الخليج، وصولاً الى تقديم أموال الى حركات تمرّد
في نيكاراغوا (ثوار الكونترا)، وأفغانستان (التنسيق مع
الادارة الأميركية لتنظيم وتمويل المقاتلين العرب خلال
مرحلة الجهاد الافغاني) والعراق (دعم الجماعات المرتبطة
بشبكة القاعدة لإشاعة الفوضى وتخريب العملية السياسية)،
وكذلك لبنان (تشجيع جماعات أصولية مثل فتح الاسلام وعصبة
الأنصار وجند الشام بحسب ما ورد في اعترافات السعوديين
والتقارير الأمنية الصادرة عن الجيش اللبناني)، وكذلك
دفع رشى لعدد من الأحزاب السياسية في الغرب خلال الحملات
الانتخابية سواء داخل الولايات المتحدة، حيث وجّه الحزب
الديمقراطي الأميركي إتهامات للأمير بندر بتقديم مساعدات
مالية للحزب الجمهوري خلال الحملات الانتخابية التي جرت
العام 1992، وهي تهمة تكررت أيضاً في بريطانيا بدعم حزب
المحافظين ونشرت الصحافة البريطانية في العام نفسه أخباراً
عن تورّط الأمير بندر بدفع مبالغ من المال لحزب المحافظين،
كما نشرت الصحف الإيطالية عن دور مماثل للأمير بندر في
ايطاليا. علاوة على ذلك، فإن الأمير بندر يوصف حالياً
بأنه (مهندس) الفتن المتنقّلة في المناطق الحيوية في الشرق
الاوسط.
عسكرياً، يعتبر الأمير بندر مهندس أكبر صفقتين للتسلح
في تاريخ بلاده، الأولى تتعلق بإمداد سلاح الجو الملكي
السعودي بطائرات الإنذار المبكر الأميركية (أواكس) خلال
الثمانينات، والثانية صفقة اليمامة، والتي تتضمن إمداد
سلاح الجو الملكي السعودي بطائرات مقاتلة من طراز تورنادو
وأنظمة دفاعية، كما لعب دوراً جوهرياً في عملية استقدام
القوات الأميركية الى السعودية في حرب الخليج الثانية
العام 1991، الى جانب مشاركته في ملفات أخرى إقليمية ودولية
مثل أزمة لوكربي، وطائرة التجسس الأميركي في الصين.
نشير هنا أيضاً الى أن الأمير بندر لعب دوراً قطبياً
في التسويق لمبادرة السلام التي رفضها الاسرائيليون بصيغتها
القديمة المعلنة في قمة بيروت العام 2002، حيث سعى الأمير
بندر الى إقناع عدد من الحكومات العربية وخصوصاً المصنّفة
منها على معسكر الاعتدال بالتخلي عن مبدأ حق العودة للاجئين
الفلسطينيين الى ديارهم، وكاد التعديل أن يكون رسمياً
في قمة الرياض في مارس الماضي، لولا رفض قوى الممانعة
في العالم العربي التخلي عن هذا المبدأ الذي لا يجوز التفريط
فيه بوصفه حقاً خاصاً للشعب الفلسطيني.
ما أثير بعد أيام قليلة من فضيحة الملياري دولار التي
حصل عليها الأمير بندر من شركة بي أيه إي سيستمز هو السؤال
عن رد فعل الملك عبد الله، الذي بشّر قبل إعتلائه العرش
بسياسة تقوم على المحاسبة والشفافية وتقليص حجم المخصّصات
المالية للأمراء. وهناك من يرى بأن الملك عبد الله الذي
يمتلك نظرياً سلطة مطلقة، بحسب مواد النظام الأساسي الصادر
في مارس 1992، فإن الواقع يخبر بأنه ليس بالقوة الكافية
التي تجعله في موقع يؤهله لفتح تحقيق في هذه القضية فضلاًعن
اتخاذ قرارات حاسمة، حيث سيمنع الأمراء النافذون أي إجراء
ضد من يعتبرونه (رجلهم) الذي يعتمدون عليه في تمرير الصفقات
والعمولات وكذلك تسهيل علاقاتهم مع الحكومات الغربية وخصوصاً
الأميركية.
بحسب مصادر (الحجاز) فإن ثمة جناحاً داخل العائلة المالكة
يعبّر بصورة دائمة عن سخطه من السلطة المتنامية للأمير
بندر، ويعتبرونه أحد المعاول التي قد تهدم عرش المملكة،
وأنه يخوض مغامرات خطيرة مع فريق ديك تشيني في إشاعة الفوضى
والاضطرابات والحروب في المنطقة والتي لن تكون المملكة
عن منأى من تداعياتها الخطيرة. وبحسب هذه المصادر فإن
هذا الجناح يعتقد بأن الدور المثير للجدل للأمير بندر
يهدّد ليس فقط بتشويه صورة العائلة المالكة ولكن تماسكها.
عوداً الى سياق فضيحة الملياري دولار، فإن رد الفعل
المتوقّع كان التوسّل بالصمت وفي أحسن الأحوال النفي المطلق.
فهي العادة غير الكريمة دائماً التي تتبعها العائلة المالكة
في مثل هذه القضايا، فبينما تحدث الأخيرة زلازل سياسية
تطيح برؤوس كبار في الغرب، فإن بلادنا ليست معنية بما
تسببه فضائح أمرائها لهم، فهي تبقى محصّنة أمام المسائلة
والمراقبة والتحقيق.
وحين يصدر بيان عن الأمير بندر ينفي فيه تلقيّه رشى
في صفقة اليمامة (بحسب بيان صادر عنه في 8 يونيو)، فإنه
يوجّه به الرأي العام الغربي، وليس المحلي غير الوارد
في إهتمام بندر أو عائلته. (ذهول) بندر إزاء نشر معلومات
عن عمولات سرية حصل عليها، كما جاء في بيانه، ليس نابعاً
بالضرورة من إحساس بالمظلومية إزاء قضية مشفوعة بوثائق
دامغة لا يمكن حتى لشركة بي أيه إي سيستمز إنكارها، وإلا
فإنها ستكون أول من يتصدى للناشرين دفاعاً عن مصداقيتها
ومستقبلها، ولكنه ذهول لأن ما نشر لم يكن متوقعاً بعد
أن وعد رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بوقف التحقيق
تحت ذريعة الأمن الوطني أو المصلحة الوطنية والحفاظ على
العلاقة الاستراتيجية المهمة مع السعودية في مجال مكافحة
الإرهاب والتعاون الأمني الخاص بإيران وغيرها.
الأمير بندر لم يوفّق في نفيه القاطع لحجم العمولات
التي وردت في تقارير الصحف البريطانية ولكنه قام بتفسيرها
بطريقة مخادعة حيث قال بأن الـ 120 مليون جنيه إسترليني
كانت تحوّل لحساب وزارة الدفاع والطيران السعودية، بحسب
شروط صفقة اليمامة.. (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، ومن
شابه أباه فما ظلم، وهذا الشبل من ذاك الأسد، وإذا كان
الأب وزيراً للدفاع والطيران والمفتش العام، الذي يعلو
فوق المحاسبة والمراقبة والمسؤولية، فكيف يمكن الوصول
الى الحقيقة المدسوسة في دهاليز وقصور الأمراء.
الغريب أن وزارة الدفاع البريطانية نفسها لم تتجرأ
على نفي تلك المعلومات المتعلّقة بالعمولات ـ الرشى، واكتفت
بالقول أنها (لا يمكنها التعقيب على هذه المزاعم لأن ذلك
سيتضمن إفشاء معلومات سرية بشأن صفقة اليمامة، ويمكن أن
تسبب الأضرار التي كان إيقاف التحقيق يهدف الى منع حدوثها).
اللافت في تصريحات صادرة عن مجموعة بي أي أيه سيستمز أنها
تشير الى رشى ولكنها تدرجها ضمن عنوان عام حيث ذكر مصدر
من المجموعة ما نصه:(إن صفقة اليمامة الضخمة أبرمت بين
حكومتين وإن العمولات التي تمت في إطار هذا العقد جرت
بموافقة الحكومتين البريطانية والسعودية الصريحة).
لاشك أن مسؤولين في الحكومة البريطانية وكذلك شركة
بي أيه إي الطرف الذي باع الطائرات العسكرية الى السعودية
يفضّل الغموض في تصريحات وإن انطوت على بعض الكذب المباح
من قبيل أن إسم الأمير بندر لم يرد في صفقة اليمامة بحسب
رئيس بي أيه إي السابق رايموند ليجو، بالرغم من اعترافه
بأن (دفع الأموال للوسطاء قانوني)، وهذا يتضمن إدعاء وإقرار،
فنفي وجود بندر في الصفقة تكذبه الوثائق الرسمية التي
نشرنا قسماً منها سابقاً، وأن الإقرار بوجود أموال للوسطاء،
وقد باتوا معروفين بصلاتهم بالأمراء وخصوصاً خالد بن سلطان
وبندر بن سلطان، مثل وفيق سعيد ومحمد الصفدي وغيرهم، هو
إقرار يلزم إماطة اللثام عنه والبحث عن مصاديقه، وهذا
ما دعى إليه رئيس لجنة التحقق في الصادرات الاستراتيجية
في مجلس العموم البريطاني، النائب العمالي روجر بيري حيث
أصرّ على وجوب التحقيق في (الإدعاءات) الخاصة بصفقة اليمامة،
خصوصاً مع إصرار الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى
أكثر من 20 عاماً على الزعم بأنها لا تعلم شيئاً عن العمولات
السرية التي تم حظرها في بريطانيا من عام 2002.
لم يعد رئيس الوزراء البريطاني معنياً كثيراً بالدفاع
عن موقف حكومته في هذه القضية بعد أن أنجز مهمته في إنقاذ
صفقة اليمامة وصفقات تسلّح مرشحة للإبرام، فهو يغادر مكتبه
في الدواننج ستريت دون أن يتسبب حسب زعمه في (تدمير كامل)
للمصالح الوطنية البريطانية الحيوية في حال استمر التحقيق.
فمهمته إذن كانت حفظ المصالح الوطنية البريطانية حتى وإن
تم على حساب تلويث القيم الديمقراطية وصدقية السلوك العام.
سعوديا، دافع بعض المقرّبين من الأمير بندر عن موقفه
فيما وصف أحدهم ما نشر عن فضيحة الرشى بأنها حملة تستهدف
المملكة ودورها. وكان أشدها إثارة للدهشة ما ورد في مقالة
بعنوان (لماذا بندر؟ لماذا في هذا الوقت بالذات) لكاتب
يدعى علي الخير نشر في التاسع من يونيو في موقع (إيلاف)
المقرّب من العائلة المالكة. يقول الكاتب أن الحملة تستهدف
دور السعودية والعودة الى سياسة الجمهود التي (سمحت لكلّ
القوى الأقليمية غير العربية أو للقوى العربية المرتبطة
بأجندات غير عربية بأن تأخذ راحتها. حصل ذلك على حساب
الدور السعودي أوّلاً وأخيراً في وقت تبدو مصر أسيرة أوضاعها
الداخلية المعقّدة على رأسها مسألة خلافة الرئيس حسني
مبارك). ولم يحدد الكاتب دخالة مصر في هذه القضية، ما
لم يعكس الكاتب موقف ناشر الموقع، على طريقة بعض الاعلاميين
اللبنانيين في قناة (العربية) الذين يحمّلون سوريا مسؤولية
كوارث العالم بما فيها اعصار غونو!
دافع الكاتب عن شخص بندر ولم يدافع عن موقفه في قضية
الرشى، وإن مرر سؤالاً مرحاً: هل يعقل أن تكون العمولات
ذهبت كلّها الى جيب الأمير بندر؟ هل هو الوحيد الذي على
علاقة بعقد (اليمامة) الذي قيمته ثلاثة وأربعين مليار
جنيه أسترليني أي ستة وثمانين مليار دولار، أذا أخذنا
قيمة صرف الدولار أمام الجنيه اليوم؟).
ونسي الكاتب بأن هناك أمراء آخرين متورطون في فضيحة
الرشى في صفقة اليمامة، بمن فيهم الأمير سلطان ولي العهد
وابنه الأمير خالد بن سلطان إضافة الى وسطاء آخرين مثل
وفيق سعيد ومحمد الصفدي.
بندر يسرق بصمت
الجدل القانوني لتطويق الفضيحة
|
كتب ديفيد ليج وروب إيفان مقالة في صحيفة الجارديان
البريطانية في السابع من يونيو تناولا فيه إتهامات لشركة
الأسلحة البريطانية بي أيه إي الشريك الثاني في صفقة اليمامة،
والتي واجهت على مدار سنوات تهماً بتقديم رشاوى وخدمات
ذات طبيعة غير أخلاقية لأمراء في العائلة المالكة لتمرير
صفقة اليمامة. وكشفت المقالة عن أن شركة الأسلحة البريطانية
بي أيه إي دفعت بصورة سرية للأمير بندر أكثر من مليار
جنيه إسترليني (نحو ملياري دولار أميركي) فيما يرتبط بالإتفاقية
الأكبر للأسلحة مع بريطانيا. ولفتت المقالة الى أن سلسلة
من الرشاوى قد دفعتها الشركة البريطانية عبر بنك أميركي
في واشنطن لحساب يديره واحد من أهم الأعضاء النافذين في
القبيلة السعودية الحاكمة، والذي أمضى 20 عاماً كسفير
لها ـ أي للقبيلة ـ في الولايات المتحدة.
وقيل بأن رشوى من 30 مليون جنيه إسترليني تم دفعها
كل ثلاثة شهور للأمير بندر خلال عشر سنوات على الأقل.
وبحسب مصادر قضائية مطّلعة أن المبلغ تم دفعه الى الأمير
بندر مع علم وترخيص من مسؤولي وزارة الدفاع في حكومة بلير
وأسلافها. وعل مدار عشرين عام، زعم وزراء في الحكومة البريطانية
بأنهم لم يكونوا على علم بأي شيء حول رشاوى سريّة، والتي
اعتبرت مخالفة للقانون في بريطانيا سنة 2002.
وفي تحقيق أجراه مكتب التحقيق في الغش التجاري الخطير
بشأن التحويلات المالية خلف صفقة أسلحة اليمامة بقيمة
43 مليار جنيه إسترليني، والتي تم توقيعها العام 1985،
قد كشف تفاصيل عن رشاوى للأمير بندر.
ولكن تم إيقاف التحقيق في ديسمبر الماضي من قبل مكتب
التحقيق في الغش التجاري بعد إعادة نظر المدعي العام اللورد
جولدسميث. وقال بأن المصالح الوطنية البريطانية تقضي وقف
التحقيق، وأن هناك أفقاً ضئيلاً للتوصّل الى إدانات. وقال
توني بلير بأنه تحمّل (المسؤولية الكاملة) بشأن هذه القرار.
مهما يكن، وبحسب المطّلعين على المناقشات الدائرة في
هذه الفترة، فقد حذّر اللورد جولدسميث الزملاء بأن ضلوع
الحكومة البريطانية كان في خطر الافتضاح ما لم يقم مكتب
التحقيق في الغش التجاري الخطير بوقف تحقيقات الفساد.
تعطيل التحقيق أطلق صرخة من قبل مناهضي الفساد، وقاد
منظمة مراقبة الرشاوى العالمية (أو إي سي دي)، الى فتح
تحقيق خاص بها.
فقد تسببت الدعاوى الأخيرة مشاكل أيضاً لشركة بي أيه
إي في أميركا، حيث أن المدفوعات الفاسدة للسياسيين الأجانب
قد تم تجريمها منذ العام 1977. فالدعاوى بخصوص رشاوى للأمير
بندر من شأنها إشعال خلاف جديد حول الصفقة الأصلية والتحقيق
المجهض من قبل مكتب التحقيق الفيدرالي.
فقد عرف عن الدبلوماسي السعودي، أي الأمير بندر، بأنه
لعب دوراً مركزياً مع السيدة ثاتشر، رئيسة وزراء البريطانية
السابقة، من أجل إعداد أكبر سلسلة من صفقات السلاح في
تاريخ بريطانيا.
ولأكثر من 20 عام، اشتملت صفقة اليمامة على بيع السعودية
120 طائرة تورنادو، وهاوك ومعدّات عسكرية أخرى. وبناء
على مصادر قانونية على إطّلاع بسجّلات قضية اليمامة، فإن
شركة بي أيه إي قامت بتحويل مبالغ للأمير بندر كل ثلاثة
شهور على مدار عشر سنوات أو أكثر.
وقد سحبت بي أيه إي المبالغ من حساب سري في (بنك أوف
إنجلاند) الذي صمم لتسهيل صفقة اليمامة. وكان يتم إيداع
ملياري جنيه إسترليني سنوياً في هذا الحساب كجزء من الترتيبات
المعقّدة التي تسمح ببيع النفط السعودي في مقابل شحن طائرات
تورنادو وأسلحة أخرى.
وكان كل من شركة بي أيه إي وإدارة بيع الأسلحة التابعة
للحكومة، أي منظمة خدمات التصدير الدفاعي (ديسو)، تمسّكت
بحقها بخصوص الأموال، التي كان يتم إيداعها في حساب خاص
بوزارة الدفاع ويديره مصرفي حكومي، والصرّاف العام للرواتب.
ويقول مقرّبون من (ديسو) بأن رشى منتظمة كانت تسحب
من قبل بي أيه إي ويتم تحويلها الى حساب الأمير بندر في
(Riggs Bank) في العاصمة الأميركية
واشنطن.
ووفق الشروط غير المعروفة لدى وزارة الدفاع البريطانية
فإن تعليمات صادرة من مسؤول الادارة الدائمة، السير فرانك
كوبر، فإن الدفع كان يتطلب إذناً من (ديسو).
ولم يصنّف المبلغ المدفوع للأمير بندر بكونه رشوة،
ولكنه رسوم شبه رسمية لتسويق الخدمات. وأن هذه المدفوعات
قد استمرت لمدة عشر سنوات والى ما بعد 2002، حين تم تجريم
المدفوعات الفاسدة في بريطانيا لمسؤولين أجانب.
محققو مكتب التحقيق في الغش التجاري الذين يقودهم المدير
المساعد هيلين جارليك تعثّروا في البداية بالمدفوعات المزعومة،
بحسب مصادر قضائية، حين كشفوا عن وثائق عالية السرية في
وزارة الدفاع خلال التحقيق الذي استمر مدة ثلاث سنوات.
وقبل إيقاف التحقيق، قابل مكتب التحقيق في الغش التجاري
ألين جاروود، رئيس ديسو. وبحسب مصادر مقرّبة من وحدة مبيعات
السلاح قالت بأنه وستيفن بولارد، المدير التجاري للمشروع
السعودي قد تم إستجوابهم بشأن الأسباب التي دفعت لترخيص
المدفوعات.
وقد سألت صحيفة الجارديان الأميربندر بن سلطان، رئيس
مجلس الأمن الوطني للبلاد، عن الرشاوى المزعومة، ولكنه
لم يجب. كما أن أنظمة بي أيه إي لم تقدم أي تفسير بشأنها.
وقالت الشركة:(إن مقاربتكم مشتركة مع العناصر الأقل مسؤولية
للإعلام)، أي أنها تقضي بأن ذنب أنظمة بي أيه إي هو تجاهل
تام للحقائق.
وأضاف الناطق الرسمي بإسم الشركة جون نيلسون: (لدينا
قليل من الشك بأن من بين الأسباب التي دفعت المدّعي العام
إلى اعتبار القضية مورد إدانة كان حقيقة أننا تصرفنا بناء
على..العقود المماثلة، بموافقة الحكومة السعودية، سوياً
مع تلك التي لدى وزارة الدفاع في المملكة المتحدة).
ولن يناقش مكتب المدّعي العام المزاعم حول مصادر قلق
اللورد جولدسميث بـ (تورط الحكومة) في الرشاوى.
وقال الناطق الرسمي بأن تحقيق مكتب الغش التجاري قد
تم إيقافه بسبب (التهديد الحقيقي والجدي للأمن الوطني).
وأضاف بأن (هناك صعوبات قانونية كبرى..بالنظر الى دعوى
بي أيه إي بأن الرشاوى قد تمت بناء على الترتيبات العقدية
مورد الإتفاق، وليس هناك من شيء قد تم تعديله في رواية
الجارديان).
وقد رفضت وزارة الدفاع، حيث يدير الوزير باول درايسون
وحدة مبيعات الأسلحة في الحكومة البريطانية، تقديم المزيد
من الإيضاح. وقال الناطق الرسمي بأن (وزارة الدفاع غير
قادرة على الرد على النقاط المطروحة..حيث أن القيام بذلك
سيؤدي الى الكشف عن معلومات سرية خاصة باليمامة، وقد يتسبب
في إحداث ضرر ينهي التحقيق الذي صمم لمنع وقوعه).
نائب رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي، فينس كيبل،
دعى الى تحقيق عاجل في الاكتشافات الجديدة. وقال بأن (هذه
تعتبر ذات أهمية أكبر ومدمّرة أكثر من أي شيء آخر تم الكشف
عنه سابقاً. إنها غير مغفورة في حال كانت تقوم الحكومة
البريطانية بالتستر على رشاوى تحت الطاولة لشخصية رئيسية
في الحكومة السعودية. ويجب أن يكون هناك تحقيق برلماني
كامل بشأن ما إذا كانت الحكومة قد خدعت الجمهور وقوّضت
التشريع المضاد للفساد التي تم إقرارها عبر البرلمان).
وطالب أيضاً بأن (ينظر التحقيق بدرجة كبيرة فيما إذا
كانت الدوافع خلف القرار لسحب تحقيق مكتب الغش التجاري
كانت على غير علاقة بالمصالح القومية للمملكة المتحدة
ولكن بالمصالح الشخصية لواحد من إثنين من الوزراء السعوديين
الأقوياء.. وإن مزاعم توني بلير بأن الحكومة كانت محثوثة
باعتبارات الأمن الوطني تبدو جوفاء بدرجة كبيرة). وقد
أثار الدكتور كيبل، الشهر الماضي (مايو) قضية الـ (بي
أيه إي) في مجلس العموم البريطاني وإتهم الأمير بندر بالإفادة
بصورة شخصية من صفقة اليمامة.
الاكتشافات الجديدة جعلت محاولة بي أيه إي شراء شركة
أرمور القابضة في الولايات المتحدة أكثر صعوبة. فالصفقة
تتطلب قبولاً من المشرّعين في الولايات المتحدة.
وبصورة منفصلة، فإن وزارة الخارجية الأميركية أعربت
لدى وزارة الخارجية (البريطانية) عن معارضتها لإنهاء التحقيق
من قبل مكتب الاحتيال التجاري، قائلة بأن ذلك سيقوّض الجهود
العالمية لإخماد الفساد من قبل المصدّرين.
ونقلت صحيفة الجارديان في الثالث عشر من يونيو عن زعيم
الحزب الديمقراطيين الليبراليين منزيس كامبل انتقاده لصمت
رئيس الوزراء القادم براون، خليفة توني بلير، وقال (نحن
بحاجة الى تحقيق شامل للتحقق في ما اذا كانت وزارة الدفاع
قد تورّطت بصورة مباشرة في تمرير عمولات للأمير بندر.
إن فشل الوزارة في توضيح هذه القضية أمر غير مقبول. نحن
بحاجة لمعرفة ما اذا كان أي من العمولات قد تم بعد العام
2002 أو ما إذا خرق قانون مكافحة الفساد. واذا ظهر أن
القانون قد تم خرقه فإن القضية يجب أن تكون في عهدة البوليس).
وقد صرّح جيرمي كارفر، محامي وعضو هيئة الشفافية الدولية
لبرنامج بانوراما الذي بثّته تلفزيون بي بي سي بأن (العمولات
تعتبر رشاوى مباشرة كما تعرّفها إتفاقية منظمة التنمية
والتعاون الاقتصادي لمكافحة الرشوة..).
شركة الأسلحة البريطانية، بي أيه إي، لم تعترض على
دفع عمولات، والتي تقول بأنها تمّت بناء على موافقة وزارة
الدفاع البريطانية. مصادر قضائية بريطانية قالت أيضاً
وبصورة محددة بأن بي أيه إي قامت بعمليات تحويل أموال
نقدية.
وبحسب وكالة رويترز، فإن الأمير بندر نفي أن يكون هناك
أي خطأ، مدعيّاً بأن ليست هناك صلة بين هذه الاموال وبي
أيه إي. وحسب قوله (فإن هذه الحسابات لا علاقة لها بأي
حال بشركة أيروسبيس البريطانية. وأن الحسابات المذكورة
تخضع للرقابة والتقييم السنوي من قبل وزارة المالية في
المملكة السعودية).
وقد كلّف الامير بندر للدفاع عنه شركة محامين هربرت
سميث وشركتين في العلاقات العامة في لندن. وبحسب ناطق
رسمي بإسم الأمير، مجموعة سميثفيلد للعلاقات العامة، ليس
لدى الأمير مزيد تعليق على الدعاوى التي بثّته صحيفة وول
ستريت جورنال الأميركية في الثاني عشر من يونيو.
وكانت الصحيفة الأميركية ذكرت، بناء على محققي بنك
ريجز، أن مجموعة كبيرة من الشيكات السياحية بقيمة ألف
دولار لكل واحد، دفعت في مناسبة واحدة بأمر من الأمير
بندر كيما يتم تحصيلها من حسابات الايداع في واشنطن. وتم
دفع بعض الشيكات الى إم جي إم، وهو كازينو كبير في لاس
فيجاس.
مناهضو الفساد قالوا في الثاني عشر من يونيو أنهم سيطالبوا
باستئناف عاجل ضد الحكم الأولي الذي أصدره أحد القضاة
بأن مزاعم (الأمن الوطني) حالت دون أخذ الحكومة الى المحكمة
بشأن الطريقة التي أوقف بها رئيس الوزراء والمدّعي العام
تحقيق مكتب الاحتيالات الخطيرة في عمولات بي أيه إي.
بندر ممثل للعائلة المالكة
تحت عنوان (الأمير بندر تلقى أموالاً من شركة سلاح
بريطانية) كشف تحقيق لبي بي سي في السابع من يونيو عن
أن أميراً سعودياً بارزاً تلقى أمولاً بشكل سري من أضخم
شركة بريطانية للسلاح وذلك خلال تفاوضه معها على صفقة
تبلغ قيمتها 40 مليار جنيه استرليني.
فقد قدمت شركة BAE Systems
مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية للأمير بندر بن
سلطان، رئيس مجلس الأمن القومي السعودي، لأكثر من عقد
من الزمان. وقد تم تقديم الأموال بمعرفة وزارة الدفاع
البريطانية معرفة كاملة.
ورفض الأمير بندر التعليق على ذلك، فيما قالت
BAE Systems إن تصرّفها لم يخالف
القانون في أي وقت من الأوقات. وقالت وزارة الدفاع البريطانية
إن المعلومات عن (صفقة اليمامة) ذات طبيعة سرية ولا ينبغي
كشفها.
وقد تم إرسال ما يصل إلى 120 مليون جنيه إسترليني سنويا
من جانب الشركة البريطانية إلى حسابين مصرفيين تابعين
للسفارة السعودية في واشنطن لأكثر من عقد من الزمن.
ويثبت برنامج بانورما الخاص بتلفزيون بي بي سي من أن
هذين الحسابين كانا في الواقع واجهة لتلقي الأمير بندر
تلك الأموال.. وكان غرض أحد الحسابين هو دفع نفقات الطائرة
إيرباص الخاصة للأمير.
وقال ديفيد كاروزو، وهو محقق عمل في البنك الأمريكي
الذي يخضع له الحسابان، إن الأمير بندر كان يسحب أموالا
لإنفاقه الخاص من الحسابين اللذين كان يبدو أنهما خاصّان
بحكومة بلاده.
وأضاف كاروزو: (لم يكن هناك فرق بين حسابات السفارة،
أو الحسابات الحكومية الرسمية كما كنا نسميها، وحسابات
الأسرة المالكة). وقال كاروزو إنه يفهم أن هذا المسلك
استمر (لسنوات وسنوات). وتابع (تعلّق الأمر بمئات الآلاف
والملايين من الدولارات).
وبحسب مصادر (بانوراما)، تم إلحاق المدفوعات بالتعاقد
الخاص بصفقة الأسلحة في شكل ملحقات سرية، وصفت بأنها (خدمات
دعم). وأقرّتها وزارة الدفاع البريطانية رسمياً على نحو
ربع سنوي. وقد تم الكشف عن تلك المدفوعات خلال تحقيق أجرته
هيئة مكافحة جرائم الفساد الكبرى.
من جانبه رفض رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التعليق
على ما تضمنه برنامج بانوراما، لكنه قال إن تحقيق هيئة
مكافحة جرائم الفساد لو لم يتم إيقافه (لكان قد قاد الى
تدمير كامل لعلاقة استراتيجية هامة (مع السعودية) وخسارة
آلاف الوظائف).
أما رئيس لجنة التحقق في الصادرات الإستراتيجية في
مجلس العموم البريطاني، النائب العمالي روجر بيري، فقال
للبي بي سي إن الادعاءات الخاصة بتلقى الأمير بندر أموالا
يجب التحقيق فيها. وأضاف النائب العمالي أنه إن وجدت أية
أدلة على رشاوى أو فساد في صفقات السلاح منذ عام 2001
فإن ذلك يعتبر جريمة جنائية، وفقاً للقانون البريطاني.
المدعّي العام جولد سميث رد في الثامن من مايو على
معلومات حول حصول بندر على ملياري دولار، و نشرت الجارديان
بأن رئيس مكتب التحقيق في الغش التجاري تحمّل المسؤولية
عن قراره لحجب معلومات عن منظمة مكافحة الفساد الدولية
حول وجود عمولات بقيمة مليار جنيه إسترليني لأمير سعودي.
وفي تصريح لروبرت وارديل، مدير مكتب التحقيق في الغش
التجاري، أن القرار تم بواسطة منظمته على قاعدة الحاجة
الى حماية الأمن الوطني.
المدعي العام، لورد جولدسميث، الذي رأس مكتب التحقيق
في الغش التجاري، نفي تقرير الجارديان بأنه أمر بحجب المعلومات
عن مجموعة مكافحة للرشى تابعة لمنظمة التنمية والتعاون
الاقتصادي.
وقد كشفت الجارديان بأن المدّعي العام أصبح مدركاً
لتلك العمولات بسبب طلب مكتب التحقيق في الغش التجاري
بالتحقيق في مزاعم فساد في شركة بي أيه إي. ويدرك أيضاً
ضعف الحكومة إزاء اتهامات بالتجريم حيال الفترة الطويلة
للعمولات السرية.
وليس ثمة شك، بحسب تقرير الجارديان، في حقيقة أن العمولات
قد تم إخفاؤها عن منظمة التنمية والتعاون الإقتصادي حين
طلبوا تفسيرات لإسقاط طلب مكتب التحقيق في الغش التجاري.
وبذلك، تعرّض المسؤولون في الحكومة البريطانية للفضح
في محاولة لتقويض عملية المنظمة، وشكت بأن رئيسها السويسري
كان صريحاً للغاية.
وقد سألت الجارديان مكتب المدّعي العام الذي كان مسؤولاً
عن إخفاء المعلومات عن منظمة التنمية والتعاون الإقتصادي،
ولكن تم إبلاغ الجريدة: (أن المعلومات المقدّمة للمجموعة
العاملة على قضية الرشوة التابعة للمنظمة، كانت معدّة
بوساطة مكتب المدّعي العام ومكتب التحقيق في الغش التجاري)،
وكلاهما يعودان الى سلطة اللورد جولدسميث. وقد نفى الأخير
لإذاعة بي بي سي الرابعة في برنامج (اليوم) (ليس صحيحاً
على الاطلاق أن أكون أمرت المحقّقين لاخفاء العمولات عن
منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. فذاك ما زعمته الجارديان.
وهذا مستنكر بالمطلق).
على أية حال، فقد رفض اللورد جولدسميث مناقشة الاتهامات
المتعلقة بعمولات تشمل مزاعم بأنها استمرت حتى بعد وصول
حزب العمال الى السلطة في العام 1997. وقال ما نصه (لن
أمضي في تفاصيل أية دعاوى شخصية)، على أساس أن وزارة الدفاع
هي الإدارة المسؤولة التي تأخذ بعين الاعتبار سرية المعلومات،
وأنها ليست مخوّلة بخرق هذه الحدود.
في صحيفة (الاندبندنت أون صن داي) الصادرة في الثامن
من يونيو، اللورد جولدسميث ينفي الاتهامات التي وجهت إليه
بأنه أخفى المعلومات حول مليار جنيه استرليني تم دفعها
للأمير بندر بصورة سرية، ورفض بصورة قاطعة الحديث أو مناقشة
الاتهامات المتعلقة بالعمولات، بما فيها الدعاوى القائلة
بأن تلك العمولات استمرت بعد وصول حزب العمال الى السلطة
العام 1997. وأعاد جولدسميث، الذي يواجه اتهامات بإخفاء
معلومات عن المحققين، تكرار نفي التهمة بحسب صحيفة الاندبندنت
في التاسع من يونيو.
مكتب التحقيق في الغش التجاري هو الآخر خاض خلافاً
على موقعه، وقد أصرّ على أنه قرر منفرداً طبيعة المعلومات
حول صفقة أسلحة اليمامة التي تم تمريرها الى المسؤولين
من منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، وهي منظمة تعمل
لحساب 30 بلد صناعي وتأخذ بعض التدابير ضد الرشى والفساد.
وقد طالب السير منزيس كامبل، قاعد حزب الديمقراطيين
الليبراليين في بريطانيا، بمعرفة السبب الذي دفع مكتب
التحقيق في الغش التجاري للتريث والمجادلة بشأن الافراج
عن معلومات على قاعدة الأمن الوطني. وقال (إذا صح أن المعلومات
حول العمولات التي دفعت للأمير بندر لم تعط الى منظمة
التنمية والتعاون الإقتصادي فإن تلك التهمة تعتبر الأشد
خطورة). إنه أمر غير قابل للدعم بالنسبة لبريطانيا أن
توقّع إتفاقية دولية حول الرشوة ومن ثم تفشل في الوفاء
بواجباتها حين يأتي التحقيق بالقرب من البلاد.
إن السؤال المطروح: ماهو الحق لدى مكتب التحقيق في
الغش التجاري لاتخاذ قرارات تتعلق بالأمن الوطني؟ فهل
حصلوا على أية نصيحة أو تعليمات من أي نوع من مكتب رقم
10 (مكتب الحكومة في داوننج ستريت)، أو مكتب المدّعي العام؟
وقد واجه بلير وجولدسميث غضباً عارماً داخل بريطانيا
حين أمرا مكتب التحقيق في الغش التجاري وقف التحقيق في
صفقة اليمامة، على أساس أن قرارهم يتوافق مع الأمن الوطني.
صحيفة (صنداي تايمز) ذكرت في العاشر من يونيو بأن الأمير
بندر بن سلطان (ضغط على مكتب رئاسة الحكومة البريطانية
(داوننغ ستريت) لوقف التحقيق..) وأضافت الصحيفة أن الأمير
بندر (التقى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في يوليو/تموز
من العام الماضي في أوج التحقيق الذي كان يجريه مكتب جرائم
الإحتيالات الخطيرة حول مزاعم قيام بي إيه إي بدفع مبالغ
مالية طائلة بشكل غير قانوني إلى أفراد في الأسرة السعودية
الملكية).
واضافت أن الأمير بندر هو ثاني مسؤول سعودي بارز يبلغ
جوناثن باول رئيس موظفي داوننغ ستريت بأن الرياض ستنسحب
من صفقة الأسلحة وتجمّد تعاونها مع لندن في مجال محاربة
الإرهاب ما لم توقف حكومة بلير التحقيق، مشيرة إلى أن
مسؤولاً بريطانياً بارزاً لم تكشف عن هويته أكد أن الأمير
بندر زار داوننغ ستريت وطلب منه وقف التحقيق.
وتابعت الصحيفة أن مسؤولاً بريطانياً آخر أكّد بدوره
أن طلب الأمير بندر جاء بعد إكتشاف مكتب جرائم الإحتيالات
الخطيرة حسابات مصرفية سرية في بنوك سويسرية يعتقد المحققون
البريطانيون أنها على صلة بصفقة الأسلحة السعودية مع بي
إيه إي والتي بلغت قيمتها 43 مليار جنيه إسترليني.
وقال المسؤول (أبلغ (الأمير) بندر باول أنه يعرف أن
مكتب الإحتيالات الخطيرة كان يدقق في حسابات مصرفية بسويسرا،
وشدد على أنه ما لم توقف لندن التحقيق ستقوم الرياض بإلغاء
عقد مقاتلات تايفون وتجمد العلاقات الدبلوماسية وتنسحب
من التعاون في المجال الأمني).
دعم المستبدين والفاسدين
الاتهامات حول صندوق العمولات الخاص بشركة بي أيه إي
تكشف بأن ليس للملكة المتحدة الحق في تلقين أي شخص درس
حول الفساد. فقد كتب جورج مونبيوت في الجارديان في الثامن
من يونيو، في مقدمة ذات طبيعة تراجيدية نقدية: لا تدع
اعضاء الحكومة يشكون حول الفساد في الخارج. لا تدعهم يلقون
باللوم على فشل مهمة توني بلير لإنقاذ أفريقيا من الحكام
الديكتاتوريين. فالدعاوى المنشورة حول صناديق العمولات
التي جرى استعمالها لتحريك صفقة اليمامة تفيد بأن ليس
هناك شيء يمكن للطغاة الأجانب أن يدرّسونا إياه حول الفساد.
في العام 2003 كشفت الجارديان دليلاً يفيد بأن شركة
الأسلحة بي أيه إي كانت تدير محفظة عمولات بقيمة 60 مليون
جنيه استرليني، كانت تستعملها لتقديم هدايا وبغايا للمسؤولين
السعوديين لتسهيل صفقة الاسلحة الضخمة. وقد اتهم الأمير
تركي بن ناصر بأنه أحد المستفيدين. ولكن الدعاوى الأخيرة
تأتي في سياق مختلف. فقد اتهمت التقارير الجديدة شركة
بي أيه إي بتحويل ما يربو عن مليار جنيه إسترليني لمسؤول
سعودي، أي الأمير بندر بن سلطان، كعمولة لضمان سريان صفقة
اليمامة. الأشد تدميراً للحكومة البريطانية تمثّلت في
الرسوم التي يعتقد بأنها تواصلت، بعلم وإذن من وزارة الدفاع
البريطانية بعد العام 2002، حين أصبح دفع العمولات لمسؤولين
أجانب عملاً غير قانوني في المملكة المتحدة. بندر الذي
أنكر كل ذلك قال بأن العمولات كانت من ضمن العقود.
اكتشافات صحيفة الجارديان أعطت فرصة ضئيلة لمكتب التحقيق
في الغش التجاري من أجل فتح تحقيق في الادعاءات. وفي 2005،
أبلغت الحكومة السعودية بلير بأنها لن تتقدم بطلب آخر
الى بي أيه إي لشراء 72 طائرة يوروفايترز ما لم يتم إقفال
القضية، وقد قام مكتب التحقيق في الغش التجاري بإيقاف
التحقيق.
وتعلق الصحيفة بأنها ليست المرة الأولى التي يتدخل
فيها جولدسميث لمنع العدالة من أن تأخذ مجراها. فقد كان
عليه أن يرمّز كل شيء خاطىء ارتكبته حكومة بلير: جبن الوزراء،
حقائق المحامين، الاذعان للشركات والحكومات الأجنبية،
وإساءة استعمال القضاء باتت مسموحة في وطن بدون دستور.
فهو يمثل شيئاً قديماً جداً ـ الرتب المغلقة للمؤسسة البريطانية،
وشيئاً جديداً: فساد الهدف والمنهج الذي حضر مشروع التدخّل
الليبرالي منذ البداية.
وتضيف الصحيفة بأن ماجرى يجعل دعاوى الحكومات المتعاقبة
بدعم الديمقراطية حول العالم مجرد صورية، وتأكيد أن أمننا
أصبح الآن معقوداً مع الأمراء السعوديين. إن شكوى القاعدة
الرئيسية موجّهة ضد الملكية السعودية والدعم الغربي الذي
تحظى به. وكما هو حال الحرب في العراق، فإن دعم بلير للعدوان
الاسرائيلي على لبنان والمعاملة غير المتوازنة لاسرائيل
وفلسطين، فإن هذه الطريقة تساعد على التأكيد بأن بريطانيا
هي هدف رئيسي للإرهاب، ليس لأن حكومتنا تصرّفت وفق المبدأ
ولكنه لأنها تصرفت بدونه. لقد توسّل بلير بكل مصادر التهديد
الاستراتيجي التي يزعم بأنه يدافع بها عنا.
من جانبها، انتقدت صحيفة ديلي ميل البريطانية في الحادي
عشر من يونيو الحكومة البريطانية بسبب رشاوى الشركة للأمراء
السعوديِّين، معتبرة أن النظام السعودي (نظام فاسد وقمعي
يتسلّح بأغلى الأسلحة).
وتساءلت الصحيفة: (هل يتحتّم علينا نحن البريطانيِّين
أن نرشي الأمراء السعوديِّين؟)، وخلُصت إلى القول إنّ
(الذي حدث بين السعودية و BAE Systems
والحكومة البريطانية ومكتب مكافحة الفساد، كانت قصّة مخزية
ضحّينا بكرامتنا وشرفنا حماية للنفاق السعودي).
واستنكرت الصحيفة تعليلات رئيس الوزراء البريطاني والتي
ذكر فيها أنّ التحقيق كان سيضرّ بالعلاقات السعودية ـ
البريطانية، ويسبب خسارة آلاف فرص العمل للبريطانيين،
وقالت (إننا وقّعنا إتفاقات دولية لمحاربة الفساد والرشوة،
فالولايات المتحدة لا تسمح لشركاتها بدفع الرشى، إنها
تلاحقهم قضائيا وتضعهم في المحاكم، وكذلك الحال مع فرنسا).
ورفضت الصحيفة تبريرات بلير، ورأت أن التحقيق (لو استمر
كان سيؤدي إلى نتائج، ولهذا أوقف، وعرقلت الحكومة تحقيقات
منظمة التعاون والتنمية الأوروبية في القضية). وقالت كان
من السهل على بلير أن يقول (إن وقف التحقيق في الرشاوى
كان سيضر بالتعاون السعودي ـ البريطاني في مجال مكافحة
الإرهاب)، ولكن هذا يقودنا إلى تساؤل أوقح (لماذا بيعت
طائرات Tornado للسعودية بضعف
ثمنها الحقيقي)، ألم يكن ذلك من أجل الدفع للوسطاء؟
ورأت الصحيفة أنّه لم يكن في استطاعة السعوديِّين شراء
طائرات Tornado أو
Typhoon من مكان آخر غير بريطانيا،
فالسعوديون لم تكن لديهم بدائل، لأن الفرنسيِّين والأميركيِّين
لا يصنعون هذه الطائرات، فلماذا كان علينا أن ندفع الرشى
إذن؟ لقد كان باستطاعتنا أن نكون أذكياء، ونقول للسعوديِّين
(إن زمن الرشى قد انتهى)، ونريد علاقة مستقيمة غير ملتوية،
فالأمير بندر الذي قيل إنه رتّب صفقة اليمامة، وكان حسابُه
يتزوّد بـ30 مليون دولار كل 4 شهور وعلى مدار 10 سنوات،
يمتلك عقارات في بريطانيا تقدر بأكثر من 20 مليون جنيه،
ويمتلك طائرة بوينغ خاصة من طراز 767 مع حق الهبوط والإقلاع
من أحد المطارات القريبة من عقّاره.
وأطلقت الصحيفة على عقد اليمامة مع
BAE (أم العقود) مضيفة أنّ النظام
السعودي (نظام فاسد وقمعي يتسلّح بأغلى الأسلحة التي تحتاج
طواقم بريطانية تقيم في السعودية لصيانتها)، وتساءلت:
إن كان الهدف من ذلك هو حماية النظام نفسه وضمان بقائه،
فهذه الطائرات ليست لمساندة القوات البرية السعودية التي
تبدو مهملة.
من جانبها أفادت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية في الحادي
عشر من يونيو أن شركة صناعة الأسلحة البريطانية العملاقة
(بي إيه إي سيستمز) تواجه تحقيقاً من قبل الكونغرس الأميركي
حول صفقة اليمامة.
وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر وصفتها بالبارزة في واشنطن
إن (خطر وقوع صدام سياسي ضد أضخم شركات الأسلحة البريطانية
يتنامى بشكل متزايد في الولايات المتحدة لأن المشرّعين
الأميركيين سيملون على بي إيه إي حضور جلسات إستماع في
الكونغرس للإجابة على تساؤلات حول ما إذا كانت دفعت أموالاً
بصورة غير مشروعة للفوز بصفقة اليمامة عام .1985.).
وأضافت المصادر أن قطاع صناعة الأسلحة في الولايات
المتحدة سيستخدم هذه الخطوة للتحرك ضد بي أيه إي، مشيرة
إلى أن حزب الديمقراطيين المعارض الأميركي سينظّم جلسات
الإستماع في الكونغرس مع شركة الأسلحة البريطانية.
وذكرت صحيفة الديلي تلغراف أيضاً أن نواباً بريطانيين
انتقدوا ردة فعل شركة (بي إيه إي سيستمز)، على الانتقاد
المتصاعد لأدائها في العمل، بالإقدام على تشكيل لجنة مستقلة
للتحقيق في معاييرها الأخلاقية.
ونقلت الصحيفة عن النائب الليبرالي الديموقراطي نورمان
لامب انتقاده لقرار الشركة بتشكيل لجنة مستقلة في الوقت
الذي نفت فيه أنها أقدمت على أي عمل غير قانوني. وأضاف
لامب على BAE تعيين أشخاص مستعدين
للتوصل إلى استنتاجات صعبة، إذا كانت هي ما تؤدي الدلائل
إليها. ونقلت عن مراقب آخر لم يكشف هويته وصفه إقدام
BAE على إجراء تحقيقها الخاص،
بالمثير للسخرية، بعد أن أوقف مكتب مكافحة الفساد البريطاني
تحقيقه في صفقة اليمامة. كما نقلت عن حملة (لا للإتجار
بالسلاح) قولها (ليست لجنة التحقيق الأخلاقية بديلاً عن
إعادة فتح تحقيق مكتب مكافحة الفساد).
|