عامان على تسنّم الملك عبدالله العرش السعودي
فـشـل كـبـيـر وشـعـبـيّـة فـي الـحـضـيـض
حسن الدباغ
مر عامان على تولّي الملك عبدالله العرش السعودي. كيف
نقيم العامين الماضيين من حكمه؟ كيف ينظر المواطنون إليه
بعد تجربته الماضية؟ أين نجح وأين أخفق؟ وأي مستقبل له
وللمملكة كلها؟
في الثاني عشر من يوليو 2005، مات الملك فهد، وأصبح
عبدالله ملكاً.
كان عبدالله من الناحية الفعلية في مقام الملك فهد
في سنوات مرضه الأخيرة والطويلة والتي امتدت نحو عشر سنوات.
ولكن صلاحياته كولي عهد ونائب للملك جوبهت بالتحدي من
قبل أقوى شخصيتين في المملكة: وزير الدفاع الأمير سلطان،
ونايف وزير الداخلية. وكان المقربون من عبدالله يقولون
بأنه لن يستطيع أن يقوم بما ينوي القيام به من إصلاحات
إلا بعد أن يصبح ملكاً.
ماكنة الدعاية لعبدالله كانت ضعيفة داخلياً، لأن الإعلام
كان بيد جناح آخر من العائلة منافس. ومع هذا كان عبدالله
أقرب الى قلوب المواطنين من الجناح السديري المنافس، حيث
بدا اكثر رأفة بمواطنيه، وأقلهم فساداً، وأصدقهم في الموقف.
لقد استفاد عبدالله من ضجر المواطنين من النخبة السديرية
الحاكمة الفاسدة، وملّ من وجوهها، وأتعبه الإرهاق الإقتصادي
ومشاكل البطالة.
كانت هنالك مقولة شائعة بين المواطنين: من لم يصبح
غنياً في عهد الملك خالد فإنه لن يكون غنيّاً مطلقاً،
ومن لم يفتقر في عهد فهد، فإن الفقر لن يأتيه أبداً! فعهد
خالد كان عهد رخاء، وعهد فهد شهد أقصى حالات شدّ الحزام.
ولكن ماذا عن عهد عبدالله؟.
منذ أواخر التسعينيات الميلادية الماضية، طوّر المواطنون
رؤيتهم تجاه الملك المستقبلي. قال بعضهم أن الخير كل الخير
آت على يديه.
قال آخرون إن عهده سيكون عهد الإصلاحات الكبرى، الإقتصادية
والسياسية والدستورية والدينية.
وقال غيرهم بأن عهد عبدالله هو عهد الإنطلاق والخير
والتنمية، وأن بوادر ذلك ظهرت بارتفاع أسعار النفط!
كشف المواطنون عن تطلعاتهم وآمالهم من ملك المستقبل
بكل وضوح بعد أحداث 9/11 والتفجيرات التي تلتها في الرياض
ومدن المملكة الأخرى. قالوا نريد إصلاحاً شاملاً: انتخابات
لمجلس الشورى، دستوراً جديداً، حرية التجمعات السياسية،
وحرية تأسيس منظمات المجتمع المدني، إضافة الى احترام
لمواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها المملكة وتعهدت
الإلتزام بها، وإصلاح للقضاء، وحرية كاملة للتعبير، واحترام
حقوق المرأة، وتوزيع عادلة للثروة بين المناطق، ومكافحة
الفساد الذي يأتي معظمه من الأمراء، ومواجهة التطرف وجماعات
التكفير، أي تخفيض قوة المؤسسة الدينية الوهابية وتعديل
مسارها، وإصلاح التعليم الأولي والعالي، ومكافحة البطالة،
وإصلاح الخدمات وتطويرها الصحية والإسكانية، وغيرها من
المطالب.
بالطبع فإن تحقيق هذه المطالب كان فوق قدرة ولي العهد
ـ عبدالله، كيف والحال أن رؤوس الفساد هم الممسكون بالسلطة
(سلطان ونايف وسلمان وأشياعهم).. لكن عبدالله ودائرته
المقربة أخذت بإغداق الوعود على المواطنين، وتسريب حكايات
تقول بأن الملك القادم سيدخل السعودية حقبة جديدة، يجدد
لها شبابها فيجعلها كالعروس! دبي مثلاً!
حين قُمع دعاة الإصلاح قبل وصوله الى الحكم، لم ينبس
عبدالله ببنت شفة، وتركهم ـ ولازالوا ـ فريسة لوزير الداخلية
البغيض، متناسياً ما قاله للإصلاحيين الذين اجتمعوا به
في قصره بأن (رؤيتكم مشروعي).
قال البعض حينها أن ولي العهد غُلب على أمره! وأنه
قال للإصلاحيين أن مكافحة الفساد المالي نجحت بنسبة كبيرة
وأنه سيطر على الوضع عدا اثنين لم يسمهما (نايف وسلطان).
أي أنه حينها وهو ولي للعهد لم يستطع ضبط العنصرين الأقوى
في الدولة، والأكثر فساداً وقمعاً فيها، فهل في مقدوره
ضبطهما بعد أن يصبح ملكاً؟ هل له النية والرغبة والقدرة
على اتخاذ قرار جريء بشأن الإصلاح السياسي أو أي إصلاح
آخر: الإصلاح التعليمي، الإصلاح الديني، الإصلاح الإقتصادي؟
هل سيفعل شيئاً للفقراء السعوديين الذين قالت الإحصاءات
الحكومية أن 30% من مجمل السكان يعيشون تحت خط الفقر،
وليس في مستوى الفقر، خاصة وأنه قام بعمل استعراضي في
بعض أحياء الرياض، وشهد بنفسه حالات الفقر المزرية، ونقلت
على شاشات التلفزيون. كان ذلك في العاصمة النجدية المدللة،
فكيف بالمناطق والقرى والأرياف غير الأثيرة لدى آل سعود
والنخبة النجدية؟
اللغة الإعتذارية التي صاحبت نشاط ولي العهد عبدالله
قبيل تسنمه كرسي الملك كانت واضحة.. لكن زرع الآمال في
عقول المواطنين والتبشير بعهد جديد شكل عبئاً عليه حين
أصبح ملكاً بالفعل. إذ لا يمكن أن يقنع المواطنين بأنه
لا يستطيع أن يفعل شيئاً بسبب إخوته السديريين. فالملك
له كامل الصلاحيات، وعليه أن يتحمل المسؤولية، ولن يقبل
أحدٌ بأيّة أعذار مثلما كان الحال يوم كان ولياً للعهد.
ماذا حقق عبدالله خلال العامين الماضيين من حكمه؟
لعلنا بحاجة ابتداءً للتذكير بما يطلبه المواطنون،
فالآمال التي علقت عليه كبيرة. المثقفون والمهتمون بالشأن
العام كانوا مهتمين أكثر بالإصلاحات السياسية والإدارية،
والمواطن العادي كان مهتماً بالشأن الإقتصادي من جهة تحسين
وضعه الإقتصادي والتخلص من البطالة وتحسين الخدمات. الفئات
المهمشة في الدولة تريد (إشراكاً) في إدارتها، وحصة من
خدمات الدولة، وتخفيفاً من نزوعها تجاه المؤسسة الدينية
الرسمية الوهابية، أي التخفيف من سطوة الوهابية التي صارت
عبئاً على الدولة وعلى المواطن، وعقبة أمام أي إصلاح.
الوهابيون بدورهم كانوا يريدون شيئاً مناقضاً وهو زيادة
صلاحياتهم وتوهيب الدولة أكثر فأكثر. النجديون يريدون
البقاء على عهد فهد كجماعة متميزة تلم الدولة من أطرافها،
وتسيطر على كل مؤسساتها، ولها حصة الأسد من خيراتها. الأمراء
الذين في السلطة يريدون البقاء فيها بنفس صلاحياتهم السابقة
وربما بزيادة. أما الأمراء من خارج الدولة فينتظرون في
صف طويل ويعتقدون أن وصول عبد الله الى الحكم يجب أن يعيدهم
الى الدولة، ويقضي على سيطرة جناح السديريين، ويوزع السلطة
على كامل أبناء عبدالعزيز وحفدته ممن يحملون صفة (صاحب
السمو الملكي).
ولكن الطلبات المتناقضة أو الآمال المتعارضة لا تلغي
السمة العامة المطالبة بإصلاح متوازن يهتم بالأكثرية العامة
من المواطنين. ولكن مقاييس آل سعود عامة، وبينهم الملك
نفسه، تقوم على أساس أن النجاح يعتمد على تحقيق الرفاهية
للمواطنين وتحسين أوضاعهم المعيشية. أي أن المقياس المعيشي
وحده بنظرهم هو المحدد الأساس لنجاح الملك من عدمه.
أياً يكن الأمر، فلنر ماذا حقق الملك من إنجازات.
على صعيد الإصلاح السياسي، نجح الملك بعد وصوله الى
الحكم في إجبار نايف على إطلاق سراح المعتقلين الإصلاحيين
الثلاثة المشهورين (الدميني والحامد والفالح)، الأمر الذي
يوضح أنه لم يكن راضياً على الطريقة التي تمت بها معالجة
موضوع المطالبات بالإصلاح السياسي، وإن كان في العمق لا
يؤمن بالإصلاح. من الصعب أن تقنع صاحب رأي بأن الملك عبدالله
رجل إصلاح، فتاريخه لا علاقة له بهذا الموضوع، وتعليمه
وتفكيره بعيد عن هذه القضية، وبعد أن بلغ من العمر عتيا
فتجاوز الثمانين عاماً، كيف يصبح عبدالله رجلاً إصلاحياً
بلا سابقة في الأمر ولا تدرج؟
المسألة الأخرى المتعلقة بالإصلاحات، فإن العامين اللذين
مرا على المملكة لم يشهدا أي تقدم باتجاه الإصلاح السياسي
ضمن مواصفاته المعروفة: انتخابات تشريعية ومناطقية، دستور،
تأسيس الأحزاب، وحرية العمل السياسي، وزيادة نسبة حرية
التعبير والنقد. على العكس من ذلك، زاد قمع نايف للإصلاحيين،
وفشل الملك عبدالله ـ أو لم يرد أصلاً ـ في مجرد السماح
لهم بالسفر خارج المملكة، أو التحدث الى صحيفة محلية أو
التلفزيون المحلي فضلاً عن الخارجي. بل جاءت التأكيدات
بأن المواطنين ممنوعون من الحديث الى وسائل الإعلام الأجنبية
حسبما قرر نايف، وبالطبع يستثنى من هذا رجال النظام المرتبطين
عادة بوزير الداخلية وأخيه سلطان.
حتى المؤسسات القائمة كمجلس الشورى المعين لم تزد الجرعة
في صلاحياتها، فبقي (الشورى) مجلساً مهلهلاً لا يحاسب
ولا يقترح ولا يقرر ولا تؤخذ توصياته على محمل الجد.
أما جلسات الحوار الوطني التي بدأت يوم كان عبدالله
ولياً للعهد، فقد انحدر مستواها، ولم يؤخذ بأي من توصياتها،
ولم يعد ينظر اليها إلا كما ينظر الى أي مؤتمر ينعقد في
أي بقعة من بقاع العالم.
في موضوع حرية التعبير، فإن هامش الحرية انخفض كثيراً،
ولكنه يرتفع قليلاً في المناسبات فقط. أي في فترات التأزم
الداخلي بعد وقوع تفجيرات مثلاً، حيث يأخذ بعض الصحافيين
الراية منتقداً بعض السياسات ولكن بحجة (حماية الوطن)!
وقد دفع العديد من الصحافيين ثمن جرأتهم، فأقيلوا وأبعدوا،
وبعضهم طلق الصحافة كلية أو مؤقتاً. وفي الوقت نفسه تستمر
الإعتقالات والمضايقات للإصلاحيين وتلفق بحقهم التهمة
المصنعة أميركيا فيبرر اعتقالهم تحت ستار (مكافحة الإرهاب)،
مع ان الكثير من المعتقلين لا علاقة لهم بالتيار الديني
أصلاً، وهم ضد العنف، كما أنهم معروفون لدى المنظمات الحقوقية
الدولية كناشطين ومدافعين عن حقوق المواطنين.
ومع هذا، بقي نايف بصلاحياته المطلقة، لم يستطع أو
لم يرد الملك إيقاف تجاوزاته عند حدها، خاصة تلك التي
لا يختلف عليها إثنان، لشدة وضوحها. لم يقل الملك كلمة
عن الإصلاحات منذ تم تعيينه، ولم ينطق ببنت شفة مدافعاً
عن مواطنيه المعتقلين الذين زعم أنه يدعمهم ويقدر عملهم.
موضوع الإصلاحات أغلق منذ مارس 2004، ولم يفتحه الملك
عبدالله بعد. والأقرب أنه رغم صلاحياته من الناحية النظرية،
أضعف من أن يقوم بفتح الملف ويتقدم فيه بخطوة واضحة يذكرها
له التاريخ. وهذا يدل على أن الحديث عن الإصلاحات التي
أعقبت أحداث 9/11 من قبل عدد من الأمراء إنما كانت تماشياً
مع الموج من جهة، ولاستخدام موضوعة الإصلاح في الصراع
الداخلي بين أجنحة الحكم داخل العائلة المالكة.
إن إنجازات عبدالله في الإصلاح السياسي صفر كبير!
لننتقل الى انجازات الملك الإقتصادية. فقد جاء الى
العرش على (موج نفطي)، قيل أنه يمثل الطفرة الإقتصادية
الثانية (الأولى بدأت في عهد خالد في 1975 وانتهت بموته
1982م). أسعار النفط ارتفعت الى فوق الخمسين دولاراً للبرميل،
وفي بعض الأحيان وصلت الى الستين، واليوم هي فوق السبعين
دولاراً. ماذا فعل الملك ليحسن الوضع؟ لقد كان محظوظاً
بسبب الوفرة المالية التي يستطيع أن يعوض بها عن التراجع
في ميدان الإصلاح السياسي. أي المال مقابل الحقوق السياسية.
هذه السياسة لم تعمل بشكل فاعل حتى الآن، بسبب نهب الأمراء
للأموال وبسبب انهيار سوق المال السعودي.
زاد الملك رواتب الموظفين الحكوميين بنسبة كبيرة (معدلها
عشرين بالمائة من الراتب). ومع أن الزيادة خطأ اقتصادي
لأنها تسبب التضخم، وهو ما حدث حيث قفزت أسعار المواد
الغذائية وغيرها الى أكثر من الضعفين. لكن الغرض كان واضحاً،
فالملك يريد أن يكرم شعبه، والبدوي الجاهل لا يعرف غير
طريقة واحدة هي استخدام (الكاش)!
ارتفعت شعبية الملك كثيراً بسبب زيادة الرواتب، رغم
تضايق شريحة كبيرة من العاملين في القطاع الخاص الذين
لا تشملهم بالطبع منحة الملك. وتصاعدت شعبية الملك بتصاعد
مؤشر الأسهم السعودي بغير هدى، فلما هوى المؤشر الى أقل
من ثلث قيمته (من 21 ألف نقطة الى أقل من 7 آلاف) هوت
شعبية الملك الى الحضيض ولاتزال تراوح حضيضها. اعتقد البعض
ان الجناح السديري هو من دبر مؤامرة انهيار سوق الأسهم،
لكن الحقيقة هي أن اجهزة الدولة المالية هي المسؤولة بدرجة
أساس، وكذلك المواطن الذي لم يلتفت الى التحذيرات.
ماذا يعني انهيار الأسهم في السعودية؟ إنه بكل بساطة
قضى على الجزء الأكبر من مدخرات الشعب، كل الشعب. فهناك
ثمانية ملايين محفظة يساهم فيها نحو 16 مليون مواطن، أي
كل الشعب!
وعنى انهيار الأسهم أمراً أكثر خطورة وهو تقلص حجم
الطبقة الوسطى الى أبعد حد لها، فصار لدينا الفقر المدقع
المتزايدة أعداد شريحته، ومن جهة ثانية هناك الأغنياء
فاحشي الثراء، وما بينهما تلوذ الطبقة الوسطى بما تبقى
لديها من روح. وإن انكماش الطبقة الوسطى يعني خلخلة البنية
الإجتماعية، وبالضرورة ستترك آثاراً سياسية كبيرة حتى
وإن لم تظهر على شكل شغب أو ثورة أو تمرد. انكماش الطبقة
الوسطى يعني انكماش شرعية الحكم السعودي نفسه، وليس فقط
انكماش شعبية طرف حاكم كالملك. وانكماشها يعني زيادة المشاكل
الإجتماعية من انتحار وأمراض نفسية وفساد أخلاقي وجريمة
منظمة واستهتار بالنظام والقوانين وضعفاً في الروح الوطنية
أكثر مما هي ضعيفة، وغير ذلك.
لقد أتى انهيار سوق الأسهم على زيادة الرواتب التي
أقرها عبدالله، وعلى الأصول الثابتة وغير الثابتة للمواطنين
عامة، وهذا أسوأ ما يمكن لحاكم أن يقدمه من إنجاز لشعبه.
خاصة وأن مسألة البطالة المستفحلة في البلاد لم تعالج
بشكل جذري، وإن استطاع وزير العمل غازي القصيبي تفكيك
بعض مفاصل المشكلة، لكنها لاتزال كبيرة الحجم مؤثرة على
الأوضاع العامة، ويعزى اليها ازدياد العنف والتطرف.
في الخدمات العامة: التعليم والصحة والمواصلات لا يلحظ
تغيير كبير، اللهم إلا في الجانب التعليمي بالذات، فقد
توسع عبدالله بعد زيارته الأخيرة لأميركا في إرسال البعثات
التعليمية فكانت دفعة واحدة قدرت بخمسة آلاف طالب وطالبة
قد خففت العبء عن الجامعات المحلية. لكن مستوى الجامعات
المحلية في المجال التعليمي عدا واحدة منها هابط للغاية،
وقد اعتبرت جامعة الملك سعود في قعر جامعات العالم من
حيث المستوى، مع أنها أكبر جامعة في المملكة. كما أن المناهج
لم تتغير كثيراً وإن شذب بعض الناشز المتطرف منها، ولكن
جوهرها بقي متطرفاً يفرخ الإرهاب. الخدمات الصحية الحكومية
لم تتطور وبقيت على حالها، ولازال المواطنون يعتمدون على
المستشفيات الأهلية وعلى التأمين الصحي، ويعتبرون مستشفيات
الحكومة بؤر قتل عمد، ومسالخ أكثر منها مستشفيات. أما
وزارة المواصلات فينظر اليها كواحدة من أسوأ الوزارات
في الوقت الحالي، بسبب غياب الصيانة والمشاريع الجديدة،
الأمر الذي ينعكس على كثرة الوفيات بسبب حوادث الطرق.
السياسة الخارجية هي الأخرى مجال مفتوح للتقييم. فالإنجاز
الخارجي يمكن توظيفه داخلياً وتالياً زيادة شرعية النظام
بين جمهوره. هكذا كانت ولاتزال الأنظمة العربية تعمل.
فمن خلال مواقفها من القضايا العربية المطروحة وفي مقدمتها
القضية الفلسطينية، ومن خلال مكافحة اسرائيل ـ أو الإدعاء
بذلك ، ومن خلال مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات
الشتات، ومن خلال المبالغة في الإدعاء بدعم القيادة الفلسطينية
(الشرعية!): أي منظمة التحرير الفلسطينية سابقاً (كممثل
وحيد! للشعب الفلسطيني) والسلطة الفلسطينية المتمثلة في
محمود عباس لاحقاً.. من خلال كل هذا يجري شرعنة عدد غير
قليل من الأنظمة العربية، وفي طليعتها النظام السعودي.
بيد أنه طرأت قضايا أخرى جديد ذات صلة بالدائرة العربية
والدائرة الإسلامية الأوسع، فلم تعد فلسطين وحدها (بيضة
القبان) فهناك الموقف مما يجري في أفغانستان، وفي العراق
المحتل، وفي الصومال، والشيشان، وقبلها البوسنة والهرسك،
وغيرها. الأنظمة العروبية تشرعن ذاتها من خلال مواقفها
من القضايا العربية، وحصراً: فلسطين والعراق والى حد ما
الصومال. أما السعودية وبسبب تبنيها الموضوع الإسلامي،
كان لزاماً عليها أن تشرعن نفسها من منظار ديني ليشمل
كل القضايا الإسلامية المطروحة على الساحة، ليس فقط لأنها
تزعم تبني أيديولوجية إسلامية، بل وأيضاً لأنها تسيطر
على الأماكن المقدسة، الأمر الذي يفرض عليها مسؤوليات
كبيرة تنعكس على مساعداتها المالية والسياسة الخارجية
التي تنتهجها.
يمكن القول أنه بعد أحداث 9/11، والتي شارك فيها السعوديون
بأغلبية واضحة، فإن السعودية تخلّت وبإصرار كبير عن نزعتها
الإسلامية في السياسة الخارجية، وانخرطت ـ ربما تكفيراً
عن الذنب! ـ في سياسة الولايات المتحدة لمحاربة الحركات
الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك لمحاربة
الأنظمة غير المرغوب فيها أميركياً، إسلامية كانت أو عربية،
ولهذا وقفت الحكومة السعودية مع اميركا في حروبها التي
اطاحت بدولة الطالبان ودولة صدام حسين، كما ساهمت سياسياً
ومالياً ومخابراتياً لمحاصرة حكومة حماس وعملت ولاتزال
تعمل للإطاحة بها، في حين لم تجد نفسها معنية باحتلال
الصومال من قبل القوات الأثيوبية. ذات الأمر يقال بالنسبة
لموقف السعودية من حرب اسرائيل على لبنان في الصيف الماضي،
حيث حرضت اسرائيل على مواصلة حربها، ووقفت ضد حزب الله
سياسياً وإعلامياً وحولت الحرب الى نزاع طائفي.
في الحقيقة فإن عبدالله في الفترة التي كان فيها الملك
فهد مريضاً، وبالخصوص في سنوات ما قبل أحداث 9/11، اي
ما بين 1996 وحتى 2001، سعى ونجح في إصلاح علاقات المملكة
مع جيرانه: الأهم مع إيران، وخفف التوتر مع اليمن بعد
حرب الإنفصال التي قادتها السعودية، ورطب علاقات السعودية
مع دول الخليج عامة ـ عدا قطر.
لكن أحداث ما بعد 9/11، خسرت السعودية مواقعها، بسبب
التغيير الشديد في سياساتها الخارجية، وخلال العامين الماضيين،
خسرت السعودية علاقاتها الحميمة مع سوريا، بل ناصبت النظام
السوري العداء الى حد محاولة اسقاطه وتبني معارضة الإخوان
ـ خدام بشكل فاقع. وخسرت السعودية علاقاتها المتميزة مع
ايران التي هندسها عبدالله مع رفسنجاني، ولا يوجد مبرر
لذلك سوى أن إيران باتت في فوهة المدفع الأميركي، وعلى
السعودية أن تنحاز لأحد الطرفين، وبالطبع فإن الإنحياز
لأميركا يأتي في المقدمة، خاصة وأنه يدخل ضمن محاولات
ترقيع العلاقات التي توترت بسبب هجوم السعوديين على مانهاتن.
أيضاً تصاعد التوتر خلال العامين الماضيين بين السعودية
وقطر، وبين السعودية وعدد من الأطراف السياسية اللبنانية
كحزب الله والجنرال عون، بسبب تخلي السعودية عن دورها
(الأبوي) وانحيازها الى فريق معين، بل ومحاولة تصفية الفريق
الآخر على النحو الذي نشهده في تفاصيل (فتح الإسلام) التي
مولتها السعودية وخططت لها اهدافها (مواجهة حزب الله)
قبل أن تنقلب تلك الحركة على صانعيها.
أيضاً توترت علاقات السعودية من جديد مع ليبيا، ومع
عدد من الدول العربية بصورة أقل بسبب مساهمات السعوديين
الوهابيين في اعمال العنف كما في المغرب والجزائر والعراق
وسلطنة عمان ومصر وتونس وغيرها. وبالنسبة لمصر، لعبت المنافسة
بين البلدين دوراً مهماً في خلق الحساسيات بين الطرفين،
وتفجرت حين تخلت مصر عن القناة المفترضة (الجسر) بين السعودية
ومصر.
وفوق هذا خسرت السعودية الإخوان المسلمين بكل فروعهم،
خاصة في مصر وفي فلسطين (حماس) كما خسرت الحركات الإسلامية
في عدد من الدول الإسلامية وقد كانت تلك نصيراً مهماً
للسعودية في عقود سابقة.
لكن السعودية ربحت قدراً مهماً من استعادة الثقة الغربية
والأميركية بها. وحسنت علاقاتها مع اسرائيل عبر البوابات
الخلفية التي أقامها بندر بن سلطان والتي توجت بلقاءات
مستمرة بين بندر ومسؤولين اسرائيليين بينهم أولمرت نفسه.
|