الوهابية خطر على القريب والبعيد
خيـارات الـمـواجـهـة والإحـتـواء
محـمـد الأنصـاري
السعودية كدولة، كما العائلة الحاكمة والشعب نفسه،
بحاجة الى وقفة مع النفس.
يسألنا بعض العرب: كيف هو حالكم مع متشددي الوهابية؟!
إذا كان العالم كلّه يضجّ من عنف السعوديين الوهابيين،
فلم يبقوا دولة إلا وحطوا فيها رحالهم باحثين عن (جهاد)
غبي، يقتلون فيه أنفسهم ومن يصنفونهم في خانة العدو، الذي
يشمل الأطفال والنساء.. فكيف سيكون حالكم وأنتم تعيشون
بينهم؟
أيُعقل أن كل منتجات الوهابية (للتصدير) الخارجي: للعراق
ولبنان وفلسطين وسوريا والأردن والعراق والجزائر والمغرب
والكويت وسلطنة عمان واليمن وموريتانيا والبحرين ومصر
وغيرها، دون أن يكون هناك (استهلاك) محلّي يتناسب مع حجم
التصدير؟!
إن منتجي المخدرات في كولومبيا وأفغانستان يصدرون مخدراتهم
الى كل الدنيا، ولكنهم يستهلكون جزءً غير يسير من منتجهم
الوبائي.. أفيكون تصدير الإرهاب الوهابي/ السعودي الكبير
الذي عمّ الدنيا وشمل دول أوروبا مثل بريطانيا وأسبانيا
كما أفريقيا مثل كينيا والصومال، وكما في أميركا نفسها..
الإرهاب الذي وصل الى أندونيسيا وتئن منه الباكستان وأفغانستان
وغيرها.. أفيكون هذا التصدير (الكبير) للخارج دونما استهلاك
محلي؟!
الإستهلاك المحلي يضخّم كثيراً. ونقصد بذلك التفجيرات
التي وقعت في السعودية، ومحاولات الإنقلاب التي كشف عنها
مؤخراً. نقول يضخّم، لغرض القول بأن السعودية (ضحية) للإرهاب،
وهي كذلك، ولكنها في نفس الوقت (المنتج الأكبر) للإرهاب
الديني في العالم، والذين ضحاياه في الخارج يفوقون بلا
مقارنة الضحايا المحليين. إن الإستهلاك المحلي للإرهاب
الوهابي لازال قليلاً بالمقارنة مع حجم المنتج المصدّر
للخارج، ولا يمكن لأي مواطن أو مسؤول إلا أن يتوقع بأن
زيادة الإستهلاك ستتعاظم كلما سدّت السبل في وجه التصدير
الخارجي!
حتى الآن، فإن أرقام قائمة (المجاهدين الوهابيين) في
الخارج أكبر بكثير ممن يمارسون جهادهم المحلي!
وحتى الآن، فإن أرقام ضحايا ذلك الجهاد المشبوه في
الخارج أكبر بآلاف المرات من ضحاياه المحليين!
وحتى الآن، فإن أي أمير أو مسؤول محلي مهم لم يصب بأذى،
ما يضع تساؤلاً حول هذه المفارقة العجيبة، خاصة إذا علمنا
أن الوهابية المتطرفة بدأت بتكفير آل سعود، وترى أنهم
لا يختلفون عن أعدائها الخارجيين.
ألا يوحي هذا بأن هناك عقلاً مخططاً وراء هذا الإجرام
المصدّر للخارج؟!
ألا نرى بيننا من يبرر لذلك (الجهاد الوهابي) أفعاله
ودمويته في الخارج، ويحاول إدانتها ـ إن حدثت ـ في الداخل؟
ألا يساورنا الشك في أن هناك من بين الطبقة الحاكمة
الملكية من يريد تغذية النار الخارجية خدمة لأغراضه السياسية
المحلية عبر الإستفادة من الجنون الإرهابي القاعدي الوهابي؟
أليس هذا ما كشفت عنه أحداث نهر البارد و (فتح الإسلام)؟
هناك خطأ منهجي لدى آل سعود، لا نظنّهم يعونه جيداً.
الوهابية لم تعد سوى نار تأكل (قلب) وليس (اصابع) من
يستخدمها.
لقد فات أوان استعادة الوهابية الى حظيرة الدولة. ويجرم
بحق نفسه وبحق الدولة وبحق الشعب من يعتقد أن تجربة الأخوان
الأولى في العشرينيات الميلادية من القرن الماضي يمكن
أن تتكرر عبر (القطع الجزئي) و (العمليات الجراحية الموضعية).
نحن بإزاء تجربة جديدة تختلف عن تلك. والنار الوهابية
خرجت عن العقال ولا يمكن إعادتها الى سابق عهدها بالتفاهم.
لقد حلل الكثيرون الظاهرة، وهم من الداعمين للنظام
السياسي القائم، وقالوا بأن جذر المشكلة يكمن في (الفكر
الوهابي) نفسه.
الفكر الذي يصنع الإرهاب، ويعوق الدولة، ويمزّق النسيج
الإجتماعي، ويسوّد وجوه المواطنين في الخارج فيعاملون
كمشبوهين، وهو ذاته الفكر الذي بدأ يدق إسفينا في علاقات
الدولة بنظيراتها، وسوف تتعاظم الفجوة بينها والدول الأخرى
في المستقبل.
لا يريد آل سعود التخلي عن الوهابية، وليست لهم الجرأة
على خضد شوكتها. وبالتالي فإن البلاد تنساق الى عوالم
من العنف والتطرف غير مسبوقة.
علينا أن نقف ونسأل أنفسنا من جديد: هل الظاهرة الإرهابية
الوهابية مرشحة للتقلص في المستقبل وعلى يد من وكيف؟ هل
نستطيع أن نغض نظرنا عما يجري ونسكت على أمل أن تموت الظاهرة
وكأنها نبت حديث ليس له جذور تاريخية وفكرية قديمة تتفجر
في وجهنا بين الفينة والأخرى؟
ما هي خسائر آل سعود إن لم يستطيعوا تخفيف العنف الداخلي
والخارجي المرتبط بالسعوديين من أتباع الأقلية الوهابية؟
وما هو المستقبل الذي ينتظر المملكة وشعبها أمام الخيارات
المفتوحة: 1) ابقاء الحال على ما هو عليه عبر المعالجات
الموضعية، 2) مواجهة الفكر الوهابي جذرياً عبر إحداث تغيير
هيكلي في الدولة، 3) إعادة استخدام الوهابية من خلال توضيح
(فضاءات الجهاد) المحبذة والأخرى غير المحبذة. اي الاستمرار
في توظيفها في النشاط السياسي السعودي.
الخيار الأول والثالث هما اللذان يجري تبنيهما: قذف
الوهابية بوجه الآخر: في العراق كما في لبنان، وتطوير
الأمر الى إشعال حرب طائفية شيعية سنية تغبش من خلالها
الصورة، وتبرر عبرها التصرفات الوهابية الإرهابية في الخارج.
هذا من جهة. ومن جهة ثانية: تحريم الجهاد داخل الأرض السعودية،
وفي نفس الوقت فتحها لتشمل كل الدول الأخرى في العالم.
وهذا يعني الإستمرار في (تصدير المشكلة) السعودية الخاصة
الى الخارج ليكتوي آخرون بنارها، وتفريغ شحنات التطرف
بعيداً عن البيت السعودي، عبر اقناع جماعات القاعدة ـ
كما فعل سفر الحوالي ورئيس مجلس القضاء الأعلى اللحيدان
ـ بالجهاد في العراق وغيره، وليس في مملكة (التوحيد)!
لكن هل العالم سيتركنا بحالنا ونحن نحرق ديارهم بعنف
وفكر ومال من عندنا؟
هل نستطيع أن نواجه الدول المستباحة دماء أبنائها دفعة
واحدة، وتحوير المسألة على أنها صراع بين الإسلام والكفر،
أو بين الشيعة والسنة، أو نكتفي بإعلان تنديدنا بالإرهابيين
في حين أنهم يتكئون على مقولات محلية، ومال محلي، ورجال
هم أبناؤنا؟!
ليس هناك من خيار ألبتة إلا بمواجهة سرطان الوهابية.
قد تبدو هذه اللغة خشنة، لكنها الحقيقة التي تعامينا عنها
سنين طويلة.
الحقيقة هي أن الوهابية نار تزداد اضطراماً لا يمكن
عقلنتها اليوم، ولا يمكن تجاهلها، كما لا يمكن التعايش
معها، لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى الرسمي.
وإن من الغباء بمكان إعادة انتاجها، أو إعادة استثمارها،
أو القبول بأنصاف الحلول معها، كما كان يحدث دائماً، فتطل
علينا من جديد بوجه أكثر دموية وبشاعة.
لا قيامة للدولة بدون مواجة الوهابية، ولا أمان للمجتمع
ومستقبل أبنائه من الإرهاب بدون تجريمها.
غير هذا مجرد هراء، وتأجيل للمشكلة أو ترحيلها على
آخرين لن يصمتوا عنها وعنا بعد اليوم.
|