السعودية تدخل والعراق في معركة كسر العظم
30-40 إنتحارياً سعودياً يدخلون العراق شهرياً
هـاشـم عـبـد السـتـار
هل كان الأميركيون بحاجة الى إرسالة رسالة علنيّة وواضحة
وعبر وسائل الإعلام للسعوديين بأن يتوقفوا عن دعم القاعدة
في العراق، والكف عن إشعال الفتنة الطائفية، وإرسال المقاتلين
السعوديين الى هناك ليقوموا بقتل أعمى يدخلهم الجنّة؟
ليس هناك من سبب يدعو لتلك العلنيّة، ولا تحتاج أميركا
الى رسائل مكشوفة، خاصة وأن المسؤولين الأميركيين، وفي
مقدمهم تشيني ورايس ووزير الدفاع غيتس والذين زاروا الرياض
في الآونة الأخيرة، طالبوا علناً بدور سعودي أكثر إيجابية
في العراق. لكن الذي يبدو واضحاً، أن هناك شخصيات في الإدارة
الأميركية غير راضية عن الدور السعودي المتهم بتصعيد العنف
الطائفي بالذات بين الشيعة والسنة العراقيين، ولربما كان
هؤلاء غير راضين أيضاً عن الإدارة الأميركية نفسها والتي
تميل الى الطلب الهادئ من السعوديين بأن يتوقفوا عن سياساتهم
الحالية، أو لعلّ تلك التصريحات والتسريبات الإعلامية
الأميركية تكشف عن صرخة ألم أميركية بعد أن بلغ السيل
الزبى!
لكن هناك رأياً مختلفاً آخر يقول بأن تلك التصريحات
ما هي إلا تكتيك اعتاد السياسيون عامة استخدامه، فقد كانت
رايس وغيتس بصدد زيارة الرياض والضغط عليها للتعاون أكثر
في الموضوع العراقي والفلسطيني وكذلك الإيراني، فكانت
التسريبات ضد السعودية بمثابة رسالة تهيئة للأجواء الضاغطة
على المسؤولين السعوديين. وهذا ما نجح الى حدّ ما، فقد
تنازل السعوديون بشأن الموضوع الفلسطيني ووعدوا بأن يحضروا
المؤتمر الدولي الذي دعا إليه بوش، كما وعدوا بالإقتراب
أكثر من المسؤولين الإسرائيليين وربما في المستقبل غير
البعيد عقد لقاء علني بين أولمرت ومسؤول سعودي. وأثمر
اللقاء أيضاً وبشكل مباشر عن إعلان وزير الخارجية السعودية
نيته إرسال بعثة الى العراق بغرض الإعداد أو دراسة فتح
السفارة السعودية هناك!
الأميركيون المستاؤون من السعودية!
كانت صحيفة نيويورك تايمز أوّل من قام بتسريب التقارير
عن الإمتعاض الأميركي من السعودية ودورها في العراق، فقد
أشارت الى أن مسؤولين أميركيين طلبوا عدم ذكر أسمائهم
قالوا بأن الإدارة ترى أن السعودية (تعمل على إعاقة عمل
حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي) وأن السعودية
(عرضت على مبعوث أمريكي ـ السفير السابق في بغداد خليل
زاد ـ وثائق تقول ان المالكي (عميل) لإيران، لكن المسؤولين
الأمريكيين رفضوها باعتبارها مزورة). فالسعودية لا مانع
لديها أن يكون المالكي وغيره (عملاء) لواشنطن أو حتى لإسرائيل،
المهم أن لا يكون عميلاً لإيران، وهناك قناعة (دينية)
سعودية تنعكس على الموقف السياسي، تقول بأن (كل شيعي في
أية أرض كان هو بمثابة عميل لإيران)! هذا بالضبط ما عناه
حسني مبارك في تصريحاته المشهورة، فكيف ستكون نظرة السعودية
التي هي أكثر سوداوية من أي بلد آخر في العالم؟!
وقالت النيويورك تايمز موصفة الدور السعودي غير البناء
و (السلبي جداً) حسب المسؤولين، بأنه يشمل فيما يشمل (تمويل
السعودية لمجموعات سنيّة) تقوم بأعمال العنف، وأن مسؤولين
في الجيش الامريكي والمخابرات يقولون إن ما يقرب من نصف
المقاتلين الأجانب الذين يدخلون العراق كل شهر، ويتراوح
عددهم ما بين 60 و 80، يأتون من السعودية، وأن الرياض
لم تفعل ما فيه الكفاية لمنع تدفقهم. وقال مسؤول كبير
بوزارة الدفاع الأميركية أن موضوع المقاتلين السعوديين
الذين يدخلون العراق سيخضع للنقاش خلال زيارة غيتس ورايس
للسعودية، وأن المنطقة (لا تستطيع أن تقف لتراقب وتنتظر.
نحتاج الى المشاركة بشكل إيجابي أيضا). لكنه قال بأن رايس
وغيتس لن يوبخا السعوديين على ما يفعلونه: (ربما يوجد
تصور بأننا نركز على توجيه رسائل توبيخ وتحذير لبعض شركائنا
وحلفائنا في المنطقة. الأمر ليس كذلك).
ولأن التسريبات كما هو واضح جاءت من رجال الإدارة أنفسهم،
فإنهم أشاروا ـ حسب وكالة رويترز ـ وقبل وصول رايس وغيتس
الى الرياض، بما ينبغي على السعودية فعله، فقد قال أحدهم:
(إن على جيران العراق السنّة أن يبعثوا برسالة تأييد إيجابية
لحكومة المالكي والمعتدلين السنّة في العراق). فحتى المعتدلين
السنّة العرب يرون في السعودية مشكلة كونها تدعم تيارات
العنف والقتل. وأضاف: (نريد ان يقوم كل الجيران لا سيما
الشركاء الأساسيين مثل السعودية والإمارات بدور داعم وبناء
في العراق من أجل مصلحتهم ومصلحتنا في المنطقة في مواجهة
القوى الهدّامة). وكانت أنباء متعاقبة قد أفادت بأن الإمارات
انغمست خلال السنتين الماضيتين أكثر فأكثر في المشكل العراقي
وتمويل بقايا البعثيين سواء الذين احتضنتهم في أراضيها
أو أولئك الذين يعيشون في بلدان أخرى كسوريا والأردن،
فضلاً عن تحيزها الإعلامي واتخاذه لغة طائفية يُستغرب
أن تظهر من بلد منفتح كالإمارات، إضافة الى تمويل بعض
الجهات المتصلة بالقاعدة.. لذا لا غرابة من ذكر السعودية
والإمارات في هذا المضمار، ولو أُضيفت قطر لما كان ذلك
غريباً أيضاً. فهناك ثلاث دول خليجية تقف لأسباب متعددة
على الحياد تجاه أطراف اللعبة السياسية العراقية وهي:
سلطنة عمان والبحرين والكويت، فيما تقف ثلاث دول أخرى
الى جانب تمويل العنف لأغراض غير واضحة على الأقل بالنسبة
لقطر والإمارات.
وفي الوقت الذي تضغط فيه واشنطن على حلفائها في الحكومة
العراقية بعدم التعرض للسعودية، وأن تحاول الحكومة العراقية
الفصل بين المقاتلين السعوديين أتباع القاعدة وبين الحكومة
السعودية نفسها، فإن أركان الحكومة العراقية متيقنون بأن
ما يجري أبعد ما يكون رغماً عن أنف الحكومة، وأن تمويل
المسلحين ومدّهم بالمقاتلين أمرٌ مخطط وواضح. وقال مسؤولون
عراقيون بأن كل ما توصلت له أجهزتهم الأمنية قد تم عرضه
على السعوديين، وهذا ما تم مثلاً في زيارة موفق الربيعي
مستشار الأمن القومي العراقي للرياض مؤخراً، ولكن الأخيرة
كررت براءتها (كبراءة الذئب من دم يوسف!) وأنها ستحقق
في الأمر وفي المعلومات المقدمة. ويقال أن أعضاء الوفد
العراقي شعروا بحالة من الإستعلاء الواضح من قبل نظرائهم
السعوديين، وحين طرح موضوع الفتاوى التي تدعو لقتل الشيعة
والصادرة من جهات دينية مسؤولة في السعودية، قال الأمير
نايف بأنها مجرد آراء دينية، فقيل له بأن هذه الآراء (ثمنها
دمٌ جار في العراق)!
خليل زاد والضغوط تتواصل
خليل زاد هو أول سفير أميركي في عراق ما بعد صدام،
وقد عين قبل فترة سفيراً لواشطن في الأمم المتحدة، وكان
قد حاول مراراً أن يقنع السعوديين بأن يمارسوا دوراً إيجابياً
في العراق ولكنه فشل فيما يبدو. وفي زيارته الأخيرة التي
تمت قبل بضعة أشهر، عرض السعوديون عليه وثائق مزورة زودهم
بها حلفاؤهم في العراق من البعثيين بالتحديد، والتي أشارت
في بعضها الى غرائب العقل السعودي وكيف أنها تؤدي الى
تخبط السعودية سياسياً! من بينها أن (المالكي) ليس عراقياً
ولكنه إيراني الجنسية! وبينها وثيقة مزورة تفيد بأن المالكي
طلب من الصدر الهرب قبل بدء الخطة الأمنية لبغداد، وبينها
أن هناك في العراق ستة ملايين إيراني! وغيرها من الخزعبلات
التي توضح أن السعودية تعيش على هامش الوضع العراقي وليس
لها دراية به، وإن عقدها الطائفية أعمتها الى حد تصديق
أكاذيب لا يصدقها مبتدئ السياسة.
ويشعر خليل زاد، وهو من صقور اليمين المتطرف، بفسحة
أكبر ـ ولكن ضمن خطة الضغط لتغيير الموقف السعودي تجاه
الوضع العراقي ـ لنقد السعودية وتصرفاتها وما يسميه قيامها
بـ (الدور المعاكس). كتب خليل زاد مقالة في نيويورك تايمز
حول العراق قال فيها (إن العديد من جيران العراق، وليس
سوريا وإيران فحسب، بل بعض أصدقاء الولايات المتحدة، ينتهجون
سياسة زعزعة الاستقرار في العراق) في إشارة الى السعودية
والإمارات وقطر.
من جهة أخرى، أشارت المصادر الى أن السعودية ترى من
واجبها تقديم دعم للسنّة المسلحين مقابل دعم إيران للشيعة
المتطرفين، وفي السياق نفسه قال السفير الأميركي الأسبق
في الكويت ادوارد غنيم بأن السعوديين طلبوا في اجتماع
مجلس التعاون في ديسمبر الماضي من نظرائهم في دول المجلس
(تقديم الدعم المالي للمقاتلين السنّة في العراق) الأمر
الذي أثار انزعاج واشنطن التي أبلغت دول الخليج والسعودية
في مقدمها بأن ليس في مصلحة الجميع القيام بمثل هذه الأعمال.
وقال مدير مركز (البرنامج الاستراتيجي الاميركي) ستيف
كليمونز إنّ الادارة الأميركية باتت متأكّدة من أن: (السعوديين
لم يعودوا يؤدون دور الخادم الجيّد، فهم يرون الضعف والثغرات
الأميركية وقرّروا سدّها على طريقتهم).
في ذات اتجاه الإتهامات للعائلة المالكة السعودية قالت
صحيفة وول ستريت جورنال بأن واشنطن تشتبه في أن مصرفاً
سعودياً كبيراً يسهّل تمويل مجموعات متطرفة داخل العراق
تنشط تحت مسمى (الجهاد).. ويعتقد على نطاق واسع أن المقصود
واحد من مصرفين (بنك الراجحي) أو (البنك العربي).
بيد أن خليل زاد حاول تلطيف تصريحاته فيما بعد، أي
بعد أن وصلت الرسالة الأميركية الى السعودية. قال زاد
للسي إن إن، ملطفاً الأجواء، بأن الدور السعودي مهم في
تحقيق السلام، وأن الرياض (حليفة رائعة) وصديقة للولايات
المتحدة، ودعا السعوديين لبذل المزيد من الجهد لإنهاء
العنف الطائفي في العراق، وطالب الرياض بأن تكون أكثر
فاعلية في التشجيع على المصالحة الوطنية، والتوسط سياسياً
مع مختلف القوى السياسية فيه، وإعفاء العراق من الديون،
خاصة وأن السعودية وعدت بالمساعدة في كل تلك المسائل.
لكن السعوديين بدوا شديدي الإنزعاج مما قاله زاد، الأمر
الذي يفصح عن إمكانية تراجعهم عن سياستهم، فقد شنت الصحافة
السعودية ما يشبه الحملة ضده، وفي المؤتمر الصحافي الذي
عقده سعود الفيصل ورايس في 1/8/2007، اعترف بأن سياسة
بلاده تختلف عن أميركا في الموضوع العراق، فـ (العلاقات
الجيدة لا تعني ألا تكون هناك خلافات في بعض الأمور، لكن
العلاقات الجيدة والصحية لا بد أن تكون فيها اختلافات
في وجهات النظر في بعض الأمور، ودليل صحة هذه العلاقات
أن هذه الخلافات تبحث في إطارها الحقيقي ونصل إلى قناعات
مشتركة ونبحثها بكل شفافية وصراحة). وتابع: (إن تصريحات
السفير خليل زاد أذهلتني في الحقيقة، لأنه كان في المنطقة
ولم نسمع منه يوماً من الأيام انتقاداً للإجراءات التي
تتخذها المملكة).. وعلل تصريحات زاد بقوله: (تفسيري للموضوع
هو أنه لا بد من انه ـ خليل زاد ـ قد تأثر بالأجواء في
الأمم المتحدة عندما ذهب إلى نيويورك). وزعم الفيصل أن
الإرهابيين يأتون من العراق الى السعودية وليس العكس،
ولكنه أكد على ضرورة التعاون مع بغداد. يقول: (عبرنا عن
قلقنا من استمرار الحالة الأمنية في العراق، وأعربنا عن
أملنا في أننا سنتمكن من العمل عن كثب مع الحكومة العراقية
بشأن الإجراءات الأمنية وخاصة بالتعامل مع النشاط الإرهابي)
مشيراً إلى أنّ (تنقّل الإرهابيين أصبح يأتينا من العراق
وليس بالعكس من السعودية إلى العراق، وهذا الأمر يشكل
قلقا للحكومة السعودية).
في الإعلام، وصف عبدالرحمن الراشد خليل زاد بأنه (أبو
لسانين) (الشرق الأوسط 2/8/07) وقال أنه ارتكب خطيئة فاضحة
(ليس عندما هاجم السعودية، فالخلاف ربما يبرر النقد والهجوم
الإعلامي، بل لأنه تعمد الاحتيال عليهم). وأضاف: (قد يتساءل
البعض، هل الانتقاد العلني الاميركي أسلوب مناسب لممارسة
الضغط السياسي؟ لست متأكدا، لكنه مفيد أحيانا لتوضيح المواقف
عندما تكون هناك خلافات طويلة. لكن من المهم ان تعرف واشنطن
انه عندما تنتقد الحكومة الأميركية احدى حكومات المنطقة،
فهي عمليا تدعمها شعبيا، وعندما تثني عليها فهي قبلة الموت).
فلماذا الإنزعاج إذن إن كانت هذه هي القناعة السعودية؟!
وكتب عادل الطريفي (الرياض، 1/8/07) ما يشبه رسالة
أو نصيحة لرايس: (إحذروا المحرضين ضدّ السعودية)! فهل
أرادها أن تحذر من (خليل زاد) وغيره من المسؤولين الأميركيين
أم من جهة أخرى لا نعرفها؟! وملخص مقاله التالي: (الوزيرة
رايس: حان وقت هزّ المنظومة السياسية في العراق، وإعادة
تركيبها من جديد، فالأمور لا يمكن أن تسوء أكثر من ذلك..
غيّروهم قبل أن يقلبوا أسلحتهم ضدكم بأوامر إيرانية).
أي أزيحوا الشيعة والمالكي على رأسهم عن الحكم، وأعيدوا
الأمور الى سابق عهدها. نصيحة غبية لا يمكن تطبيقها. ولكن
التحليل السعودي وراءها يقول ـ حسب الطريفي: (إذا أرادت
أمريكا تعاوناً من دول الجوار، فلتبدأ بخطوات جريئة لإقامة
حكومة وحدة وطنية تمثل كافة أطياف المشهد العراقي ـ لاسيما
العلمانيين الشيعة والمعتدلين السنة ـ وأن تقضي على استئثار
بعض الأحزاب الأصولية بالسلطة). والمقصود إعادة الحكم
الى علاوي الذي سقط في الإنتخابات، ومعه فريق من البعثيين
القدامى. حينها فقط تتخلى السعودية عن دعم القاعدة، وتنتفي
الحاجة الى جماعات القتل والتفجير للأبرياء!
ويعتقد الطريفي أن من يقف وراء الترويج لمواقف سلبية
سعودية من العراق هي حكومة المالكي التي تستثمر التصريحات
ضد السعودية للنيل منها، وأن العراق يعادي السعودية، وأن
الشيعة بافتعالهم معركة ضد السعودية يوحدون طائفتهم (ضد
عدو خارجي). وقال الطريفي أن أحداً خارج العراق لا يصدق
ما يقوله الشيعة من أن السعودية منغمسة في الدم العراقي،
ولمح ان الشيعة في العراق يصدقون ذلك وأنه (تتعالى أصوات
دعاة الشغب والتضليل بالهتافات ضد السعودية وشعبها ليس
في العراق بل وفي عواصم عربية وأوروبية أخرى وصلتها هذه
العدوى).
ولأن العقدة تكمن في إيران دائماً، قال الطريفي بأن
(إيران تحتفظ بقادة القاعدة في أراضيها، وترسل بعشرات
الأطنان من المواد المتفجرة عن طريق حليفتها سوريا لتغذية
عناصر الصراع داخل العراق، ويقوم وكلاء إيران في العراق
بتحريض الشعب العراقي ضد السعودية). واتهم الطريفي أميركا
بأنها: (تقدم بشكل مجاني للجماعات الأصولية الحاكمة في
العراق فرصة بناء نظام دولة معتمد على فكرة الصراع مع
السعودية لا على التحالف مع أمريكا). وتابع متسائلاً:
(لمصلحة من يتم تضخيم أرقام السعوديين في العراق، وربطهم
بالسعودية؟).
|