الجاسر: الاعلام السعودي وإثارة النعرات الطائفية
نادراً ما كان مسؤول في الحكومة السعودية يوجّه انتقادات
لتصرفات مضرّة بصورة مباشرة بفئات المجتمع، ونادراً أيضاً
أن يكون وعي المسؤول متفوّقاً على وعي المعوّل عليهم في
حفظ الوحدة المجتمعية وتعزيز مبدأ الاحترام المتبادل والتعايش
في مختلف الفئات.
ففي موقف غير مسبوق على المستوى الرسمي، انتقد وكيل
وزارة الثقافة والإعلام، عبدالله الجاسر، بعض مالكي القنوات
الفضائية السعودية، واتهمهم بضيق الأفق والإقليمية وبالسعي
لإثارة النعرات الطائفية والإقليمية والتفرقة بين أبناء
المجتمع الواحد.
ونقلت صحيفة (الوطن) السعودية، في التاسع عشر من يوليو
الماضي عن الجاسر تأكيده أن مؤسسات الإعلام الفضائية السعودية
الخاصة، هي مؤسسات فكرية ثقافية في المقام الأول، وليس
وسيلة للتجارة المبتذلة، وقال إن حرية الإعلام تعني حرية
الإنسان وللأسف أصبحت هذه الحرية اسمية بعد أن سيطرت المصالح
الاقتصادية والفئوية على أصحابها، وقال إن كرامة الإعلام
تأتي بكرامة اللسان وعفته، والحفاظ على الذوق العام ومشاعر
الناس، والابتعاد عن النعرات الطائفية والإقليمية والتفرقة
بين أبناء المجتمع الواحد. وبالرغم من أن الجاسر اختار
من بين الاشكال الطائفية والانقسامية تلك القنوات التي
تتخذ من المناطق أسماء مثل قناة القصيم الفضائية أو قناة
حائل الفضائية أو جدة حيث اعتبر ذلك تركيزاً بغيضاً وواضحاً
للإقليمية الضيقة التي ينكرها كل مواطن سعودي مخلص. ولكن
الحقيقة، أن هذه القنوات شأن أشياء كثيرة شهدتها البلاد
تمثل إخفاقاً ذريعاً للحكومة السعودية في توفير شروط الدولة
الوطنية، الأمر الذي سمح ببزوغ الهويات الفرعية: القبلية
والاقليمية والمذهبية. وكما شهد عقد التسعينيات انفجار
المطبوعات ذات الطابع القبلي، فإن عصر الإعلام الفضائي
سيشهد بزوغاً صارخاً للثقافات الفرعية التي قد تنمي حركات
احتجاج واسعة النطاق.
مطاللبة الجاسر بعض تجار الإعلام الفضائي من السعوديين
بمسؤولياتهم الوطنية، وأن تكون استثماراتهم خيراً لهذا
الوطن، ليست سوى خوفاً على الكيان السعودي، وليس دعوة
لتوفير شروط الوحدة الوطنية عبر عملية الاندماج الوطني..ويبقى
أن داعم أواصر التآخي والتآزر والمحبة بين أبناء الوطن
يقضي بتسوية مشكلات مرتبطة بتكوين الدولة، والبعد كل البعد
عن ترسيخ النعرات الإقليمية والطائفية، بالرغم من صحة
الرأي القائل بأن هذه القنوات الفضائية الطائفية أو الإقليمية
تمارس دوراً مضاداُ لوحدة الأمة وتآزرها وتآخيها إسماً
ومضموناً، بل بعضها يشتغل على عن بث الفرقة والطائفية
والإقليمية والاستخفاف بالمستمع والمشاهد السعودي والعربي.
الجدير بالذكر أن عدداً كبيراً من المستثمرين السعوديين
والذين يملكون من القنوات الفضائية وجدوا أن سوق الإعلان
التلفزيوني مغرياً ويستحق الاستثمار فيه، وخاصة مع ولع
الكثير بالمحطات الفضائية وإدمان الكثير منهم لرسائل الجوال
للاشتراك في شريط المحادثة الظاهر أسفل الشاشة، شجع المستثمرين
لإنشاء محطات فضائية تبث من بعض العواصم العربية وبرسوم
تعد متوسطة ومعقولة في مقابل الربح الذي يجنونه من رسائل
الجوال.
المشترك بين الاعلام الرسمي والاعلام التجاري والاعلام
الديني أنها لا تخدم الوحدة الوطنية، بل مصبوغة بفئوية
فاقعة وتراهن على استيعاب الجمهور ضمن مشاريع خاصة، حتى
وإن تطلب النيل بمسلّمات الأمة: الوحدة، الحرية.
|