طلال يهاجم ولي العهد سلطان وأشقاءه ويدعو لإصلاحات
وإنشاء حزب سياسي
الأمير طلال.. المحيّر والمحتار!
خالد شبكشي
كثيرون هم محتارون في تحليلهم لمواقف وشخصية الأمير
طلال بن عبدالعزيز.
فتاريخه يجعل منه أميراً مختلفاً بنحو أو بآخر.
وتصريحاته ودعواته لها نبرة مختلفة عن المألوف بين
العائلة المالكة.
وصراحته تختلف عن النسق المحافظ السائد بين الأمراء.
منذ كان شاباً وطلال يبدي قدراً غير قليل من التمايز
عن إخوته.
وهو في المسؤولية الحكومية كان داعية للتغيير داخل
العائلة المالكة وداخل النظام.
وأخيراً رمى طلال حجراً كبيراً في بئر ماء آسن، حيث
صرح لوكالة الأسوشيتدبرس (3/9/07) بأنه سيشكل حزباً سياسياً،
ودعا الإصلاحيين للإنضمام إليه، حيث انتقد سجنهم وقال:
(أعرف أن هذا ليس بالأمر السهل وأن لدينا الكثير من العقبات
أمامنا، إلا أننا يجب أن نبدأ بتشكيل هذا الحزب). وانتقد
طلال تفرد الجناح السديري بالسلطة، أو بتعبيره (احتكار
السلطة من قبل فرع من العائلة الحاكمة). وقال طلال أنه
يريد للحزب أن يخرق احتكار (بعض أفراد العائلة الحاكمة)
للسلطة والذين يتولون مناصب رسمية منذ سبعين عاماً. واتهم
الأمير طلال السديريين بأنهم (مجموعة لا تعيق الإصلاح
فحسب، بل تحاول أيضا إلغاء الآخرين لتسيطر على كل شيء،
نحن بالتحديد أبناء عبد العزيز يجب أن يكون لنا دور في
إبداء الرأي وفي صناعة القرار). وقارن طلال وضع المواطن
السعودي بالمواطنين الخليجيين الذين انفتحت أنظمتهم السياسية
فأجرت انتخابات لهيئات تشريعية وتساءل: (لماذا تتبع هذه
الدول الصغيرة هذا النهج ولا نتبعه نحن؟).
وكرر طلال مطالبته بإيجاد هيئة منتخبة للتشريع، ومحاسبة
المسؤولين، وحماية الثروة العامة، وإجراء تغييرات في المؤسسة
الدينية الوهابية بما يمنح المرأة حقوقاً أكبر، ودعا الحكومة
الى احترام ما وقعته من معاهدات دولية: (لقد وقعنا على
معاهدات دولية بما فيها حقوق المرأة وعلينا أن نحترمها).
وأخيراً دعا طلال الى تشكيل لجنة بريطانية سعودية تحقق
في فساد بعض الأمراء الذين سرقوا أموال الشعب في صفقات
أسلحة، مشيراً الى ما جرى في صفقة اليمامة وسرقة بندر
بن سلطان ملياري دولار منها، عدا ما سرقه أبوه وزير الدفاع
وأخوه خالد بن سلطان وغيرهم. وتابع: (في حال صحّت الاتهامات،
فإن الحدّ الأدنى الواجب اتخاذه هو أن تعاد الأموال إلى
الخزينة).
هذا ما قاله الأمير طلال، وهو قول ثقيل لا يستطيع السديريون
(سلطان ونايف وسلمان وأشقاؤهم الآخرون) تحمّله.
دوافع التصريح وتوقيته
هناك من يرى أن ما قاله طلال لا علاقة له بالإصلاح
وأنه أمير غير إصلاحي، بل أراد حصّة من السلطة باعتباره
واحداً من أبناء عبدالعزيز الكبار، وأنه ضاق بالتهميش
الطويل.
إذن هو صراع على السلطة!
وهو بالتالي صراع بين أجنحة الحكم.
لكن من الصعب لمن عرف سيرة طلال أن لا يربط بين موضوع
دعواته الإصلاحية المتكررة منذ نهاية الخمسينيات الميلادية
الماضية وحتى اليوم، وبين طموحاته السياسية.
كان بإمكان طلال أن يصمت كغيره وينال شيئاً من كعكة
الحكم. كيف لا وقد كان ركناً رئيسياً من أركان الدولة
أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات الميلادية. وقد تقلد
مناصب وزارية كوزارة المواصلات عام 1954، ثم وزارة المالية
عام 1961. كما أنه كان لولباً في التحرك لتقييد سعود بنظام
مجلس الوزراء، وتوسعة صناعة القرار السياسي سواء بين الوزراء
أو بين الوزراء والأمراء من أبناء عبد العزيز.
في تصريح طلال الأخير هناك ملاحظة مهمة، فهو ينتقد
الإستفراد بالسلطة من قبل (فرع في العائلة المالكة) يرأسه
سلطان ونايف وسلمان، وهذا الإستفراد مضى عليه أكثر من
ثلاثة عقود، وبالتحديد منذ وفاة الملك فيصل حتى الآن،
حيث يسيطر هذا الفرع على معظم أجهزة الدولة ويبعد الأمراء
الآخرين عنها، ممن هم في سنّ إخوانهم الأمراء الحاكمين
أو أكبر منهم، هذا إذا كان معيار الحكم هو السن.
طلال منزعج من استمرار هذا الإحتكار، وهو لا يريد القضاء
عليه ليعطي بعض الأمراء المهمشين ـ وهو واحد منهم ـ جزءً
من الكعكة فحسب، بل يريد أيضاً أن يكون للشعب دورٌ في
صناعة القرار.
هنا يختلف طلال عن غيره. فهناك أمراء منزعجون لإقصائهم
ولكنهم يطالبون بحصتهم في الحكم، ولا يعتقدون بأن للشعب
حقاً في تقرير مصيره وصناعة خياره السياسي، عبر الإنتخابات.
طلال لا يقول هذا. بل يقول بأن للأمراء حق معيّن يجب
تحديده، وللشعب حقّ آخر يجب احترامه.
والسؤال المهم لماذا فجّر طلال قنبلته في هذا الوقت
وبهذا الشكل؟!
لقد عودنا طلال أن يطل علينا بين الفينة والأخرى عبر
وسائل الإعلام والفضائيات داعياً للإصلاحات، ومدافعاً
عن حقوق المرأة، ووضع تفاصيل للنظام السياسي ليكون دستوراً
حقيقياً، وأن يتم انتخاب مجلس للشورى، وحماية المال العام
من النهب والفساد، وتقييد المؤسسة الدينية التي أصبحت
عائقاً لتقدم البلاد وازدهارها، وغير ذلك من الدعوات.
لكنه في هذه المرة كان أكثر تحديداً للمشكلة، وهو وإن
لم يسمّ الأفراد، فقد أشار الى أن ثلاثة أمراء كبار قد
اختطفوا الدولة واستفردوا بمقدراتها، وأعاقوا الإصلاحات.
دعوات طلال لحقّه السياسي كأمير من أبناء عبدالعزيز،
مركّبة على الإصلاحات.
هذا ليس جديداً، وقد كان يأمل أن تتم الإصلاحات في
السنوات الخمس الماضية، وقبل أن يموت فهد، أي حين كان
عبدالله ولياً للعهد. لكن الأمور لم تستقم على ذلك النحو،
وتصور طلال أن الجناح السديري سيتم خضد شوكته من خلال
الإصلاح السياسي والديني والإقتصادي. ولما كان عبدالله
غير قادر على فعل ذلك قبل أن يصبح ملكاً، تصور طلال أنه
وبمجرد أن يموت الملك فهد ويتولى عبدالله الحكم فسيقوم
الأخير بأمرين أساسيين ينهيان الإحتكار، ويضعان حداً معقولاً
للفساد المالي وغيره، وهما:
أولاً ـ إشراك عدد من الأمراء المهمشين، وطلال واحدٌ
منهم، في صناعة القرار، عبر تقريبهم وتوليتهم بعض المناصب،
وقد يتطور الأمر الى تجريد عدد من السديريين وأبنائهم
من مناصب محدد، كإمارات المناطق: (الشرقية مثلاً). ولربما
تصور طلال أن الملك عبدالله إن لم يكن قادراً على تجريد
سلطان من ولاية العهد، فهو بالطبع قادر على منع تسلسل
ولاية العهد التالية الى نايف.
ثانياً ـ أن الملك الجديد (عبدالله) سيمضي الإصلاحات
السياسية الموعودة، ويضع برنامجاً لتطبيقها.
بيد أن شيئاً من هذا كلّه لم يحدث. وقد انتظر طلال
عامين كاملين على تولية عبدالله السلطة، فما وجد طلال
إلا أن الجناح السديري صار يحكم البلاد بإسم الملك، وهذا
الأخير أثبت أنه ضعيف في اتخاذ القرار ومواجهة التيار
المتسلط في العائلة المالكة. لم يقدم عبدالله مناصب لأمراء
كثيرين كانوا على قائمة الإنتظار! بل لم يكن الملك قادراً
على إجراء تعديل وزاري حتى! وهو أمرٌ يفعله كل ملك جديد!
وفي موضوع ولاية العهد أسس الملك عبدالله هيئة البيعة،
التي لن تكون قادرةً على إيقاف الإحتكار السديري للسلطة
إذا ما توفي الملك قبل ولي عهده.
وفي موضوع الإصلاحات، كل ما أنجزه الملك هو إطلاق سراح
ثلاثة معتقلين إصلاحيين (الدميني، والحامد، والفالح) ولكن
وزير الداخلية نايف لازال يعتقل الكثير منهم بين الفينة
والأخرى، وهو غير مهتم أصلاً بقرارات عبدالله الذي يوم
كان ولياً للعهد شكا من أن جهاز الدولة لا يطبق أوامره
في كثير من الشؤون!
وفي الجملة فإن المملكة اليوم وعلى رأسها عبدالله لا
تختلف في منهجها السياسي الداخلي والخارجي، ولا في حجم
الفساد وتراجع الأداء الحكومي عما كانت عليه في عهد الملك
فهد. كل ما تغير هو أن السديريين يحكمون البلاد وينهبونها
من وراء ملك ضعيف لا يستطيع أن يغير ولا يبدل، اللهم إلا
تبديل العملة الورقية ووضع صورته عليها!
وهكذا تلاشت آمال طلال، كما آمال عدد كبير من المواطنين
المهتمين بالشأن العام، الذين وجدوا الدولة خلال العامين
الماضيين أسوأ مما كانت عليه من قبل من جهة تقييد الحريات
العامة، والتجاوزات والفساد المالي والإداري، وانهيار
الخدمات العامة، وكذلك سوق الأسهم.. ولهذا السبب انحطت
شعبية الملك عبدالله وتبخرت الآمال المعلقة عليه، سواء
من المواطنين أو من عدد من الأمراء أنفسهم.
وتصريح طلال الأخير يحكي يأس صاحبه من الملك، رغم أن
التصريح إياه رمى اللوم والعتب على مستشاري الملك، وأما
الملك فإصلاحي بامتياز!، ولكن مستشاريه سيئين!
هذا ما يقوله طلال وإن لم يكن مقتنعاً به. فالملك لم
يكن في يوم ما إصلاحياً، ولم يكن في يوم ما صاحب دراية
وذكاء وحسن سياسة وإدارة. هو ملك ضعيف بامتياز، لا يشبهه
في ضعفه إلا الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز، الذي كان
في بعض المواقف يبكي مما يفعله ولي عهده فهد، ولكنه لا
يستطيع إيقافه!
حتى الملك سعود كان أكثر قوة من عبدالله، فهو، أي سعود،
وإن كانت تنقصه الملكات مثل الملك الحالي، إلا أنه كان
يدافع عن سياسته، وعما يعتبره حقّه. وحين طُرد الملك سعود
خارج المملكة الى اليونان عام 1964م، لم يقف ساكناً، بل
حرك تحالفاته القبلية، واتصل بعبدالناصر ليساعده على العودة
الى الحكم، كما تحكي فصول ذلك مذكرات صلاح نصر، ولم يثنه
عن نشاطاته وينهيها إلا الموت الذي وافاه في اليونان عام
1969م. في حين أن الملك الحالي، ضعيف المبادرة، لا يستطيع
تفعيل أوراق قوته، زاهد في حلفائه الأمراء وحتى المثقفين،
لا يدرك فن اللعبة السياسية، وغير متمرس فيها كما يفعل
منافسوه السديريون الذين صار لهم رصيد كبير من الخبث والدهاء
والخبرة.
ضعف الملك وفشله في تحقيق أية انجاز إصلاحي، وتمادي
التيار التسلطي السديري في السيطرة على مفاصل الدولة،
هو الذي جعل طلال يفجّر غضبه وقهره ويوجه سهامه الى السديريين،
ويدعو لتأسيس حزب، وكأنه يريد أن يقول بأنه يائس من أن
يقوم الملك بفعل ما، يجدد للدولة شبابها ويعيد اليها حيويتها.
ربما لم يتصور طلال أن الملك عبدالله بهذا الضعف الذي
شهده ولازال، فتريّث منتظراً عامل الزمن ليوضح الأمور
على حقيقتها. وهو ذات الأمر الذي أدهش المواطنين المهتمين
بالشأن العام، فالدعاية للملك الجديد كانت مثل الجبل الذي
تمخض عن فأر صغير.
ماذا يمكن لطلال أن يفعل في مثل هذه الحال؟
هو لا يريد أن يخسر الملك، فعلاقته به أقوى بكثير من
علاقته مع اخوته الاخرين السديريين، وهو ـ أي طلال ـ لازال
ربما لديه (بصيص أمل) لتحويل موقف الملك، أو دفعه باتجاه
سياسي آخر، خاصة وأن الملك أقل ممانعة للإصلاح بالقياس
مع التيار السديري المنافس. ولا يمكن لطلال أن ينسى بأن
عبدالله كان واحداً من تسعة أمراء اجتمعوا معه في قصره
لإصلاح وضع الدولة في مارس 1958 في عهد سعود، قبل أن ينضم
اليهم ولي العهد آنئذ الأمير فيصل ليكون عاشرهم. كما لا
يستطيع طلال أن ينسى بأن عبدالله أبدى ميلاً لطلال في
معارضته الأولى لسعود وربما لفيصل، وقد التقاه في بيروت
في المنفى بداية الستينيات. زد على ذلك فإن الملك عبدالله
ليس له من أخ شقيق، ولا توجد له عصبة تدعمه بين إخوانه
المشتتين المهمشين بعكس السديريين. بمعنى إن التخلي عن
عبدالله سيقود الى استحواذ الجناح السديري بكامل السلطة
بدل 80% منها!!
لهذا من الطبيعي أن يستمر طلال في دعم الملك عبدالله،
أياً كان الوضع.
لكن السؤال الحقيقي: لماذا لا يدعم الملك عبدالله الأمير
طلال؟
يظهر أن الملك ومنذ كان ولياً للعهد يأخذ برأي طلال
ولكن ضمن حدود، ولربما لازال يعتقد بأن طلال يتمتع براديكالية
لا يستطيع النظام المحافظ مجاراتها. والملك هو الأقدر
بين المتنفذين على التعاطي مع طلال، بل أن الملك وبدل
أن يتأثر بطلال فإنه صار كابحاً للأخير، يدعوه للصبر والتمهل
والتروي.
هناك من يعتقد بأن تصريحات طلال الحادة ما كانت لتخرج
لولا أن الملك يوفر له مظلّة حماية، وربما فإن ما قيل
كان بتواطؤ بين الطرفين. هذا ما يراه بعض المراقبين غير
المطلعين.
لكن هذا التحليل يميل الى الضعف، فلا شك أن وجود الملك
عبدالله على رأس الحكم يوفر لطلال هامشاً من الحرية أكبر
من ذاك الذي كان متوفراً في عهد فهد. ولا شك أن وجود الملك
عبدالله يوفر متسعاً من الحماية لطلال فيما لو قرر السديريون
التعرض له بالإيذاء. لكن أن يكون ما جرى من تصريحات جاءت
بالتنسيق مع طلال فهذا مستبعد جداً. لا شك أن طلال يتمنى
أن لو كان قادراً على قول ما قاله بالتنسيق مع الملك،
لكن الملك عبدالله أبعد ما يكون عن المناورات بهذه الطريقة،
وإن كان فيما قاله طلال من تعرض للسديريين فائدة للملك
المحاصر بهم.
لكن ما قاله طلال يحمل وجهين: وجه ينتقد السديريين
بأنهم يحتكرون السلطة وأنهم عقبة أمام الإصلاح. ووجه آخر
يظهر الملك عبدالله بريئاً من تهمة الإستئثار بالحكم،
ومدافعاً عن الإصلاحات. ولكن يمكن قراءة ذلك بصورة معكوسة:
فالملك الذي يحاصره ولي عهده ووزير داخليته هو ملك ضعيف.
والملك الذي يتحكم فيه مستشاروه أو لا يكون مستشاروه على
مستوى جيد، هو ملك ضعيف أيضاً.
في ظل وضع متقلب كهذا، وبالنظر لما قيل آنفاً، فإن
طلال الواقع بين فئة مستبدة من العائلة المالكة، وبين
ملك ضعيف لا يسعه إلا أن يعبر عن رأيه ضمن حدود اللعبة
السياسية، وإن كان طلال هذه المرة قد وسع من هامشها، دون
الإلتفات كثيراً الى أخذ موافقة الملك على ما سيقوله مسبقاً،
والأقرب أن تراجع لحن طلال عن كيفية إخراج تصريحاته إنما
جاء بضغط من الملك نفسه وبطلب من سلطان ولي العهد.
مآل تصريح طلال
هل يمكن أن يعدّ تصريح الأمير طلال الأخير زوبعة في
فنجان، وأن مآله لن يختلف عن التصريحات السابقة؟
ربما، ولكن التصريح يمكن أن يكون جزءً من عمل تراكمي.
ويمكن اعتبار التصريح مفيداً من جهة أنه:
أولاً ـ وجّه الأنظار الى أن الخلل والفساد في الدولة
إنما هو ناجم عن استئثار السديريين (آل فهد) بالحكم، وأنهم
روّاد الفساد المالي وغيره، وأنهم هم وحدهم من يتحمل مسؤولية
الإستبداد وبعد شقّة الإصلاحات، وأنهم العقبة الكأداء
أمام الإصلاح. فالمستأثرون هم أكثر المقاومين للتغيير
والتجديد كما هو معلوم. إن تسليط الضوء على فساد واستبداد
واستئثار هذه الفئة السديرية يوجّه نقمة المواطنين إليها
دون غيرها باعتبارها موطن الداء. ويعتبر تصريح طلال شهادة
منه على تردي الأوضاع المحلية في كل جوانبها، وعلى فساد
الأمراء المسيطرين عليها، وبالتالي فإن قدراً متيقناً
من الغشاوة عن أعين المواطنين قد زالت، وأن قدراً آخر
من أردية القدسية قد انزاحت عن تلك الفئة.
ثانياً ـ التصريح يفتح نافذة تصور أولية لكيفية تغيير
الأوضاع في المملكة. فمع وجود ملك ضعيف وجناح مستأثر بالسلطة
معيق لأي إصلاح بل لا يطيق كلمة إصلاح ويريد استبدالها
بكلمة (تطوير) كما اقترح نايف، في مثل هذا الوضع يأتي
اقتراح طلال بتأسيس حزب كضرورة ووسيلة لازمة لعملية التغيير.
كأن طلال أراد أن يترأس حزب الإصلاحيين في المملكة. وما
دام الأمر يشير الى أن الأمير طلال قد يتراجع عن تأسيس
الحزب، فإن الإصلاحيين مطالبون بتأسيس حزب يجمع شتاتهم
وينظم عملهم ويوحد رؤيتهم، بدل العمل بطريقة العرائض،
خاصة وأن مصير من ينشئ حزباً لن يختلف كثيراً عمّن يوقع
عريضة! وإن في تأسيس الحزب خطوة متقدمة للأمام في جو السكون
والقمع المسيطر الآن في المملكة.
والأمير طلال في مقابلته التوضيحية مع قناة المحور،
أكد قضية ذات أهمية وهي قوله أن مبادرته بطرح تأسيس حزب
سياسي إصلاحي في المملكة إنما (هي رد فعل على سياسة الإقصاء
عن المشاركة في صنع القرار). وتابع: (إذا كانت هناك سياسة
إقصاء فمن الطبيعي أن يفكر المضارون من هذه السياسة في
إنشاء حزب ليكون وسيلتهم للتعبير عن آرائهم وأفكارهم ،
وأداتهم التي يسعون من خلالها إلى ممارسة حقهم في المشاركة
في الشأن العام، وتوصيل دعوتهم إلى الإصلاح). ولاحظ أن
(الحزب والإقصاء يدوران معاً دوران العلة والمعلول وجوداً
وعدماً، وأن إنهاء الإقصاء يغني بالتالي عن الحاجة إلى
الحزب، إذا رأى الملك عبد الله بحكمته لم الشمل وتدعيم
الاتجاه الذي بدأه نحو التشاور والمشاركة وإزالة العوائق
التي تحول دون تفعيل هذا الاتجاه، لكي يسود الإخاء والوئام
والابتعاد عن المصالح الخاصة، وترسيخ المصلحة العامة التي
نسعى إليها).
فطلال حسب قوله مستعد للتخلي عن الحزب إذا رأى الملك
ذلك، وإذا ما تمّ تخلي فريق السلطة المستأثر عن استئثاره،
بحيث يشرك طلال وآخرين من الأمراء في السلطة. هذا ما يفهم
من الفقرة الأخيرة من تصريحه لقناة المحور، فهو لم يشترط
تحقيق الإصلاحات السياسية للمواطنين، بل إعادة توزيع السلطة
بين الأمراء، الأمر الذي يدفع الى القول بأن طلال يريد
حزباً يستخدمه للوصول الى السلطة والى تحقيق قدر ولو قليل
من الإصلاحات.
ثالثاً ـ إن تصريحات طلال لها أهمية خاصة من جهة إستعداده
لإخراج الصراع على السلطة من دائرة الأمراء الى الدائرة
الشعبية الأرحب. لقد اعتاد الأمراء أن يجعلوا الخلافات
مكتومة، ورغم أن الخلافات طغت على السطح بشكل ناشز منذ
أكثر من عقد حتى الآن، فإن تصريح طلال أعطاها مدى أوسع،
من جهة المطالبة بحقوق المواطنين والأمراء على حد سواء،
ومن جهة إشراك المواطنين في الصراع على السلطة.
ولعل السبب في هذا طبيعة المطالب التي يتوخاها طلال،
ولأنه من جهة ثانية لا يتمتع بعصبة قوية داخل العائلة
المالكة، رغم أنه يحاول أن يثمّر بعض أموال إبنه الوليد
في تدعيم موقفه وموقف إبنه في مشروع الحكم المستقبلي.
لا ننسى أن طلال قال ذات مرة بأن إبنه يحق له أن يرشح
نفسه ليكون ولياً للعهد، حسب الدستور (النظام الأساسي)
وفي هذا تحد لتلك العصبة المستأثرة.
وحسناً أعلن بعض الإصلاحيين ـ رغم شكوكهم في المدى
الذي يمكن أن يذهب اليه طلال في دعوته لإنشاء حزب ـ عن
استعدادهم للمشاركة فيه، فالجمهور وقواه المهمشة يجب أن
تكون قريبة من صناعة القرار والصراع من أجل تحقيقه. أما
إبقاء المجتمع مهمشاً ينتظر حاكماً جديداً (قد) يمن عليه
بتغيير جزئي، فقد أثبتت الوقائع التاريخية استحالة حدوثه
في وضع مثل السعودية. إن برنامج طلال ـ فيما لو حدث ـ
يحفز ويسيس الجمهور ويستثمر طاقاته وبالتالي يخرج الصراع
على السلطة من دائرة العائلة المالكة الى الدائرة الشعبية
الأوسع، وهذا هو التغيير الحقيقي.
من جملة الملاحظات المفيدة في تصريحات طلال آنفة الذكر،
يتبين أن هناك نواقص كبيرة تجعل من تلك التصريحات حقيقة
على الأرض وبالتالي تساهم مساهمة مباشرة في العمل الإصلاحي
في المملكة.
أول هذه النواقص، هي أن الأمير طلال لازال يقدم رجلاً
ويؤخر أخرى، فهو محكوم بمعادلات العائلة المالكة أكثر
من الوضع السياسي الشعبي العام. أي أن العامل الحاسم عند
الأمير طلال ليس قضية الإصلاحات بالضرورة، وإن كانت موجودة
في توجهه، وإنما طبيعة اللعبة السياسية الداخلية لدى الأمراء،
وبالتالي فإن تقييمه للأمور يختلف عن تقييم الإصلاحيين.
لقد كانت لطلال ولاتزال علاقة مع بعضهم، حتى من اعتقلوا
كانت بينه وبينهم صلة، ولكنه ـ وهذا أمرٌ غريب جداً ـ
لم ينبس ببنت شفة مدافعاً عنهم أو مطالباً بإطلاق سراحهم،
ونقصد بالتحديد المعتقلين الثلاثة، الحامد والدميني والفالح.
فإذا كان طلال لا يقف مع القادة الإصلاحيين وقت الحاجة،
فمتى سيقف معهم إذن؟ لقد جاء في تصريح طلال الأخير أنه
ضد سجن الإصلاحيين، وهذا كلام متأخر جداً، ومن في موقعه
يتوقع منه المبادرة.
إن عدم حسم طلال للمدى الذي يمكن أن يذهب اليه في مطالباته
الإصلاحية مشكلة تجعل البعض يخشى من تراجعه عند أول لحظة،
ومن ثم تبريرها بأنه واجه ضغوطاً وما أشبه. ثم إنه في
دعوته الأخيرة جعل الحزب المراد تأسيسه من خلال مقابلته
التلفزيونية مع المحور وكأنه أداة مساومة مع إخوته، ورهناً
بالملك، لا بإرادته هو أو بإرادة من يريدون تأسيسه معه.
وثاني النواقص، فإن طلال بحاجة الى أن يفعل جهوده في
الإتجاه الإصلاحي وأن يدعم هذا التوجه قولاً وفعلاً وفكراً
ومالاً. وان يثمر علاقاته السياسية الإقليمية والدولية
في هذا الإتجاه، من أجل توفير غطاء حماية للنشاط المحلي.
وعليه أيضاً ان يفعل ما عجز الملك عبدالله عن فعله، وهو
أن يخلق تياراً بين الأمراء يؤمن بالإصلاحات، ويدعم الإصلاحيين،
وبالتالي يحدث بعض التوازن في العائلة المالكة، ويتكثف
الضغط من أجل تحقيق المطالب. وكان يفترض بطلال أن يقنع
الملك وغيره بتوفير غطاء حماية للإصلاحيين، إن كان الملك
فعلاً يريد الإصلاحات كما يقول طلال وآخرون، وهو أمرٌ
لم يثبت بعد، أو على الأقل يوفر غطاء حماية لطلال نفسه
بحيث يستطيع أن يتحرك ويتحدث ويدعو بحرية.
وأخيراً، ينقص طلال أن يستثمر في المجتمع السعودي أيضاً
بعض جهوده وأمواله، فيتقدم بمشاريع خيرية وتعليمية وغير
ذلك، حتى تتيسر دعواته الإصلاحية ويثق المواطنون بجديته
ولا يفسرون اقواله على نحو مختلف عن الحقيقة.
ولأن مثل هذه النواقص قائمة، وبالرغم من فائدة التصريحات
التي قالها طلال، فإن هناك شكوكاً في أن يكون هذا الأمير
بطل الإصلاحات.
|